مقاصد الشرع والتربية على القيم
د. جمال موحيب
ملخص:
مقدمة:
لقد شهدت الأُمّة العربية والإسلامية في السنوات الأخيرة تراجعا مُهْولا في منظومة القيم، وانتشارا غير مسبوق لسلوكيات وانحرافات، باتت تُهدّد المجتمعات العربية بمختلف فئاتها وأعمارها. وانطلاقا من المسؤولية الملقاة على عاتق كلّ باحث غيور على وطنه وأمته، ومن الإيمان بضرورة استعادة القيم الإنسانية والأخلاقية، الّتي أقرّتها جميع الشرائع السماوية، بات من اللازم علينا تتبع هذا التّهاوي القيمي المجتمعي، قصْد الوقوف على أسبابه وعوامله ـــ بشكل عام ــ ثم السعي في إحياء هذه القيم، والعمل على ترسيخها في مجتمعاتنا.
وهذا ـ بلا شكّ ـ ليس بالأمر الهيّن واليسير، مهما حاول المنظّرون والفلاسفة والباحثون، نعم نراه هيّنا ويسيرا متى استنجدنا بشرع ربّنا ﴿ألَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ (سورة الملك، الآية: 14) فهو العالم بخلقه وخليقته، وهو الرّحيم بهم. فإذا شرّع لهم شرّع ما يُصلح نفوسهم ويُزكّيها، ويُحقّق مصالحهم في العاجل والآجل. فما أقرب تثبيت القيم الصحيحة، وتعزيزها في النفوس، إذا رُوعيت كليّات الشريعة وحُوفظ على مقاصدها العامّة. وما أبعدنا عن القيم إذا أُهملت بيننا مقاصد الشرع.
وتبعا لهذا التّقديم سأحاول ـ في هذه الورقة البحثية ـ بيان مفهومي المقاصد والقيم، والعلاقة التي بينهما، وأي مشهد لهما في الواقع، وذلك من خلال المطالب والمحاور الآتية:
المطلب الأول: المقاصد الشرعية، والقيم المجتمعية.
المحور الأول: المقاصد الشرعية.
المحور الثاني: مفهوم القيم وأهمّيتها:
المطلب الثاني: المقاصد والقيم: أية علاقة، وأي مشهد لهما في الواقع.
المحور الأول: العلاقة بين المقاصد والقيم.
المحور الثاني: أي مشهد للمقاصد في الواقع.
المحور الثالث: أي مشهد للقيم في الواقع.
المطلب الثالث: المقاصد والتربية على القيم.
المحور الأول: مقصد حفظ التّدين في الأسرة.
المحور الثاني: مقصد إقامة العدل.
المحور الثالث: مقصد حفظ مال الأمة.
المحور الرابع: مقصد حفظ الأخلاق.
المحور الخامس: مقصد التعاون والتّضامن.
تساؤلات البحث:
انطلاقا من الإيمان بضرورة استعادة القيم الإنسانية والأخلاقية، الّتي أقرّتها جميع الشرائع السماوية، ووعيا بخطورة منظومة القيم الوافدة، والتي أضحت تُهدّد ثقافات وشعوب الأمة الإسلامية. بات من اللازم علينا تتبع التّهاوي القيمي المجتمعي، قصْد الوقوف على أسبابه وعوامله ـ بشكل عام ـ، ثم السعي في تعزيز منظومة القيم الصحيحة، والعمل على ترسيخها في مجتمعاتنا.
ومن هنا فالتساؤلات التي تطرحها هذه الورقة تتمثل في الآتي:
ما مفهوم القيم، وما أهمّيتها ـ سواء على مستوى الفرد أو المجتمع ـ؟ وأيّ علاقة بين المقاصد والقيم؟ وأيّ مشهد لكلّ منهما في واقعنا؟، وأيّ دور للمقاصد في ترسيخ القيم وتنميها؟.
أهمية البحث:
تتجلّى أهمّية هذه الدراسة في كونها تعرّضت لقضيّة المقاصد والقيم، هذه القضية التي تُعدّ من أبرز القضايا، التي يتعين على الأكاديميين والباحثين التفرغ لها، والتّعمّق في طرحها؛ خاصة والأمة العربية والإسلامية تشهد تراجعا مهولا في منظومة القيم، وانتشارا غير مسبوق لسلوكيات وانحرافات، باتت تُهدّد المجتمعات الإسلامية بمختلف فئاتها وأعمارها.
أهداف البحث:
تُحاول هذه الدراسة ـ بإذن الله عز وجل ـ أن تبرز أهمّية البعْد المقاصدي ودوره في ترسيخ القيم في أوساط مجتمعاتنا العربية والإسلامية، من خلال الوقوف مع بعض المقاصد الجوهرية، التي بها تعمّ الأُلفة والمحبّة بين أفراد المجتمع، ويسود الأمن، ويقلّ الفساد، وتنصرف العقول إلى الأعمال النافعة.
المطلب الأول: المقاصد الشرعية، والقيم المجتمعية.
المحور الأول: المقاصد الشرعية.
أوّلا: تعريف المقاصد.
بما أن هذا البحث محكوم بعدد محدد من الصفحات، فلن أدخل في تعريف “مقاصد الشريعة” باعتبارها مركّبا إضافيا، بل سأكتفي بتعريفها باعتبارها لقبا[1]، لأقول:
كثيرة هي التعاريف التي وضعها الأصوليون والباحثون لــ”مقاصد الشريعة”، إلاّ أنني سأقتصر على تعريفين متقاربين في الألفاظ والمعاني، الأول لعلال الفاسي، والثاني ليوسف العالم.
التعريف الأول: هي “الغاية من الشريعة والأسرار التي وضعها الشارع عند كلّ حكم من أحكامها”.[2]
التعريف الثاني: هي “الغاية التي يرمي إليها التّشريع، والأسرار التي وضعها الشارع عند كلّ حكم من الأحكام”.[3]
فالناظر في هذين التّعريفين يُدرك أن خطاب الحقّ ـ سبحانه وتعالى ـ مرتبط بحكم بالغة وبمقاصد عالية، فشريعته ـ سبحانه ـ “ليست تكاليفها موضوعة حيثما اتفق لمجرد إدخال الناس تحت سلطة الدّين، بل وضعت لتحقيق مقاصد الشارع في قيام مصالحهم في الدين والدنيا معا”.[4]
ثانيا: أهمّية المقاصد.
وقد شدّد ابن عاشور على أهمّية علم المقاصد بالنسبة للفقيه المجتهد، وعلى ضرورة التّحلّي بهذا العلم، وقد لخّصها في خمسة أنحاء.
النحو الأول: فهم أقوال ومدلولات الشريعة اللغوية واللفظية والنقلية التي عمل بها الاستدلال الفقهي، وتكفل بمعظمه علم الأصول.
النحو الثاني: البحث عما يعارض الأدلة التي لاحت للمجتهد، فإن استيقن من سلامة الدليل أعمله، وإن ألفى له معارضا نظر في كيفية العمل بالدليلين معاً، أو رجحان أحدهما على الآخر.
النحو الثالث: قياس ما لم يرد حكمه في أقوال الشارع، على حكم ما ورد حكمه فيه، بعد معرفة علل التّشريعات الثابتة.
النحو الرابع: إعطاء حكم لفعل أو حادث حدث للنّاس، لا يعرف حكمه فيما لاح للمجتهدين من أدلة الشريعة، ولا نظير له يقاس عليه.
النحو الخامس: تلقّي بعض أحكام الشريعة الثابتة عنده تلقّي من لم يعرف علل أحكامها، ولا حكمة الشريعة في تشريعها.. فهو يتّهم نفسه بالقصور عن إدراك حكمة الشارع منها، ويستضعف عمله في جنب سعة الشريعة، فيسمى هذا النوع بالتّعبدي[5].
ثالثا: أنواع المقاصد.[6]
تتنوع المقاصد تنوعات كثيرة، باعتبارات وحيثيات مختلفة.
فهي باعتبار محلّ صدورها تنقسم إلى قسمين:
أ ـ مقاصد الشارع: وهي المقاصد التي أرادها الشارع بتشريعه، وتتمثل في جلب المصالح ودرء المفاسد.
ب ـ مقاصد المكلف: وهي المقاصد التي يبتغيها المكلف من سائر تصرفاته، اعتقادا، وقولا، وعملا.
وباعتبار مدى الحاجة إليها تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
أ ـ مقاصد ضرورية: وهي التي لابدّ منها في قيام مصالح الدّارين، وهي الكليات الخمس(حفظ الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال)، المرعية في كلّ ملّة.
ب ـ مقاصد حاجية: وهي التي يُحتاج إليها؛ للتوسعة ورفع الضيق والحرج، كالتّرخص في المعاملات المشروعة، كالسلم والمساقاة.
ج ـ مقاصد تحسينية: وهي التي ترجع إلى مكارم الأخلاق ومحاسن العادات، والتي لا يؤدي تركها غالبا إلى الضيق والحرج، كآداب الأكل وسننه.
وباعتبار تعلّقها بعموم الأمة وخصوصها، تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
أ ـ مقاصد عامة: وهي التي تُلاحظ في جميع أو أغلب أبواب الشريعة ومجالاتها، كتحقيق الهداية، والعدل، والمساواة.
ب ـ مقاصد خاصة: وهي المتعلّقة بباب معيّن، أو بأبواب متجانسة، كالأحكام الخاصة بالعائلة، وبالمعاملات المنعقدة على الأبدان.
ج ـ مقاصد جزئية: وهي المتعلّقة بكلّ حكم شرعي، كقوله تعالى: ﴿قلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ﴾. (سورة النور، الآية: 30).
وباعتبار القطع والظن تنقسم إلى قسمين:
أ ـ مقاصد قطعية: وهي التي تواترت الأدلة على إثباتها، كحفظ الأعراض، وصيانة الأموال.
ب ـ مقاصد ظنّية: وهي التي اختلفت حولها الأنظار والآراء، كضرب المتّهم بالسرقة للاستنطاق.
المحور الثاني: مفهوم القيم وأهمّيتها:
أوّلا: مفهوم القيم في اللغة.
القيم في اللغة: جمع قيمة، وأصلها الواو ـ قِومة ـ؛ لأنها من مادة (ق و م)، التي تدلّ على انتصاب أو عزم.
قال ابن منظور: “والقِيمة: ثَمَنُ الشَّيْءِ بالتَّقْوِيم. تَقُولُ: تَقَاوَمُوه فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَإِذَا انْقادَ الشَّيْءُ وَاسْتَمَرَّتْ طَرِيقَتُهُ فَقَدِ اسْتَقَامَ لوجه. وَيُقَالُ: كَمْ قَامَتْ ناقتُك أَيْ كَمْ بَلَغَتْ”[7]
وقال الفيروزابادي: “والقيمةُ، بالكسر: واحدةُ القِيَمِ وما لَه قِيمةٌ: إذا لم يَدُمْ على شيءٍ. وقَوَّمْتُ السِّلْعَةَ واسْتَقَمْتُها: ثَمَّنْتُها. واسْتَقَامَ: اعْتَدَلَ. وقَوَّمْتُه: عَدَّلْتُه، فهو قَويمٌ ومُسْتَقِيمٌ”.[8] وجاء في مختار الصحاح. “والقيمة واحدة القيم وقوم السلعة تقويما، وأهل مكة يقولون: استقام السلعة، وهما بمعنى واحد. والاستقامة الاعتدال، يقال: استقام له الأمر… وقوم الشيء تقويما فهو قويم أي مستقيم”.[9]
وقال الجوهري: “والقيمة: واحدة القِيَمِ، وأصله الواو؛ لأنه يقوم مقام الشئ،.. وقومت الشئ فهو قَويمٌ، أي مُستَقيمٌ.. والقوامُ: العَدْلُ. قال تعالى: ﴿وكان بين ذلك قَواما﴾ (سورة الفرقان، الآية: 67). وقوام الأمر بالكسر: نظامه وعِماده”.[10]
ومن خلال ما سبق نُدرك أن لفظة “القيم” تأتي في اللغة للمعاني الآتية:
أ ـ الاستقامة والاعتدال.
ب ـ الثبات والدوام على الأمر.
ج ـ التّحديد والتّقدير.
ثانيا: مفهوم القيم في الاصطلاح التربوي:
يهتم علماء التربية بدراسة مصطلحات: القيم، والقيمة، والأحكام القيمية، باعتبارها “الموجّه الأساسي لعمليّة التربية؛ لكونها ترسم الطريق وتنبثق عنها الأهداف”.[11]
ولمصطلح “القيم” في أوساط التّربويين تعريفات كثيرة، أجودها في اعتقادي تعريف سيّد أحمد طهطاوي. فالقيم عنده هي “مجموعة المبادئ والقواعد والمثل العليا، التي يؤمن بها النّاس ويتّفقون عليها فيما بينهم، ويتخذون منها ميزانا يزنون به أعمالهم ويحكمون بها على تصرّفاتهم المادية والمعنوية”.[12]
ثالثا: مفهوم القيم من المنظور الإسلامي:
للأهمّية البالغة التي يحظى بها مصطلح “القيم” في أوساط الباحثين في الدراسات الإسلامية، تعدّدت تعاريفه، ولعلّ أدقّها تعريف الباحث عبد المجيد بن مسعود، فالقيم عنده هي: “تلك المفاهيم والمعاني التي يُولد الإنسان بموجبها ولادة ربّانية[13]، ويعيش في ظلال طاعة الله، مع عمل النّفس على تنفيذ مراده في الكون”.[14]
من خلال هذين التعريفين يمكننا أن نقول:
إنّ “القيم” ـ من المنظور التربوي ـ تنشأ عن عقيدة المجتمعات، التي يعيش فيها الأفراد، وتختلف باختلاف البيئات. بخلاف “القيم” من المنظور الإسلامي فإنّها مجموعة من المبادئ والمثل العليا، المستمدة من الشرع الإسلامي (القرآن والسنّة)، والتي من خصوصيتها موافقة الفطر السليمة.
رابعا: أهمّية القيم على مستوى الفرد والمجتمع:
على الرّغم من تعدّد الفلسفات والتّصورات في تحديد مفهوم “القيم”[15]، إلاّ أن الاتفاق واقع على الأهمّية البالغة “للقيم”، على الصعيدين (الفردي والمجتمعي)، والدور الأكبر في بناء الإنسان وتعريفه بذاته.
1 ـ أهمية القيم على مستوى الفرد:
من أهمّ القضايا التي توضّح أهمية القيم على مستوى الفرد ما يلي:
أ ـ أن القيم تمثل جوهر الإنسان الحقيقي، فبدونها ينحطّ الإنسان عن رتبته ككائن مُفكّر؛ ليصير حيوانا تقوده شهواته، وتسخّره الأهواء كيف شاءت.
ب ـ أن القيم تُحدّد مسارات الفرد، وتُنظّم سلوكياته في الحياة، فلا بدّ ـ إذاً ـ أن نُعزّز في شباب أمتّنا منظومة القيم الصحيحة، التي تدفعهم للعمل بما يتوافق مع مبادئ ومعتقدات أمّتهم.
ج ـ أن القيم تمنح الفرد الشعور بالمسؤولية، وبالتّحديات التي تواجهه في مستقبل حياته، كما تبعثه على وجوب الإخلاص في العمل، والتّفاني في خدمة أمته ووطنه.
2 ـ أهمية القيم على مستوى المجتمع:
فمن أهمّ القضايا التي توضّح أهمية القيم على مستوى المجتمع ما يلي:
أ ـ أن بقاء المجتمعات واستمرارها رهين بمدى محافظتها على القيم الفاضلة. فهذا القرآن يبين لنا حال بعض المجتمعات التي تنكرت للقيم الفاضلة، فاستحقّت بسلوكها أليم العذاب، قال الله تعالى: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾. (سورة النحل، الآية: 112). وقال أيضا: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾. (سورة الأعراف، الآية: 96).
ب ـ أن بالقيم تتشكّل هوية المجتمع وثقافته، فلا هوية ولا مواطنة من دون قيم متأصلّة لدى أفراد المجتمع الواحد. ومن هنا كان لا بدّ من وعي الأفراد والمؤسسات ـ ولا سيما الأسرة ـ بخطورة منظومة القيم الوافدة، والتي أصبحت تُهدّد ثقافات وشعوب الأمة الإسلامية.
ج ـ أن القيم هي الحصن الحصين الذي يحفظ على المجتمع تماسكه وقوّته، ويدفع عنه قيم الشر والفساد.
المطلب الثاني: المقاصد والقيم: أية علاقة، وأي مشهد لهما في الواقع.
المحور الأول: العلاقة بين المقاصد والقيم.
نلاحظ من خلال التعريفين السابقين لكلّ من “المقاصد” و “القيم” أن هناك ترابطا وثيقا بين المقاصد والقيم؛ فالشريعة الغراء ما جاءت إلاّ لإصلاح النّفوس وتزكيتها، وتقويم السلوك وترقيتها، وتحقيق مصالح العباد في الدارين، فهي”عَدْلُ اللَّهِ بَيْنَ عِبَادِهِ، وَرَحْمَتُهُ بَيْنَ خَلْقِهِ، وَظِلُّهُ فِي أَرْضِهِ… وَكُلُّ خَيْرٍ فِي الْوُجُودِ فَإِنَّمَا هُوَ مُسْتَفَادٌ مِنْهَا، وَحَاصِلٌ بِهَا، وَكُلُّ نَقْصٍ فِي الْوُجُودِ فَسَبَبُهُ مِنْ إضَاعَتِهَا”.[16]
كما أن إنزال الكتب وإرسال الرسل لم يقع إلاّ لإصلاح أحوال الأفراد والمجتمعات، قال الله ـ تعالى ـ على لسان نبيّه شعيب عليه السلام: ﴿إن أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ﴾. (سورة هود، الآية: 88).
قال الشيخ رشيد رضا رحمه الله: “أَيْ: مَا أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ الْعَامَّ فِيمَا آمُرُ بِهِ وَفِيمَا أَنْهَى عَنْهُ، مَا دُمْتُ أَسْتَطِيعُهُ”.[17]
ولا شكّ أن منطلق الإصلاح يكون من الفرد ثم الأسرة ثم المجتمع؛ لتصلح حينها الحياة، وتصير أحوالها منتظمة. ولا تصلح أحوال الحياة ولا تنتظم أمورها إلاّ بمراعاة مقاصد الشرع في الخلق، “وهذه المقاصد لا تعدو ثلاثة أقسام: أحدها: أن تكون ضرورية. والثاني: أن تكون حاجية. والثالث: أن تكون تحسينية”.[18]
وهذه المقاصد لابدّ منها لقيام مصالح الدّين والدنيا “بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة، بل على فساد وتهارج، وفوت حياة، وفي الأخرى فوت النجاة والنعيم، والرجوع بالخسران المبين”.[19]
وبهذا ندرك التلازم الوجودي بين المقاصد والقيم ـ فلا وجود للقيم من غير وجود للمقاصد ـ، وندرك دور المقاصد (الضرورية ـ الحاجية ـ التحسينية) في ترسيخ القيم المجتمعية والمحافظة عليها.
فمن ترسيخ ما هو ضروري ترسيخ قيمة العدالة، والوحدة والاتحاد، والإصلاح، والأمن، والحرية. ومن ترسيخ ما هو حاجي التسامح، ورعاية الكفاءة في الزواج، “فإن أصل المقصود من شرع النكاح ـ وإن كان حاصلا بدونها ـ لكنه أشد إفضاء إلى دوام النكاح”.[20]
ومن ترسيخ ما هو تحسيني تزييني، ترسيخ أحسن المناهج في العبادات والمعاملات، والحمل على أحسن العادات.
المحور الثاني: أي مشهد للمقاصد في الواقع.
نظرا لأهمّية البعد المقاصدي، وما يهدي إليه من تكوينٍ للعقل المسلم، وتأطير فهمه للشريعة الإسلامية، تزايد اهتمام العلماء والباحثين بعلم المقاصد، وتوالت جهودهم للدفع به إلى الأمام، حتّى يواكب العصر، ويجيب عن قضايا النّاس، ويحلّ مشكلاتهم.
وقد استطاعوا أن يُطوّروا مباحث علم المقاصد ويُجدّدوا فيه، على مستويات عدّة:
أ ـ التّجديد على مستوى أنواع المقاصد:
ب ـ التّجديد على مستوى الكشف عن المقاصد:
ج ـ التّجديد على مستوى استنباط مقاصد جديدة:
د ـ التّجديد على مستوى تفعيل مقاصد الشريعة في القضايا المعاصرة:
ر ـ التّجديد على مستوى إعادة التركيب للمسائل والموضوعات المقاصدية:
ه ـ التّجديد على مستوى التّحليل والدّراسة النّقدية للمسائل والمصطلحات المقاصدية:
و ـ التّجديد على مستوى الكتابة العامة للمقاصد:
ولعلّ من أبرز المجددين ـ سواء كان التجديد على معظم هذه المستويات، أو على بعضها ـ الإمام الشاطبي، الذي استقرأ نصوص الشرع، ثم قام بتقسيم المقاصد باعتبار محلّ صدورها إلى مقاصد الشارع، ومقاصد المكلف، ثم باعتبار مدى الحاجة إليها إلى مقاصد ضرورية وحاجية وتحسينية. إلى غير ذلك من التقسيمات.
ثم الشيخ الطاهر بن عاشور في كتابه الماتع “مقاصد الشريعة الإسلامية”، الذي أضاف فيه الجديد لعلم المقاصد؛ حيث جعل المقصد الكلّي من التّشريع هو حفظ “نظام الأمة”، وجعل مفاهيم الحرية والمساواة والسماحة من المقاصد العامة. ولهذا كان كتابه “نبراساً للمتفقهين في الدين، ومرجعاً بينهم عند اختلاف الأنظار وتبدل الأعصار، وتوسلاً إلى إقلال الاختلاف بين فقهاء الأمصار”.[21]
وكذا الدكتور جمال الدّين عطية، في كتابه: “نحو تفعيل مقاصد الشريعة”[22]، والدكتور عبد المجيد النجار، في كتابه: “مقاصد الشريعة بأبعاد جديدة”[23]، وهما باحثان متميزان ضمّنا كتابيهما تجديدا لا بأس به، أما الأول فتوسع في دراسة المقاصد من الخمسة المعهودة إلى أربعة وعشرين مقصدا، موزّعا إياها على أربعة مجالات، وهي: مجال الفرد، ومجال الأسرة، ومجال الأمة، ومجال الإنسانية. ثمّ بيّن درجات الضروريات والحاجيات والتّحسينيات، ووسائل تحقيق كلّ مقصد.
وأما عبد المجيد النجار فاقترح أن تدرج المقاصد كلُّها ضمن منظور متكامل من حياة الإنسان، فتكون المقاصد الكلية في أربع دوائر من دوائر وجود الإنسان، وهي: دائرة حياته، ودائرة ذاته، ودائرة مجتمعه، ودائرة محيطه المادي، وأدرج في كلّ دائرة من تلك الدّوائر المقاصد الكلية التي تناسبها.
وبالرّغم من هذه المجهودات الجبّارة التي بذلها السّلف والخلف، في تجديد البحث في علم المقاصد، بإثراء مباحثه، وتطوير مفاهيمه ومضامينه، وتأصيل قواعده. فإن هذا العلم لا زال ينتظر منّا استئناف الجهود، وتعميق البحث في قضاياه، عسى أن نظفر بإضافة مقاصد جديدة، تلمّ شتات الجزئيات المتناثرة، في أبواب كثيرة، وذلك من خلال استقراء نصوص الكتاب والسنّة، وتتبع الجزئيات، التي تنطوي تحت كلي معيّن، يمثل المقصد الذي أراده الشارع من تلك الجزئيات، التي هي في حقيقة الأمر إنما شرعت لتحقيق ذلك المقصد الكلي.
كما أن هذا العلم لا زال في حاجة إلى تفعيله في حياة النّاس اليوم، في مجالات عدّة، كمجال التعليم والدعوة، ومجال العلاقات الدولية والاقتصاد، ومجال التّنظيم السياسي والحقوقي والاجتماعي..، حيث تشكّل هذه المجالات وغيرها تحدّيا كبيرا، من حيث الفهم والتّصور، ومن حيث ايجاد الحلول الشرعية المناسبة لها.
فمجال السياسة الشرعية ـ مثلا ـ “يحتاج في تطويره على أساس مقاصدي إلى مراعاة مستويين: الأول: هو المستوى التّنظيمي الذي يتم من خلال الدستور والقوانين واللوائح، وهنا يعامل معاملة باقي أبواب الفقه..
الثاني: هو المستوى التّنفيذي التطبيقي الذي يتم من خلال رسم السّياسات والتخطيط والقرارات، وهنا يكون إدخال فكرة المقاصد جديدا، لا على مستوى بلادنا العربية والإسلامية فحسب، بل في العالم أجمع.
وقد يبدو هذا القول مجافيا للواقع الذي نراه من إحكام الدول المتقدمة لسياساتها ومخططاتها، والحقيقة أن هذه الدول اهتمت بجانب واحد من العملية التّخطيطية، وأهملت جوانب أخرى، منها النظرة الكلية، والجوانب الروحية والخلقية والاجتماعية، ونظام الأولويات، وغيرها”.[24]
وقد تسربت سياسة الإهمال هذه إلى معظم بلاد المسلمين، فبينما الشعوب تتخبّط في الفقر، وتشكو من أبسط مقومات الحياة، نجد المسؤولين ينفقون مئات المليارات على المهرجانات الرياضية والفنية والإعلامية.
المحور الثالث: أي مشهد للقيم في الواقع.
اتّحدت كلمة العقلاء على أنه لا نهوض ولا رُقيَ لمجتمع ولا تأسيس لحضارة، إلاّ إذا كان أفراده متّحلين بالقيم الراقية، والأخلاق السامية، كالعدل، والحرية، والصدق، والإخلاص في العمل، فمتى تحقّقوا بهذه القيم تحققّت لهم النهضة، واتّسع لهم السلطان. وهذا ما شهدناه مع دولة الإسلام الأولى في المدينة المنوّرة، على يد محمّد بن عبد الله ـــ عليه أفضل الصلاة وأزكى التّسليم، ثمّ مع خلفائه ـ رضي الله عنهم ـ من بعده.
ولم تكن هذه القيم في هذه الفترة مجرد نظريات، بل أخذت طريقها إلى واقع الحياة، فنام عليه الصلاة والسلام على الحصير، حتّى أثّر في جنبه الشريف. وقال لأسامة بن زيد ـ رضي الله عنه ـ لمّا كلّمه في شأن المرأة المَخزومِيّة الّتي سَرقت: “وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها”.[25]
كما نام الفاروق عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ، تحت الشجرة بلا حرس، وكان نومه هذا قد صادف مجيء رسول كسرى إليه، فلما رآه على تلك الهيئة تعجّب، وقال قولته المشهورة: حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر.
وقد خلّد هذه القصة حافظ ابراهيم رحمه الله في قصيدته الرائعة، بقوله:
وَرَاعَ صَاحِبَ كِسْرَى أَنْ رَأَى عُمَرًا بَيْـــنَ الـــــرَّعِيَّةِ عُطْـــلاً وَهُــوَ رَاعِيْهَا[26]
وَعَهْـــدُهُ بِمُلُــوْكِ الْفُـرْسِ أَنَّ لَهَـــا سُورًا مِنْ الْجُنْدِ وَالأَحْرَاسِ يَحْمِيهَا
رَآهُ مُسْتَغرِقًـا فـــِي نَوْمِــهِ فَــــرَأَى فِيه الْجَــــلالَــــةَ فـِي أَسْمَــى مَعَــانِيهَا
فَوْقَ الثَّرَى تَحْتَ ظِلِّ الدَّوْحِ مُشْتَمِلاً بِبُرْدَةٍ كَـــــادَ طُــــــــولُ الْعَهْدِ يُبْلِيهَا
فَهَانَ فـِي عَيْنِـهِ مَــا كَـانَ يُكْبِـــــرُهُ مِـــن الأَكَــــــاسِرِ وَالدّنْيَا بِـــــأَيْدِيهَا
وَقَـالَ قَوْلَــــةَ حَقٍّ أَصْبَحَتْ مَثَـــــلا وَأَصْبَحَ الْجِيلُ بَعْدَ الْجِيلِ يَحْكِيهَا
أَمِنْــتَ لَمَّــا أَقَمْـــــتَ الْــعَدْلَ بَيْنَهُمُ فَنِمْــتَ نَوْمَ قَرِيـــــــرِ الْعَيْــنِ هَانِيهَا[27]
وقد تفطّن أعداء الأمة الإسلامية منذ أمد بعيد إلى هذا المعدن النّفيس ـ معدن العدل ـ، فاقتنوه وتحلَّوْا به فيما بينهم ـ على مرّ العصور ـ، فانتظم بذلك أمرهم، واتّسع سلطانهم، وتحقّقت نهضتهم، ولا غرو في ذلك فإن الله سبحانه “يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة. ويقال: الدنيا تدوم مع العدل والكفر، ولا تدوم مع الظلم والإسلام”.[28]
وفي المقابل عقَّ المسلمون “العدل”، وطرحوه وراء ظهورهم؛ فرمتهم سنن الإله الكونية بسهامها، حتّى مزّقتهم، وفرّقت صفوفهم، وجعلت بأسهم بينهم شديدا، فضعف بذلك سلطان دولتهم.
وهكذا توارثت الأجيال هذا العقوق في حقّ “العدل”، بل إن أمرهم تطوّر حتّى عَقّوا مُعظم القيم البانية ـ من جِدّ في طلب العلم، وتفان في العمل، والأخذ بأساليب الجودة، والتّحلّي بالصدق والأمانة ـ، فتأسست مأساة لدى الفئة المخلصة والغيورة، تشكو إلى الله انعدام الضمير، وغياب القيم والأخلاق من حياة الناّس.
ومن دون شكّ لا سبيل إلى تغيير هذا الواقع المرير إلاّ بالعودة إلى أحضان الإسلام، الإسلام الذي “لا يعدّ العبادة فيه هي مجرد إقامة الشعائر، إنما الحياة كلّها خاضعة لشريعة الله، متوجّها بكلّ نشاط فيها إلى الله. ومن ثَمّ يعد كلّ خدمة اجتماعية، وكلّ عمل من أعمال الخير فيه عبادة. قال عليه الصلاة والسلام: «الساعي على الأرملة كالمجاهد في سبيل اللَّه، أو كالذي يصوم النهار ويقوم الليل»[29]… ولم يكن ذلك من محمد ـ صلّى الله عليه وسلم ـ وهو أعرف بدينه، استهانة بأمر الصوم والصلاة، ولكن إدراكا لحقيقة روح هذا الدّين، الذي يعمل للحياة، وهو يعمل للعقيدة، فيمزج العقيدة بالحياة، ولا يقف بها في معزل وجداني في عالم الضمير”.[30]
إن الحياة في الفكر الإسلامي تقودها قيم متكاملة لازمة للفرد والمجتمع، بها يتراحمون ويتوادّون ويتعاونون ويتكافلون، فلا يمكن إقامة أمور الدّين ولا أمور الدّنيا بدونها، فغيابها يحدث فسادا وتهارجا. والتّاريخ خير مخبر عن ذلك ومُقرّ له.
إن التقارير والإحصائيات التي أصبحت تصدرها وزارات الداخلية والجهات الأمنية في بلداننا العربية تبعث على القلق، فالجرائم، والخيانات، والخلافات الأسرية على مدار الساعة، ويكفي الواحد منّا أن يتصفّح بعض الجرائد اليومية لتصدمه عناوين موجعة، عن جرائم القتل والسرقة، والخيانات الزوجية، والاتجار في المخدرات، والدعارة، وظاهرة الطلاق، وغيرها.
ويمكننا أن نُرجع الأسباب والعوامل ـ بشكل عام ـ التي أدّت إلى تراجع القيم في بلداننا العربية، إلى ما يلي:
أ ـ ثورة الاتصالات والمعلومات.
الكلّ يعلم التّغييرات السريعة ـ منذ التّسعينيات ـ التي تسبّبت فيها التكنولوجيا والاتصال، لا سيما على مستوى الثقافة والقيم، حتّى لم تعد منطقة في العالم بمنجى من تأثيرهما.
إن تحرّك العولمة في اتّجاه واحد (من الغرب الأمريكي والأوروبي) أدّى إلى تدهور السلوك والقيم في العالم العربي والإسلامي، بل إنها ـ إن لم تتحرّك الجهات التي ولاّها الله أمور الأمة ـ ستُنمّط القيم وتجعلها واحدة لدى جميع البشر، في المأكل والملبس، والعلاقات الأسرية، وكلّ ما يتّصل بحياة الإنسان الفردية والجماعية.
أما إمكانيات الانترنت ـ وللأسف ـ فقد وظّفها أبناء المسلمين أبشع توظيف.
ب ـ البرامج الإعلامية الهدّامة:
لا شكّ أن الذي يتابع ما يبثه الإعلام ومعظم الفضائيات في عالمنا العربي، سيدرك أن شغلها الشاغل هو هدم القيم الإسلامية والإنسانية. من خلال ما تقدّمه من أغاني هابطة، ومسلسلات خادشة للحياء، وصور ومشاهد تتنافى مع ما يدعو إليه ديننا الحنيف. فتتسرّب هذه الفيروسات عبر مراكز الإحساس لتستقرّ في العقول، فتصيب أخلاقية مدمنيها ـ وما أكثرهم ـ بنقص المناعة الأخلاقي.
ج ـ تدنّي الأوضاع الاقتصادية:
إنّ العوز المادي وإن كان غير كافٍ بمفرده لتفسير الانحراف، إلاّ أنه يشكل ظروفا أو مناخات مهيّئة للانحراف. فتدنّي الحالة الاقتصادية وتفشي البطالة، وغلاء الأسعار، سيؤدي غالبا إلى خلق حالة من القلق والخوف من المستقبل، والشعور بعدم الأمان. ممّا قد يدفع بالبعض إلى الغشّ والتّزوير والسرقة والرشوة.
ولقد كان النّبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ يتعوّذ من الفقر، كما كان يتعوذ من الكفر، فكان يقول: “اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكُفْرِ وَالْفَقْرِ”.[31]
كما أن المجتمعات التي تعاني من البطالة ومحدودية الدّخل يرتفع فيها سن الزواج للشباب والشابات، وتكثر فيها العنوسة. كما نجم عن سوء الأوضاع المادية العديد من المشكلات النفسية والاجتماعية والأخلاقية.
د ـ تراجع دور الأسرة:
فقد صرنا نشهد العديد من الأمهات يتخلّين عن دورهنّ الأساسي، وينشغلن بأمور ثانوية وتحسينية عن أشرف مهنة، وهي السهر على تربية الأبناء ومراقبتهم.
وعن دور الأسرة في تربية الأولاد يقول محمد الغزالي رحمه الله: “والصبي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية عن كل نقش وصورة، وهو قابل لكل ما نقش، ومائل إلى كل ما يمال به إليه، فإن عُوّد الخير وعُلمه نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة، وشاركه في ثوابه أبواه وكل معلم له ومؤدب، وإن عود الشر وأهمل إهمال البهائم شقي وهلك، وكان الوزر في رقبة القيم عليه… وصيانته بأن يؤدبه ويهذبه ويعلمه محاسن الأخلاق، ويحفظه من قرناء السوء… ثم مهما ظهر من الصبي خلق جميل وفعل محمود فينبغي أن يكرم عليه، ويجازى عليه بما يفرح به ويمدح بين أظهر الناس”.[32]
ر ـ تراجع دور المؤسسات الرسمية:
كلّنا لاحظ تراجع دور المؤسسات التربوية، من مدارس ومعاهد وجامعات. فبعد أن كانت هذه المؤسسات بمثابة الحضن الثاني للأبناء بعد الأسرة، نجدها قد رفعت أيديها عن التأهيل الأخلاقي والتربوي. وأصبح همّ الأطر التربوية الانتهاء من شرح المادة العلمية، دون التفات إلى سلوكيات الطلبة؛ إما لضيق الوقت، أو لعدم تقبّل الطلبة وأولياء أمورهم لأي انتقاد أو توجيه؛ بحجّة أن ذلك يعدّ تدخّلا في شؤون الآخرين، وتعدّيا على حرّياتهم الشخصية.
هـ ـ تراجع دور المؤسسة الدينية:
إلى عهد قريب كان ينظر إلى العالم بالشريعة على أنه ينوب مناب الأنبياء والرسل في التّوجيه والنّصيحة، والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، غير أنه اليوم ـ ولأسباب ليس هذا محلّها ـ، صار مهمّشا، ومبعدا عن المنابر الإعلامية، بل ومعرّضا ـ من بعض الجهات ـ للحملات المسعورة، الواصفة إياه بالتّطرف والإرهاب.[33]
المطلب الثالث: المقاصد والتربية على القيم.
سبق وأن قلنا: إن الشريعة الإسلامية ما جاءت إلاّ لإصلاح النّفوس وتزكيتها، وتقويم السلوك وترقيته، وتحقيق مصالح العباد في الدارين، فهذا نبيّ الله شعيب ـ عليه السلام ـ جاء لإصلاح الفساد الاقتصادي، قال الله على لسانه: ﴿وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ (سورة هود، الآية: 85). وهذا نبيّ الله لوط ـ عليه السلام ـ جاء لإصلاح الفساد الأخلاقي، قال الله على لسانه:﴿يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ﴾ (سورة هود، الآية: 78). كما جاء نبيّ الله موسى ـ عليه السلام ـ إلى إصلاح الفساد السياسي، قال تعالى: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾. (سورة القصص، الآية: 4).
وهكذا بقيّة الأنبياء والرسل، وبالجملة: فالإسلام ابْتدأ “الدعوة بإصلاح الاعتقاد الذي هو إصلاح مبدأ التّفكير الإنساني الذي يسوقه إلى التفكير الحق في أحوال هذا العالم. ثم عالج الإنسان بتزكية نفسه وتصفية باطنه؛ لأن الباطن محرك الإنسان إلى الأعمال الصالحة… ثم عالج بعد ذلك إصلاح العمل، وذلك بتقنين التشريعات كلها”.[34]
وحتّى نكون ممّن فقهوا عن الشريعة أحكامها وحكمها، وممّن أسهموا في رفع الضرر الكبير الواقع بالأمة ـ نتيجة الغفلة عن مقاصد الشرع، على مستوى نظام الحياة السياسي والاقتصادي والاجتماعي ـ فسنُسطّر في هذا المطلب بعض المقاصد الجوهرية ـ التي نحن في حاجة ملحّة إليها ـ؛ لنُلفت أنظار المسؤوليين وأرباب القرارات في المجتمعات المسلمة، إلى أنه لا نهضة تُرجى، ولا شهود ينتظر، إلاّ بالعودة إلى القيم الإسلامية.
المحور الأول: مقصد حفظ التّدين في الأسرة.
علمنا من خلال ما تقدّم أن هناك ترابطا وتلازما بين القيم ومقاصد الشرع، وهذا يدلّ على الدّور الهامّ للمقاصد في ترسيخ القيم وتنميّتها. ويأتي على رأس هذه المقاصد مقصد التّدين، الذي به يقوي وازع الخير في نفس الإنسان، ويضعف وازع الشّر فيه، كما أن به يعمّ الأمن والاطمئنان حياة النّاس.
إن حفظ هذا المقصد وتفعيله على أرض الواقع من شأنه أن يُعالج الكثير من المشاكل، الّتي كدّرت على العديد من الأفراد والأسر صفْوَ الحياة وجمالها؛ فصرنا نرى ونسمع كلّ يوم عن الأمراض النّفسية والعصبية، بل وعن الأمراض العقلية والانتحار. وذلك بمجرّد أن ينزل بالشخص ابتلاء، أو تحلّ به مشكلة من مشاكل الحياة.
ولأهمّية التّدين في الأسرة، وما ينبني عليه من ثمرات، خاطب الحقّ ـ سبحانه وتعالى ـ رسوله محمدا ـ صلّى الله عليه ـ بقوله: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾ (سورة طه، الآية: 132). والذين آمنوا بقوله سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾. (سورة التّحريم، الآية: 6).
ولا شكّ أن هذا الخطاب موّجه أيضا للأمّته من بعده ـ صلّى الله عليه وسلم ـ، حتّى يستمر التّدين جيلا بعد جيل، ويقتفي الأبناء أثر الآباء والأمهات في حسن التّدين.
بل إن شريعة الإسلام قبل هذا خاطبت ربّ الأسرة ـ قبل تكوينها ـ، بأن يختار ذات الدّين؛ حيث قال عليه الصلاة والسلام: “فاظفر بذات الدين، تربت يداك”[35]؛ وذلك لما يترتّب على الظفر بذات الدين من حسن تربية البنين والبنات، الذين سيحملون مسؤولية المستقبل.
فالمرأة الصالحة دعامة أساسية للأسرة ـ بل وللأمة ـ، والأمينة على أصالتها. فرحم الله حافظ ابراهيم حين قال:
الأمّ مدْرسة إذا أعْددتها … أعددت شعبا طيّب الأَعْراق.[36]
وإذا كان سلفنا يقولون: زلّة العَالِم يزلّ بها عالَم، فينبغي أن نقول: زلّة أَمَة تزلّ بها أُمّة.
وعليه فلا مطمع في ترقي أبنائنا في سلّم القيم والأخلاق، من دون ترقٍّ في سلّم التّدين، ولا مطمع في هذا الأخير ما لم نُمهّد لهم الأرضيّة الصالحة. وإذا علمت الأسرة أنها مسؤولة أمام الله ـ تعالى ـ عن تثبيت القيم وترسيخها في نفس الطفل، سارعت للحفاظ على تديّنه الذي فطره الله عليه. قال عليه الصلاة والسلام: “ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه، أو يمجسانه”.[37]
المحور الثاني: مقصد إقامة العدل.
أُراني في غنًى عن الإسهاب في مكانة هذا المقصد، فحسبي أن القرآن عدَّه مقصدا أساسيا من مقاصد الشريعة، قال تعالى:﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ (سورة الحديد، الآية: 25). وأمر به في مواضع عدّة، منها قوله تعالى:﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ﴾ (سورة النّحل، الآية: 90)، ومنها أيضا: قوله عزّ من قائل:﴿وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ﴾. (سورة النساء، الآية: 58).
ثم أكّد عليه في المواضع التي قد تنساق فيها النّفس وراء أهوائها وحظوظها، بقوله سبحانه:﴿فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا﴾ (سورة النساء، الآية: 135)، وبقوله أيضا: ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾. (سورة المائدة، الآية: 7).
فالعدل الذي أُمرنا به هو العدل “الذي لا يُميل ميزانَه الحبُّ والبغض، ولا تُغيّر قواعده المودّة والشنآن…، فيتمتّع به أفراد الأمة الإسلامية جميعا، لا يُفرّق بينهم حسَب ولا نسبٌ”.[38]
وحسبنا أيضا: تواطؤ كلّ الشرائع على حُسنه، والمطالبة بنشره، وتعميق الشعور الإنساني به. وكيف لا ! والعدل أساس العمران، وبه تبنى المجتمعات، فلا قيام لدولة بدونه، ولا بقاء لأمة بفقده. ولهذا كان من صفة عقد البيعة للإمام أن يقال فيها: “بايعناك بيعة رِضًا، على إقامة العدل والإنصاف، والقيام بفروض الإمامة”.[39]
هذا هو العدل الذي بقيامه في المجتمع تقوى العلاقة بين الشعب والسلطة، وتحصل الألفة، ويبعث على الطاعة، وينمو به شعور الإنسان بالانتماء لوطنه. وعلى العكس، فبغياب العدل يصير المجتمع فاسدا، تتركّز فيه السلطة والقوّة والثراء في طبقة واحدة، على حساب باقي الطبقات.
وما هذا البؤس الذي تذوق مرارته الشعوب العربية، إلاّ نتيجة التّفريط في هذا الواجب الدّيني، والمقصد الشرعي(العدل). إنّنا اليوم ـ أكثر من أيّ وقت مضى ـ مطالبون بترسيخ العدل في كل مناحي الحياة، كلٌّ من موضعه، فالأسرة مطالبة بترسيخ العدل بين أبنائها، ـ ولْتعلم أنها محلّ قدوة ـ، فلا يُؤْثِروا بعض الأبناء على بعض في العطاء والمعاملة. والأستاذ مطالب بترسيخ العدل بين طلبته، فلا يظلم أحدا، ولا يُظلم عنده أحد، ولا يخفى أن الطالب يحاكي مُربيه شاء أم أبى، شعر بذلك أم لم يشعر.
كما أن الدّولة مطالبة بترسيخ العدل بين جميع فئات الشعب، فتحفظ ثروة الأمة من أن تخرج إلى الخارج بغير عوض، أو بعوض زهيد، وتُوزّع خيرات البلاد بالسّوية. كما أنها مطالبة بإتاحة الفرصة للجميع في الوظائف والتجارة والصناعة ـ وغير ذلك ـ، بلا تمييز بين زيد أو عمروٍ.
المحور الثالث: مقصد حفظ مال الأمة.
ينبثق مقصد حفظ مال الأمة من مفهوم أن جميع الأموال التي بأيدي النّاس هي لله، وأنّ الإنسان مستخلف فيها؛ لقوله سبحانه:﴿وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾ (سورة النور، الآية: 33)؛ ولقوله عزّ وجل: ﴿وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ﴾. (سورة الحديد، الآية: 7).
والمال شيء مهمّ؛ لأنّ به يُتوصل إلى مصالح الدين والدنيا. إلاّ أنه ـ وكما وصفه الإمام الغزالي ـ رحمه الله: “مثل حية فيها سم وترياق، ففوائده ترياقه، وغوائله سمومه. فمن عرف غوائله وفوائده أَمْكَنَهُ أَنْ يَحْتَرِزَ مِنْ شَرِّهِ وَيَسْتَدِرَّ مِنْ خيره. أما الفوائد… فتنحصر جميعها فِي ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ: النَّوْعُ الْأَوَّلُ: أَنْ يُنْفِقَهُ على نفسه إما في عبادة أو في الاستعانة على عبادة…النَّوْعُ الثَّانِي: مَا يَصْرِفُهُ إِلَى النَّاسِ وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ الصَّدَقَةُ وَالْمُرُوءَةُ وَوِقَايَةُ الْعِرْضِ وَأُجْرَةُ الاستخدام. النَّوْعُ الثَّالِثُ: مَا لَا يَصْرِفُهُ إِلَى إِنْسَانٍ مُعَيَّنٍ وَلَكِنْ يَحْصُلُ بِهِ خَيْرٌ عَامٌّ كَبِنَاءِ المساجد والقناطر والرباطات ودور المرضى”.[40]
ولمّا كان المال بهذه المكانة، أمر الشرع بالمحافظة عليه، والحفاظ عليه لا يكون إلاّ بتنميته، وإصلاحه حتّى يفنى، كما لا يكون إلاّ بدفع ما يُسبّب الاعتداء عليه أو تبذيره، وما يُعرضه للضياع. ولهذا حرّم الحقّ ـ سبحانه وتعالى ـ الاعتداء على الأموال وإضاعتها، فنهى سبحانه عن أكل مال اليتيم، بقوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا﴾ (سورة النساء، الآية: 10)، ونهى عن الغصب والإتلاف، والغشّ والرّبا، فقال سبحانه: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾. (سورة البقرة، الآية: 188)، كما نهى عن الإسراف والتّبذير فقال: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا﴾ (سورة الفرقان، الآية: 67). ﴿وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ﴾. (سورة الإسراء، الآيتين: 26 ـ 27).
وإذا كان المال ـ كما قلنا ـ وديعة في يد صاحبه، وهو موظّف فيه، فينبغي أن ينضبط في تنميته بضوابط الشرع، بأن لا “يغش أو يحتكر ضروريات النّاس، أو أن يُعطي أمواله بالربا، أو أن يظلم في أجور العمّال؛ ليزيد في أرباحه”.[41]
كما ينبغي للموظّف في مال الله أن يعتدل في إنفاقه، ويجتنب السفه والتّرف والإسراف؛ حتّى لا يكون “مصدر شرّ لصاحبه وللجماعة التي يعيش فيها،… ذلك أن وجود المترفين في الجماعة، وسماح الجماعة بوجودهم، وسكوتها عليهم، وقعودها عن إزالة أسباب التّرف، وتركها المترفين يفسدون، كلُّ ذلك أسبابٌ تؤدي حتما إلى الهلاك… وهي شيوع الفاحشة في الأمّة، وانتشار الإباحية، وترهل الأجسام والعقول، وانحطاط المعنويات والروحيات”.[42]
وليس يخفى ما في مراعاة مقصد حفظ مال الأمة، من قيم سامقة، كالعدالة والاعتدال، والتآلف والتّراحم، والتّنمية والأمانة.
المحور الرابع: مقصد الأخلاق.
إنّ المتَتَبّع لأسباب الانشقاقات التي حصلت في صفوف الأمة الإسلامية، يَجِدُ معظمها أسبابًا أخلاقية .. لا عقدية، ولا منهجية. ولذلك واكب دعوةَ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ للتوحيد حسنُ خلقه، إن لم نَقُلْ: إن حُسْنَ الخلق عند رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد سَبَقَ الوحي، ودعوة الناس للتوحيد، كما دَلَّ قول خديجة ـ رضي الله عنها ـ للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عند نزول الوحي عليه، وخوفه منه: “كلَّا، والله ما يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الْكَلَّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وَتُعِينُ على نوائب الحق”.[43]
ولئن اختلفت مذاهب العالم في الأخلاق، واختلفت فيها اهتماماتهم، فإن السّمة الواضحة في هذه المذاهب وتلك الاهتمامات، أنهم لا يضعونها في المنزلة التي يضعها فيها الإسلام، أساسًا مع العقيدة للبناء كله، ثم هي عندهم ليست نابعةً عن عقيدةٍ ولا متصلةً بعبادة، بينما هي في الإسلام كذلك. فأما نبعها من العقيدة، فهناك أمثلة منها:
أ ـ “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه”.[44]
ب ـ “والله لا يؤمن ـ ثلاثًا ـ قيل من يا رسول الله؟ قال: “من لا يأمن جاره بوائقه”.[45]
ج ـ “لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن”.[46]
د ـ ﴿إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ، الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ﴾. (سورة الرعد، الآية : 19 ـ 20).
ز ـ ﴿وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَل﴾. (سورة الرعد، الآية : 21).
ه ـ ﴿وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ.. ﴾. (سورة الرعد، الآية : 22).
وأما اتّصالها بالعبادة:
فإن إتيانها نفسه والاستمساك بها عبادة، اسمع إن شئت قول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: “وإن الرجل ليبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم”.[47]
وقوله عليه السلام: “مَا شَيْءٌ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ المُؤْمِنِ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ، وَإِنَّ اللَّهَ لَيُبْغِضُ الفَاحِشَ البَذِيءَ”[48].
ثم إنها بعد ذلك تزكو بالعبادة وتربو، فالصلاة من بين غاياتها تنمية النظام، والطاعة، والطهر والنظافة، والعفة ﴿إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾.(سورة العنكبوت، الآية: 45). “أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء”.[49]
وأداؤها في جماعة ينمي روح التعاون والتراحم والودّ والألفة؛ فيتحقق قول الرسول -صلى الله عليه وسلم: “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى..”.[50]
والصيام يزكي خلق الصبر، والاحتمال، والإحساس بالفقير والعطف عليه، وينمي في الوقت نفسه مراقبة الله في السرّ، كمراقبته في العلانية، مما يولّد التقوى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ..﴾. (سورة البقرة، الآية: 183).
وهكذا، وهذه مجرد نماذج.
وأخلاق الإسلام بعد ذلك فيها الثبات، فهي لا تتغير بتغير الأزمنة، ولا تتأثر بالظروف ولا المصالح، وهي ترتفع بالمسلم إلى مستوى من “المثل” لا تُدانيه أيّة قيم أرضية أخرى، ومن هنا وجب أن يربى عليها المسلمون، كما يربون على تقوى الله سواءً بسواء.[51]
فإذا بلغت الأمة هذا المبلغ “يسود فيها الأمن وتنصرف عقولها إلى الأعمال النّافعة، وتسهل الألفة بين جماعاتها، فتكون عاقبة ذلك كلّه تعقّلا ورفاهية وإنصافا من الأنفس، فينتظم المعاش، ولم يُخف تلاشٍ.
إذ لا تُغني القوانين المسطّرة والزواجر الموقورة غناء مكارم الأخلاق؛ إذ الأمة التي لا تتهذّب أخلاقها يلاقي ولاة أمرها في سياستها عَرق القِربة”.[52]
المحور الخامس: مقصد التعاون والتّضامن.
يعدّ التعاون والتّضامن أساس النهضة في المجتمعات العالمية، فلا يكتمل أمر العباد فيما بينهم، ولا تنتظم مصالحهم، ولا تجتمع كلمتهم، ولا يهابهم عدوّهم، إلاّ بالتعاون والتكافل.
وليست دعوة التعاون والتضامن قاصرة على المشاعر النفسية والروابط القلبية والأحاسيس الداخلية، وإنما تتعدى هذا المجال إلى مجال الاقتصاد والسياسة، والبيئة.
ففي المجال السياسي وعلى الصعيد الدولي تظهر قضايا إسلامية تحتاج إلى حلّ سريع ودائم، وهذه القضايا هي: قضية فلسطين، وقضية سوريا، وقضية السودان، وهناك شعوب مضطهدة في فلسطين المحتلة ولبنان وجنوب إفريقيا.. فلابدّ للعالم الإسلامي أن يقف من هذه القضايا موقف الرجل الواحد، ويبذل الغالي والنفيس من أجل الحفاظ على سلامتها ووجودها وحريتها وأمنها.
وفي المجال الاقتصادي توجد بلاد إسلامية غنية وأخرى فقيرة، فلا بد من إعداد المشروعات الجمة تحقيقا للتعاون فيما بينها، ولا بد أيضا من إعداد برامج مشتركة للتنمية الاقتصادية تشمل كافة أوجه النشاط الاقتصادي، من زراعة وتصنيع وتعمير وتجارة، ويرافق هذه المشروعات وهذه البرامج خطة علمية لتقدم العلم “التكنولوجي” في العالم الإسلامي على حد سواء للاستفادة منه في مجال التصنيع والتسلح والتنمية الاقتصادية. [53]
أمّا التعاون والتضامن في المجال البيئي فيكون عن طريق الاهتمام بالبيئة والحفاظ عليها، من خلال تنظيم حملات التّنظيف للشوارع والحدائق والشواطئ، والمشاركة في الأعمال التّطوعية لزراعة الأشجار والنّباتات.
فإذا رُوعي هذا المقصد الجليل في المجتمع عمّت الألفة والمحبة بين أفراده، وقلّ الفساد والكُره، واختفت مظاهر الأنانية وحبّ الذات. وهذا هو المجتمع الصالح الذي ينشده كلّ غيور على مجتمعات الأمة الإسلامية.
خـــاتمة:
وفي ختام بحثي هذا لا يسعني في النهاية إلاّ أن أسطّر بعض التوصيات التي بدت لي أنها من الأهمية بمكان، وأنّها ستسهم ـــ ولو بالقليل ـــ في إبراز الترابط والتلازم بين القيم ومقاصد الشرع، ومن تمّ الوقوف على الدّور الهامّ لهذا الأخير في ترسيخ القيم وتنميّتها. وهي كالآتي:
أوّلا: على الرّغم من تعدّد الفلسفات والتّصورات في تحديد مفهوم “القيم”، إلاّ أن الاتفاق واقع على الأهمّية البالغة “للقيم”، على الصعيدين (الفردي والمجتمعي)، والدور الأكبر في بناء الإنسان وتعريفه بذاته.
ثانيا: لـمّا كانت القيم والأخلاق مستخلصة من نصوص الشرع وقواعده وأصوله. كان لابدّ أن تبقى أحد أبرز الأسس المرجعية في المجتمعات الإسلامية.
ثالثا: أن ندرك التلازم الوجودي بين المقاصد والقيم ـ فلا وجود للقيم من غير وجود للمقاصد ـ، وندرك دور المقاصد (الضرورية ـ الحاجية ـ التحسينية) في ترسيخ القيم المجتمعية والمحافظة عليها.
رابعا: أنّنا في حاجة ملحّة إلى تفعيل مقاصد الشرع في حياة النّاس، في مجالات عدّة، كمجال التعليم والدعوة، ومجال العلاقات الدولية والاقتصاد، ومجال التّنظيم السياسي والحقوقي والاجتماعي.
خامسا: أنه لا نهوض ولا رُقيَ لمجتمع ولا تأسيس لحضارة، إلاّ إذا كان أفراده متّحلين بالقيم الراقية، والأخلاق السامية، من عدل، وحرّية، وصدق، وإخلاص في العمل.
سادسا: من الواجب على الجهات التي ولاّها الله أمور الأمة، أن تقف في وجه العولمة، التي باتت على وشك تنميط القيم وجعلها واحدة لدى جميع البشر، في المأكل والملبس، والعلاقات الأسرية، وكلّ ما يتّصل بحياة الإنسان.
سابعا: ينبغي للمسؤولين وأرباب القرارات في المجتمعات المسلمة، أن يعلموا أنه لا نهضة تُرجى، ولا شهود يُنتظر، إلاّ بإعادة الهيبة للمؤسسات التربوية، والدفع بها للأمام لاسترجاع وظيفتها التي كانت عليها، من إصلاح النّفوس وتقويم السلوك.
ثامنا: قد آن الأوان أن نعيَ أن العبادة في الإسلام ليست مجرّد إقامة الشعائر، بل كلّ خدمة اجتماعية، وكلّ عمل مُتقن ينفع الأمة، هو عبادة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ــ وهو ما غَلب على المسمّى حتى اشتهر به.
[2] ــ مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها، ص: 6 .
[3] ــ المقاصد العامة للشريعة الإسلامية، ص: 83.
[4] ــ الموافقات، للشاطبي، 1/5.
[5] ــ أهمية المقاصد في الشريعة وأثرها في فهم النّص واستنباط الحكم، سميح الجندي. ص: 108، ومقاصد الشريعة الإسلامية، لابن عاشور، ص: 2/163.
[6] ــ تنظر هذه الأنواع وغيرها في: الاجتهاد المقاصدي، نور الدين الخادمي (كتاب الأمة، العدد: 65) ص: 53 وما بعدها.
[7] ــ لسان العرب جمال الدين ابن منظور الأنصاري، (فصل القاف) 12/500.
[8] ــ القاموس المحيط مجد الدين الفيروزآبادى (فصل القاف) ص: 1152.
[9] ــ مختار الصحاح، زين الدين الرازي، (ق و م)، ص: 262.
[10] ــ الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، أبو نصر إسماعيل الفارابي، (ق و م)، 5/2017.
[11] ــ القيم التربوية المتضمنة في آيات النداء القرآني للمؤمنين، وسبل توظيفها في التعليم المدرسي، سماهر عمر الأسطل، ص: 19.
[12] ــ القيم التربوية في القصص القرآني، ص: 42.
[13] ــ نسبة إلى الربّ ـ تبارك وتعالى ـ. والرَّبَّانِيُّ: هو الْعَالِي الدَّرجةِ فِي العِلْم والعمل والتّعليم. ينظر: تهذيب اللغة، 14/225، لسان العرب، 1/404.
[14] ــ القيم الإسلامية التربوية والمجتمع المعاصر، ص: 69، سلسلة كتاب الأمة، العدد: السابع والستون. منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ـ قطر، 1419هـ.
[15] ــ والتعريف الذي بدا لي أنه جامع لمفهوم “القيم” هو تعريف الباحث عبد المجيد بن مسعود؛ لكونه لم يُعلّقها بالإنسان واختلاف البيئات، وإنّما علّقها بالربّ سبحانه وتعالى.
[16] ــ اعلام الموقّعين عن ربّ العالمين، ابن القيم الجوزية. 3/11.
[17] ــ تفسير المنار 12/119.
[18] ــ الموافقات 2/17.
[19] ــ الموافقات 2/18.
[20] ــ تحفة المسؤول في شرح مختصر منتهى السول أبو زكريا يحيى بن موسى الرهوني، 4/103.
[21] ــ مقاصد الشريعة الإسلامية، محمد الطاهر بن عاشور، 2/254.
[22] ــ ينظر فيه من الصفحة 139 إلى الصفحة 172.
[23] ــ ينظر الصفحة 57 وما بعدها.
[24] ــ نحو تفعيل مقاصد الشريعة، جمال الدّين عطية، ص: 233 ـ 234.
[25] ــ صحيح البخاري، باب: إقامة الحدود على الشريف، رقم: 3475، 4/175.
[26] ــ معنى عطلا: أي متجرّدا من مظاهر الأُبّهة.
[27] ــ ديوان: حافظ ابراهيم، ص: 90.
[28] ــ الاستقامة، لابن تيمية 2/247.
[29] ــ صحيح البخاري، باب: الساعي على الأرملة، رقم: 6006، 8/9.
[30] ــ العدالة الاجتماعية في الإسلام، سيد قطب، ص: 18 ـ 19.
[31] ــ الأدب المفرد، للبخاري، باب: الدعاء عند الكرب، رقم: (701). ص: 244.
[32] ــ موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين، محمد جمال الدين القاسمي. ص: 184.
[33] ــ ينظر: المشكلات الأخلاقية المنتشرة في المجتمعات الإسلامية المعاصرة، وسبل معالجتها، زهراء محمد مرادي، ص: 4 وما بعدها.
[34] ــ مقاصد الشريعة الإسلامية، للطاهر بن عاشور، 3/197.
[35] ــ صحيح البخاري، باب الأكفاء في الدّين، رقم: 5090، 7/7.
[36] ــ ديوان حافظ ابراهيم، ص: 282.
[37] ــ صحيح البخاري، باب: باب إذا أسلم الصبي فمات، هل يصلى عليه، رقم: 1358، 2/94.
[38] ــ العدالة الاجتماعية في الإسلام، ص: 100.
[39] ــ الأحكام السلطانية، للقاضي أبي يعلى، ص: 25.
[40] ــ إحياء علوم الدين، 3/236.
[41] ــ العدالة الاجتماعية في الإسلام، ص: 123.
[42] ــ العدالة الاجتماعية في الإسلام، ص: 134 ـ 137.
[43] ــ صحيح البخاري، باب: كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، رقم: 3 ، 1/7.
[44] ــ صحيح البخاري، باب من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره، رقم: 6018، 8/11.
[45] ــ صحيح البخاري، باب إثم من لا يأمن جاره بوائقه، رقم: 6016، 8/10.
[46] ــ صحيح البخاري، باب النهبى بغير إذن صاحبه، رقم: 2475، 3/136.
[47] ــ الحديث في كنز العمال في ـ الإكمال ـ من كتاب (حسن الخلق) ج 3/20، رقم: 5238 بلفظه من رواية الطبراني عن أبي الدرداء.
[48] ــ سنن الترمذي، باب ما جاء في حسن الخلق، رقم: 2002، 4/362.
[49] ــ صحيح مسلم، باب: المشي إلى الصلاة تمحى به الخطايا، رقم: 283، 1/462.
[50] ــ صحيح مسلم، باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم، رقم: 66، 4/1999.
[51] ــ أساليب الغزو الفكري للعالم الإسلامي، ص: 219 وما بعدها. علي محمد جريشه ـ محمد شريف الزيبق الناشر: دار الوفاء، الطبعة: الثالثة 1399هـ/1979م.
[52] ــ النظام الاجتماعي في الإسلام، ص: 117.
[53] ــ ينظر: أضواء على الثقافة الاسلامية، نادية شريف العمري، ص: 357 ـ 358. الناشر: مؤسسة الرسالة الطبعة: التاسعة 1422هـ ـ 2001م.
لائحة المصادر والمراجع.
1ــ إحياء علوم الدين، أبو حامد الغزالي. الناشر: دار المعرفة ـ بيروت، بدون تاريخ.
2ــ أساليب الغزو الفكري للعالم الإسلامي، علي محمد جريشه – محمد شريف الزيبق. الناشر: دار الوفاء، الطبعة: الثالثة 1399هـ/1979م.
3ــ أضواء على الثقافة الاسلامية، نادية شريف العمري. الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة: التاسعة 1422هـ/2001م.
4ــ اعلام الموقّعين عن ربّ العالمين، ابن القيم الجوزية. المحقق: محمد عبد السلام إبراهيم. الناشر: دار الكتب العلمية ـ ييروت، الطبعة: الأولى، 1411ه/1991م.
5ــ أهمية المقاصد في الشريعة وأثرها في فهم النّص واستنباط الحكم، سميح الجندي. الطبعة: الأولى، الناشر: مؤسسة الرسالة ـ 1429ه/2008م.
6ــ تحفة المسؤول في شرح مختصر منتهى السول أبو زكريا يحيى بن موسى الرهوني. المحقق: يوسف الأخضر القيم. الناشر: دار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث ـ دبي، الطبعة: الأولى، 1422هـ/2002م.
7ــ تفسير المنار، محمد رشيد رضا الحسيني. الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1990م.
8ــ تهذيب اللغة، الأزهري الهروي، المحقق: محمد عوض مرعب. الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، الطبعة: الأولى، 2001م.
9ــ ديوان حافظ ابراهيم، ضبطه وصححه وشرحه ورتّبه: احمد أمين ـ احمد الزين ـ ابراهيم الابياري. مطابع الهيئة المصرية العامة للكتاب. الطبعة الثالثة 1987م.
10ــ الأدب المفرد، للإمام البخاري، المحقق: محمد فؤاد عبد الباقي. الناشر: دار البشائر الإسلامية ـ بيروت، الطبعة: الثالثة، 1409ه/1989م.
11ــ الاستقامة، احمد بن تيمية. المحقق: محمد رشاد سالم. الناشر: جامعة الإمام محمد بن سعود ـ المدينة المنورة، الطبعة: الأولى، 1403ه.
12ــ سنن الترمذي، تحقيق وتعليق: إبراهيم عطوة عوض. الناشر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي ـ مصر، الطبعة: الثانية، 1395هـ/1975م.
13ــ صحيح البخاري. المحقق: محمد زهير الناصر. الناشر: دار طوق النجاة (مصورة عن السلطانية بإضافة ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي)، الطبعة: الأولى، 1422هـ.
14ــ الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، أبو نصر إسماعيل الفارابي، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار. الناشر: دار العلم للملايين ـ بيروت، الطبعة: الرابعة 1407هـ/1987م.
15ــ الاجتهاد المقاصدي، نور الدين الخادمي (كتاب الأمة، العدد: 65) وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ـ قطر، 1419هــ.
16ــ الأحكام السلطانية، للقاضي أبي يعلى الفراء، صححه وعلق عليه: محمد حامد الفقي. الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت، لبنان، الطبعة: الثانية، 1421هـ/2000م.
17ــ العدالة الاجتماعية في الإسلام، سيد قطب. الناشر: دار الشروق ـ مصر، الطبعة: الثامنة عشر، 2013م.
18ــ القاموس المحيط، مجد الدين الفيروزآبادى. تحقيق: مكتب تحقيق التراث في مؤسسة الرسالة. الناشر: مؤسسة الرسالة، بيروت ـــ لبنان الطبعة: الثامنة، 1426هـ/2005م.
19ــ القيم التربوية المتضمنة في آيات النداء القرآني للمؤمنين، وسبل توظيفها في التعليم المدرسي، سماهر عمر الأسطل.(رسالة ماجستير) الجامعة الإسلامية غزة ـ كلية التربية. الموسم الدراسي 2006م/2007م.
20ــ القيم التربوية في القصص القرآني، سيّد أحمد طهطاوي. دار الفكر العربي ـ مصر، الطبعة الاولى، 1416ه/1996م.
21ــ القيم الإسلامية التربوية والمجتمع المعاصر، عبد المجيد بن مسعود. سلسلة كتاب الأمة، العدد: السابع والستون. منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ـ قطر، 1419هـ.
22ــ كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، ابن قاضي خان الهندي. المحقق: بكري حياني ـ صفوة السقا. الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة: الطبعة الخامسة، 1401هـ/1981م.
23ــ لسان العرب، جمال الدين ابن منظور الأنصاري، الناشر: دار صادر ـ بيروت الطبعة: الثالثة 1414هـ.
24ــ مختار الصحاح، زين الدين الرازي. المحقق: يوسف الشيخ محمد الناشر: المكتبة العصرية – الدار النموذجية، بيروت ـ صيدا الطبعة: الخامسة، 1420هـ/1999م.
25ــ المشكلات الأخلاقية المنتشرة في المجتمعات الإسلامية المعاصرة، وسبل معالجتها، زهراء محمد مرادي . https://ncys.ksu.edu.sa.
26ــ المقاصد العامة للشريعة الإسلامية، يوسف العالم. الناشر: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، الطبعة الثانية، 1415هـ/1994م.
27ــ مقاصد الشريعة الإسلامية، لابن عاشور، المحقق: محمد الحبيب ابن الخوجة. الناشر: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، قطر، 1425هـ/2004م.
28ــ مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها، علال الفاسي. الناشر: دار الغرب الإسلامي، الطبعة الخامسة، 1993م.
29ــ الموافقات، للإمام الشاطبي، المحقق: أبو عبيدة آل سلمان. الناشر: دار ابن عفان، الطبعة: الأولى 1417هـ/1997م.
30ــ موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين، محمد جمال الدين القاسمي. المحقق: مأمون بن محيي الدين الجنان، الناشر: دار الكتب العلمية ـ بيروت، 1415هـ/1995م.
31ــ نحو تفعيل مقاصد الشريعة، جمال الدّين عطية، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، دار الفكر ـ دمشق، 1424ه/2003م.
32ـ النظام الاجتماعي في الإسلام، الطاهر ابن عاشور. الناشر: دار السلام للطباعة والنشر، الطبعة: الثالثة، 1431ه/2010م.
السلام عليكم، أريد التواصل مع الباحث جمال موجيب، كيف السبيل لذلك؟