الكهرباء من أعظم التسخيرات الإلهية لممارسة الاستخلاف في العصر الحديث

الدكتور منصور أبو شريعة العبادي
 جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية

 


      فبدون الكهرباء ما كان للمصابيح الكهربائية أن تظهر، حيث مكنت هذه المصابيح البشر من إضاءة بيوتهم، ومكاتبهم ومصانعهم وشوارعهم بكبسة زر وبأي درجة إضاءة يريدونها.
      لقد أراحت المصابيح الكهربائية البشر من عناء عمليات تجهيز وإشعال وإطفاء مصابيح الشمع أو الوقود، والتي لا تضيء إلا أماكن محددة، وبدرجات إضاءة متدنية مع ما يترتب على إشعالها من مخاطر. وبدون الكهرباء ما كان للمحركات الكهربائية أن تظهر، حيث مكنت هذه المحركات البشر من استخدام الثلاجات والغسالات والمكيفات والمراوح ومضخات الماء، في داخل المنازل وبدون ضوضاء تذكر. وبدون الكهرباء ما كان للتلفزيونات والراديوات والمسجلات والتلفونات والحواسيب أن تظهر أبدا، حيث لا يمكن لمثل هذه الأجهزة أن تعمل بدون الكهرباء. وبدون الكهرباء ما كان للمصانع الحديثة أن تظهر، والتي تستخدم محركات كهربائية بمختلف الأحجام والأنواع، والتي يتم التحكم بها بكل سهولة من غرف التحكم.
      وبدون الكهرباء ما كان للسيارات والمركبات التي تعمل على محركات البنزين، أن تشتغل إلا من خلال تدوير محركها يدويا. وبدون الكهرباء ما كان لكثير من الأجهزة والمعدات أن تظهر، كالرادارات والليزرات والأجهزة الطبية وغيرها من الأجهزة الكهربائية، التي لا يمكن لها أن تعمل بغير الطاقة الكهربائية. ولكي ندرك بسهولة أهمية الكهرباء في حياتنا المعاصرة، فما علينا إلا أن نتخيل ما سيكون عليه حال الحياة فيما لو انقطعت الكهرباء بكل أشكالها وبدون رجعة عن مستخدميها، فستتعطل جميع الأجهزة المنزلية من ثلاجات وغسالات ومروحة ومكيفات وخلاطات وهواتف وراديوهات وتلفزيونات ومسجلات وحواسيب، وتتعطل أجهزة المستشفيات والبنوك، وتتوقف حركة الطائرات وكثير من المركبات وتتوقف مراكز الأبحاث عن العمل.
الفرع الأول: اكتشاف الكهرباء
      لقد عرف الإنسان منذ القدم ظاهرة الكهرباء الساكنة، وذلك عندما لاحظ أنه عند احتكاك بعض أنواع المواد ببعضها البعض، تتولد شرارة كهربائية عند فصلها، ولاحظ كذلك وجود قوى تجاذب وتنافر، بين الأجسام الحاملة لهذه الشحنات الكهرباء الساكنة. وقد تمكن العلماء في القرن الثامن عشر من تصنيف الشحنات الكهربائية، إلى شحنات كهربائية موجبة وأخرى سالبة، وقد لاحظوا كذلك وجود قوة تنافر بين الشحنات المتماثلة، وقوة تجاذب بين الشحنات المختلفة.
     وفي عام 1785م تمكن الفيزيائي الفرنسي تشارلز كولوم (Charles Coulomb ) من وضع قانون فيزيائي، لحساب قوة التجاذب والتنافر بين شحنتين كهربائيتين، حيث وجد أن مقدار القوة الكهربائية، يتناسب طرديا مع حاصل ضرب مقدار الشحنتين، وعكسيا مع مربع المسافة بينهما، أي أن له نفس صيغة قانون الجاذبية الذي وضعه نيوتن في القرن السابع عشر.
      أما ظاهرة المغناطيسية فقد لاحظها الإنسان منذ القدم في بعض أنواع الأحجار المعدنية، والتي سميت بالمغناطيسات، وذلك بعد أن شاهد قدرتها على جذب القطع الحديدية، ولاحظ كذلك وجود قوى تجاذب وتنافر بين هذه المغناطيسات.
      لقد بقي الاهتمام بظاهرتي: الكهربائية والمغناطيسية محدودا إلى أن تمكن العالم الإيطالي أليساندرو فولتا (Alessandro Volta) في عام 1800م من تصنيع البطارية، وهي أول مصدر يقوم بتوليد الشحنات الكهربائية بشكل متواصل، من خلال تحويل الطاقة الكيميائية المخزنة فيها إلى طاقة كهربائية.
      وتتكون البطارية (battery) في أبسط أشكالها من قضيبين معدنيين مختلفين، يتم غمسهما في بعض المحاليل الكيمائية بحيث يشكل هاذان القضيبان المعدنيان قطبي البطارية الموجب والسالب. وبعد اكتشاف البطارية انصبت جهود العلماء على دراسة خصائص التيار الكهربائي المتولد من هذه البطاريات، وذلك من خلال ربط قطبيها باستخدام أسلاك مصنوعة من مواد مختلفة.
      وفي عام 1820م اكتشف الكيميائي الهولاندي هانس اورستد (Hans Orsted)  بالصدفة[1] أن التيار الكهربائي، ينتج مجالا مغناطيسيا عند مشاهدته لانحراف إبرة البوصلة، عند وجودها بجانب سلك يحمل تيارا كهربائيا. وقد قامت مجموعة من العلماء أمثال أمبير وبايوت وسافارت بدراسة هذه الظاهرة، وتمكنوا من وضع قوانين تربط بين شدة المجال المغناطيسي المتولد وشدة التيار الكهربائي.
     وفي عام 1821م اكتشف العالم الألماني ثوماس سيبك (Thomas Seebeck) التأثير الكهروحراري، واستخدمه في قياس درجات الحرارة بالمزدوجات الحرارية.
    وقد لاحظ العالم الألماني جورج أوم (Georg Ohm) في عام 1827 م  أن بعض المواد لا تسمح بمرور التيار الكهربائي، من خلالها فأطلق عليها اسم المواد العازلة، بينما تسمح مواد أخرى بمروره، فأسماها المواد الموصلة وبناء على ذلك وضع قانونه المشهور الذي يحدد كمية التيار المار في الدائرة الكهربائية، والذي يساوي حاصل تقسيم الجهد الكهربائي للبطارية على مقاومة الدائرة الكهربائية.
    وفي عام 1830م قام العالم الأمريكي جوزيف هنري (Joseph Henry) بعدة تجارب مهمة على المغناطيسية الناتجة عن التيار الكهربائي، واستخدم الملفات الكهربائية لزيادة شدة المجال المغناطيسي، وكذلك طور المغناطيس الكهربائي.
     وفي عام 1831م تمكن العالم الأنجليزي ميشيل فارادي (Michael Faraday) من توليد التيار الكهربائي، من خلال تحريك مغناطيس طبيعي داخل ملف مصنوع من سلك نحاسي، وبهذا تم اختراع أهم جهاز كهربائي بعد البطارية، وهو المولد الكهربائي. ويقوم المولد الكهربائي بتحويل الطاقة الحركية إلى طاقة كهربائية، بينما تقوم البطارية بتحويل الطاقة الكيميائية إلى طاقة كهربائية.
     أما الإسهام الثاني لفارادي فهو اختراع المحرك الكهربائي، الذي يقوم بتحويل الطاقة الكهربائية إلى طاقة حركية.
    وفي عام 1844م تم استخدام الكهرباء في تطبيق بالغ الأهمية للبشر، وذلك بعد أن تمكن المخترع الأمريكي صموئيل مورس (Samuel Morse) من اختراع التلغراف (Telegraph). وباختراع التلغراف تمكن البشر ولأول مرة في تاريخهم من إرسال الرسائل المكتوبة عبر الأسلاك النحاسية، وبسرعة تقارب سرعة الضوء وبذلك ظهر أول نظام اتصالات كهربائي.
     وفي عام 1866م تم مد أول كيبل (Cable) بحري عبر المحيط الأطلسي، لتأمين خدمة التلغراف بين أوروبا وأميركا الشمالية.
     وفي عام 1875م تمكن المخترع الكندي الأصل الأمريكي الجنسية الكسندر جراهام بل (Alexander Graham Bell) من اختراع التليفون (الهاتف) (Telephone) الذي يقوم بنقل المكالمات الصوتية، بين الأشخاص عبر الأسلاك الكهربائية وفي غضون سنوات قليلة، انتشرت ظاهرة بناء شبكات هاتفية في مختلف المدن الأمريكية والأوروبية.
     لقد بقيت البطارية هي المصدر الوحيد للطاقة الكهربائية حتى بداية السبعينات من القرن التاسع عشر، وقد اقتصر استخدام الكهرباء على التطبيقات التي لا تستهلك كميات كبيرة من الطاقة، كما في التلغراف والتلفون، وذلك بسبب كمية الطاقة المحدودة التي توفرها البطاريات. أما استخدام الكهرباء لأغراض الإنارة وغيرها، من التطبيقات التي تحتاج لكميات كبيرة من الطاقة، فقد تأخر إلى أن تم تصنيع أول مولد تيار كهرباء (electric generator) مباشر عملي على يد المخترع الأمريكي ثوماس أديسون (Thomas Edison) وذلك في عام 1871م.
     وفي عام 1882م تمكن “أديسون” ولأول مرة في تاريخ البشرية من إضاءة أحد شوارع نيويورك، بالمصابيح الكهربائية (electric lamp) والتي تمكن من اختراعها في عام 1878م.
     وبعد هذا النجاح الباهر لاستخدام الكهرباء لأغراض إنارة الشوارع والمنازل، بدأت شركات توليد وتوزيع الطاقة الكهربائية بالظهور في مختلف دول العالم، حيث تم في البداية استخدام الآلات البخارية التي تعمل على الفحم لتحريك المولدات الكهربائية.
      لقد تطلب التعامل مع الطاقة الكهربائية ذات الطبيعة الخفية البحث عن أجهزة لقياس كمياتها المختلفة، كالتيار والجهد والقدرة وذلك لتسهيل إجراء الأبحاث العلمية، وتسهيل تصنيع الأجهزة والمعدات الكهربائية.
     لقد اعتمد العلماء بشكل رئيسي على المجال المغناطيسي، الذي يولده التيار الكهربائي لتصميم أجهزة القياس الكهربائية الكهروميكانيكية، حيث يؤدي التنافر بين المجال المغناطيسي المتولد، والذي يتناسب مع مقدار الكمية الكهربائية ومغناطيس طبيعي إلى تحريك مؤشر على تدريج، يحدد مقدار هذه الكمية.
    وعلى هذا الأساس تم تصنيع أجهزة الأميتر الذي يقيس التيار الكهربائي بالأمبير والفولتميتر، الذي يقيس الجهد الكهربائي بالفولت والواتميتر، الذي يقيس القدرة الكهربائية بالوات.
    وبعد اختراع أنبوب الأشعة المهبطية (cathode ray tube) في عام 1897م، تم استخدامه لتصنيع أهم أجهزة القياس الكهربائية وهو راسم الذبذبات أو الأوسلوسكوب، الذي يقوم برسم شكل الكمية الكهربائية مع الزمن.
     ومع اختراع الترانزستور وتطور تقنية الإلكترونيات الرقمية، تم استخدامها لتصميم أجهزة إلكترونية صغيرة الحجم وعالية الحساسية لقياس الكميات الكهربائية المختلفة.  
الفرع الثاني: اكتشاف الموجات الكهرومغناطيسية
     إن من أعظم الاكتشافات التي حققها البشر على مدى تاريخهم بعد اكتشافهم، وتوليدهم للطاقة الكهربائية هو اكتشافهم لوجود الموجات الكهرومغناطيسية، على يد عالم الفيزياء الاسكتلندي الشهير “جيمس كلارك ماكسويل”.
     لقد تمكن جيمس ماكسويل (James Maxwell) في عام 1860م من صياغة جميع القوانين المتعلقة بالكهربائية والمغناطيسية في أربع معادلات تفاضلية، سميت باسمه واستطاع من خلال حلها التنبؤ بوجود ما يسمى بالموجات الكهرومغناطيسية. وتتكون الموجة الكهرومغناطيسية من مجال كهربائي، وآخر مغناطيسي متعامدان وتنتشر الموجة في الفضاء وغيره من الأوساط باتجاه يتعامد مع اتجاهي المجالين الكهربائي والمغناطيسي.
    وقد أكد ماكسويل على أن الضوء ما هو إلا شكل من أشكال هذه الموجات الكهرومغناطيسية، وأن هذه الموجات تنتشر في الأوساط المختلفة بنفس السرعة التي ينتشر الضوء فيها. وتمكن كذلك من تحديد سرعة الانتشار في الفضاء الحر، من خلال حل هذه المعادلات ووجد أنها مطابقة تماما لسرعة انتشار الضوء في الفضاء.
    لقد تم استخدام هذه المعادلات بشكل كبير من قبل المهندسين الكهربائيين لحل كثير من المسائل، كانتشار الموجات في الأوساط المختلفة، كخطوط النقل ومرشدات الموجات والألياف الضوئية وفي تصميم هوائيات الإرسال والاستقبال وفي تطبيقات أخرى لا حصر لها.
     لقد تحققت نبوءة ماكسويل على يد عالم الفيزياء الألماني هينرش هيرتز (Heinrich Hertz) وذلك في عام 1888م، حيث تمكن من توليد الموجات الكهرومغناطيسية، باستخدام أشكال بسيطة من الهوائيات. ولقد استغل المهندس الإيطالي ماركوني (Marconi) هذا الاكتشاف العظيم، وقام في عام 1895م بسلسلة تجارب لنقل المعلومات لاسلكيا، وتكللت جهوده بالنجاح في عام 1899م، حيث قام بإرسال أول رسالة تلغرافية لاسلكية عبر القنال الإنكليزي، وتمكن كذلك في عام 1901م من إرسال رسالة تلغرافية لاسلكية عبر المحيط الأطلسي.
     يتكون الطيف الكهرومغناطيسي (Electromagnetic spectrum) من ثلاثة أجزاء رئيسية، وهي الطيف الراديوي (Radio spectrum) الذي يمتد حتى 300 جيغاهيرتز والمستغل بالكامل في أنظمة الاتصالات الراديوية وطيف الأشعة المرئية، وما تحت الحمراء والذي يمتد إلى ثلاثة ملايين غيغاهيرتز وطيف الأشعة فوق البنفسجية والأشعة السينية والكونية والتي يزيد ترددها عن ذلك.
   ويتم توليد الموجات الكهرومغناطيسية باستخدام ما يسمى بهوائيات الإرسال (Transmit antennas)، التي تقوم بتحويل الإشارات الكهربائية التي تحملها الأسلاك إلى إشارات كهرومغناطيسية، تنتشر في الفضاء ويتم التقاطها بما يسمى هوائيات الاستقبال (Receive antennas) التي تحولها إلى إشارات كهربائية مرة ثانية.
   وتمتاز الهوائيات ببساطة تركيبها حيث يمكن لأي سلك معدني إشعاع والتقاط الموجات الكهرومغناطيسية، ولكن الهوائيات العملية لها أشكال وأبعاد معينة تحدد مقدرتها على إشعاع والتقاط الموجات في الاتجاهات المختلفة، وكذلك مدى طيف الترددات التي يمكن لها إشعاعها أو التقاطها.
     وهناك أنواع كثيرة من الهوائيات تتفاوت أبعادها وأشكالها بشكل كبير جدا حسب نوع نظام الاتصالات، فمن الهوائيات السلكية (wire antennas) المستخدمة في الراديو والتلفزيون والهاتف الخلوي والتي تتراوح أطوالها بين عدة سنتيمترات وعدة أمتار إلى الهوائيات الصحنية (dish antennas) المستخدمة في أنظمة الموجات الدقيقة وأنظمة الأقمار الصناعية، والرادارات والتي تتراوح أقطارها بين عشرات السنتيمرات وعشرات الأمتار. وتنتشر الموجات الكهرومغناطيسية في الفضاء الحر على شكل خطوط مستقيمة، إلا أنها وبسبب قربها من الأرض ووجودها ضمن الغلاف الجوي قد تتعرض لظواهر فيزيائية، قد تفيد وقد تضر أنظمة الاتصالات كظواهر الانعكاس والانكسار والحيود والاضمحلال والتبعثر.
    وقد تم تقسيم الموجات الراديوية تبعا لطريقة انتشارها في الجو وقريبا من الأرض إلى ثلاثة أنواع وهي الموجات: السطحية والسماوية والفضائية.
    فالموجات السطحية أو الأرضية (surface or ground waves) تنتشر ملاصقة لسطح الأرض الكروية وتنحني بانحنائه وتستخدم هذه الموجات في أنظمة البث الإذاعي، ذات الترددات المتوسطة التي يصل مداها لعدة مئات من الكيلومترات، وكذلك في أنظمة الاتصالات البحرية ذات الترددات المنخفضة والتي يصل مداها لآلاف الكيلومترات.
أما الموجات السماوية (sky waves) فهي التي تنعكس عن طبقات الجو المسماة بالأيونسفير الذي يعكس الموجات التي لا تزيد تردداتها عن 30 ميغاهيرتز، وتستخدم في أنظمة البث الإذاعي ذات الموجات القصيرة والتي يصل مداها إلى عشرات آلاف من الكيلومترات. أما الموجات الفضائية (space waves) فتنتشر على شكل خطوط مستقيمة فلا تحيد عن مسارها، بسبب قربها من الأرض ولا تنعكس عن طبقات الأيونسفير وتشمل الترددات التي تزيد عن 30 ميغاهيرتز. ويلزم لاستخدام الموجات الفضائية في أنظمة الاتصالات توفر ما يسمى بشرط الرؤيا المباشرة بين هوائيي الإرسال والاستقبال والذي لا تزيد المسافة القصوى بينهما في الغالب عن مائة كيلومتر بسبب كروية الأرض.
الفرع الثالث: المولد الكهربائي والمحرك الكهربائي
      إن من أهم الاختراعات في مجال الكهرباء بعد اختراع البطارية هو اختراع المولد الكهربائي، والمحرك الكهربائي وذلك على يد العالم الإنكليزي “فارادي” في عام 1831م. يقوم المولد الكهربائي بتحويل الطاقة الحركية، إلى طاقة كهربائية بينما يقوم المحرك الكهربائي بتحويل الطاقة الكهربائية إلى طاقة حركية. ويعمل المولد الكهربائي على مبدأ بسيط، وهو أنه عند تحريك سلك موصل للكهرباء في مجال مغناطيسي ثابت فإنه يتولد على طرفي السلك قوة دافعة كهربائية، تتناسب مع سرعة حركة السلك وشدة المجال المغناطيسي. أما مبدأ عمل المحرك الكهربائي فهو على العكس من ذلك، فعند تمرير تيار كهربائي في سلك موجود في مجال مغناطيسي ثابت، فإن قوة ميكانيكية ستؤثر على السلك فتدفعه للحركة. ويتكون المولد الكهربائي في أبسط أشكاله من أسلاك نحاسية، يتم لفها بطريقة معينة داخل أخاديد محفورة على السطح الداخلي لأسطوانات حديدية ثابتة، ومن مغناطيسات طبيعية أو صناعية يتم تركيبها على السطح الخارجي لأسطوانات حديدية دوارة، توضع داخل الأسطوانات الثابتة. وعند تدوير الأسطوانات الداخلية الحاملة للمغناطيسات بمحرك خارجي فإن مرور المجال المغناطيسي أمام الملفات النحاسية سيولد طاقة كهربائية طبقا لقانون فارادي المشهور. ولا يختلف تركيب المحرك الكهربائي عن المولد الكهربائي كثيرا، إلا أنه عند تمرير تيار كهربائي في ملفات الاسطوانة الخارجية، تبدأ الاسطوانة الداخلية الحاملة للمغناطيسات بالدوران، نتيجة لتفاعل المجالات المغناطيسية المتولدة في الملفات مع تلك المتولدة من المغناطيسات.
وعلى الرغم من أن فارادي قد اخترع المولد الكهربائي في عام 1831م وقام بتصنيع نموذج بسيط أثبت من خلاله أنه يعمل على الوجه المطلوب، إلا أن غياب التكنولوجيا قد أخر تصنيع مولد كهربائي عملي إلى عام 1871م. وكانت المولدات الكهربائية المصنعة في ذلك الوقت من النوع الذي يولد ما يسمى بالتيارات الثابتة (Direct current)، أي أن قيمة الجهد أو التيار المتولد لا تتغير مع الزمن. وقد كان أول استخدام لهذه المولدات الكهربائية ثابتة التيار لأغراض الإنارة حيث تم ولأول مرة في تاريخ البشرية إنارة أحد شوارع نيويورك بالمصابيح الكهربائية وكان ذلك في عام 1882م بعد أن تمكن أديسون من تصنيع المصباح الكهربائي في عام 1878م.
وبعد أن تبين للمهندسين الكهربائيين أن كفاءة توليد ونقل التيارات المتغيرة أو المتناوبة (Alternating currents) أكبر منها في التيارات الثابتة، فقد تم التحول إلى تصنيع مولدات ومحركات التيار المتناوب والتي وجد أنها أسهل تصنيعا من مثيلاتها في التيار الثابت.
إن من أهم ميزات التيار المتناوب هو سهولة رفع وخفض الجهود، والتيارات الكهربائية وذلك من خلال استخدام المحولات الكهربائية (electric transformers). وبعد تصنيع المولدات الكهربائية العملية أصبح بالإمكان توليد كميات ضخمة من الطاقة الكهربائية من خلال تحويل مختلف أنواع الطاقة إلى طاقة حركية، تقوم بتشغيل المولدات الكهربائية وذلك على عكس البطارية التي لا يمكنها توليد كميات كبيرة من الطاقة الكهربائية، ولذلك فقد اقتصر استخدامها على تشغيل الأجهزة الكهربائية المحمولة.
أما المحرك الكهربائي (electric motor) فقد أحدث ثورة في مختلف مجالات الحياة لا تقل عن الثورة التي أحدثها محرك الاحتراق الداخلي، وذلك بسبب ميزاته المتعددة. وتتميز المحركات الكهربائية بالمقارنة مع محركات الاحتراق الداخلي بإمكانية تصنيعها بأحجام وقدرات تتراوح من الصغيرة جدا، والتي يمكن وضعها في الساعات إلى الكبيرة جدا، والتي تستخدم كمحركات في القطارات والسفن والمركبات والرافعات العملاقة.
وتتميز كذلك بإمكانية تصنيعها بسرعات مختلفة، وبإمكانية التحكم بسرعة دورانها بدقة عالية جدا، مما أدى إلى تجنب استخدام التروس ذات الأحجام الكبيرة. وتتميز أيضا بكفاءتها التحويلية العالية التي تزيد في معظم أنواعها عن التسعين بالمائة، وهذه الميزة لا تقلل فقط كمية الطاقة الكهربائية المستهلكة، بل تقلل من كمية الحرارة المتولدة، مما يشجع على وضعها في مختلف أنواع الأجهزة والمصانع، دون الخوف من تسببها في إحداث الحرائق. ومن ميزاتها الأخرى طول عمرها التشغيلي وانخفاض ضجيجها وقلة الحاجة لصيانتها وعدم خروج أية عوادم منها. وقد ظهرت مع ظهور المحرك الكهربائي تطبيقات لا حصر لعدد أنواعها وما كان للمهندسين أن يفكروا باختراع مثل هذه الأجهزة بدون وجود المحرك الكهربائي. ففي المنازل تم استخدام المحرك الكهربائي في الثلاجات والغسالات والمكانس والجلايات والخلاطات والشوايات ومجهزات الطعام وغيرها. وتم كذلك استخدامه في البيوت والمكاتب والمصانع لتوفير الأجواء المناسبة والمريحة داخلها من خلال تشغيل المكيفات، والمدفئات والمراوح والشفاطات ومضخات المياه. ونتيجة لاستخدامه في المصاعد الكهربائية تمكن الناس من بناء البنايات متعددة الطبقات التي وفرت عليهم مساحات واسعة من الأراضي، وأصبح بالإمكان بناء ناطحات السحاب التي قد يزيد عدد طوابقها عن المائة وارتفاعها عن الخمسمائة متر.
وباستخدام المحرك الكهربائي تم استغلال ما تحت سطح الأرض في المدن الكبرى لإنشاء شبكات كبيرة من الأنفاق الأرضية، لنقل الركاب باستخدام القطارات الكهربائية ولو استخدمت محركات الاحتراق الداخلي بدلا منها لاختنق الركاب من استنشاق عوادمها.
ونتيجة للتلوث الكبير لأجواء المدن من عوادم السيارات والمركبات، التي تسير في شوارعها بأعداد ضخمة فإن الأمل معقود على السيارات الكهربائية للتخلص من هذه المشكلة.
وسيكون المحرك الكهربائي بديلا لمحرك الاحتراق الداخلي في السيارات والمركبات، وذلك بسبب الارتفاع المضطرد لأسعار المشتقات البترولية نتيجة لتناقص احتياطات البترول في العالم. ولقد عمل المحرك الكهربائي على تحويل مختلف أنواع المصانع إلى مصانع آلية، تعمل على مدار اليوم حيث حلت هذه المحركات الصغيرة محل الإنسان، أو المحركات الميكانيكية الكبيرة الحجم فتعددت مهام هذه المصانع وتقلصت أحجامها، وزادت كميات إنتاجها. وبفضل المحركات الكهربائية أصبحت السيارات والمركبات أكثر رفاهية، حيث تستخدم الأزرار في التحكم بكثير من أجزائها كالأبواب والشبابيك والمرايا والمقاعد والهوائيات وغيرها. وقد تم استخدام المحركات الكهربائية في تشغيل مختلف أنواع الأجهزة، والمعدات الحديثة التي ظهرت مع ظهور هذه المحركات، كالمسجلات السمعية والمرئية ومحركات أقراص الحواسيب المغناطيسية والضوئية والطابعات بمختلف أنواعها والروبوتات الصناعية والعادية والألعاب.
الفرع الرابع: توليد ونقل الطاقة الكهربائية
      إن الطاقة الكهربائية (electric energy) طاقة خفية تسري بصمت في الأسلاك المعدنية دون أن يحس بها أحد، ويمكن للمستخدم أن يأخذ من هذه الأسلاك كمية الطاقة التي يريدها دون زيادة أو نقصان. وإن أهم ما يميز الطاقة الكهربائية، هو سرعة انتقالها حيث إنها تنتقل من أماكن توليدها إلى أماكن استعمالها بسرعة تقترب من سرعة الضوء، فعندما يقوم شخص بكبس زر لإضاءة مصباح في منزله فإن الطاقة الكهربائية اللازمة لتشغيله ستصل إليه من محطة توليد تبعد عشرة آلاف كيلومتر، في زمن لن يتجاوز ثلاثة بالمائة من الثانية.
ومن ميزات الطاقة الكهربائية أنها لا كتلة لها ولا حجم ولذا فإن كلفة نقلها لا تكاد تذكر مع كلفة نقل الطاقة المخزنة، في مختلف أنواع الوقود كالفحم ومشتقات البترول والغاز. إن أحد أهم استخدامات الطاقة الكهربائية هو في تحويل مختلف أشكال الطاقة إلى طاقة كهربائية نظيفة، تتميز بسهولة نقلها وتوزيعها على مستخدميها، ومن ثم تقوم أنواع مختلفة من الأجهزة الكهربائية بتحويل الطاقة الكهربائية بكفاءة عالية لمختلف أشكال الطاقة الأخرى، كالطاقة الحرارية والحركية والضوئية والكيميائية والكهرومغناطيسية.
أما الاستخدام الذي لا يقل أهمية عن الاستخدام الأول هو في استخدام الكهرباء لنقل إشارات المعلومات بمختلف أنواعها، كالإشارات السمعية والمرئية والمقروءة والمرسومة كما هو الحال مع أنظمة التلكس والهاتف والفاكس والراديو والتلفزيون والحاسوب. وتستخدم الكهرباء في مختلف أنظمة القياس والتحكم وفي الأجهزة الطبية، وأجهزة التصوير وفي أجهزة الرادار والليزر.  
إن من أهم ميزات الطاقة الكهربائية هو إمكانية إنشاء المحطات الكهربائية حيث تتوفر مصادر الطاقة المختلفة، وخاصة تلك التي لا يمكن نقل طاقتها إلى أماكن استخدامها كالطاقة الحركية في مياه الأنهار، وطاقة المد والجزر والطاقة الحرارية في جوف الأرض وطاقة الرياح. وحتى في الأنواع التي يمكن نقلها كالفحم الحجري والبترول والغاز، فإن كلفة نقلها بعد تحويلها إلى طاقة كهربائية قد تكون أقل من كلفة نقلها بشكلها الأصلي، والذي يتطلب إنشاء شبكات طرق أو سكك حديدية أو مد أنابيب معدنية وكذلك توفير أعداد كبيرة من القطارات والشاحنات والصهاريج، ومحطات الضخ إلى جانب توفير مستودعات ضخمة لتخزينها.
أما المحطات الكهربائية التي تعمل على الطاقة الذرية فمن المفضل إقامتها في مناطق بعيدة عن التجمعات السكنية، لتفادي خطر الإشعاعات المنبعثة من المفاعلات في حالة تعرضها للحوادث وبحيث تكون قريبة من مصادر المياه لحاجتها إليه في عمليات التبريد.
تتكون محطات توليد الطاقة الكهربائية من جزئيين رئيسيين وهما: المحرك الميكانيكي، والذي يقوم بتحويل الطاقة الحرارية الناتجة عن حرق مختلف أنواع الوقود إلى طاقة حركية دورانية، والمولد الكهربائي الذي يقوم بتحويل الطاقة الحركية إلى طاقة كهربائية.
وتعتمد كفاءة تحويل الطاقة الحرارية إلى طاقة كهربائية على كفاءة كل من المولد الكهربائي والمحرك الميكانيكي حيث تصل في الأول إلى ما يزيد عن تسعين بالمائة، بينما لا تزيد في الثاني عن خمسين بالمائة ولذلك انصب جهد المهندسين على تحسين كفاءة المحركات الميكانيكية، لكونها تلعب الدور الأكبر في تحديد الكفاءة الكلية للمحطة الكهربائية.
وهنالك نوعان من المحركات الميكانيكية المستخدمة في المحطات الكهربائية وهي المحركات التي تعمل على مشتقات البترول، وعلى الأخص الديزل والتي تتميز بسهولة تغذيتها بوقودها السائل وبسهولة التحكم بكمية الطاقة الحركية، التي تولدها ولكن عيبها في أن كفاءتها لا تتجاوز الأربعين بالمائة، وكذلك صعوبة تصنيع أحجام كبيرة منها قادرة على تحويل كميات كبيرة من الطاقة.
أما النوع الثاني فهي المحركات التي تعمل على الفحم والغاز والطاقة الذرية، وهي عبارة عن توربينات بخارية أو غازية يتم تدويرها من خلال تسليط تيار شديد من البخار أو الغاز على شفرات التوربين، والذي يتم توليده في غلايات، تقوم بتحويل الماء إلى بخار ذي درجة حرارة وضغط عاليين من خلال تسخينها بالحرارة الناتجة عن حرق الوقود.
وتتميز التوربينات البخارية والغازية بإمكانية زيادة كفاءتها من خلال رفع درجة حرارة، وضغط البخار والتي وصلت في التوربينات الحديثة إلى ما يزيد عن خمسين بالمائة، وتتميز كذلك بإمكانية تصنيعها بأحجام كبيرة تقوم بتحويل كميات كبيرة من الطاقة.
تقوم المولدات الكهربائية بتحويل الطاقة الحركية الدورانية إلى طاقة كهربائية، ويمكن تصنيعها بمختلف الأحجام التي تتناسب وقدرات المحركات الميكانيكية وبكفاءة عالية، قد تزيد عن تسعين بالمائة. وتقوم المولدات الكهربائية بتوليد التيار المتردد بدلا من التيار المستمر وذلك لسهولة رفع الجهد باستخدام المحولات الكهربائية في أنظمة التيار المتردد.
 ويتم تصميم معظم المولدات الكهربائية بحيث لا يزيد الجهد المتولد عن ثلاثة آلاف فولت، وذلك لتجنب زيادة سماكة المواد العازلة للملفات الكهربائية والتي تؤدي بالتالي إلى زيادة حجم المولد الكهربائي.
ويتم نقل الطاقة الكهربائية من محطات التوليد إلى محطات التوزيع عبر أسلاك من النحاس، أو الألمنيوم تعلق في الغالب على أبراج فولاذية، بعد أن يتم رفع الجهد الكهربائي بشكل كبير باستخدام محطات تحويل الجهد، وذلك لتقليل كمية الطاقة المفقودة في الأسلاك حيث إن الفقد يتناسب عكسيا مع مربع الجهد.
ويعتمد اختيار مقدار جهد النقل على المسافة بين محطة التوليد، وأماكن التوزيع وكمية الطاقة المنقولة حيث وصل أعلى جهد نقل إلى ما يقرب من ألف كيلوفولت. ويتم توزيع الطاقة الكهربائية على البيوت والمصانع وغيرها من المرافق بعد أن يتم تخفيض الجهد الكهربائي إلى المستوى المطلوب وهو 110 أو 220 فولت، حيث يقوم المستخدم بأخذ حاجته من الطاقة التي يتم احتساب كمياتها باستخدام العدادات الكهربائية.
ويتم تحويل الطاقة الكهربائية عند أماكن استهلاكها إلى مختلف أشكال الطاقة الأخرى باستخدام مختلف أنواع الأجهزة الكهربائية. ففي أنظمة الإنارة يتم استخدام أنواع مختلفة من المصابيح الكهربائية لتحويل الطاقة الكهربائية إلى طاقة ضوئية، باستخدام مصابيح التنجستون ذات الكفاءة المتدنية ومصابيح الغاز ذات الكفاءة المتوسطة، ومصابيح توفير الطاقة ذات الكفاءة العالية. وفي أنظمة تسخين المياه وتدفئة المنازل والمكاتب، يتم استخدام المقاومات الكهربائية لتحويل الطاقة الكهربائية إلى طاقة حرارية بكفاءة تصل إلى مائة بالمائة.
ويتم تحويل الطاقة الكهربائية إلى طاقة كيميائية عند شحن البطاريات القابلة للشحن حيث تستخدم هذه البطاريات في مجالات مختلفة، كما في المركبات والراديوات والمسجلات والهواتف الخلوية والحواسيب المحمولة وغيرها.
وباستخدام الأجهزة الإلكترونية يتم تحويل الطاقة الكهربائية إلى موجات كهرومغناطيسية، تمتد على نطاق واسع من الترددات والتي تستخدم في مختلف أنظمة الاتصالات، والتحكم والرادارات والليزرات.
وباستخدام الملفات الكهربائية يتم تحويلها إلى مجالات مغناطيسية تلزم لتشغيل كثير من الأجهزة والمعدات، كما في التلفزيونات وراسمات الذبذبات والمسارعات، والمغناطيسات الكهربائية التي تستخدم في تطبيقات لا حصر لها، كما في الرافعات والصمامات والكوابح والمصاعد والقطارات المغناطيسية.
لقد بلغ الإنتاج العالمي من الطاقة الكهربائية في عام 2000م أربعة عشر ألف بليون كيلواط ساعة، أو ما يعادل 48 مليون بليون وحدة حرارية بريطانية.
وقد تم استهلاك اثنين وثلاثين بالمائة من هذه الطاقة في أمريكا الشمالية وعشرين بالمائة في آسيا، وثمانية عشر بالمائة في أوروبا الغربية وعشرة بالمائة في أوروبا الشرقية، بما فيها روسيا وثمانية بالمائة في اليابان وخمسة بالمائة في أمريكا الجنوبية وأربعة في المائة في الشرق الأوسط وثلاثة بالمائة في أفريقيا.
وقد أسهم الفحم الحجري في إنتاج أربعين بالمائة من هذه الطاقة والغاز الطبيعي بخمسة عشر بالمائة، والبترول بعشرة بالمائة، والمحطات الكهرومائية بتسعة عشر بالمائة، والمحطات الكهرومائية بستة عشر بالمائة. وإذا ما افترضنا أن كفاءة التحويل المتوسطة لجميع أنواع المحطات الكهربائية تساوي ثلاثة وثلاثين بالمائة، فإن الطاقة الكهربائية تستهلك ما يقرب من أربعين بالمائة، من المحتوى الحراري لمختلف مصادر الطاقة التي يتم إنتاجه في العام الواحد.
ويستهلك القطاع المنزلي خمسة وثلاثين بالمائة من الطاقة الكهربائية، لأغراض الإنارة وتشغيل مختلف أنواع الأجهزة الكهربائية المنزلية، كالثلاجات والغسالات والمكيفات والمضخات والمكانس والمراوح والتلفزيونات والحواسيب.  
أما القطاع التجاري فيستهلك ما يقرب من خمسة وثلاثين بالمائة، من الطاقة الكهربائية لأغراض الإنارة، وتشغيل الأجهزة الكهربائية، كالمكيفات والناسخات والطابعات والمصاعد واللافتات الكهربائية، والأجهزة الطبية والمخبرية. أما القطاع الصناعي فيستهلك الثلاثين بالمائة المتبقية، لتشغيل مختلف أنواع الأجهزة والمعدات الصناعية كالمناشير والمثاقب والمقصات، وآلات ومعدات صناعة السيارات والمركبات والطائرات والقطارات والنسيج والورق والأطعمة وغيرها.
الفرع الخامس: الإلكترونيات
       إن التقدم المذهل التي تشهده البشرية اليوم في جميع المجالات: التقنية والمعرفية لم يكن ليتحقق لولا ظهور علم الإلكترونيات (Electronics) في مطلع القرن العشرين. ففي نفس العام الذي كان يعمل فيه الأخوان رايت، على تصنيع أول طائرة في تاريخ البشرية وهو عام 1904م، كان عالم الفيزياء الإنجليزي جون فليمنغ (John Fleming) يعمل في مختبره المتواضع على تصنيع أنبوب زجاجي مفرغ من الهواء بحجم الإصبع، يحتوي عند طرفيه على قطبين معدنيين، بحيث يسمح للتيار بالمرور في اتجاه واحد فقط.
لقد كان الأثر الذي تركه أنبوب فليمنغ على رفاهية البشر في هذا العصر لا يقل أهمية إن لم يزد عن الأثر الذي تركته طائرة الأخوين رايت. فبفضل هذا الأنبوب المفرغ وما تبعه من إنجازات في مجال الإلكترونيات، تمكن البشر من التحدث مع بعضهم البعض عبر الهواتف السلكية واللاسلكية، رغم تباعد المسافات بينهم.
وتمكنوا كذلك من متابعة كل ما يدور في هذا العالم من أخبار وأحداث من خلال سماع ومشاهدة البث الإذاعي والتلفزيوني، الذي ينطلق من آلاف المحطات الموزعة في جميع أنحاء العالم. وتمكنوا كذلك من تصنيع الحواسيب التي أحدثت ثورة المعلومات، التي لا تقل أهمية عن الثورة الصناعية التي أحدثها اختراع الآلة البخارية. وعلى الرغم من الدور الكبير الذي لعبته الصمامات الإلكترونية (electronic valves) في تقدم أنظمة الاتصالات والحواسيب، وأنظمة القياس والتحكم إلا أن الثورة التي نشهدها اليوم في مختلف المجالات وخاصة مجال تقنيات المعلومات لم تكن لتتحقق لولا اختراع الترانزستور في عام 1947م كبديل الصمام الإلكتروني.
أولا: الصمامات الإلكترونية
لقد تم اختراع أول عنصر فعال في عالم الإلكترونيات، وهو الصمام الثنائي (diode valve) على يد عالم الفيزياء الإنجليزي فليمنغ، في عام 1904م والذي يتكون من أنبوب زجاجي مفرغ من الهواء، يوجد في داخله عند طرفيه قطبين كهربائيين، يسمى أحدهما المهبط والآخر المصعد. ويوجد تحت المهبط دائرة تسخين كهربائية تعمل على تسخين المادة المعدنية، التي يصنع منها المهبط، والتي تطلق سيلا من الإلكترونات الحرة عند تسخينها. وعند تسليط جهد موجب على المصعد، يقوم بجذب الإلكترونات المنبعثة من المهبط مما يؤدي إلى سريان تيار كهربائي في الدائرة الكهربائية الخارجية للصمام، أما عند تسليط جهد سالب على المصعد فإن سريان التيار يتوقف على الفور؛ أي أن هذا العنصر الإلكتروني يسمح بمرور التيار باتجاه واحد فقط، ويمنع مروره في الاتجاه المعاكس.
ولذلك فقد كان أول استخدام عملي لهذا العنصر البسيط، في دوائر التقويم التي تقوم بتحويل التيار المتردد إلى تيار ثابت. أما الاختراع الأكثر أهمية في عالم الإلكترونيات، فقد تحقق على يد المهندس الكهربائي الأمريكي لي دي فورست (Lee De Forest)، وذلك في عام 1906م عندما تمكن من إضافة شبكة معدنية، تقع بين المهبط والمصعد، ليحول بذلك الصمام الثنائي إلى صمام بثلاثة أقطاب، وقد أطلق اسم الشبكة على هذا القطب الثالث. وتكمن أهمية الشبكة بقدرتها الكبيرة على التحكم بقيمة التيار العالي نسبيا، الذي يسري بين المهبط والمصعد وذلك من خلال تسليط قيم متدنية من الجهد الكهربائي عليها.
ومع اختراع الصمام الثلاثي (triode valve) أصبح بالإمكان بناء أهم دائرتين كهربائيتين، كان مهندسو الاتصالات في أمس الحاجة إليهما لتطوير قدرات أنظمة الاتصالات، وهما دائرة التذبذب (المذبذب) (Oscillator) ودائرة التضخيم (المضخم) (Amplificateur). فالمذبذب يقوم بتوليد إشارات كهربائية، ذات ترددات مختلفة وذلك من خلال تحويل التيار الثابت إلى تيار متردد، حيث يتم التحكم بقيمة التردد باستخدام عناصر غير فعالة كالمحثات، والمكثفات والمقاومات في الدائرة الخارجية للصمام الثلاثي.
أما المضخم فيقوم بتضخيم الإشارات الكهربائية الحاملة للمعلومات والتي تضعف بشكل كبير عند انتقالها من المرسل إلى المستقبل، عبر مختلف قنوات الاتصال. وبهذا الاختراع العظيم حدثت نقلة نوعية في مختلف مجالات الهندسة الكهربائية، ففي عام 1913م تم إجراء أول مكالمة هاتفية لاسلكية، بين بريطانيا وأميركا بعد أن تم استخدام المضخمات الكهربائية. وتم كذلك بناء أنظمة البث الإذاعي في عام 1918م، وأنظمة البث التلفزيوني في عام 1928 وذلك بعد أن تمكن المهندسون من بناء مستقبلات قادرة على التقاط الإشارات الضعيفة جدا، التي تبثها محطات البث الإذاعي والتلفزيوني. وقد تم كذلك باستخدام الصمامات بناء أنظمة الرادار في عام 1940م والحاسوب الرقمي في عام 1945م.
وعلى الرغم من الدور الكبير الذي لعبه الصمام الثلاثي في تقدم الأنظمة الكهربائية، وخاصة أنظمة الاتصالات إلا أن بعض عيوبه وقفت حجر عثرة أمام طموح المهندسين في بناء أنظمة إلكترونية متطورة. إن من أهم عيوب الصمام الإلكتروني حجمه، الذي لا يقل عن حجم الإصبع واستهلاكه العالي للطاقة الكهربائية، حيث لا يعمل إلا عند جهد كهربائي مرتفع يصل لعشرات الفولتات إلى جانب حاجته لدائرة كهربائية مستقلة، لتسخين المهبط. أما عيبه الأكبر فهو أنه مصنوع من الزجاج، ولذا فهو معرض للكسر عند تعرضه للصدمات مما حال دون استخدامه في كثير من التطبيقات. ولبيان مدى تأثير هذه العيوب على تصنيع الأنظمة الكهربائية نورد المثال التالي: فعند تصنيع أول حاسوب رقمي في عام 1945م بلغ عدد الصمامات المستخدمة فيه ثمانية عشر ألف صمام، وضعت في أربعين خزانة حديدية احتلت ما مساحته ستون مترا مربعا، وكان يستهلك من الطاقة الكهربائية ما يزيد عن مائة وخمسين كيلواط، على الرغم من أن قدرته الحسابية لا تتجاوز قدرة أصغر الحواسيب، التي تم تصنيعها في السبعينات باستخدام الترانزستورات Transistors.
ثانيا: الترانزستورات
       لقد تم التغلب على جميع عيوب الصمام الإلكتروني باختراع الترانزستور (Transistor) في عام 1947م على يد ثلاثة من العلماء والمهندسين الأميركيين، وهم باردين (Bardeen) وشوكلى (Shockley) وبراتين (Brattain) والذين حصلوا على جائزة نوبل، تقديرا لجهودهم على هذا الإنجاز العظيم. يتميز الترانزستور على الصمام الإلكتروني بصغر حجمه، الذي لا يتجاوز حجم حبة الحمص، وبقلة استهلاكه للطاقة الكهربائية التي لا تتجاوز عدة عشرات من الميليواط وبصلادته فهو جسم مصمت لا يتأثر بالصدمات كما هو الحال مع الصمام الإلكتروني.
وقد أدى استخدام الترانزستور كبديل عن الصمام الإلكتروني إلى تقليص كبير في أحجام الأجهزة والمعدات الإلكترونية، إلى جانبه تمكن المهندسون من تصنيع أنظمة لم يكن بالإمكان تصنيعها باستخدام الصمامات الإلكترونية، كالتلفزيونات الملونة والحواسيب وأنظمة الأقمار الصناعية. ومع استخدام الترانزستور في الإلكترونيات الرقمية، تمكن المهندسون من تصميم دوائر إلكترونية، تقوم بوظائف معقدة في مجالات مختلفة،كما في أنظمة الحواسيب والاتصالات والأجهزة الطبية وغيرها من الأنظمة.
والترانزستور عنصر إلكتروني فعال، مصنوع من مواد شبه موصلة (semiconductor) كالجرمانيوم،Germanium والسيليكون Silicone وله ثلاثة أقطاب كما هو الحال مع الصمام الثلاثي، ولكن بدون دائرة تسخين. ويقوم الترانزستور بنفس المهام الكهربائية، التي يقوم بها الصمام، وقد سميت أقطابه الثلاث بالباعث مقابل المهبط والمجمع مقابل المصعد والقاعدة مقابل الشبكة. ويمكن لتيار ضئيل يمر في القاعدة أن يتحكم بمرور تيار كبير، يمر بين الباعث والمجمع. لقد تم استخدام المواد شبه الموصلة في صناعة الترانزستور، لما تتميز به هذه المواد من خصائص لتوصيل الكهرباء، تختلف عن تلك التي للمواد الموصلة والعازلة، حيث يمكن التحكم في درجة توصيلها، من خلال إضافة شوائب من عناصر محددة في بنيتها.
وتتوفر المواد شبه الموصلة على الأرض، إما على شكل عناصر فيزيائية خالصة تقع في العمود الرابع من الجدول الدوري، وهي عنصري الجرمانيوم والسيليكون، أو من مركبات ناتجة عن خلط بعض عناصر العمود الثالث، كالبورون والألمنيوم والأنديوم والقاليوم مع عناصر العمود الخامس، كالفوسفور والزرنيخ والبزموث منتجة مواد شبه موصلة كفوسفيد الإنديوم وأرسنيد القاليوم وغيرها.
لقد كان الجرمانيوم هو العنصر المستخدم في صناعة الترانزستورات في بداية عهدها، إلا أنها لم تكن تعمل بشكل موثوق إلا عند درجات الحرارة التي لا تزيد عن أربعين درجة مئوية، وذلك بسبب حساسية الجرمانيوم العالية للحرارة.
وفي عام 1954م تمكن المهندسون من استخدام السيليكون في صناعة الترانزستور، الذي يتميز على الجرمانيوم بكبر الفجوة، بين نطاقي التكافؤ والتوصيل مما يعطيه ثباتا كبيرا، في خصائصه الكهربائية يمتد على نطاق واسع من درجات الحرارة وبوفرة مادته الخام وهي الرمال المتوفرة بكميات كبيرة في الطبيعة.
يتم التحكم بدرجة توصيل مادة السيليكون النقي، من خلال إضافة مواد شائبة في بنيتها بما يسمى عملية التطعيم. ويوجد نوعان من التطعيم، فالنوع الأول يتم من خلال إضافة مادة شائبة، بمقدار ضئيل ومحدد، مأخوذة من عناصر العامود الخامس في الجدول الدوري، كالفوسفور مثلا ويكون الناتج في هذه الحالة مادة شبه موصلة تملك فائض من الإلكترونات الحرة، يطلق عليها شبه موصل من النوع السالب، وذلك لأن الإلكترونات الحاملة للشحنات السالبة هي المسؤولة عن حركة التيار الكهربائي. أما النوع الثاني فيتم من خلال إضافة مادة شائبة، من عناصر العامود الثالث في الجدول الدوري كالبورون مثلا، منتجة بذلك مادة شبه موصلة، تفتقر إلى إلكترونات حرة في المدار الخارجي لذراتها، وقد أطلق العلماء على هذا المكان الخالي من الإلكترون اسم الفجوة (holes). وعند تسليط جهد كهربائي على المادة المطعمة تتحرك الفجوات عند انتقال الإلكترونات إليها، بعكس اتجاه حركة الإلكترونات، ولذا يمكن تخيلها على أنها حاملة لشحنات موجبة، ولذلك يطلق على هذه المادة المطعمة شبه موصل من النوع الموجب.
ويتم تصنيع الترانزستور من خلال تطعيم ثلاث مناطق متجاورة على بلورة نقية من السيليكون، بحيث يكون التطعيم (Doping) على شكل (سالب_موجب_ سالب) أو على شكل (موجب_سالب_موجب). ويطلق على هذه النوع من الترانزستورات بالترانزستور ثنائي القطبية (Bipolar transistor) وذلك بسبب استخدام كلا المواد شبه الموصلة الموجبة والسالبة في تصنيعه، وكذلك لإسهام الفجوات والإلكترونات في إنتاج التيار الذي يسري داخل الترانزستور.
إن العيب الرئيسي للترانزستور ثنائي القطبية، هو أنه يستخدم التيار الكهربائي للتحكم بعمل الترانزستور، مما يستدعي استخدام دائرة كهربائية دقيقة لضبط قيمة التيار.
وفي عام 1960م تمكن المهندسون من تصنيع ترانزستور، بطريقة تختلف عن تلك المستخدمة في الترانزستور ثنائي القطبية، حيث يتم التحكم بعمل الترانزستور الجديد، من خلال الجهد الكهربائي بدلا من التيار الكهربائي. وقد تم تصنيع هذا الترانزستور باستخدام نوع واحد فقط من المادة شبه الموصلة، وهي إما من النوع الموجب أو النوع السالب، ولذا فقد تمت تسميته بالترانزستور أحادي القطبية (Unipolar transistor)، وذلك عل عكس الترانستور ثنائي القطبية.
ويتم تصنيع أحد أنواع الترانزستور أحادي القطبية من خلال إنتاج منطقة مطعمة، تسمى القناة بأحد نوعي التطعيم السالب أو الموجب، على بلورة السيليكون، ثم توضع طبقة من أكسيد السيليكون العازل، تعلوها طبقة أخرى من المعدن، ولذلك أطلق عليه اسم ترانزستور معدن _ أكسيد _ شبه موصل (MOS transistor).
ويتم توصيل ثلاثة أطراف، أحدها إلى الطبقة المعدنية، ويسمى البوابة، بينما يوصل الطرفان الآخران إلى المنطقة شبه موصلة، في مكانيين متقابلين حول البوابة، يسميان المصدر والمصرف. وقد أطلق العلماء أيضا على هذا النوع من الترانزستورات اسم ترانزستور تأثير المجال (Field-Effect Transistor (FET))، وذلك لأن المجال الكهربائي الناتج عن الجهد المسلط على البوابة هو المسؤول عن عملية التحكم بعمل الترانزستور.
ثالثا: الدوائر المتكاملة   
        على الرغم من الدور الكبير الذي شغله الترانزستور في تقليص أحجام الأجهزة الإلكترونية، إلا أن أسلاك التوصيل بين الترانزستورات وبقية القطع الإلكترونية أصبحت هي العائق الرئيسي، الذي يحول دون تصنيع أجهزة إلكترونية، متطورة صغيرة الحجم، تحتوي على أعداد كبيرة من الترانزستورات كالحواسيب، والتلفزيونات الملونة والهواتف المتنقلة.
فهذه الأسلاك أصبحت تحتل حيزا يزيد بكثير عن الحيز الذي تحتله الترانزستورات نفسها، هذا إلى جانب أن التداخل الكهربائي بين الإشارات التي تحملها هذه الأسلاك، والتأخير الزمني الذي تواجهه هذه الإشارات حد بشكل كبير من سرعة معالجة الإشارات، التي تقوم بها الدوائر الإلكترونية.
ولقد تم التغلب على مشكلة أسلاك التوصيل هذه بعد أن تمكن المهندسون في نهاية الخمسينات من اكتشاف طريقة جديدة لتصنيع الترانزستورات، وهي الطريقة السطحية، حيث يمكن تطعيم مناطق الترانزستور المختلفة على سطح رقاقة السيليكون بدلا من تطعيم كامل جسمها، وكذلك تمكنهم من تصنيع المقاومات والمكثفات من نفس المواد شبه الموصلة، التي يصنع منها الترانزستور. وبهذا فقد أصبح من الممكن تصنيع عدد كبير من الترانزستورات وما يلزمها من المقاومات والمكثفات في مناطق متجاورة على سطح الرقاقة، ومن ثم يتم توصيلها ببعضها البعض بشرائط معدنية رقيقة، يتم ترسيبها على سطح الرقاقة. وقد أطلق المهندسون على هذا الناتج اسم الدائرة المتكاملة (Integrated Circuit) حيث إنه تحتوي على دائرة إلكترونية بكامل مكوناتها من ترانزستورات ومكثفات ومقاومات.
      وفي عام 1958م تمكن مهندس في شركة تكساس للأجهزة في الولايات المتحدة الأمريكية، من تصنيع أول دائرة متكاملة بسيطة، على رقاقة من السيليكون، حيث لم يتجاوز عدد الترانزستورات في هذه الدائرة العشرة. وقد أطلق المهندسون على الدوائر المتكاملة التي تحتوي على أقل من مائة ترانزستور اسم الدوائر المتكاملة ذات النطاق الصغير (small-scale IC). ومن ذلك الحين بدأت الشركات المصنعة لهذه الدوائر المتكاملة بالتنافس لزيادة عدد الترانزستورات على الرقاقة الواحدة، بعد أن ارتبط التقدم في صناعة أجهزة الحواسيب وأجهزة الاتصالات الرقمية بما تنتجه هذه الشركات من دوائر متكاملة.
وفي عام 1961م تنبأ أحد العاملين في مجال تطوير الدوائر المتكاملة، وهو المهندس قوردن مور (Gordon Moore) بأن عدد الترانزستورات على الرقاقة الواحدة سيتضاعف كل ثمانية عشر شهرا. ولقد صدقت توقعاته إلى حد كبير، فقد ظهر في منتصف الستينات جيل الدوائر المتكاملة، ذات النطاق المتوسط (ما بين مائة ترانزستور وألف ترانزستور) وفي بداية السبعينات ظهر جيل الدوائر المتكاملة، ذات النطاق الكبير (ما بين ألف وعشرة آلاف ترانزستور).
وفي عام 1971م تم استخدام هذا الجيل في تصنيع أول معالج دقيق (Microproccesor)، من قبل شركة إنتل Intel الأمريكية وهو المعالج المسمى (4004)، حيث بلغ عدد الترانزستورات التي دخلت في تصنيعه 2300 ترانزستور. والمعالج الدقيق هو عبارة عن دائرة متكاملة رقمية، تحتوي على وحدة معالجة مركزية، يمكن استخدامها في تصنيع الحواسيب المنزلية والشخصية، أو في تصنيع أنظمة التحكم الذكية، في كثير من الأجهزة الإلكترونية كالتلفزيونات والهواتف، وفي السيارات والطائرات ومعدات المصانع.
وفي بداية الثمانينات ظهر جيل الدوائر المتكاملة ذات النطاق الكبير جدا (ما بين عشرة آلاف ومائة ألف ترانزستور)، وقد تم استخدام هذا الجيل في تصنيع عدة معالجات، من سلسلة معالجات شركة إنتل وغيرها من الشركات.
وفي نهاية الثمانينات ظهر جيل الدوائر المتكاملة integrated Circuits، ذات النطاق فوق الكبير (ما بين مائة ألف ومليون ترانزستور)، وتم تصنيع معالجات بعدد ترانزستورات زاد عن مليون ترانزستور.
وفي بداية التسعينات ظهر جيل الدوائر المتكاملة، ذات النطاق فائق الكبر، حيث تجاوز عدد الترانزستورات ثلاثة ملايين ترانزستور، وعلى مساحة لا تزيد عن ثلاث سنتيمترات مربعة.
وقد وصل عدد الترانزستورات في الدوائر المتكاملة في عام 2020م إلى مئات البلايين وقد يصل العدد إلى الترليون في بعض المعالجات والذاكرات الإلكترونية.
وتعتبر تقنية تصنيع الدوائر المتكاملة، وخاصة الكبيرة منها من أكثر تقنيات التصنيع تعقيدا، حيث تحتاج إلى معدات بالغة التعقيد وباهظة الثمن، ولذلك فقد اقتصرت هذه التقنية على عدد قليل من الشركات الكبرى الموجودة في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا الغربية واليابان.
إن تصنيع عدة ملايين من الترانزستورات، على سطح رقاقة من السليكون لا تتجاوز مساحتها عدة سنتيمترات مربعة، مهمة ليست بالسهلة إذا ما عرفنا أن تعطل ترانزستور واحد فقط أو انقطاع أحد خطوط التوصيل بينها كفيل بتعطل كامل الدائرة المتكاملة، ولا سبيل لإصلاحها بأي شكل من الأشكال. وتبدأ عملية تصنيع الدوائر المتكاملة بعملية إنتاج عنصر السيليكون، من أكسيد السيليكون المتوفر بكثرة، في رمال الصحراء، وبدرجة نقاء تصل إلى 99,9999999 بالمائة، ومن ثم يتم إذابة هذا السيليكون ليتم تصنيع بلورة سيليكون كبيرة الحجم.
أما العملية التالية فهي عملية تقطيع القضيب البلوري إلى شرائح دائرية، كشرائح البطاطا بسمك لا يتجاوز عشر الميليمتر، ومن ثم يتم صقل أحد أوجه هذه الشرائح بشكل جيد. وبما أن مساحة الشريحة تتراوح ما بين مائة وألف سنتيمتر مربع بينما لا تتجاوز مساحة الدوائر المتكاملة عدة سنتيمترات مربعة، فإنه يلزم تصنيع أعداد كبيرة من الدوائر المتكاملة جملة واحدة، على سطح هذه الشريحة قبل أن يتم تقطيعها إلى قطع صغيرة، تسمى الرقاقات يحتوي كل منها على دائرة متكاملة واحدة.
رابعا: إلكترونيات الأمواج الدقيقة والإلكترونيات الضوئية
      لقد انتبه مهندسو الاتصالات الكهربائية منذ بداية استخدام الأمواج الكهرومغناطيسية إلى أهمية الترددات العالية، في حمل إشارات المعلومات. فقد تبين لهم أنه كلما زاد تردد الحامل، كلما زادت كمية المعلومات، التي يحملها حيث يمكن أن يصل عرض نطاق الإشارة المحمولة إلى عشرة بالمائة، من قيمة تردد الحامل. فعلى سبيل المثال فإن حاملا بتردد خمسين ميجاهيرتز لا يمكنه أن يحمل أكثر من إشارة تلفزيونية، بينما يمكن لحامل بتردد ألف ميجاهيرتز أن يحمل ما يقرب من عشرين إشارة تلفزيونية.
لقد كان من أكبر المشاكل التي واجهها مصممو الدوائر الإلكترونية للتطبيقات المختلفة هو زيادة صعوبة تصنيع هذه الدوائر، كلما ازداد مقدار التردد الذي تعمل عليه هذه الدوائر.
وبعد اختراع الصمام الإلكتروني في عام 1906م، تمكن المهندسون من استخدامه لتوليد ترددات بدأت في نطاق الترددات المنخفضة، ثم المتوسطة ثم العالية ثم العالية جدا، وكذلك كان الحال مع الترانزستور بعد اختراعه في عام 1947م كبديل للصمام.
تم تعريف الأمواج الدقيقة (Microwaves) على أنها الأمواج الكهرومغناطيسية، التي تتراوح تردداتها بين واحد جيقاهيرتز (ألف ميجاهيرتز) وثلاثمائة جيقاهيرتز ، أي أن طول موجاتها لا يتجاوز الثلاثين سنتيمتر. إن أهم ما يميز هذه الأمواج أنها تنتشر بخطوط مستقيمة، ولا يتأثر انتشارها بوجودها قرب الأرض أو في طبقات الأينوسفير Inosphere. أما الميزة الثانية فهي إمكانية توجيه هذا الأمواج على شكل شعاع ضيق جدا، وذلك من خلال استخدام هوائيات صحنية بمختلف الأقطار. إن هذه الميزة الأخيرة هي التي مكنت المهندسين من بناء الرادارات، التي يمكنها كشف وجود الطائرات، من خلال مسح السماء بشعاع من الأمواج الدقيقة، ومكنتهم كذلك من استخدام الأقمار الصناعية، في أنظمة الاتصالات حيث إنها تخترق طبقة الأينوسفير دون أن تتأثر بها.
وتستخدم أنظمة الأمواج الدقيقة تقنيات تختلف عن تلك المستخدمة في بقية أنظمة الاتصالات، التي تعمل على الترددات دون واحد جيقاهيرتز، حيث إن الكبلات المحورية والهوائيات السلكية لا يمكنها نقل أو بث الموجات الدقيقة، ولذا فقد تم استخدام مرشدات الأمواج والهوائيات الصحنية، بدلا منها إلى جانب استخدام أنواع خاصة من الصمامات لتوليد وتكبير هذه الأمواج.
لقد تم استخدام الأمواج الدقيقة في أنظمة الرادارات (Radars) في بداية الأربعينات، وفي عام 1946م ظهر أول نظام اتصالات أمواج دقيقة في أميركا، وبدأت هذه الأنظمة بالانتشار السريع بسبب سهولة تركيبها، حيث تم استخدامها في ربط المقاسم المحلية والوطنية والدولية، وفي نقل الإشارات التلفزيونية من الاستديوهات، إلى محطات البث والتقوية. وفي بداية الستينات تم استخدام الأمواج الدقيقة، في أنظمة اتصالات الأقمار الصناعية، حيث تتميز هذه الأمواج بقدرتها على حمل عدد كبير من المكالمات الهاتفية أو الإشارات التلفزيونية.
لم يتوقف طموح مهندسي الاتصالات عند استخدام الأمواج الدقيقة في أنظمتهم، بل بدؤوا يتطلعون إلى استخدام الأمواج الضوئية، في مثل الأنظمة وذلك لارتفاع تردداتها القادرة على حمل كميات كبيرة من المعلومات تفوق بآلاف المرات عن الأمواج الدقيقة.
وعلى الرغم من توفر الأمواج الضوئية في الطبيعة واستخدامها بكفاءة عالية في النظام البصري للإنسان وغيره من الحيوان، إلا أن استخدامها في أنظمة الاتصالات قد تأخر إلى منتصف السبعينات، وذلك بسبب حاجة هذه الأنظمة لمصادر ضوئية خاصة. ومع اختراع الليزر في عام 1960م كمصدر للضوء المترابط أحادي اللون كان أول ما فكر به المهندسون هو استخدامه في أنظمة الاتصالات الضوئية. والليزر: هو عبارة عن جهاز بسيط يعمل على توليد نوع مميز من الضوء، يختلف في خصائصه عن الضوء الطبيعي الصادر عن الشمس، وعن مختلف أنواع المصابيح الكهربائية.
ويتميز الليزر بعدة خصائص أهمها أن الضوء الصادر عنه يكون على شكل شعاع له مقطع عرضي بالغ الصغر قد لا يتجاوز الميكرومتر المربع، وبشدة إضاءة قد تزيد بملايين المرات عن شدة الضوء الصادر عن الشمس.
وعلى الرغم من أن الأسس النظرية التي يعمل على أساسها الليزر قد تم اكتشافها من قبل عدد كبير من العلماء، أمثال البرت اينشتاين Albert Einstein وذلك في النصف الأول من القرن العشرين، إلا أن اختراع الليزر قد تم في عام 1960م، على يد العالم الأمريكي تيودور ميمان (Theodore Maiman). ويتكون هذا الليزر من قضيب أسطواني من الياقوت النقي المطعم بكميات قليلة من عنصر الكروميوم Chromium، ويتم صقل جانبيه بدقة متناهية ثم يلف حول قضيب الياقوت مصباح كهربائي مكون من أنبوب زجاجي مملوء بغاز الزنون. وعند تشغيل المصباح الكهربائي يعمل الضوء الصادر عنه على إثارة ذرات الكروميوم، التي تقوم بإشعاع ضوء أحمر صافي، يخرج على شكل نبضات من أحد جانبي قضيب الياقوت.
وفي عام 1970م تمكنت شركة أمريكية من تقليل فقد الزجاج من ألف ديسيبل إلى ما دون عشرين ديسيبل لكل كيلومتر فتجددت آمال المهندسين في تصميم أنظمة اتصالات ضوئية، باستخدام هذه الألياف الزجاجية (glass fibers). ولقد رافق هذا التطور في تقنية الألياف الزجاجية تطورات في تقنيات المصادر والكواشف الضوئية المصنعة من المواد شبه الموصلة، والتي تتميز بصغر حجمها الذي يتناسب مع حجم الليف الزجاجي.
وقد تمكنت إحدى الشركات الأمريكية في عام 1975م، من إجراء أول تجربة ميدانية ناجحة لنظام اتصالات ضوئي، باستخدام الألياف الزجاجية. ومع النجاح الباهر الذي حققته أنظمة الاتصالات الضوئية في مجال الاتصالات، واستخدامه كعمود فقري في الشبكة العالمية للمعلومات (الإنترنت)، ظهرت صناعة ضخمة في مجال الإلكترونيات الضوئية تقوم بتصنيع مختلف أنواع المصادر الضوئية، كالليزرات والباعثات والكاشفات الضوئية، وكذلك أجهزة تضخيم الضوء وأجهزة دمج الموجات الضوئية. ولم يتوقف دور الإلكترونيات الضوئية على خدمة قطاع الاتصالات بل تعداه لقطاع الحواسيب، حيث تم استخدام الليزرات والكاشفات الضوئية في ما يسمى معدات الأقراص الضوئية، التي تقوم بتخزين كميات ضخمة من المعلومات تفوق بكثير الأقراص المغناطيسية.
خامسا: الإلكترونيات الرقمية
       إن الاستخدامات الأساسية للترانزستور وسلفه الصمام الإلكتروني، هو لتضخيم الإشارات الكهربائية ولتوليد الإشارات الكهربائية الحاملة للمعلومات، وفي دوائر التعديل التي تقوم بتحميل إشارات المعلومات على الترددات الحاملة. أما الاستخدام الأكثر أهمية للترانزستورات والذي يقف وراء ما يسمى بثورة المعلومات، فهو استخدام الترانزستور كمبدل أو مفتاح إلكتروني (electronic switch). ولقد تم استخدام الترانزستور كمفتاح إلكتروني منذ اختراعه، في بناء جميع الدوائر المنطقية الرقمية (Digital logic circuits) التي يحتاجها الحاسوب، حيث إن هذه الدوائر المنطقية ما هي إلا سلسلة من المفاتيح الموصولة على التوالي أو على التوازي، وعند القيام بفتحها وإغلاقها نحصل على العمليات المنطقية التي يعمل على أساسها الحاسوب الرقمي. ومع التحول إلى استخدام التقنية الرقمية في أنظمة الاتصالات الكهربائية في الستينات بدأت صناعة الإلكترونيات الرقمية تزدهر، وتخدم أنظمة الحواسيب وأنظمة الاتصالات الكهربائية، على حد سواء حيث إن الدوائر المنطقية الرقمية هي التي تقوم بمعالجة جميع أنواع الإشارات الرقمية، بغض النظر عن مصدرها. وتتعامل الدوائر الإلكترونية الرقمية مع عدد محدد من مستويات الجهد بدلا من العدد اللامتناهي في الدوائر العادية أو ما يطلق عليها الدوائر القياسية أو التشابهية.
        وتستخدم الدوائر الرقمية المستخدمة في الحاسوب وأغلب أجهزة الاتصالات الرقمية مستويين اثنين (two level) فقط من الجهد أو التيار، وتسمى مثل هذه الدوائر بالدوائر الرقمية الثنائية. إن أهم ما يميز الدوائر الرقمية الثنائية هو سهولة تصميمها وتصنيعها، لكونها تتعامل مع مستويين اثنين فقط من الجهد، ومقاومتها العالية لإشارات الضجيج المتولدة في داخل هذه الدوائر، وكذلك إمكانية ربط عدد كبير من مراحل المعالجة على التوالي دون أن تتشوه الإشارة الرقمية، خلال انتقالها عبر هذه الدوائر. وهنالك ميزة أخرى بالغة الأهمية لمصممي الأنظمة الرقمية وهي إمكانية بناء أنظمتهم، مهما بلغ تعقيدها ومهما كان الغرض الذي صممت من أجله من وحدات منطقية رقمية أساسية، كالبوابات المنطقية (logic gates) والمسجلات (registers) والمعقبات (multiplexers) والنطاطات (flipflops) والموقتات (timers).
الفرع السادس: أنظمة الاتصالات الكهربائية
       مع اختراع الكهرباء في مطلع القرن التاسع عشر، واستخدامه في أنظمة الاتصالات الكهربائية تمكن الإنسان من زيادة سرعة نقل المعلومات إلى أعلى سرعة كونية، وهي سرعة الضوء التي تبلغ ثلاثمائة ألف كيلومتر في الثانية. وبهذه السرعة الفائقة حطمت أنظمة الاتصالات الكهربائية حاجز المسافات بين البشر، وحققت لهم كثيرا من الأماني والأحلام، التي كان مجرد التفكير بها يعتبر ضربا من الخيال. فبإمكان البشر اليوم أين ما كان موقعه على سطح هذه الأرض، أن يتحادثوا بواسطة هواتف صغيرة، يحملونها في جيوبهم أو أن يتحاوروا بالصوت والصورة، من خلال مراكز المؤتمرات المرئية أو من خلال الهواتف المرئية. وبإمكانهم مشاهدة البرامج التلفزيونية، ومتابعة ما يقع من أحداث في هذا العالم من خلال آلاف المحطات التلفزيونية، التي تبثها مئات الأقمار الصناعية المعلقة في السماء.
وبإمكانهم أن يتصفحوا من خلال أجهزة الحاسوب مختلف أنواع المعلومات المكتوبة والمرئية والمسموعة المخزنة في عدد لا يحصى من المواقع الإلكترونية، الموزعة في جميع أنحاء العالم. وبإمكانهم إرسال واستقبال الرسائل والمستندات في ثواني معدودة، من خلال أجهزة الفاكس والبريد الإلكتروني، وكذلك إنجاز أعمالهم المكتبية ومعاملاتهم المالية والتجارية، وهم في بيوتهم وأماكن عملهم من خلال شبكات المعلومات وشبكة الإنترنت.
ولم يقتصر دور أنظمة الاتصالات على نقل المعلومات السمعية والمرئية والمقروءة، بل تعداها إلى تطبيقات بالغة الأهمية فاستخدموها في أنظمة التحكم والقياس، والمراقبة والاستشعار لنقل الإشارات بين مختلف الأجهزة والمعدات الموجودة، في الطائرات والقطارات والصواريخ والتلسكوبات الفضائية والأقمار الصناعية ومحطات الأرصاد الجوية، والمفاعلات النووية والمحطات الفضائية والمصانع والمستشفيات. واستخدمت في أنظمة الملاحة المختلفة كالرادارات وأنظمة تحديد الموقع، وأنظمة الاستهداء والتوقيت لتسهيل حركة الطائرات والسفن وناقلات النفط والقطارات والمركبات، وتجنيبها كثيرا من المشاكل كالتصادمات والاختناقات والضياع.
ومع تدني كلفة نقل المعلومات نتيجة لاستخدام الألياف الضوئية والأقمار الصناعية، بدأت تظهر تطبيقات جديدة للاتصالات، كالتعليم والتطبيب والعمل والتسوق عن بعد، مما سيجعل العالم قرية صغيرة، بحيث لا يكاد يحس الشخص بفارق المسافات، مع الأشخاص والمؤسسات التي يتعامل معها.
إن ثورة الاتصالات والمعلومات لم تكن لتصل إلى ما وصلت إليه، لولا مجموعة اكتشافات واختراعات تم إنجازها، على مدى قرنين من الزمن، كاكتشاف:
ـ الكهرباء في عام 1800م.
ـ والتلغراف في عام 1837م.
ـ والتلفون في عام 1871م.
ـ والأمواج الكهرومغناطيسية في عام 1890م.
ـ والمقسم الآلي في عام 1891م.
ـ وأنبوب الأشعة المهبطية في عام 1897م.
ـ والصمام الإلكتروني في عام 1906م.
ـ والتلفزيون في عام 1928م.
ـ والحاسوب في عام 1945م.
ـ والترانزستور في عام 1947م.
ـ والدائرة المتكاملة في عام 1958م.
ـ والليزر في عام 1960م.
ـ والليف الزجاجي في عام 1967م.
ـ والمعالج الدقيق في عام 1971م.
      لقد ارتبط تطور أنظمة الاتصالات والمعلومات ارتباطا وثيقا بتقنية الدوائر المتكاملة، فلولاها لكان حجم الهاتف النقال الذي نضعه اليوم في جيوبنا بحجم خزانة كبيرة، فيما لو صنع من الترانزستورات المنفردة. وإلى جانب الترانزستور والدائرة المتكاملة لعبت التقنية الرقمية دورا بارزا في ثورة الاتصالات والمعلومات، فقد عملت على تحويل مختلف أشكال المعلومات إلى شكل واحد، وهو سلسلة من النبضات ذات المستويين، مما أدى إلى استخدام تقنية الإلكترونيات الرقمية كتقنية موحدة لتصنيع جميع أجهزة الاتصالات والمعلومات.
أولا: أنظمة التلغراف والتلكس والفاكس
اخترع الأمريكي ” مورس” “التلغراف” في عام 1837م، وتمكن في عام 1844م ولأول مرة في تاريخ البشرية من إرسال أول رسالة برقية كهربائية عبر الأسلاك النحاسية. ويعمل التلغراف على تحويل الرسالة المكتوبة إلى سلسلة من النبضات الكهربائية الطويلة والقصيرة، باستخدام شيفرات محددة، قام “مورس” بوضعها لتمثيل الحروف الأبجدية، ويتم إرسالها بالضغط على مفتاح كهربائي، يقوم بإغلاق وفتح دائرة كهربائية، تمتد بين المرسل والمستقبل.
بدأت خدمة التلغراف بالانتشار بشكل متسارع في جميع أنحاء أمريكا الشمالية، ومنها إلى أوروبا وبقية دول العالم، وتم ربط المراكز البريدية ومحطات القطارات والمراكز المالية والدوائر الحكومية والوحدات العسكرية بشبكة من أنظمة التلغراف، فسهلت بذلك على الناس نقل الرسائل والأخبار بسرعة الضوء.
وتم مد أول كبل بحري عبر القنال الإنكليزي لتوفير خدمة التلغراف، بين فرنسا وإنكلترا في عام 1851م، وتم تشغيل أول نظام تلغراف بحري بين أوروبا وأميركا في عام 1866م.
وفي عام 1874م تمكن الأمريكي “أديسون” من إرسال أربع برقيات (اثنتين في كل اتجاه) على نفس الخط وتم زيادتها إلى 8 برقيات في عام 1915م.
وفي عام 1896م بدأت المحاولات لاستخدام الأمواج الكهرومغناطيسية، لنقل الرسائل البرقية لاسلكيا، ولكن بسبب ضعف الإشارات وعجزها عن تشغيل أجهزة استقبال التلغراف، تأخر استخدامها عمليا إلى أن تم اختراع الصمام الإلكتروني في عام 1906م.
ومع اختراع نظام الطباعة عن بعد (Teleprint) في عام 1901م أصبح بالإمكان إرسال الرسائل المكتوبة بشكل أسهل وأسرع، فما يطبع على طابعة الإرسال يظهر مباشرة على الورق عند طابعة الاستقبال، وبذلك بدأت خدمة الطابعات البعدية تحل تدريجيا محل التلغراف، الذي أصبح يعرف لاحقا بالتلكس (Telex). وفي عام 1931م تم استخدام مقاسم خاصة لربط الطابعات عن بعد، على غرار مقاسم الهاتف، وإعطاء رقم لكل مشترك، وبدأت شبكات التلكس بالانتشار، مع تزايد الطلب على الاشتراك بها من قبل الشركات والمؤسسات والبنوك وغيرها.
أما الفاكس (Fax) والذي يتميز على التلغراف والتلكس بقدرته على إرسال صورة طبق الأصل، عن الوثيقة الأصلية، فقد ظهر في عام 1924م، حيث تم استخدام المسح الميكانيكي لتحويل محتويات الصفحة المراد إرسالها إلى إشارة كهربائية، ترسل من خلال شبكات الهواتف العامة فيقوم جهاز آخر بإعادة طبعها على فيلم يتم تحميضه لإظهار الصورة.
لقد كانت عملية إرسال واستقبال الفاكس بالطريقة الميكانيكية بطيئة جدا، مما حد من انتشار هذه الخدمة، إلى أن ظهرت أنظمة المسح والإظهار الإلكترونية، في متصف السبعينات التي قلصت كثيرا زمن الإرسال، بحيث يمكن الآن إرسال واستقبال الصفحة في أقل من عشرة ثواني.
ثانيا: أنظمة الهواتف العامة
      تمكن الأمريكي الكسندر جراهام بل (Alexander Graham Bell) في عام 1875م، من اختراع جهاز الهاتف الذي يتكون من ميكرفون يحول الصوت إلى إشارة كهربائية، وسماعة تحول الإشارة الكهربائية إلى صوت.
وأسس بل في عام 1877م أول شركة للخدمة الهاتفية (شركة بل للهواتف)، التي قامت ببناء أول شبكة هاتفية في إحدى المدن الأمريكية، بسعة 21 خط. ومع تزايد الطلب على هذه الخدمة تم بناء شبكات هاتفية محلية مماثلة في بقية المدن الأمريكية، بحيث وصل عدد المشتركين بعد ثلاث سنوات إلى خمسين ألف مشترك.
وفي عام 1881م تم ربط الشبكات المحلية المتجاورة ببعضها، لتمكين المشتركين من الاتصال بالمناطق والمدن المجاورة، ضمن مدى لا يتجاوز المائة كيلومتر بسبب ضعف الإشارات الكهربائية.
وفي عام 1892م تم استخدام أول مقسم آلي بسيط في الشبكة الهاتفية، كبديل عن مأمور المقسم تم في عام 1896م استبداله بالهواتف القرصية، ذات العشرة أرقام والتي ترتبط بالمقسم بسلكيين فقط.
وفي عام 1915م تمكن المهندسون من زيادة مدى المكالمات الهاتفية لتصل إلى آلاف الكيلومترات، باستخدام مضخمات الصمامات الإلكترونية، التي تم اختراعها في عام 1906م.
وفي عام 1935م تم استخدام الكبلات المحورية، لنقل المكالمات الهاتفية بين المقاسم البعيدة وتم نقل عدد كبير من المكالمات على نفس الكبل باستخدام تقنية تعاقب التقسيم الترددي.
وفي عام 1946م تم استخدام أنظمة اتصالات الأمواج الدقيقة، لنقل المكالمات بين المدن وخاصة في المناطق الوعرة، التي يتعذر فيها مد الكبلات المحورية.
وفي عام 1955م بدأت الخدمة الهاتفية السلكية بين أوروبا وأميركا، بعد مد أول كبل محوري بحري بينهما عبر المحيط الأطلسي.
وفي الستينات من القرن العشرين ظهر الجيل الأول من المقاسم الإلكترونية المبنية من الترانزستورات، وتم استخدام التقنية الرقمية في نقل المكالمات بين المقاسم، وتم استخدام الأقمار الصناعية في نقل المكالمات الهاتفية بين القارات. تربط شبكة الهواتف العامة اليوم ما يزيد عن ألف مليون مشترك، موزعين على جميع أنحاء الكرة الأرضية. ولربط هذا العدد الضخم من المشتركين بهذه الشبكة العملاقة بأقل قدر ممكن من الأجهزة والأسلاك فقد تم ربط المشتركين في المنطقة الجغرافية الواحدة بمقاسم محلية، يتم ربطها بمقاسم مركزية، ثم مقاسم وطنية، ثم مقاسم دولية، وذلك من خلال استخدام قنوات الاتصال المناسبة، كالكوابل المحورية وكوابل الألياف الضوئية، ووصلات الأمواج الدقيقة والأقمار الصناعية. لقد صممت شبكة الهواتف العامة لنقل المكالمات الهاتفية إلا أنه يمكن الاستفادة من إمكاناتها لنقل أنواع أخرى من المعلومات، وبمعدلات تقع ضمن قدرات هذه الشبكة ولذا فقد تم استخدامها لربط أجهزة الفاكس والحواسيب.
ثالثا: أنظمة الهواتف المتنقلة والخلوية
      ظهرت فكرة أنظمة الاتصالات المتنقلة (mobile communication systems)، مع ظهور الإرسال اللاسلكي في بداية القرن العشرين، ولكن بسبب الحجم الكبير لأجهزة الإرسال والاستقبال، وحاجتها لطاقة عالية لتشغيلها فقد تأخر استخدامها إلى بداية الأربعينات، حيث استخدمت في أنظمة الملاحة الجوية والبحرية، وفي الاتصالات العسكرية. أما استخدامها في أنظمة الهواتف فقد تأخر إلى بداية الثمانينات، بعد نضوج تقنيات الدوائر المتكاملة والمعالجات الدقيقة، التي ساعدت على تصنيع هواتف صغيرة الحجم وخفيفة الوزن، وقليلة الاستهلاك للطاقة، يمكن حملها بالمركبات الصغيرة.
ونظرا لقلة الترددات المتاحة لشبكات الهواتف اللاسلكية فقد تم استخدام نظام الهواتف الخلوية (Cellular phones) من خلال تقسيم المنطقة الجغرافية المراد تغطيتها إلى عدد من المناطق تسمى الخلايا، يتراوح قطر الواحدة منها بين نصف كيلومتر وعدة كيلومترات، وتوجد في كل خلية محطة قاعدية تأمن الاتصال لكل مشترك، يدخل في حماها، ويمكن في هذا النظام زيادة عدد المشتركين بشكل كبير، من خلال إعادة استخدام الترددات المتاحة ولكن بطريقة مدروسة تفاديا للتداخل بين المكالمات المنقولة على نفس التردد في الخلايا المتجاورة.
يتكون نظام الهواتف الخلوية من محطات قاعدية وهواتف متنقلة ذكية، تتخاطب فيما بينها باستمرار، من خلال قنوات التأشير والتحكم لتأمين الترددات اللازمة لإجراء المكالمة، ويتم ربط المحطات القاعدية مع مركز تبديل وتحكم خاص بشبكة الهواتف الخلوية، لتأمين الاتصال بين جميع المشتركين ويتم ربط هذا المركز بمراكز تبديل شبكة الهواتف العامة لتأمين الاتصال مع مشتركي شبكة الهواتف العامة.
       بدأ استخدام الهواتف الخلوية التماثلية (analog cellular phones) في مطلع الثمانينات، بهواتف كانت تحمل في المركبات، ومع تطور تقنية الدوائر المتكاملة تم صناعة هواتف خلوية صغيرة الحجم وخفيفة الوزن، يمكن حملها من قبل الأشخاص.
وفي عام 1992م ظهر في أوروبا النظام العالمي للاتصالات المتنقلة، والذي يستخدم التقنية الرقمية بدلا من التقنية التماثلية، ويمتاز بإمكانية زيادة عدد المشتركين باستخدام تقنيات متقدمة لضغط الصوت.
وفي منتصف التسعينات بدأ في أميركا العمل على تطوير نظام جديد للهواتف الخلوية، وهو نظام الاتصالات الشخصي، الذي يستخدم الأقمار الصناعية غير المتزامنة، ذات المدارات المنخفضة والمتوسطة، كمحطات قاعدية، والتي يمكنها التقاط إشارات الهواتف الخلوية الضعيفة لقربها من الأرض، غير أنها لا تظهر في سماء المنطقة إلا لفترة زمنية معينة، نتيجة لعدم تزامن دورانها مع دوران الأرض، كما في الأقمار المتزامنة ولهذا لا بد من وضع عدد كافي من هذه الأقمار في عدة مدارات توزع فيها أقمار المدار الواحد على محيطه بانتظام، بحيث كلما غاب أحدها طلع القمر الذي يليه، فتحول المكالمات تلقائيا إليه. لقد بدأت عدة شركات عالمية ببناء مثل هذه الأنظمة أشهرها نظام شركة “موتورولا”، الذي يتكون من 66 قمر موزعة على ستة مدارات دائرية فوق قطبية.
رابعا: أنظمة اتصالات الكبلات البحرية
       لعبت الكابلات البحرية (Submarine cables) دورا كبيرا في نقل المكالمات الهاتفية، بين المقاسم الوطنية والإقليمية والدولية قبل ظهور أنظمة الأمواج الدقيقة في الخمسينات، وفي نقل المكالمات الهاتفية فيما بين القارات قبل ظهور أنظمة الأقمار الصناعية في الستينات. ويعتبر مد الكابلات في المحيطات، تحديا كبيرا للمهندسين نظرا للمسافات الكبيرة، بين القارات والتي تصل إلى آلاف الكيلومترات، إلى جانب إمكانية تعرض الكابلات للتلف من ضغط الماء الهائل في قاع المحيطات، وحاجتها للطاقة الكهربائية اللازمة، لتشغيل المعيدات التي توضع بعد كل عدة كيلومترات، على طول الكبل والتي لا يمكن تزويدها إلا من عند طرفي الكبل. وفي عام 1956م، تم مد أول كبل بحري محوري بين أوروبا وأميركا الشمالية عبر المحيط الأطلسي بطول 3500 كيلومتر وبسعة 50 مكالمة هاتفية، وآخر في عام 1957م بين كاليفورنيا في غرب الولايات المتحدة، وبين جزيرة هاواي عبر المحيط الهادي بطول 3600 كم وبنفس السعة.
وفي عام 1964م تم مد أول كبل بحري محوري من هاواي إلى اليابان بطول عشرة آلاف كيلومتر وبسعة 128 مكالمة، وكانت المسافة بين المعيدات في هذه الأنظمة تتراوح ما بين عشرة كيلومترات وثلاثون كيلومتر. وآخر ما تم مده من الكابلات البحرية المحورية (coaxial submarine cables) فقد كان بين بريطانيا والولايات المتحدة بسعة أربعة آلاف مكالمة في عام 1983م وما بين كندا وأستراليا، بطول خمسة عشر ألف كيلومتر وبسعة 1380 مكالمة، في عام 1984م. وبعد ظهور أنظمة الألياف الضوئية في بداية الثمانينات توقف مد كوابل بحرية جديدة لأغراض أنظمة الاتصالات بعيدة المدى.
وفي بداية الثمانينات بدأت شركات الاتصالات باستخدام الألياف الضوئية (optical fibers)، بدلا من الكابلات المحورية (Coaxial cables) في مختلف أنظمة الاتصالات، كربط المقاسم المحلية والوطنية والدولية وإنشاء شبكات المعلومات، وشبكات التوزيع التلفزيونية، ونظم الاتصالات الداخلية في الطائرات والسفن وفي أنظمة الاتصالات العسكرية، بحيث وصل طول مجموع ما تم مده من ألياف في العالم مع نهاية عام 1987م خمسة ملايين كيلومتر، ووصل الرقم إلى عشرين مليون كيلومتر مع نهاية عام 1999م.
وفي عام 1988م تم مد أول كبل بحري باستخدام الألياف الضوئية، يربط أميركا مع أوروبا بطول ستة آلاف كيلومتر وبسعة أربعين ألف مكالمة هاتفية وبلغت المسافة بين المعيدات 50 كيلومتر. وفي بداية التسعينات بدأ استخدام المضخمات الضوئية (optical amplifiers) بدلا من المعيدات الإلكترونية (electronic repeaters)، في تقوية الإشارات الضوئية مما ساعد في تصميم أنظمة اتصالات ألياف ضوئية يصل مداها لآلاف الكيلومترات، وتصل المسافة بين المضخمات الضوئية إلى مائة كيلومتر.
ولقد سهلت المضخمات الضوئية استخدام تقنية تعاقب التقسيم الموجي (wavelength division multiplexing)، الذي يسمح بزيادة كمية المعلومات المرسلة على نفس الليف بإضافة، موجات حاملة جديدة قد يصل عددها إلى عشرات الموجات والتي تستطيع كل منها حمل مئات الآلاف من المكالمات الهاتفية وبهذا أصبح بإمكان الليف الزجاجي نقل أكثر من مليون مكالمة هاتفية في نفس الوقت.
وبسبب الطلب المتزايد على خدمات الإنترنت فقد أصبحت الحاجة ماسة لمد مزيد من كبلات الألياف الضوئية البرية، منها والبحرية وبدأت كثير من شركات الاتصالات العالمية بتنفيذ مشاريع عملاقة للكبلات الضوئية تربط جميع القارات ببعضها نذكر منها على سبيل المثال الكبل الضوئي (فلاق-1 ) الذي تم مده في عام 1997م، بين بريطانيا واليابان مرورا بالساحل الغربي لأوروبا وعابرا البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر وبحر العرب والمحيط الهندي بطول 27 ألف كيلومتر وبسعة 20 جيقابت، في الثانية ( كل جيقابت في الثانية يعادل 15 ألف مكالمة هاتفية غير مضغوطة) والكبل الضوئي (عبر الأطلسي-1)، الذي تم مده في عام 1998م بين أمريكا الشمالية وأوروبا بطول 14 ألف كيلومتر وبسعة 40 جيقابت في الثانية، وتم رفع السعة إلى 80 جيقابت في الثانية في نهاية عام 1999م، والكبل الضوئي (عبر الهادي-1) الذي سيبدأ مده هذا العام بين أمريكا الشمالية واليابان، بطول 21 ألف كيلومتر. ولقد بلغت السعة الكلية للألياف الضوئية بين أمريكا وأوروبا في عام 1994م، 5 جيقابت في الثانية وارتفعت إلى 45 جيقابت في الثانية، في عام 1998م و150 جيقابت في الثانية في عام 1999م. وتم كذلك بناء شبكات ضوئية تربط الدول المتجاورة ببعضها كما في الشبكة الضوئية الأوروبية التي تربط كبرى المدن الأوروبية من خلال كبل ضوئي بطول 45 ألف كيلومتر وبسعة 160 جيقابت في الثانية. وهنالك مشروع ضخم بوشر العمل به لمد كبل ضوئي بري بحري حول العالم، لربط 170 دولة بطول 275 ألف كيلومتر، وبسعة تصل إلى ألف جيقابت في الثانية أي ما يعادل 15 مليون مكالمة هاتفية غير مضغوطة.
خامسا: أنظمة اتصالات الأمواج الدقيقة
      لقد كان لاكتشاف الأمواج الدقيقة (microwave) أثناء الحرب العالمية الثانية واستخدامها في أنظمة الرادار، الفضل في تطور نظم اتصالات لاسلكية قادرة، على نقل المكالمات الهاتفية والإشارات التلفزيونية بدلا من الكابلات المحورية، التي يتطلب مدها جهدا كبيرا ووقتا طويلا، خاصة في المناطق ذات التضاريس الصعبة. والأمواج الدقيقة هي موجات كهرومغناطيسية تتراوح تردداتها بين واحد جيقاهيرتز وثلاثمائة جيقاهيرتز، وتنتشر كموجات فضائية بين هوائيي الإرسال والاستقبال، والذي يتطلب وجود رؤيا مباشرة بينهما مما يجعل المسافة القصوى بين الهوائيين لا تزيد عن مائة كيلومتر بسبب كروية الأرض.

ولكن هذا التحديد لا يمنع من بناء أنظمة اتصالات أمواج دقيقة بعيدة المدى، طالما أنه لا يوجد عوائق طبيعية، كالبحار والمحيطات تفصل بين المرسل والمستقبل وذلك باستخدام الإرسال متعدد القفزات، الذي يستخدم محطات تقوية (معيدات)، تعمل على استقبال الإشارات الضعيفة فتضخمها ثم تعيد تبثها باتجاه المعيد، الذي يليه حتى تصل إلى المحطة النهائية. وتستخدم أنظمة الأمواج الدقيقة تقنيات تختلف عن تلك المستخدمة في بقية أنظمة الاتصالات، التي تعمل على الترددات دون واحد جيقاهيرتز، حيث إن الكابلات المحورية والهوائيات السلكية لا يمكنها نقل أو بث الموجات الدقيقة، ولذا فقد تم استخدام مرشدات الأمواج والهوائيات الصحنية، بدلا منها إلى جانب استخدام أنواع خاصة من الصمامات لتوليد وتكبير هذه الأمواج.
وفي عام 1946م ظهر أول نظام اتصالات أمواج دقيقة في أميركا، بسعة ثمان مكالمات هاتفية على الحامل الواحد، وبدأت هذه الأنظمة بالانتشار السريع بسبب سهولة تركيبها، وتم استخدامها في ربط المقاسم المحلية والوطنية والدولية، وفي نقل الإشارات التلفزيونية من الاستديوهات، إلى محطات البث والتقوية. وفي غضون سنوات قليلة تم رفع عدد المكالمات المحمولة على الحامل الواحد، ليصل إلى ألفي مكالمة، مع العلم أنه يمكن بث عشرات الحوامل باستخدام نفس الهوائيات ومرشدات الأمواج والمضخمات.
وفي عام 1976م تم استخدام التقنية الرقمية في أنظمة الأمواج الدقيقة، مما زاد من عدد المكالمات المنقولة وزاد من مقاومتها للضجيج والتداخل.
سادسا: أنظمة اتصالات الأقمار الصناعية
      اقترح كاتب الخيال العلمي الأمريكي أرثر كلارك (Arthur Clarke) في عام 1945م حلا، لمشكلة الاتصالات فيما بين القارات، بوضع أقمار صناعية في مدار متزامن حول الأرض، لتعمل كمعيدات تقوم باستقبال الإشارات من محطات أرضية، ثم تعيد بثها ثانية إلى الأرض لتستلمها محطات أرضية أخرى على بعد آلاف الكيلومترات.
ولكن يلزم لوضع القمر الصناعي (satellite) في هذا المدار وجود صواريخ دفع جبارة لإخراجه من نطاق الجاذبية الأرضية، ويلزم كذلك وجود طاقة كهربائية دائمة لتشغيل أجهزة الاتصالات والمعدات الموجودة فيه. لقد ساعد سباق التسلح بين الدول العظمى في مجال تقنية الصواريخ العابرة للقارات، على صناعة صواريخ قادرة على الخروج من نطاق الجاذبية الأرضية، مما مكن الاتحاد السوفيتي في عام 1957م من إطلاق أول قمر صناعي تجريبي (سبوتنيك 1)، تم وضعه في مدار أرضي منخفض غير متزامن وتبعته الولايات المتحدة الأمريكية، فأطلقت قمرها الصناعي الأول (إكسبلورر1) في عام 1958م.
ومنذ ذلك الحين بدأ التسابق بين الدولتين لإطلاق أقمار صناعية، لشتى الأغراض العسكرية والمدنية والعلمية، ففي مجال الاتصالات أطلقت أمريكا في عام 1962م أول قمر صناعي غير متزامن (تيليستار1)، أتبعته في عام 1963م بقمر صناعي متزامن (سينكوم2)، بينما أطلقت روسيا قمرها الصناعي غير المتزامن (مولينيا1) في عام 1965م.
والمدار المتزامن (synchronous orbit) هو مدار دائري يقع فوق خط الاستواء على ارتفاع ستة وثلاثون ألف كيلومتر تقريبا، وهو المدار الوحيد الذي يبدو فيه القمر ثابتا، لمن يشاهده من على الأرض نتيجة لتساوي سرعة دورانه، مع سرعة دوران الأرض وبمجرد أن يتم وضع القمر في المكان المخصص له في المدار فإنه يبقى يدور فيه دون الحاجة لقوة دفع جديدة نتيجة لتساوي قوة الطرد المركزي مع قوة الجاذبية الأرضية. ويستطيع القمر الصناعي المتزامن أن يغطي 40 بالمائة من مساحة سطح الأرض، وباستخدام ثلاثة أقمار متزامنة يمكن تغطية جميع سطح الأرض باستثناء مناطق صغيرة حول القطبين، ومن ميزاته أنه يستخدم هوائيات ثابتة التوجيه في المحطات الأرضية ولكن بسبب ارتفاعه الكبير يلزمه قدرة بث عالية، ويوجد تأخير في وصول الإشارات بين المحطات الأرضية بمقدار ربع ثانية.
أما المدارات غير المتزامنة فهي كل ما عدا المدار المتزامن، من مدارات وقد تكون على شكل دائري أو إهليلجي أما ارتفاعاتها فيجب أن تكون فوق الغلاف الجوي (500 كيلومتر)، لتجنب الاحتكاك به وخارج نطاق حزام إشعاعات “فان ألن” (بين ألفين وعشرة آلاف كيلومتر) لتجنب الإشعاعات الضارة بالخلايا الشمسية، وأجهزة الاتصالات، ولذا يوجد نوعان من الأقمار الصناعية غير المتزامنة، وهي الأقمار منخفضة المدار (500 إلى 2000 كيلومتر)، والأقمار متوسطة المدار (بين عشرة آلاف وعشرين ألف كيلومتر).
ونظرا لعدم تزامن حركة الأقمار غير المتزامنة مع حركة الأرض، فإنها تبدو غير ثابتة لمن يشاهدها من على الأرض، مما يستدعي استخدام هوائيات متحركة، تقتفي حركة القمر منذ طلوعه حتى غيابه، ويلزم لحل مشكلة انقطاع الاتصالات عند غياب القمر استخدام عدة أقمار موزعة بانتظام على محيط المدار بحيث إذا غاب أحدها طلع القمر الذي يليه ليستلم مكانه.
ولتغطية جميع سطح الأرض بنظام اتصالات أقمار غير متزامنة، يتطلب وجود عدد كبير من الأقمار في عدة مستويات مدارية، حيث يلزم أكثر من عشرة أقمار في المدارات المتوسطة وأكثر من أربعين قمرا في المدارات المنخفضة مقابل ثلاثة أقمار في المدار المتزامن.
     يحمل القمر الصناعي عددا من أجهزة الاستقبال والإرسال، تسمى المستجيبات (transponders)، وعددا من الهوائيات، وعددا كبيرا من الخلايا الشمسية المرصعة على جسم القمر، أو على أجنحة ممتدة منه تقوم بتحويل الطاقة الشمسية إلى طاقة كهربائية، تخزن في بطاريات لتشغيل أجهزته المختلفة، وأجهزة للتحكم والقياس ومجموعة من الأنابيب المملوءة بالغاز، لاستخدامه كقوة دافعة عند نفثه من حين لآخر، لمنع القمر من الانحراف عن المكان المخصص له في المدار.
ويخصص لكل قمر محطة أرضية تعمل على مراقبة وضعه في مداره، وحالة أنظمته المختلفة من خلال أجهزة قياس ومجسات مختلفة، تقوم بإرسال قياساتها إلى المحطة الأرضية، التي ترسل الأوامر لتصحيح وضع القمر، وإصلاح الأعطال التي قد تصيب أجهزته، وكذلك توجيه الهوائيات إلى مناطق التغطية المختلفة على سطح الأرض.
ويتحدد عدد المكالمات الهاتفية والإشارات التلفزيونية، التي يمكن للقمر نقلها من عدد المستجيبات، التي يحملها حيث يستطيع المستجيب الذي يبلغ عرض نطاقه 36 ميغاهيرتز أن ينقل إشارة تلفزيونية واحدة، أو ما يقرب من ألف مكالمة هاتفية باتجاه واحد في حالة استخدام التقنية التماثلية، أما في حالة استخدام التقنية الرقمية فيمكن زيادة عدد الإشارات التلفزيونية والمكالمات الهاتفية إلى عدة أضعاف. ويتحدد عدد المستجيبات التي يمكن للقمر حملها من كمية الطاقة الكهربائية التي تولدها الخلايا الشمسية، وتقوم كفاءة الخلايا الشمسية بدور كبير في تحديد أحجام هوائيات الإرسال والاستقبال، في القمر الصناعي وفي المحطات الأرضية حيث وصلت حديثا إلى ما يزيد عن 30 بالمائة، بعد أن كانت لا تتجاوز العشرة بالمائة، مما ضاعف من عدد المستجيبات وقلل من أحجام الهوائيات.
يتحدد عمر القمر الافتراضي من كمية الغاز الذي يحمله فمع انتهاء كمية الغاز يصبح من الصعب الحفاظ على القمر في مداره الصحيح، ويبلغ عمر الأقمار الصناعية الحديثة سبعة عشر عاما مقابل سبعة أعوام في الأقمار القديمة.
تولت الهيئة الدولية للاتصالات الفضائية (إنتلسات) Intelsat مهمة تأمين الاتصالات الدولية، فيما بين جميع دول العالم وأطلقت الجيل الأول من أقمارها الصناعية المتزامنة في عام 1965م، وجيلها الثامن في عام 1997م.
وتتكون منظومة انتلسات من أسطول من الأقمار الصناعية، يتكون حاليا من سبعة عشر قمرا، موزعة على ثلاث مواقع تقع فوق المحيط الأطلسي والهندي والهادي، ويمكن لأي دولة الاتصال ببقية دول العالم من خلال هوائيين موجهين لموقعين من هذه المواقع الثلاث، ويبلغ عدد المستجيبات على القمر الواحد من أقمار الجيل الثامن 44 مستجيبا، تقوم بنقل ثلاث قنوات تلفزيونية وخمسة وأربعون ألف دائرة هاتفية باتجاه واحد. وإلى جانب خدمة انتلسات، قامت كثير من الدول باستخدام أقمار صناعية خاصة بها لتأمين اتصالاتها الداخلية والخارجية مع الدول المجاورة فقد أطلق:
ـ الفرنسيون قمرهم في عام 1965م
ـ والكنديون في عام 1967م
ـ والألمان في عام 1969م
ـ واليابانيون والصينيون في 1970م
ـ والإنكليز في عام 1971م
ـ والهولنديون والإسبان في عام 1974م
ـ والهنود والإندونيسيون في عام 1976م
ـ والعرب والبرازيليون في عام 1985م
ـ والسويديون في عام 1986
ـ والإسرائيليون في عام 1988م
ـ والباكستانيون والأرجنتينيون في عام 1990م
ـ والكوريون في عام 1992م
ـ والبرتغاليون في عام 1993م
ـ والأتراك في عام 1994م
ـ والماليزيون في عام 1996م.
وفي مطلع الثمانينات بدأ استخدام الأقمار الصناعية المتزامنة لبث القنوات التلفزيونية مباشرة، إلى المنازل من خلال مئات الأقمار التي تبث آلاف القوات التلفزيونية التماثلية والرقمية، وفي نهاية التسعينات بدأ استخدام الأقمار الصناعية غير المتزامنة لتقديم خدمة الهاتف النقال وخدمة الإنترنت.
سابعا: أنظمة اتصالات أخرى
     من الصعب جدا حصر أوجه استخدام أنظمة الاتصالات، حيث إنها وبسبب تدني كلفتها وصغر حجمها وقلة استهلاكها للطاقة، بدأت تدخل في تطبيقات متعددة مكنتها من القيام بمهام كان يصعب إنجازها بدونها.
ففي أنظمة الاتصالات العسكرية الحديثة، تم تقليص الوقت والمسافات عند تنفيذ العمليات العسكرية، وقد يؤدي غيابها أو تعطلها أو سوء استخدامها إلى إلحاق الهزائم بالجيوش والدول. ولقد توسعت ساحات المعارك نتيجة لاستخدام هذه الأنظمة، وأصبحت العمليات العسكرية تدار من على بعد آلاف الكيلومترات، وقد يتوفر للقيادات العليا من المعلومات عن مجريات المعركة أكثر مما يتوفر للقادة الميدانيين.
وتقوم أنظمة الاتصالات العسكرية بنقل الأوامر العسكرية، بين وحدات الجيش المختلفة وبين القيادات العليا والقادة الميدانيين، وفيما بين القادة والجنود.
وتقوم كذلك بجمع المعلومات عن وحدات وأسلحة ومعدات العدو وعن طبيعة ساحة المعركة الجغرافية والمناخية ومواقع تمركز وحداته وآلياته، وعن تحركاته العسكرية.
وعلى الرغم من الدور الكبير الذي تلعبه أنظمة الاتصالات في تسهيل العمليات العسكرية إلا أنها قد تكون سببا في هزيمة الجيوش، إن لم تأخذ الاحتياطات اللازمة عند استخدامها، فالإشارات اللاسلكية المنبعثة من أجهزة الاتصالات تنتشر في كل الاتجاهات، متيحة الفرصة للعدو لالتقاطها واستخدامها في تحديد مواقع هذه الأجهزة، فيعمل على تدميرها أو التنصت عليها، أو التشويش عليها للحيلولة دون وصول المعلومات لوجهتها.
ولهذا فإنه إلى جانب حرب النيران الظاهرة التي تدور رحاها بين الجنود والدبابات والمدافع والطائرات والصواريخ، هناك حربا إلكترونية صامتة تدور رحاها بين أجهزة الإرسال والاستقبال اللاسلكية، عند كلا الجانبين، وقد تكون نتيجة المعركة لصالح من يحسن إدارة هذه الحرب الإلكترونية.
ويقوم مهندسو الحرب الإلكترونية بمنع العدو من الاستفادة من الإشارات المنبعثة من أجهزتهم اللاسلكية، باستخدام طرق مختلفة لتشفير وتعديل وتمويه المعلومات، بما يسمى بالإجراءات الإلكترونية. ويقومون كذلك بمراقبة الإشارات اللاسلكية المنبعثة من أجهزة ومعدات العدو، لتحديد مواقعها أو التنصت عليها أو التشويش عليها، لمنعه من الاستفادة منها بما يسمى بالإجراءات الإلكترونية المضادة. ومع انتشار أنظمة الأقمار الصناعية بدأت تلعب دورا بارزا في تقديم شتى الخدمات للأغراض العسكرية، كنقل المعلومات العسكرية من خلال هوائيات صغيرة تنصب في ساحة المعركة لتأمين الاتصال بين طرفين موجودين في ساحة المعركة أو على بعد آلاف الكيلومترات وفي تحديد مواقع الأهداف بدقة متناهية باستخدام أقمار أنظمة تحديد الموقع، وفي تصوير المواقع والأهداف باستخدام أقمار الرصد والتجسس.
وفي الملاحة الجوية تساعد أنظمة الاتصالات أبراج المراقبة في المطارات على متابعة حركة الطائرات الداخلة في أجوائها، فتقوم بترتيب مواعيد إقلاعها وهبوطها بشكل دقيق، وتقوم بمتابعة حركتها بين المحطات المختلفة، مما قلل كثيرا من حوادث الطيران.
وفي الملاحة البحرية جنبت أنظمة الاتصالات السفن التجارية وناقلات النفط كثيرا من المشاكل والخسائر المادية، أثناء عبورها للبحار والمحيطات، وجنبت الموانئ كثيرا من الاختناقات والتصادمات بين السفن.
وبفضل أنظمة الاتصالات أصبح تحديد الموقع والاتجاه يتم بدقة متناهية باستخدام نظام تحديد الموقع العالمي، الذي يحدد خط الطول وخط العرض والارتفاع، في أي مكان على سطح الكرة الأرضية من خلال 24 قمرا صناعيا، موضوعة في ستة مدارات أرضية متوسطة تقوم ببث إشارات توقيتية بشكل منتظم إلى الأرض، فيتم استقبال بعضها بجهاز يدوي بسيط، يقوم بحساب إحداثيات الموقع مستفيدا من التأخير الزمني بين الإشارات المستلمة.
ولقد تم استخدام هذا النظام في السفن والطائرات والشاحنات والمركبات والآليات العسكرية، والسيارات وحتى الأشخاص حيث لا يتجاوز كلفة بعض أجهزة تحديد الموقع المائة دولار.
      وفي رحلات استكشاف الفضاء ساعدت أنظمة الاتصالات على إرسال مركبات فضائية، إلى القمر وإلى كواكب المجموعة الشمسية، حيث تقوم أنظمة الاتصالات بنقل الأوامر من المحطات الأرضية إلى المركبات الفضائية، للتحكم بمسار سيرها وبنقل البيانات والمعلومات التي تجمعها أجهزة الاستكشاف إلى المحطات الأرضية.
ويعتبر تصميم أنظمة الاتصالات من أصعب مهام بناء المركبات الفضائية، وذلك لبعد المسافات بين المرسلات والمستقبلات، والتي تصل إلى ملايين الكيلومترات، ولقلة الطاقة الكهربائية المتوفرة على ظهر المركبة والتي يتم توفيرها باستخدام الخلايا الشمسية أو باستخدام المولدات الكهروحرارية.
وعلى الرغم من كل هذه الصعوبات فقد تم إرسال عدد كبير من المركبات الفضائية، إلى القمر وإلى جميع كواكب المجموعة الشمسية، وقامت بإرسال معلومات وصورا عن أجوائها وطبيعة سطوحها وتربتها، وتم كذلك وضع عدد من الأقمار الصناعية والمحطات الفضائية حول الأرض، تحمل مقاريب ضوئية وراديوية وأجهزة رصد واستشعار، تقوم بالتقاط كل ما يصدر عن أجرام الكون من إشعاعات فزودت العلماء بمعلومات قيمة عن الكون، لم يكن بإمكانهم الحصول عليها من على سطح الأرض بسبب جو الأرض الذي يمتص كثيرا من هذه الإشعاعات التي تحمل بصمات تاريخ تطور الكون.
وفي أنظمة الأرصاد الجوية، توجد شبكة من الأقمار الصناعية ومحطات الرصد الأرضية الموزعة على أنحاء الكرة الأرضية، تقوم بجمع كميات ضخمة من الصور والبيانات عن الحالة الجوية في مختلف مناطق العالم، فيتم إرسالها إلى دوائر الرصد الجوي، التي تقوم بمعالجتها وتوزيعها على الجهات المعنية لأخذ الاحتياطات اللازمة لمواجهة الظروف الجوية، والتقليل من عواقب الكوارث الطبيعية، وحوادث الطائرات والسفن والقطارات والمركبات.
وفي المجال الطبي تستخدم أنظمة الاتصالات في مراقبة حالات المرضى في المستشفيات، وفي البيوت وأماكن العمل من خلال أجهزة قياس محمولة، يتم إرسال قراءتها بشكل متواصل لغرف المراقبة، وتستخدم كذلك فيما يسمى بخدمة التطبيب عن بعد، حيث يمكن للأطباء المختصين القيام بفحص المرضى من على بعد مئات أو آلاف الكيلومترات، من خلال أنظمة اتصالات سمعية ومرئية متقدمة مما جنب المرضى والأطباء عناء وتكاليف السفر، وسيتم في القريب العاجل إجراء بعض العمليات الجراحية من على بعد باستخدام الروبوتات الآلية.
وفي أنظمة الحماية ضد السرقات والحرائق تستخدم أنظمة الاتصالات في نقل الإشارات الصادرة عن كاميرات المراقبة، وأجهزة الإنذار في البنوك والمصانع والمتاجر والبيوت، إلى غرف المراقبة في المراكز الأمنية ومراكز الدفاع المدني مما قلل كثيرا من خسائرها وكلفة حمايتها.
وفي شركات الكهرباء تستخدم أنظمة الاتصالات للمراقبة والتحكم في الأجهزة والمعدات الموجودة، في محطات التوليد والتحويل ومحطات الربط وخطوط النقل، وتستخدمها أيضا في قراءة العدادات المختلفة بما فيها عدادات المنازل ونقلها إلى مراكز الحوسبة.
وتستخدم أنظمة الاتصالات في ربط البنوك وفروعها ومواقع الصراف الآلي، مما سهل على الزبائن إنجاز معاملاتهم المالية. وتساعد أنظمة الاتصالات شرطة السير والدفاع المدني في رفع كفاءة عملها من خلال تسهيل الاتصال فيما بين مراكزها ودورياتها، وفي بناء أنظمة مراقبة وتحكم وإنذار متطورة.
وفي أنظمة التجسس تستخدم أنظمة الاتصالات لجمع شتى أنواع المعلومات السرية، عن الأفراد والأحزاب والهيئات والحكومات والمصانع والجيوش من خلال أجهزة تنصت، ومراقبة تتكون من ميكرفونات وكاميرات ومستشعرات ومرسلات، يكون بعضها من الصغر بحيث يتم وضعها في ساعة أو قلم أو هاتف الشخص.
وتستخدم الدول الكبرى الأقمار الصناعية في التجسس على كثير من الدول في جميع أنحاء العالم، من خلال التقاط إشارات المعلومات التي تبثها أجهزة اتصالاتها المختلفة العسكرية منها والمدنية.
إن السيناريو المتوقع لما ستكون عليه تقنية الاتصالات والمعلومات في غضون السنوات القادمة هو وجود شبكة عالمية واحدة للمعلومات، تشكل الألياف الضوئية والأقمار الصناعية العمود الفقري لها وسيكون بمقدور الإنسان أن يستلم المعلومات المختلفة، إما لاسلكيا بواسطة الأقمار الصناعية، وهو خارج منزله أو سلكيا بواسطة الألياف الضوئية، وهو في منزله.
وسيكون لكل فرد في المجتمع جهازان جهاز صغير بحجم الكف، يحمله في تجواله ويستخدمه كهاتف مرئي يحادث به من يشاء بالصوت والصورة، أو كتلفزيون يشاهد به مختلف المحطات التلفزيونية، أو كحاسوب يتصل من خلاله بشبكة الإنترنت. أما جهازه البيتي فسيقوم بنفس المهام التي يقوم بها جهازه اليدوي، ولكن بقدرة أكبر للتعامل مع شبكة الإنترنت، وبشاشة أكبر لإظهار صور تلفزيونية عالية الوضوح، وذلك لقدرة الألياف الضوئية على ضخ كميات ضخمة من المعلومات، بالمقارنة مع الأقمار الصناعية.
لقد بدأت كلفة استخدام شبكات المعلومات تنخفض بشكل كبير في السنوات الأخيرة، بسبب القدرة الهائلة للألياف الضوئية على نقل المعلومات وسيؤدي هذا الانخفاض إلى انتشار خدمات كثيرة، كانت تحول دون تنفيذها الكلفة العالية لقنوات الاتصال كخدمة التعلم والتعليم عن بعد، والتطبيب عن بعد والعمل عن بعد وإنجاز المعاملات عن بعد والسياحة عن بعد.
الفرع السابع: أنظمة الحاسوب
      يمتد تاريخ تطور الحاسوب الحديث إلى بداية القرن السابع عشر، حين بدأ العلماء مع بروز بوادر ما يسمى بالثورة العلمية في مجالات علمية مختلفة، كعلوم الفلك والرياضيات والفيزياء والميكانيكا، والتي احتاج العلماء فيها إجراء عمليات رياضية أكثر تعقيدا من العمليات الحسابية البسيطة، التي كانوا يحتاجونها قبل ذلك.
ففي عام 1617م تمكن السكوتلندي جون نابير (John Napier) من اختراع المسطرة المنزلقة، والتي يمكنها إجراء العمليات الحسابية الأربع، وكذلك إيجاد اللوغاريتمات، وبسبب خفة وزن هذه المسطرة فقد انتشر استخدامها انتشارا واسعا، واستمر استخدامها من قبل الباحثين وطلبة الجامعات إلى منتصف السبعينات من القرن العشرين.
وفي عام 1643م تمكن العالم الفرنسي بليس باسكال (Blaise Pascal) من تصنيع أول حاسبة ميكانيكية (mechanical calculator)، باستخدام التروس يمكنها إجراء عمليات الجمع والطرح، وتم تطويرها لاحقا من قبل عالم الرياضيات الألماني ليبنز (Leibniz) في عام 1674م، لتشمل عمليات الضرب والقسمة.
وفي عام 1890م وبعد اختراع المحركات الكهربائية تمكن الأمريكي هوليرث (Hollerith) من تصنيع أول آلة حاسبة كهروميكانيكية (electromechanical calculator)، وقام باستخدام البطاقات والأشرطة الورقية المثقبة لتسريع عملية إدخال الأرقام إلى هذه الحاسبة.
وفي عام 1930م تم تصنيع أول حاسوب تشابهي(Analog computer) ، غير رقمي يستخدم مضخمات العمليات المصنعة من الصمامات الإلكترونية، وتمتاز هذه الحواسيب التشابهية بقدرتها على حل المعادلات التفاضلية والتكاملية، من خلال تمثيل الكميات الرياضية باستخدام الجهود والتيارات الكهربائية.
وفي عام 1937م تمكن العالم الإنكليزي ألن تورنغ (Alan Turing) من تصنيع أول آلة حاسبة إلكترونية رقمية (digital electronic calculator)، باستخدام الصمامات الإلكترونية، وقد تم استخدام هذه الحاسبة أثناء الحرب العلمية الثانية لفك الشيفرات، التي استخدمها الألمان في نقل المعلومات بين وحداتهم العسكرية، فكانت سببا في انتصار قوات الحلفاء على الألمان.
وفي عام 1938م تمكن الالماني كونراد زيوس (Konrad Zuse) من تصنيع أول حاسبة إلكترونية (electronic calculator)، تستخدم الأرقام الثنائية بدلا من الأرقام العشرية.
وفي عام 1943م بوشر العمل في تصنيع أول حاسوب إلكتروني رقمي (digital electronic computer)، في قسم الهندسة الكهربائية في جامعة بنسيلفانيا الأمريكية، بدعم من وزارة الدفاع الأمريكية، وذلك لأهميته البالغة في الحرب العالمية الثانية حيث كانت الحاجة ماسة لأجهزة حاسبة سريعة لتحديد مسارات الصواريخ، والقذائف والتي كانت يستغرق حسابها عدة أيام باستخدام الآلات الحاسبة الكهروميكانيكية.
وقد تم الانتهاء من تصنيع هذا الحاسوب الإلكتروني في عام 1946م، حيث استخدم في تصنيعه ثمانية عشر ألف صمام إلكتروني مثبتة داخل أربعين خزانة حديدية، وكان يحتل ما مساحته مائتي متر مربع ويستهلك 174 كيلواط من الطاقة الكهربائية. و
كانت برمجة هذا الحاسوب تتم من خلال التحكم بأعداد كبيرة من المفاتيح والكيبلات الموجودة على واجهات تلك الخزائن، والتي يتم تغيير ترتيبها عند تغيير البرنامج أما البيانات فقد تم إدخالها وإخراجها باستخدام البطاقات والأشرطة الورقية المثقبة.
وكانت القدرة الحسابية لهذا الحاسوب العملاق خمسة آلاف عملية في الثانية، وهي سرعة ضئيلة جدا بالمقارنة مع سرعات الحواسيب الحديثة، إلا أنها كانت تزيد ألف مرة عن سرعة الآلات الحاسبة الكهروميكانيكية.
ومع اختراع الترانزستور في عام 1947م تم استخدامه في منتصف الخمسينات، في بناء الجيل الثاني من الحواسيب التي أصبحت أصغر حجما وأقل استهلاكا للطاقة، بسبب صغر حجم الترانزستور الذي لا يزيد عن عشر حجم الصمام الإلكتروني.
وفي الستينات ظهر الجيل الثالث من الحواسيب التي استخدمت في تصنيعها الدوائر المتكاملة ذات النطاق الصغير والمتوسط والتي تم اختراعها في عام 1958م.
وتم كذلك إحلال الذاكرات الإلكترونية المصنعة من الترانزستورات محل ذاكرات القلوب المغناطيسية، التي كانت تحتل حيزا كبيرا من حجم الحاسوب، وتم استخدام الطابعات بدلا من الأشرطة الورقية المثقبة كوحدات إخراج، بينما بقيت وحدات الإدخال تستخدم البطاقات المثقبة.
وفي السبعينات ظهر الجيل الرابع من الحواسيب، التي استخدمت الدوائر المتكاملة ذات النطاق الكبير (ألف ترانزستور) والكبير جدا (عشرة آلاف ترانزستور)، مما ساعد على ظهور حواسيب ذات قدرات كبيرة وأحجام صغيرة.
وشهدت هذه الفترة ظهور نوع جديد من الحواسيب، وهي الحواسيب الشخصية أو المنزلية، حيث أصبح بإمكان الأفراد الحصول على حاسوب بقدرات متواضعة، وبأسعار معقولة. ويعود السبب في ذلك لظهور المعالجات الدقيقة في عام 1971م، حين تمكنت شركة إنتل الأمريكية من تصنيع أول معالج دقيق على دائرة متكاملة واحدة، تحتوي على 2300 ترانزستور.
وفي هذه الفترة ظهرت سواقات الأقراص الصلبة (Hard disk) كوسائل تخزين بدلا من الأشرطة المغناطيسية، حيث قامت شركة أي بي أم في عام 1973م، بتصنيع أول سواقة أقراص صلبة، والتي أصبحت وسيلة التخزين الأساسية لأجهزة الحاسوب الشخصية، حيث يتم فيها تخزين نظام التشغيل والبرامج الأساسية.
وفي عام 1978م تم تطوير سواقة الأقراص المرنة (Floby disk)، والتي استخدمت كوسيلة تخزين ثانوية، يمكن من خلالها تحميل البرامج إلى الحاسوب، وحفظ البيانات على الأقراص المرنة، التي يمكن إدخالها وإخراجها من السواقة وذلك على عكس سواقة الأقراص الصلبة المحكمة الإغلاق.
وفي الثمانينات بدأت الحواسيب الشخصية (personal computers) بالانتشار بشكل واسع، بعد أن ظهرت أنظمة التشغيل ذات الواجهات الرسومية (Graphic interface)، التي سهلت التعامل مع الحاسوب من قبل قطاع واسع من المستخدمين.
وفي التسعينات ازداد الطلب على الحواسيب لاستخدامها كوسيلة للربط بشبكات المعلومات المختلفة، وخاصة شبكة الإنترنت، التي استخدمت لتقديم خدمات البريد الإلكتروني، وتبادل المعلومات فيما بين المستخدمين، والوصول إلى مراكز المعلومات في شتى أنحاء العالم.
يتكون الحاسوب من أربع وحدات رئيسية، وهي:
وحدة المعالجة المركزية (central processing unit)، التي تتكون من وحدة الحساب والمنطق، لإجراء مختلف العمليات الحسابية والمنطقية
ووحدة التحكم (control unit) التي تقوم بجلب التعليمات من الذاكرة الرئيسية، ثم تحولها إلى إشارات تحكم كهربائية، يتم نقلها إلى جميع الوحدات لضبط توقيت إجراء العمليات فيها والمسجلات، وهي نوع من الذاكرات التي تقوم بتخزين النتائج الآنية التي تنجزها وحدة الحسابية والمنطقية.
وأما الوحدة الثانية فهي وحدة الذاكرة (memory unit) والتي تشمل الذاكرة الرئيسية، التي يتم فيها تخزين البرامج المراد تنفيذها، والبيانات المراد معالجتها، والذاكرة الثانوية، وهي وحدة تخزين دائمة تستخدم لتخزين البرامج والبرمجيات والبيانات بشكل دائم، لحين الحاجة إليها كالأقراص الصلبة واللينة والمدمجة.
وأما الوحدة الثالثة فهي وحدات الإدخال (input unit)، والتي يتم من خلالها إدخال البرامج والبيانات ومختلف أنواع المعلومات إلى ذاكرة الحاسوب الرئيسية: كلوحة المفاتيح والفأرة، وعصا التحكم والقلم الضوئي والماسح الضوئي.
وأما الوحدة الرابعة فهي وحدات الإخراج (output units)، والتي يتم من خلالها إخراج مختلف أنواع المعلومات من الحاسوب إلى العالم الخارجي، كشاشات العرض والطابعات والراسمات والسماعات.
ويتم ربط هذه الوحدات مع بعضها البعض في داخل الحاسوب، باستخدام ثلاث أنواع من الناقلات (buses) وهي ناقل العنوانين، الذي يقوم بتحديد عنوان الذاكرة أو عنوان وحدة الإدخال والإخراج، التي سيتم إرسال أو استقبال البيانات منها وناقل البيانات الذي يقوم بنقل البيانات فيما بين الوحدات المختلفة، وناقل التحكم الذي يقوم بنقل إشارات التحكم من وحدة التحكم إلى بقية الوحدات.
إن اللغة الوحيدة التي يستخدمها الحاسوب هي ما يسمى بلغة الآلة (machine language)، وهي عبارة عن شيفرات مكونة من سلسلة من الأرقام الثنائية، وهي الصفر والواحد. وكان المختصون في بداية عهد الحاسوب يستخدمون لغة الآلة لكتابة برامجه المختلفة، وكانت تتطلب وقتا طويلا، وتركيزا عاليا لتجنب الوقوع في الأخطاء التي كان من السهل ارتكابها، بسبب التعامل مع سلاسل طويلة من الآحاد والأصفار.
وفي عام 1952م تم استخدام أول لغة رمزية لكتابة برامج الحاسوب سميت لغة التجميع (Assembly language)، حيث تم تمثيل تعليمات وأوامر الحاسوب برموز كتابية، يمكن للمبرمج تذكر معانيها فيسهل عليه متابعة ما يكتب، ومن ثم يتم ترجمة لغة التجميع هذه إلى لغة الآلة، التي يتم تحميلها إلى ذاكرة الحاسوب. وكانت الترجمة تتم بشكل يدوي في بادئ الأمر إلى أن تم تطوير المترجمات الآلية، التي يقوم الحاسوب بنفسه بمهمة هذه العملية.
وعلى الرغم من التسهيل الكبير الذي أحدثته لغة التجميع في كتابة برامج الحاسوب، إلا أن برمجتها لا يحسنها في الغالب إلا المختصون في الحاسوب. ومع تزايد الطلب على استخدام الحاسوب في مختلف المجالات والتخصصات، فقد باتت الحاجة ماسة لاستحداث لغات برمجة عليا تكون مفرداتها قريبة من مفردات اللغة الإنكليزية، أو غيرها من اللغات يسهل على هؤلاء المستخدمين كتابة برامجهم الخاصة بهم.
وفي عام 1957م ظهرت أول لغة برمجة ذات مستوى عال وهي لغة فورتران (Fortran)، والتي صممت خصيصا لتناسب التطبيقات العلمية والهندسية تلتها لغة آلقول (Algol)، التي ظهرت في عام 1958م ثم لغة كوبل (Cobol) التي ظهرت في عام 1959م.
وفي الستينات ظهر فوج جديد من لغات البرمجة، صممت لتتناسب مع أنواع جديدة من التطبيقات، كأن أهمها لغة “باسكال” ولغة “بيسك”، التي شاع استخدامها في الثمانينات، كلغة برمجة للحواسيب المنزلية.
وفي عام 1972م تم تطوير لغة “سي” في مختبرات بل الأمريكية، وهي لغة لها قدرة عالية على استغلال موارد الحاسوب المختلفة، وهي أقرب ما تكون للغة التجميع، ولذلك تم استخدامها في تطوير كثير من البرمجيات وخاصة أنظمة التشغيل.
أما أنظمة تشغيل الحاسوب (operating systems)، فقد أصبحت الحاجة ماسة إليها بعد انتشار الحواسيب في مختلف الميادين، واستخدامها من قبل الكثير من غير المختصين، حيث بدأ العمل على كتابة برامج تعمل على تسهيل التعامل مع الحاسوب، من قبل مختلف المستويات التعليمية.
ويقوم نظام التشغيل باستلام أوامر بسيطة من قبل المستخدم ثم يتولى الحاسوب تنفيذ هذه الأوامر، من خلال برامج يحتويها نظام التشغيل، كفتح الملفات وتخزينها وتشغيل البرامج والتحكم بوحدات الإدخال والإخراج.
وقد ظهر في الخمسينات والستينات بعض أنظمة التشغيل البسيطة، ولكن ومع زيادة قدرات الحواسيب وزيادة أنواع وحدات الإدخال والإخراج، بدأت الحاجة لأنظمة تشغيل متقدمة.
ففي بداية السبعينات تم تطوير نظام التشغيل المشهور المسمى يونكس (Unix)، والذي أصبح فيما بعد أشهر أنظمة التشغيل، التي يمكنها العمل على مختلف أنواع الحواسيب بغض النظر عن هيكليتها.
وفي الثمانينات ظهر نظام التشغيل المسمى دوس (DOS)، والذي انتشر استخدامه في الحواسيب المنزلية والشخصية، وبقي الدوس نظام التشغيل المفضل في معظم الحواسيب الشخصية، إلى أن ظهرت أنظمة التشغيل ذات الواجهات الرسومية متعددة المهام.
ومن أشهر هذه الأنظمة نظام الويندوز (Windows)، الذي ظهر في منتصف الثمانينات، والذي يتميز على نظام الدوس بعدم حاجة المستخدم لتذكر وكتابة أوامر التشغيل باستخدام لوحة المفاتيح، بل أصبحت تتم من خلال النقر على مفاتيح الفأرة، التي أصبحت وسيلة الإدخال المفضلة لدى المستخدمين حتى الأطفال منهم. ولم يقتصر الأمر على تطوير لغات البرمجة وأنظمة التشغيل، بل تعداها إلى تطوير برمجيات سهلت على غير المختصين استغلال قدرات الحاسوب في مختلف التطبيقات، مثل برامج معالجة النصوص ومعالجة الرسوم والصور وبرامج المحاسبة، والمستودعات وقواعد البيانات والبيانات المجدولة وبرامج الألعاب.
على الرغم من أن الهدف الرئيسي من تطوير الحاسوب كان لإجراء العمليات الحسابية والرياضية بشكل أسرع مما يستطيع الإنسان، إلا أن دوره لم يتوقف عند هذا المهمة، بل تبين أن له قدرة على القيام بمهام أخرى لم تكن تخطر حتى على بال مخترعيه. فله القدرة على المراقبة والتحكم بمختلف أنواع الأجهزة والمعدات والمنشآت، وعلى تخزين ومعالجة واسترجاع مختلف أنواع المعلومات، وعلى التعرف على الخطوط والرسوم والأصوات والأشكال، وعلى توليد الأشكال والرسوم والأصوات والصور الثابتة والمتحركة، وعلى تبادل المعلومات مع الحواسيب الأخرى من خلال ما يسمى بشبكات الحواسيب.
ففي مجال إجراء العمليات الحسابية والرياضية تم استخدام الحواسيب لحل المشاكل الرياضية، التي واجهت العلماء في مختلف التخصصات العلمية والهندسية، وبسرعات بدأت في الأربعينات بخمسة آلاف عملية حسابية في الثانية، ووصلت مع نهاية القرن العشرين إلى ما يزيد عن مائة مليون عملية في الثانية.
ولقد مكنت هذه السرعات الحسابية الهائلة العلماء من القيام بدراسات وأبحاث كان من المستحيل إجراءها بغير الحاسوب، ولذا فهو يقف وراء التقدم العلمي المذهل في مختلف المجالات العلمية والصناعية. وقد تم استخدام الحاسوب بكفاءة عالية لمعالجة مختلف أنواع الإشارات الصادرة من مختلف أنواع الأنظمة الكهربائية، وغير الكهربائية كإشارات المعلومات الصادرة عن أنظمة الاتصالات وأنظمة الرادارات والإشارات الصوتية الصادرة عن الإنسان، والإشارات الموسيقية وإشارات الاهتزازات الصادرة عن الآلات الميكانيكية والكهربائية، وتلك الصادرة عن الزلازل والبراكين والتفجيرات التقليدية والذرية.
وتم استخدامه كذلك لعمل محاكاة لكثير من الظواهر الطبيعية والعمليات الصناعية، التي يصعب دراستها بالطرق التحليلية، ويصعب كذلك إجراء تجارب عملية، كتلك التي واجهها العلماء في مجال دراسة الطقس والتفجيرات الذرية ومجال الطيران وإطلاق الصواريخ والعمليات الكيميائية والبيولوجية.
وفي مجال المراقبة والتحكم تبين أن الحاسوب قادر على تنفيذ أوامر يمكنه بها قراءة مخارج أنواع مختلفة من المستشعرات، بعد تحويل إشاراتها الكهربائية التشابهية إلى إشارات رقمية، وكذلك التحكم بمختلف أنواع الأجهزة والمعدات الإلكترونية التي يتم ربطها به بمختلف وسائل الاتصال الكهربائية.
وتم استخدام الحاسوب للتحكم في سير المكالمات الهاتفية في المقاسم الإلكترونية، وللمراقبة والتحكم في محطات توليد الطاقة الكهربائية، والمفاعلات الذرية ومصافي البترول والصناعات البترولية والكيمائية والنسيجية والمطابع، وخطوط إنتاج مختلف أنواع القطع والأجهزة والمعدات الصناعية.
ومع اختراع المعالج الدقيق (microproccesor) في السبعينات توسعت دائرة استخدام الحاسوب كجهاز للمراقبة والتحكم في مختلف الأجهزة والمعدات، كما في الهواتف الثابتة والخلوية وفي التلفزيونات والكاميرات وأجهزة التسجيل السمعية والمرئية والأجهزة الطبية، وفي الثلاجات والغسالات والأفران وفي الألعاب الإلكترونية والآلات الحاسبة، والآلات الموسيقية والإشارات الضوئية.
وكذلك تم استخدامه في السيارات والطائرات والقطارات، ومختلف أنواع المعدات العسكرية وكذلك التحكم بإطلاق الصواريخ، التي تحمل الأقمار الصناعية والمركبات الفضائية والصواريخ الحربية.
وفي مجال المعلومات تم استخدام الحاسوب لتخزين ومعالجة واسترجاع مختلف أنواع المعلومات كالنصوص الكتابية والرسوم، والصور الفوتوغرافية والإشارات السمعية والمرئية.
ففي السبعينات ظهرت برامج معالجة النصوص، والتي يمكن من خلالها كتابة النصوص باستخدام لوحة المفاتيح وتخزينها في الذاكرات، المساعدة لحين الحاجة إليها. وتتميز معالجة النصوص باستخدام الحاسوب بسهولة تعديل النصوص من خلال التنسيق والإضافة والحذف والتقديم والتأخير، وتصحيح الأخطاء وتغيير نوع وحجم الخطوط قبل طبع النص على الورق، باستخدام الطابعات الحاسوبية.
وفي الثمانينات ظهرت برامج البيانات المجدولة والتي يمكن من خلالها إدخال النصوص والأرقام، في خلايا تلك الجداول، ومن ثم القيام بمختلف العمليات الحسابية والإحصائية. ولقد وجدت هذه الجداول تطبيقات لا حصر لها في المحال التجارية والمصانع والبنوك والمدارس والجامعات. وظهرت كذلك برامج قواعد البيانات التي يتم فيها إدخال مختلف أنواع البيانات وتبويبها وتصنيفها، بحيث يمكن للمستخدم الوصول إلى معلومة ما بأسرع وقت ممكن. وكذلك ظهرت برامج الرسم التي يمكن من خلالها رسم مختلف الأشكال الهندسية، والبيانية والصور الثابتة والمتحركة، وقد تطورت قدرات برامج الرسم بشكل كبير جدا، بحيث أصبح بالإمكان رسم صور ثلاثية الأبعاد.
أما برامج التصميم بمساعدة الحاسوب فقد كانت السبب وراء التطور المذهل في مختلف الصناعات، فقد ساعدت هذه البرامج المهندسين بمختلف تخصصاتهم على عمل تصاميم، لمختلف أنواع القطع والأجهزة والمعدات والمركبات والطائرات والقطارات والصواريخ، حيث تتميز هذه التصاميم الحاسوبية بسهولة رسمها، وتعديلها ومشاهدتها من مختلف زوايا النظر، وذلك على العكس من التصميم بالرسم على الورق الذي كان يتطلب جهدا كبيرا وتركيزا عاليا.
ومع زيادة قدرات الحاسوب المختلفة كسرعة المعالجة وسعة التخزين أصبح بإمكان الحاسوب تخزين ومعالجة واسترجاع الإشارات السمعية والمرئية، حيث أمكن تخزين آلاف الساعات من الإشارات السمعية وعشرات الساعات من الإشارات المرئية على قرص ضوئي مدمج، لا يتجاوز قطره خمسة إنشات.
وأصبح بإمكانه كذلك التعرف على الأصوات البشرية، مما مكن المستخدمين من إعطاء الأوامر إليه مباشرة، من خلال المخاطبة الكلامية. وفي مجال الموسيقى تم استخدام الحاسوب لتوليد الأصوات التي تصدرها جميع أنواع الآلات الموسيقية المعروفة، إلى جانب توليد أصوات موسيقية جديدة، ومزج هذه الأصوات مع بعضها، لتأليف القطع الموسيقية. ومن الاستخدامات التي ساعدت على انتشار الحاسوب بشكل أسرع مما كان يتوقع، هو استخدامه كجهاز للتسلية والترفيه حيث كانت الألعاب التي وفرها الحاسوب للمستخدمين وخاصة الأطفال منهم، الدافع الرئيسي لشراء تلك الأجهزة وأصبحت صناعة برامج الألعاب الحاسوبية أكثر رواجا من صناعة البرامج الأخرى وأصبحت كذلك الدافع وراء تطوير القدرات العالية للحاسوب حيث تحتاج هذه الألعاب سرعات عالية وذاكرات كبيرة أكثر مما تحتاجه التطبيقات الأخرى.
خاتمة
      يعتبر اكتشاف الكهرباء في بداية القرن التاسع عشر الميلادي من أعظم وأعجب الاكتشافات، في التاريخ البشري. فقد أحدثت الكهرباء ثورة لا مثيل لها في شتى مناحي حياة البشر، فأنارت بيوتهم وشوارعهم، وشغلت مختلف الأجهزة والمعدات في البيوت والمكاتب، والمصانع والمستشفيات والمركبات والقطارات والطائرات. وفي هذه المقالة استعرضنا تاريخ اكتشاف الكهرباء، وطرق توليدها والظواهر الكهربائية المختلفة، وخاصة الموجات الكهرومغناطيسية، وخصائصها المختلفة. وشرحنا الدور الكبير الذي لعبته الكهرباء في تطور أنظمة الطاقة الكهربائية والإلكترونيات والاتصالات والحواسيب.
المراجع
ـ مدخل إلى الهندسة الكهربائية، الدكتور منصور أبو شريعة، مكتبة طريق العلم، ط1، عمان، 1432/2011م.
ـ حصاد القرن: الاتصالات، د. منصور أبو شريعة، مؤسسة عبد الحميد شومان، 2011م.
ـ التقانات اللاسلكية – تقرير خاص، مجلة العلوم، المجلة 14، العدد 11، 1998م، مؤسسة الكويت للتقدم العلمي.
ـ المواد للمعلومات والاتصالات (ج. س. مايو)، مجلة العلوم، المجلة 3، العدد 4، 1987م، مؤسسة الكويت للتقدم العلمي.
ـ ثورة المعلومات، آفاق علمية، آذار-نيسان 1986م، مؤسسة شومان.
ـ ثورة التلفزيون الرقمي (مقال مترجم)، آفاق علمية، آيار-حزيران 1989م، مؤسسة عبد الحميد شومان- الأردن.
ـ أنظمة الاتصالات الضوئية، منصور العبادي، آفاق علمية، كانون ثاني-شباط 1986م، مؤسسة عبد الحميد شومان- الأردن.
ـ electricityforum.com/a-timeline-o…‏
ـ earlyelectric.com/timeline.html‏
ـ phy-astr.gsu.edu/hbase/e…‏
ـ sciencedaily.com/articles/e/elect…‏
ـ wikipedia.org/wiki/Electric_motor‏
ـ about.com/library/inventors…‏
ـ wikipedia.org/wiki/Electrical_powe…
ـ wikipedia.org/wiki/Electricity‏
ـ mobi/en/Electricity_generation‏
ـ computerhistory.org/timeline
ـ wikipedia.org/wiki/Computer‏
ـ wikipedia.org/wiki/History_of_comm
ـ wikipedia.org/wiki/History_of_tele
ـwikipedia.org/wiki/History_of_radio‏
ـ wikipedia.org/wiki/History_of_radar‏
ـ wikipedia.org/wiki/Laser‏
ـ wikipedia.org/wiki/Satellite‏
ـ wikipedia.org/wiki/Measurement‏

   ــــــــــــــــــــــــــــ
[1] لا يوجد قانون اسمه الصدفة بل كل شيء بقدر الله وقدره

Print Friendly, PDF & Email

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى