القصص القرآني من منظور الاستخلاف

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الورقة التأطيرية

مقدمة
      إذا كانت القصص الإنسانية، لاتخرج عن كونها انعكاسا لممارسة الإنسان لبشريته في مختلف مظاهرها، فهل القصة في امتداداتها المختلفة وهي: حكاية الممارسة الواقعية للحياة، أو حكاية التصورات الخيالية التي ترسم واقعا مفترضا لا وجود له. أو حكاية تجمع بين الواقع والخيال. هل يمكن اعتبارها في حقيقة الأمر مقاربة أدبية وفنية لممارسة تفاصيل الاستخلاف، الذي هو غاية الله من خلق البشر على الأرض؟
      وبالتالي نتساءل هل يصح القول بأن كل قصة طالت أو قصرت، استلهمت من الحياة أو حلقت فوقها، فإنها لا تعدو كونها تصويرا لحقيقة استخلافية الإنسان، ولا يمكن بحال أن يخرج سلوكه عن دائرتها الواسعة؟
      ونتساءل كذلك ماذا تفيدنا النظرة الاستخلافية إلى القصص البشري عامة والقرآني خاصة؟
أولا: توضيحات
بداية نقدم بين يدي الموضوع التوضيحات التالية:
1) لقد اقتضت حكمة الله البالغة، بأن يقدم لنا في كتابه العزيز، أمانة الاستخلاف التي هي غاية الوجود البشري في سياق قصة مثيرة، جمعت أحداثها بين الله جل جلاله وملائكته الأطهار، وآدم وحواء وإبليس، وذلك في الملإ الأعلى، فظلت هذه القصة ولا ريب هي الأساس، الذي بنيت عليه جميع الأحداث التي ستجري فوق الأرض، عندما أهبط الله إليها آدم وحواء، ليمارسا وذريتهما من بعدهما تجربة الاستخلاف، فيكتبون قصصا حية على أرض الواقع؛ كلها تحكي وتصور وتصف الطبيعة البشرية، المترددة بين أفعال الصلاح والفساد، والهداية والغواية، والفضيلة والرذيلة.
  والمفهوم المعتمد للاستخلاف في هذه المدارسة؛ هو أنه التكليف بالأمانة العظمى، المقتضية لحرية الإنسان، المرتبطة بمسؤولياته الثابتة عن جميع اختياراته وأفعاله؛ العقلية الفكرية، والقلبية الوجدانية، والسلوكية الأخلاقية.
2) يمكن القول بأنه ما من قصة وقعت على الأرض، إلا ونجدها عند التأمل والتحليل، صورة مشابهة وعاكسة على نحو معين، لروح ومضمون قصة الاستخلاف، التي تجلت فيها حقيقة حرية الإنسان وجسامة مسؤوليته، وكذلك قابليته لفعل الخير والشر، والصواب والخطإ، وترسخ على امتدادها وتنوعها الصراع الأبدي بين إبليس وذريته من جهة، وآدم وذريته من جهة ثانية. مع إثبات المسؤولية الأساس للنفس البشرية، عن جميع اختياراتها وأعمالها ما صلح منها وما فسد، أما دور إبليس في الإضلال والإغواء فيكون دوما بتواطؤ منها وتخاذلها ليس إلا.
فكل القصص الواردة عن طريق الوحي، تسند البطولة فيها للإنسان الخليفة، الذي قد يتصرف بما جبل عليه من صلاح وفساد، ومن استقامة وعوج، وجل القصص المحكية خارج إطار الوحي، إنما تحذو حذوها باعتبار أن الله تعالى قد حسم اتجاه السلوك الاستخلافي، في اختيارين عامين لا ثالث لهما، هما الصلاح والفساد وما يندرج تحتهما من أفعال، تنتهي بفاعلها إما إلى سعادتي الدنيا والآخرة أو إلى شقائهما.
3) تأكيدا للطبيعة الاستخلافية، التي نراها حاكمة على فهم معاني وأسرار القصص البشري على اختلاف أنواعه، سواء منه الوارد في القرآن أو خارجه، يتعين النظر إلى جميع القصص، من زاوية كونه تجارب متعددة للممارسة الاستخلافية، وأحداثها الابتلائية، التي تتحدد على أساسها الإشكالية الرئيسية أوعقدة الحكاية، وتتوالى تطورات الأحداث والاختيارات السلوكية لمختلف الفاعلين في أحداثها، إما في اتجاه الصلاح أو الفساد، والصواب أو الخطأ أو الجمع بينهما.
ثانيا: النسق الاستخلافي للقصص القرآني
ومن المحاور التي يمكن أن تدرج في النسق الاستخلافي للقصص القرآني ما يلي:
1) كل القصص الحاكية لوقائع حصلت بفعل الإنسان؛ لا تعدو كونها صورا متعددة لممارسات إنسانية معينة، تنضح كلها بحقائق استخلافية، يمكن رصدها واستثمارها إلى أبعد الحدود. وذلك في إطار ممارسة الإنسان للابتلاء بالأمانة المطوقة لأعناق بني آدم، حيث قد ينجحون في حملها تارة وقد يخفقون تارة أخرى.
2) يمكن لدراسة متأنية للقصص القرآني، أن تؤكد رجحان القراءة الاستخلافية، المنطلقة من حرية الإنسان ومسؤوليته الابتلائية، على غيرها من القراءات الأخرى، ليس فقط للقصص القرآني بل لكل الأحداث الإنسانية التاريخية، والقصص الواقعية والإبداعات الأدبية المختلفة.
3) إن ما ينتظمه القصص القرآني من استفادات نافعة وحكم بليغة، تندرج كلها في إطار ترشيد الممارسة الاستخلافية في الواقع المعيش، عن طريق مدها بما يلزم من عوامل تصحيح الرؤى وتسديد السلوك. سواء كانت قصصا لأهل الإيمان وهديه المبين، أوقصصا لأهل الغي والجحود والعصيان. {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [يوسف: 111]
4) إن مقصد القصة في القرآن الكريم، يرتكز على تجلية مدلول الاستخلاف، وتوضيح غوامضه، من خلال وقائع بشرية جرت على ظهر الأرض، وتضمنت أحداثا مثيرة للتأمل والتفكر، وحافزة على التعلم والاتعاظ والاعتبار، والتي من شأنها أن تمد المتفكر فيها بعمق وروية، ببيانات بليغة عما خفي والتبس على الإدراك لحقائق الاستخلاف وأبعاده المختلفة.
 ومن المعلوم أن هذا الإدراك يحتاج إلى تعهده، وتجويده ومراجعته باستمرار، للاحتكام إليه واعتماده في فهم كل قضايا البشر، وإشكالات وجوده، وضمان إحراز أكبر نصيب من النجاح، في تجاوزها وتذليل صعابها، وحسن استيعاب حقيقة الاستخلاف وجميع تبعاته.
5) يصح القول بأن محاور القصة القرآنية، لا تنفك تدور كلها حول مواجهة الإنسان للابتلاء بممارسة حرية الاختيار، والاضطلاع بما يترتب عليها من مسؤوليات ثقيلة.
وغاية ذلك هي تمكين المكلف من مقاربة فهم مراد الله، من خلق البشر على النحو الذي هو عليه، وكذا خلق الحياة الدنيا على الحال الذي هي عليه، ومقاربة التصور الاستخلافي الكلي، وما يتحقق به من السلوك التفصيلي السديد على نهج شرع الله القويم.
6) يمكن الجزم بأن أسلوب القصة، قد يتفوق أحيانا على الخطاب العادي، في تقريب بعض الدلالات والمعاني، والتي يتضح بها ما خفي واستعصى فهمه، من الحقائق الكلية والتوجهات الفلسفية والفكرية العامة. ولهذا نجد زهاء ربع القرآن قصصا، ونجد أيضا كثيرا من الفلاسفة يصوغون فكرهم، من خلال ما يكتبون من روايات أدبية وأعمال مسرحية، على وجه الخصوص.
7) إن القصص والحكايات الجارية على الألسن لدى شعب أو أمة، تعكس إلى حد كبير فلسفتها في الحياة، ونظرتها لنفسها وقيمها، ولعلاقتها بما حولها وموقفها من الآخر، ومن هنا نتبين سر عظمة الأمة الإسلامية فكرا وسلوكا، لكون ما يروى من قصص وأدب رفيع، لناشئتها بل ولرجالها ونسائها، يعلي همتها ويرسخ إيمانها بريادتها العلمية، وأفضليتها الأخلاقية.
8) إن كل ما تدور حوله القصص في القرآن، يجلي مقاصده الاستخلافية المختلفة، ويعكس خصائص الإنسان وحريته ومسؤوليته، بحيث إن الفوائد كلها تعد ثمرة للممارسة الاستخلافية؛ إما في الاتجاه الصواب أو الاتجاه الخطأ.
9) ومما يحققه القصص القرآني، أنه قد يتضمن حكما شرعيا واجب الالتزام، أو قيما خلقية عليا، أو عبرا وعظات تلبي حاجة الناس إليها، ومثال ذلك قصة تحريم الخمر التي جاءت تدريجيا على مراحل، وعبر آيات متفرقة ومتفاعلة مع وقائع حصلت بين الصحابة، وأبانت بشكل جلي مضار السكر الكبيرة، والمفضية لحكمها الحاسم. ومثل قصة موسى مع فرعون التي انتهت بانتصار نبي الله على طاغية متأله.. وكل القصص القرآني يمكن إدراجه في نسق واحد هو تربية الإنسان وتزكية نفسه، وتوعيته بحقيقة الحياة ومسؤولياته في تدبير أمرها، وذلك بتعليمه ما يلزمه فعله والتحلي به، وما يلزمه تركه والتورع عنه.
ولتأكيد الأبعاد الاستخلافية للقصص القرآني، يلزم دراسة نماذج منه، للوقوف على مدى صحة تأطير الرؤية الاستخلافية، الشاملة لجل أنواعه إن لم نقل كلها، قبل الانتقال إلى تعميم نتائجها على جميع القصص الإنساني، باعتبار الاستخلاف قاسما مشتركا بين جميع بني آدم.
ونسوق على سبيل المثال قصة ابني آدم قابيل وهابيل، التي هي أول قصة جرت على الأرض، وتجلت فيها طبيعة الاستخلاف، حيث تحددت الإشكالية أو “عقدة القصة” في ابتلاء قابيل بأخته من نفس البطن، والتي كانت بارعة الجمال مقارنة بأخت هابيل من نفس البطن، والتي يقتضي شرع الله حينئذ أن يتزوجها قابيل، لكنه فشل في هذا الابتلاء عند اختيار الميل مع هواه، واستسلامه لعشق أخته التي لا تحل له، والاعتداء على حق أخيه هابيل المشروع في التزوج منها، فقرر أن يتخلص من أخيه المنافس له عليها، بقتله وتغييبه عن الأنظار، وفرض الأمر الواقع على أخته كي يتزوج بها، في حين كان هذا السلوك الشاذ والعدواني من قابيل، هو الابتلاء العظيم الذي أضحى مفروضا علي هابيل، لكنه استطاع أن يخرج منه منتصرا، باختيار أن  يلزم نفسه بالوقوف عند حدود الشرع، ويراعي الخلق الكريم ومقتضيات الأخوة، والامتناع الجازم عن مقاتلة أخيه قابيل، والقيام بواجب تنبيهه إلى مغبة ما سولته له نفسه، من تجاوز الشرع القائم، وارتكاب القتل العمد الشنيع، بدافع إرضاء الشهوة الفائرة في نفسه والمستبدة بعقله. وهكذا سقط قابيل في الابتلاء بخيانته للأمانة على مستويات عدة، والانتهاء إلى اقتراف أول جريمة قتل تقع على الأرض. في حين يقدم لنا هابيل الصورة المشرقة، لمن استطاع الثبات في الابتلاء الشديد، وتفضيل الموت على خيانة الأمانة مخالفة لشرع الله.
ثالثا: المحاور المقترحة للبحث
      ولتعميق النظر في مدى تحقق البعد الاستخلافي في القصص القرآني نقترح البحث في أحد المحاور التالية:
1ـ إبراز تنوع القصص القرآني بين مساري الهداية والغواية، أو بعبارة أخرى الالتزام بالأمانة الناتجة عن الإيمان، أو الاندراج في الخيانة الناجمة عن الكفر والطغيان.
2ـ بيان كبرى السنن الإلهية الحاكمة على مجريات جميع القصص، والتي يمكن صياغتها على النحو التالي:
ـ الابتلاء غاية الله من استخلاف الإنسان، ويتخلل كل تفاصيل حياته. وعلى أساسه يرقى وينحط، ويتقدم ويتأخر ويقوى ويضعف، ويسعد ويشقى دنيا وأخرى.
ـ ثبات مسؤولية الإنسان فردا وجماعة، عن تغيير أحواله وطبيعة ممارسته الاستخلافية، وما يترتب عنها من نتائج في النفس والعمران، “إن الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”
ـ لا يتحقق مراد الإنسان الخليفة، ولا ينجز عمله إلا داخل إطار إرادة الله المستخلِف وبقدرته وتدبيره.
3ـ بيان مدى انتظام مقاصد استخلافية عامة للقصص القرآني، وهي تأكيد مميزات الإنسان عن باقي الخلائق عدا الجن وأهمها، تحمله للأمانة أداء أو إخلالا، واختصاصه بحرية الاختيار لنهج الإيمان أوالكفر، واتباعه سبيل الصلاح أو الفساد، وممارسته الابتلاء بالشر والخير، نجاحا أو خسرانا، إلى جانب مقاصد استخلافية أخرى خاصة.
4ـ تقديم مقاربات تفسيرية للوقائع المستغربة في القصص القرآني، ومدى الاتفاق أو الاختلاف مع اعتبارها ابتلاء شديدا يزيد المؤمنين علما وحكمة، ويفتح أمام الجاحدين للوحي، منافذ للاعتراض عليه والطعن في ربانيته.
5ـ اختبار مدى ملاءمة التأطير الاستخلافي، للكشف عن المزيد من أسرار القصص القرآني، وتيسير إدراك وتحديد نسقيته الاستخلافية.
                         والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل

                                      جلسات اليوم الدراسي
الجلسة الافتتاحية:
       وتضمنت تلاوة آيات الذكر الحكيم للباحث السيد رضوان حبشي، تلتها كلمة اللجنة التنظيمية من إلقاء الدكتور حميد عنبوري، عضو المكتب التنفيذي لمركز الأمانة، ثم العرض الافتتاحي من تقديم الأستاذ عبد السلام محمد الأحمر رئيس مركز الأمانة، وهو بعنوان:

وقفات مع تأطير قصة الاستخلاف للقصص القرآني والإنساني

في البداية أكد العارض اعتبار قصة الاستخلاف الواردة في القرآن الكريم، هي الحجر الأساس لوظيفة الاستخلاف، التي أنيطت بأدم وحواء وذريتهما من بعدهما، وأن الفاعلين الخالدين في هذه القصة هم: الله جل جلاله وملائكته الأطهار وآدم وحواء خلفاء الله في الأرض وإبليس الغوي المبين، ثم تساءل هل بإمكاننا أن نفترض بأن هذه القصة، اعتبارا لكونها مؤسسة لمهمة استخلاف الآدميين على الأرض، ستظل هي القصة الأصل التي نتج عنها كل ما وقع بعدها من أحداث وقصص على الأرض، واندرج في سلكها وانتهج نهجها، وأن ما سميناه الفاعلين الخالدين لقصة الاستخلاف الأم، سيظلون على الدوام خالدين في كل ما ستعرفه البشرية من قصص تتشابه في طبيعتها، وتتقارب في غايتها، وتتحدد بإطار الممارسة الاستخلافية ولا تخرج عن دائرتها المرسومة لها.
ومن ثم يتأكد استمرار المضامين والمعاني الكبرى لقصة الاستخلاف على امتداد القصص الدنيوي إلى يوم الدين.
ثم حدد السمات الكبرى التي طبعت قصة الاستخلاف الأولى، والتي تطبع ما جاء بعدها من القصص الاستخلافي، الذي عرفته الأرض على امتداد الزمان والمكان، وحصرها في الأمور التالية:
1ـ إثارة الاستغراب، وساق أمثلة لذلك منها كون خليفة الله معرضا للإفساد في الأرض وسفك الدماء.
2ـ حضور واسع لعنصر المفاجأة، ومثل لذلك بأمثلة منها مواجهة الملائكة الله تعالى بسؤالهم الاعتراضي: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} [البقرة: 30].
3ـ إثارة بعض الاستشكالات الصعبة الحسم؛ ومنها إقدام إبليس على عصيان أمر الله وهو عالم بأن مآل العصاة هو نار الجحيم؟
ثم تطرق إلى الحديث عن بيان حقيقة استمرار الفاعلين الغيبيين؛ لمواكبة الممارسة الاستخلافية، وهم الله جل جلاله، وملائكته، وإبليس وذريته، إلى جانب المستخلفين الآدميين، في جميع القصص القرآني والإنساني على حد سواء.
وبين بأن الله تعالى سخر الطبيعة، لتشارك الإنسان في صنع الوقائع والأحداث، المشكلة لقصصه على الأرض، فتطاوعه أو تعاكسه على نحو موافق لقوانينها غالبا ومخالفا لها أحيانا كما في المعجزات والكرامات، بحسب أمر الله ومراده وبليغ حكمته، وتدبيره المهمين على خلقه وكونه.
وأكد فاعلية الإنسان في القصص التي يصنعها بمعية الله وملائكته وإبليس والكون الأرضي، وانفعاله بالتأثيرات العميقة لكل هذه الأطراف في نفسه وكيانه.
بعد ذلك تكلم عن العناصر الأساسية في قصة الاستخلاف المؤطرة لغيرها من القصص، وهي كما يلي:
1) احتمال الطبيعة الاستخلافية للخطإ والصواب والفساد والصلاح.
2) اقتضاء الاستخلاف تحمل الإنسان للأمانة أداء أو إخلالا.
3) كون حرية المستخلف ومسؤوليته سابقتين ولاحقتين على العلم البشري وليستا تابعتين له بالضرورة.
4) ارتباط الممارسة الاستخلافية بمكابدة الابتلاءات المختلفة والتعرض للنجاح والإخفاق فيها.
5) متانة العلاقة بين فاعلية الإنسان الخليفة ومعية الله المستخلف بقدرته وإرادته وتدبيره.

الجلسة الأولى: المدخل الاستخلافي لدراسة القصص القرآني
            المسير: أ د. محمد إقبال عروي
العرض الأول: القصة القرآنية والاستخلاف قراءة في الأنساق والدلالات.
                               أ د. عبد السلام أقلمون

         في البداية أكد الأستاذ عبد السلام أقلمون، بأن هذا الموضوع يحتاج كثيرا من الروية والأناة لمعالجته واستنتاج ما ينبغي من قيم فنية ووظيفية. فعندما يتعلق الأمر بالقصة القرآنية وجب التنبيه إلى نسبة القصة إلى القرآن بحيث تنقل الوحدة الأولى من مدلولها الإنساني باعتبار القصة منتوجا بشريا، إلى مدلولها المتعالي بصفتها منتوجا إلهيا. فالذي يحكي القصة القرآنية هو “الله”، وبين بأن احتفال القرآن بالقصة واضح جلي، وتثمينه لقيمتها الاعتبارية متخلل للكثير من سياقات العرض والسرد، وحضورها النصي متغلغل في النسيج العام للقرآن ومحدد رئيس لبنائه النسقي، مما يجعل القصة في القرآن كباقي مكونات النص القرآني حقيقية وتنشد الحق. لهذا نجدها تعرض كلام المناوئين والمعارضين والكافرين والمتشككين… دون تزييف ولا تحريف؛ تماما كما تعرض كلام المؤمنين والمنيبين والموقنين والصالحين. بل نجد مشاركة شخوص كثيرة ومتنوعة في هذا الصرح الباني ل “أحسن القصص”: الملائكة، والشيطان، والجن، والأنبياء، والنساء، والرجال، والحيوانات، والطيور، والحشرات.. مما يجعل الإطار المستوعب للسرد القرآني متجاوزا للزمان والمكان بالمفهوم التقليدي الفيزيائي… فالقصة القرآنية تشمل الجنة والنار والأرض والسماء، وبداية الكون ونهاية الكون، وما بعد الكون… وهذا التأطير في النهاية يخدم القصص في دائرته الإنسانية المحدودة المحمولة على تجارب الأنبياء وسعيهم لتثبيت قيم التوحيد والتعايش والبناء: فدلت القصة على النوازع السياسية وتحدياتها الرهيبة مع الغطرسة في نموذجها الأعلى فرعون، وجاذبية المادة المجسدة في بريق المال والسعي للاستحواذ ومنع التداول والتوزيع العادل للثروة، ثم نوازع النفس وشكوكها، والإنابة ونتائجها، والرحمة الإلهية المدهشة في تسامحها مع آدم ويونس… وغيرها من القضايا التي يحفل بها قصص القرآن ويمكن عرضها في نماذج تطبيقية.
      ثم أكد الحاجة الماسة إلى ما سماه “علم النص” قادر على تحليل القصة وفهم مكوناتها وأنساقها البانية لتكوينها الداخلي وطريقة تشكل النص وتركيبه، وهو شعبة معرفية لم تزدهر في تراثنا العربي على نحو علم الجملة الذي تصدت لمقاربته على الأقل آليتان معرفيتان: هما النحو والبلاغة.
       وأوضح أن القرآن الكريم دشن عهدا جديدا بإخراج اللغة من التقعير والذاتية والتهويمية وأنواع التكلف كما مارسها الكهان في سجعهم الانتهازي، والشعراء في غنائيتهم المفرطة: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ} [يس: 69].
       كما أعلن القصص القرآني ـ وهو أخطر منجزاته ـ نهاية التوظيف الأسطوري للأخبار والروايات عبر التلاعب بها وتوجيهها إديولوجيا. لقد جعل إخباريو أهل الكتاب وغيرهم من حكايات الأنبياء والرسل والأزمنة المتنوعة أخبارا مشلولة بالاستطرادات والتفاصيل التي تلتف حول الأحداث لتفرغها من جوهرها المنشود، فضلا عن الاختلاق والكذب والتزييف… وإعادة بناء ذلك كله في معمار حكائي منفصل عن حقيقته الوجودية، وطبائعه التي بها تجلى في الواقع، مما يمنع استخلاص الدرس الحقيقي من وقائع حقيقية لبناء فعل يستفيد من تحليل الزمن:{فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ} [البقرة: 79].
       وذكر في الختام بأن القرآن أعلن نهاية القص البشري لأخبار الأنبياء على الخصوص، ليتولى “الله” بذاته هذا الحكي، يسرده وفق استراتيجية يكشفها لنا القرآن، تتبين من خلالها أهمية عرض الحقائق وأهمية تحليلها، بصفتها خامة زمنية تمت حمايتها إلهيا من التلف ومن التحريف، ليحصل بها البيان والبرهان معا، وتصلح للقياس واستنتاج الحِكَم والأحكام:{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} [يوسف: 3].

العرض الثاني: القصة في نظام القرآن ـ النسق القيمي والفني.   
                          د. إدريس التركاوي

اتجهت المداخلة لبيان بأن للقصة في القرآن وظيفتها المنهجية والتكميلية. فهي وسيلة من وسائل القرآن الكثيرة إلى أغراضه الدينية، شأنها في ذلك شأن جميع الصور والقضايا الفنية، والمداخل البيانية التي يوظفها القرآن للنعيم والعذاب والقيامة والبعث والحشر.. وشأن الأدلة التي يسوقها لتقرير التشريع وأحكام العبادات والمعاملات. وشأن الأمثال التي يضربها، والبراهين التي يستدل بها، والظواهر التي يصفها. وبهذا تخالف القصة القرآنية القصة الفنية الحرة، التي ترمي إلى أداء غرض فني حر. وذلك لأن القرآن كتاب دعوة دينية وهداية للناس قبل كل شيء، فلا جرم أن كل ما يستدعيه من قضايا فنية وأدلة حجاجية وتقارير وصفية ونماذج بشرية وعناصر كونية ومادية…الخ؛ ينبغي أن لا يخرج عن خدمة هذه الغاية النبيلة. والقصة إحدى وسائله لإبداع هذه الغاية وتثبيتها.
وذكر بأنه لما كان التفكير في البحث في القصة وفق هذا النمط يوجب استحضار إطار السورة المعرفي والجمالي والموضوعي؛ كان لابد أن نعتبر البحث في الفن القصصي في القرآن برمته بحثا في صميم السورة القرآنية نفسها، وفي شجرتها المعقدة ذات الطابع الشبكي الذي تتداخل فيه حميع تلك الخيوط التواصلية بين قضاياها ومع مركزها؛ كما تتداخل الحجرات وتتناسق في تشكيل وظيفة المعمار وجمالية صورته. فارتأينا أن تكون فرضيات الأسئلة المتعلقة بالورقة مقتطعة من طبيعة ذلك النظام داخل القرآن، وأن هذا النظام حين يعرض القصة الفنية يكون الكشف عنه -في محاولتنا- خاضعا لأقطاب ثلاثة مندمجة فيما بينها ومتشابكة مصوغة في ثلاثة محاور رئيسة إلى جانب المقدمة والخاتمة، وذلك على الشكل الآتي:
1ـ القصة في القرآن وفق التصور الاستخلافي للكون والحياة.
2ـ طريقة القرآن في سوق القصة واستفادة القيم.
3ـ تجليات النسق الفني في القصص القرآني: قصة بني إسرائيل في سورة البقرة نموذجا.

العرض الثالث: المدخل المصطلحي في تدبر القصص القرآني، الاستخلاف نموذجا.
                                   د.محمد الفيلة

      قدم الباحث ورقته البحثية الموسومة ب “المدخل المصطلحي في تدبر القصص القرآني، مصطلح الاستخلاف نموذجا” في مقدمة ومبحثين وخاتمة.
أما المقدمة فقد بين فيها الباحث أهمية البحث وحدوده، وشرح فيها منهجه وأهدافه.
وأما المبحث الأول، فخصص لبيان مركزية المصطلح القرآني في تدبر القرآن جملة والقصص منه خاصة من خلال بيان أن الوقوف على حقيقة المفاهيم القرآنية معناه تخليص معاني القرآن الكريم مما علق بها عبر القرون من الأفهام السقيمة، التي جر إليها الجمود المذهبي والطائفي أو تصدر غير المؤهلين للخوض في كلام رب العالمين. 
كما بين أن التدبر لا يحصل على الوجه الأكمل إلا عبر ربط العلاقات، واستحضار التشابكات، والنظر في الصلات بين القضايا المتفرقة قصد تحصيل الاعتبار من مجموعها، فهو في حقيقته عملية لتركيب المفاهيم من خلال تجميع حقائقها الجزئية. مستنتجا أن المدخل الأسلم لفهم كلام الله عامة، وما تضمنه القصص القرآني من الهدى خاصة هو تبين مراد الله من كلماته بما هي مصطلحات قرآنية ثابتة المفاهيم لا تقبل تغييرا ولا تبديلا في المعاني ولا الأحجام ولا المواقع، ذلك هو الدين القيم، وذلك سبيل الفوز العظيم، مصداقا لقوله تعالى {وَتَمَّتْ كَلِمَٰتُ رَبِّكَ صِدْقا وَعَدْلا لَّا مُبَدِّلَ لِكَلِمَٰتِهِۦۖ وَهُوَ اَ۬لسَّمِيعُ اُ۬لْعَلِيمُۖ} [سورة الأنعام:116]. وقال أيضا {لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [يونس: 64]
وأما المبحث الثاني فتم تخصيصه لتناول مصطلح الاستخلاف بما هو نموذج للمصطلحات القرآنية المفتاحية التي يلزم ضبط مفهومها لتحصل الإفادة ويقع التدبر للقصص القرآني على الوجه الأكمل، وقد مهد لذلك ببيان حقيقة المراد بالمصطلح القرآني، وبيان حقيقة اصطلاحية لفظ الاستخلاف ثم انتقل لدراسته دراسة مصطلحية وفق ما يقتضيه ذلك من التقيد بالخطوات المنهجية المرعية في الدراسة المصطلحية للمفاهيم القرآنية وفق ما يسمح به المقام وذلك من خلال:
ـ إحصاء موارد مادة خلف في نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية،
ـ دراسته دراسة معجمية ببيان معناه في اللغة من خلال المعاجم اللغوية ثم الاصطلاحية بدءا بالأقدم، مع تحديد مدار الجذر وأي المعاني التي أخذت منها الدلالة الاصطلاحية.
ـ دراسة مصطلح الاستخلاف دراسة نصية خلصت إلى تحديد معاني جذر خلف في القرآن الكريم وقد نبه الباحث إلى اقتصاره على المأخذ القريب لمصطلح الاستخلاف عبر الاهتمام بالموارد التي تحيل على المعنى المباشر للاستخلاف المراد، أي من جهة كونه صادرا عن الله تعالى، نحو البشر سواء أكان استخلافا لجنسهم أو استخلافا لبعضهم، أو استخلافا لآحادهم.
ـ دراسة الاستخلاف دراسة مفهومية رامت استخلاص النتائج التي فهمت واستخلصت من النصوص التي ورد فيها المصطلح وما يتعلق به من خلال دراسة علاقاته من ترادف وتضاد وخصوص وعموم ودراسة ضمائمه سواء أكانت إضافية أو عطفية أو وصفية…
وقد خلصت الدراسة إلى:
ـ أن المصطلحات المفتاحية، في القصص القرآني، شديدة التداخل، وكل مس بمفهوم أحدها مس بالمفاهيم الأخرى وكل تحريف لأحدها إخراج للقصص القرآني عن أهدافه.
ـ أن التسمية شيء خطير، سواء أكانت تسمية للأعيان أو تسمية للمفاهيم … إنها في الحقيقة مهمة ربانية قد تولاها الله منذ الأزل، ولم تزل كذلك إلى يوم الناس هذا؛ ذلك أن وظيفة الوحي كله، بما هو كلمات لله سبحانه، إعادة تجسيد قصة آدم. إنه في حقيقته تعليم لابن من أبناء آدم اصطفاه الله سبحانه، وابتلاه بكلماته، فتأهل بها لأن يكون شاهدا على من بعث فيهم {وَإِذِ اِ۪بْتَل۪يٰٓ إِبْرَٰهِـيمَ رَبُّهُۥ بِكَلِمَٰت فَأَتَمَّهُنَّۖ قَالَ إِنِّے جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاما} [سورة البقرة:123].
ـ أن الاستخلاف مفهوم كلي مكتنز، مستوعب لكل ما تعالق معه، من المفاهيم القرآنية جملة ومن المفاهيم القرآنية ذات الصلة المباشرة بالقصص القرآني، كالاصطفاء والابتلاء والعبرة، والاهتداء والاستجابة والانابة والتقوى والفجور والكفر والاستكبار والعلو والجهل ….
ـ أن ما يحصل من الاضطراب في الفهم، المعيق لحسن التدبر وأخذ العبرة من القصص القرآني خاصة ومن القرآن عامة سببه سوء تصور المفاهيم القرآنية وتفسيرها بمعان بعيدة عن مراد الله بها بسبب ما يعرض للعقل المسلم من عوارض مذهبية، أو غلبة المنحى التجزيئي في التفسير.
ـ أن معظم من تحدثوا عن مصطلح الاستخلاف، لم يولوه أهمية كبيرة باعتباره مصطلحا مفتاحيا، تتيح الإحاطة بمفهومه نظرة كلية تبين كثيرا مما قد يستشكل من معانيه أولا، وتنير بعض المداخل المهمة في فهم مصطلحات أخرى شديدة الاتصال به.
ـ أن قلة من المفسرين الذين نبذوا ذلك، وتعاملوا مع المفاهيم القرآنية باعتبارها نسقا محكم البناء وفي إطار من الوحدة الموضوعية العامة للقرآن أو الخاصة بالسورة، اهتدوا إلى معاني عظيمة جدا، لأنهم حرصوا على فهم ألفاظ القرآن من القرآن، وذلك بدراسة اللفظ في القرآن دراسة تقوم على جمع المتكرر والنظر فيه مع مراعاة السياق الخاص والعام للفظ في القرآن كله.
وأما الخاتمة فقد خصصها للتذكير ببعض الخلاصات المجملة وتقديم بعض المقترحات ذات الصلة بموضوع البحث.

العرض الرابع: الأسئلة الوجودية وجواب القرآن عنها من خلال القصص.
                               د. مصطفى فاتيحي.

وقد استهل حديثه ببيان أن الأسئلة الوجودية من آكد ما أهمَّ الإنسان منذ أن كان، وهي أسئلة ملحة وضاغطة مهما تبرم الفرد والجماعة من مواجهتها، وقد تعددت الرؤى والتصورات في تقديم الإجابات بشأن تلك الأسئلة بالنظر إلى المرجعيات الفكرية والنماذج المعرفية المستند إليها.وباعتبار القرآن الكريم كتاب هداية للبشرية جمعاء، فقد أجاب عن تلك الأسئلة من خلال إعطاء نموذج الإنسان الذي ينشده القرآن، ذلك الإنسان المستخلف بما يقتضيه الاستخلاف من أمانة ومسؤولية وإعمار وحساب وتكليف وابتلاء…
وتشكل القصة القرآنية ميدانا لتجسيد الجواب عن قلق الأسئلة الوجودية، بشكل عملي مجسد على أرض الواقع وليس مجرد أفكار نظرية مجردة.
وذلك ما سعت هذه الورقة إلى الجواب عنه وبيانه عبر المحاور الكبرى الآتية:
المحور الأول: الأسئلة الوجودية في القرآن الكريم وعلاقتها بالاستخلاف.
ـ في هذا المحور تم التطرق إلى أن القرآن الكريم اهتم بشكل كبير بأسئلة الإنسان الوجودية وكان مفهوم الاستخلاف منطلقا مركزيا في ذلك، لأنه يشكل مرجعية لاستيعاب فلسفة الوجود، ويمكن من خلاله صياغة قواعد وأسس الاجتماع الإنساني، باعتباره قيمة ناظمة لكل السلوكيات الحضارية التي تربط الإنسان المستخلف عموديا بالله وأفقيا بعباد الله وسائر الكائنات. “فلا ينفك قول الإنسان المستخلف عن فعله، ولا ينفك علمه بالأشياء عن معرفته بالله، ولا تنفك زيادته في المعرفة عن الإصلاح في الكون، إذ يستشعر العبد روح العبادة في كل شيء. ويصبح ملتزما بالقيم الخلقية والمثل العليا التي يربيه الدين على احترامها، فتنضبط بذلك مطالبه من حقوقه ورغباته، حتى مع مخالفيه، مما يحقق له الصلاح في الدنيا، والفلاح في الآخرة، والأمن والاستقرار لمجتمعه”[1]. وعليه فقد كان الاستخلاف بمعانيه ودلالاته منطلقا أساسيا في تقديم الجواب الشافي والكافي والمخرج من الحيرة والتيه.
ـ وتم بيان ذلك من خلال الوقوف عند آيتين مؤسستين  ( آية الذر)  (وإِذَ اَخَذَ رَبُّكَ مِنۢ بَنِےٓ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّٰتِهِمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَيٰٓ أَنفُسِهِمُۥٓ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَل۪يٰۖ شَهِدْنَآ أَن تَقُولُواْ يَوْمَ اَ۬لْقِيَٰمَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَٰفِلِينَ) (الأعراف – 172) َو(آية الأمانة) ( إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) (الأحزاب  -72)، كما تم الاعتماد في استثمار الآيتين على الطريقة البيداغوجية التي قرب بها عبد الرحمان حسن حبنكة الميداني مضامينهما من خلال حوار رائع، تجلت من خلاله الأبعاد المعرفية والمنهجية والتربوية التي يمكن استدرارها واتخاذها موجها في الموضوع المناقش. وورد ذلك عند الميداني في كتابه ابتلاء الإرادة بالإسلام والإيمان في سياق شرحه لفلسفة التكليف ووظيفة الإنسان ومسؤوليته والغاية من الابتلاء وأسرار العبادة، وما زود به من إمكانات وطاقات وقابليات.
     وبالنظر إلى أن القرآن الكريم كتاب هداية بالمفهوم الشامل للهداية، هداية للفكر وللوجدان وللسلوك، فلم يقدم الجواب عن الأسئلة الوجودية من خلال معلومات نظرية كما هو الأمر في المذاهب الفكرية، وإنما قدمه من خلال نماذج عملية ويتعلق الأمر بالقصص، وذلك ما تناوله في النقطة الموالية:
المحور الثاني: جواب القرآن عن الاسئلة الوجودية من خلال قصص القرآن (قضايا ونماذج)
بين أن الربط بين الأسئلة الوجودية والقصة القرآنية لم يكن مجرد ادعاء بدون دليل؛ وإنما لأن موضوع القصة القرآنية هو الإنسان المستخلف في الأرض بما يدور حوله في الكون وما يحدث له وما ينبغي أن يكون عليه حاله وما ينبغي أن يعرفه من أمور العالم المنظور والغيب غير المنظور.
ومن أهم القصص المرتبطة ارتباطا وثيقا بفلسفة الوجود قصة آدم عليه السلام، وما تضمنته من الإشارة إلى الخلق وإلى التكريم وإلى الابتلاء، وإلى الأمانة والاستخلاف وأسباب السعادة والشقاء، ووظيفة الإنسان في الكون، وإلى نعمة اللغة وإلى القيم والجمال ـ اللباس ـ وإلى التدافع بين الخير والشر، وإلى الحاجة إلى الخالق، والتوبة بعد الخطأ والقابلية للخطأ، وإلى المسؤولية عن الخطأ وتجنب كل أشكال الثقافة الاعتذارية.
وذكر الباحث في الختام أسماء المراجع التي اعتمدها في صياغة أفكار الورقة انسجاما مع الأمانة العلمية.
وبعد فترة المناقشة واستراحة شاي بدأت الجلسة الموالية:

الجلسة الثانية: الممارسة الاستخلافية من خلال القصص القرآني.
                    المسير : أد. عبد السلام أقلمون
العرض الأول: الممارسة الاستخلافية في القصص القرآني من خلال سنة الابتلاء والتمكين.
                               د. محمد البويسفي

تناول المتدخل في موضوعه أهمية القصص القرآني في استجلاء الممارسة الاستخلافية، باعتبار الإنسان مستخلفا في الأرض، وأن خير من جسد الممارسة الاستخلافية هم الأنبياء والمصلحون، الذين ذكرهم القرآن الكريم، وأن في قصصهم هديا قرآنيا مهما، وجب الاستفادة منه، خاصة في المحن والابتلاءات المتنوعة التي يمر منها المسلمون. ولذلك ركز المتدخل على سنتي الابتلاء والتمكين. فكان المدخل التمهيدي حول استخلاف الله للإنسان، وتحميله الأمانة.
أما المحور الأول فتحدث فيه عن مفهومي التمكين والابتلاء، وأن الابتلاء هو سر الوجود البشري على هذه الأرض. وبين أنه يكون في الخير والشر، وأن هذا الابتلاء له مقاصد منها التمييز بين الطيب والخبيث، والتدريب على ممارسة المسؤولية والإعداد للتمكين.
ثم تحدث عن مفهوم التمكين وقسمه إلى قسمين كبيرين هما: التمكين المعنوي والذي يكون للدين الحق، والنهج الصحيح، ثم التمكين الحسي المادي، والذي يكون للأشخاص من خلال إقدار الناس على أعباء الحياة على الأرض ومعايشها، وأن التمكين المادي يكون للمؤمنين والكافرين. في حين أن التمكين المعنوي يكون للمؤمنين الصالحين فحسب، وأنه قد يمكن الله للدين الحق دون أهله، فينصر ويمكن للدين والفكر الصحيح في عقول وقلوب الناس.
أما المحور الثاني فخصصه للحديث عن العلاقة بين الأمانة والاستخلاف، حيث بين أنها علاقة ترابط وتلازم، وأن النجاح في الابتلاء شرط في التمكين المعنوي. لأن الله تعالى لا يمكن للضعفاء، وإنما للأقوياء الأمناء، الذين ثبتوا في الابتلاء حتى اشتد عودهم وصفت سريرتهم.
       أما المحور الثالث فتحدث فيه عن كيفية التعامل مع مرحلة الابتلاء، حيث يلزم الاتصاف بالقوة والأمانة ومستلزماتها من اليقين والصبر، والثبات على الدين والمبدأ.
أما المحور الرابع فتناول فيه كيفية التعامل مع مرحلة التمكين، وشدد على ضرورة العمل على إقامة الدين، والتمسك بالقيم والمبادئ الإسلامية كالعدل والإحسان والعفو والتسامح، مع ضرورة الأخذ بالأسباب. وأخيرا تم التنبيه إلى محاذير ما بعد التمكين، والحظ على اتقاء الشبهات والشهوات.

العرض الثاني: سنن التغيير في القصص القرآني وأهميتها في ترشيد الممارسة الاستخلافية.
                               د. عبد الفتاح محفوظ.

        اعتبر العارض ورقته محاولة لمقاربة موضوع أهمية معرفة السنن الإلهية، في تغيير الأفراد والمجتمعات والأمم الواردة في القصص القرآني، وترشيد وتوجيه الممارسة الاستخلافية، وذلك من خلال رصد واستجلاء بعض ملامح الأبعاد الاستخلافية للسنن الإلهية في التغيير، المبثوثة في القصص القرآني، على أساس أن هذا الأخير يعد رافدا مهما للسنن الإلهية، وأن السنن في القرآن الكريم تستعمل أحيانا بمعنى ما بيّنه الله للإنسانية من طرق واتجاهات عاشتها ومرت بها الأمم السالفة؛ حيث جعلها الله تعالى قوانين وسنن ونواميس ثابتة في الأفراد والمجتمعات والأمم، لا تتبدل ولا تتغير، قال الله تعالى:﴿قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾ [آل عمران: 137]، وقال تعالى كذلك: ﴿ أَوَ لَمْ يَسيِرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾[سورة الروم: 9].
وقد كان من أهم النتائج المحررة في البحث، أن التغيير يبدأ بالنفس فردا وجماعة، وأن له سننا إلهية ثابتة لا تحيد ولا تميل ولا تتخلف، بحيث إذا وجدت أسباب ودواعي هذا التغيير فالنتائج والآثار تليه وتتبعه لا محالة، لقول الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ﴾ [الرعد: 11]، وأن الإنسان يعد ركيزة أساسية في سنن التغيير والاستبدال، فهو يضطلع بدور فعال ومهم في حدوثه ووقوعه ومنعه، والشواهد والأدلة على ذلك كثيرة في أخبار الأمم السابقة، وبالتالي فما أحوجنا اليوم إلى فقه التعامل مع سنن الله في التغيير الواردة في القصص القرآني، وتنزيلها بما يحقق التغيير الحضاري المنشود، الذي يبوء الأمة الإسلامية منزلتها ومكانتها الرفيعة بين الأمم: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ [آل عمران: 110]…

العرض الثالث: قصة يوسف ” من الأمانة والعرفان إلى الولاية والعمران” دراسة في القيم اليوسفية.
                           د. محمد صابير.  

عالج المتدخل من خلال هذه القصة المتميزة والمشوقة والعميقة مدى أهمية الكفاءة في إسناد الولايات والمهام والمسؤوليات، وكيف تتظافر قيم النبل والرحمة والصدق والمحبة والعفو والتسامح في بناء شخصية الخليفة العادل، وما دلالة صفات الأمانة والقوة والعلم في التكليف بالمسؤوليات والمناصب والمهام. وألحقت بهذه الإشكالات مجموعة من الأسئلة الفرعية من مثل؛ ما هي الأسس القيمية التي جسدها يوسف من أجل التحقق بمبدأ الاستخلاف؟ ما حقيقة الأمانة والعلم في قصة يوسف؟ وما آثارهما في تحقيق العدل وصيانة الحقوق؟ ما هي أسس فقه الاستخلاف في المشروع الإصلاحي اليوسفي؟ ما وظيفة القصة عموما وقصة يوسف على وجه الخصوص؟
وأوضح بأنه اختار قصة يوسف لما اشتملت عليه من أنباء الرسل وشؤون العمران والاجتماع البشري، وأصول التدبير وأدب السياسة والحكم والتخطيط، وأحوال العشاق وسلوك المخلصين والزهاد وأحوال المحسنين وعاقبة المكذبين والخائنين، وأنواع الابتلاء والمحن، كل ذلك في سياق القضية الأم التي هي “الاستخلاف” باعتباره العنوان الأبرز الذي تجليه هذه الشخصية الكريمة(المحسنة) في جل أطوار وتقلبات القصة، وما تكتنزه هذه القيمة المركزية الكبرى من معاني الوفاء والصبر والتسامح والكرم في عبر لا تنتهي ولا تعد؛ تمثل الحياة والواقع الذي يعيشه الإنسان في كل مكان وزمان، بل النفس البشرية في تقلباتها حتى يمكن القول إن سورة يوسف تشكل بمشاهدها وأحاسيسها وانفعالات شخوصها أساس “علم نفس إسلامي” قائم بذاته، لا تقف معه القصة عند تشخيص علل النفوس وحسب؛ بل تقترح العلاج وتصفه؛ موضحة كيف يتسلل الشيطان بنزغاته إلى قلوب الصالحين فيفسد فطرهم. سورة مليئة بالأحاسيس والانفعالات والمشاعر المتحركة؛ يتداخل فيها النفسي بالعاطفي بالسلوكي والوجداني، في سوق يجمع بين مخاطبة الفطرة والعقل في بناء الأنفس من خلال تصحيح الاعتقاد والتفكير باعتبارهما طريقا إلى إصلاح عمل الإنسان؛ إذ متى استقامت العقيدة ونضج فكر الإنسان صلح عمله وتسدد رأيه، مبينة أن طريق إصلاح العمران يمر أولا عبر إصلاح الإنسان، جاعلة الأمانة والقوة والعلم ركائز الإنسان العدل الخليفة. نستدعي هذه القصة بمعانيها لتكون نبراسا يضيئ لنا طريقنا اليوم ونورا نستهدي به في ظلمات الجهل لما تجمع فيها من علوم الدنيا ومعاني الأمانة تحققا بالتخلق والتعقل والاعتبار.
وخلصت إلى ما يلي:
ـ إنها قصة ذات مضمون يتداخل فيه الدعوي بالسياسي بقرينه الاقتصادي في سوق عجيب يجعل السياسة باقتصادها في خدمة المشروع الاستخلافي “الرباني التوحيدي”؛ باعتباره القضية المركزية التي تتكاثف قيم الأمانة والمحبة والتواضع والرحمة والصبر والعفو والتسامح على تجليتها وترسيخها عقيدة وفكرا وسلوكا.
ـ أهمية إصلاح الأنفس في أي مشروع استخلافي عادل.
ـ أهمية تعليم العقد الصحيح في بناء الأنفس وهو ما قام به يوسف عليه السلام وهو يبني ” شريحة التغيير” التي ستكون أساس المشروع العمراني الاستخلافي اليوسفي.
ـ أهمية التخطيط والإحصاء والخبرة العلمية في نجاح المشروع الاقتصادي الذي سيكون بوابة التمكين لمقصد التوحيد باعتباره المقصد الأعظم الذي أرسلت من أجله الرسل وأنزلت من أجله الكتب. 
ـ أهمية أخلاق العفو والتسامح والرحمة بالمذنب والتجاوز عنه وصيانة الأمانة والخوف من الله في بناء الخليفة العادل، ودفع المخالفين إلى الإذعان والاتباع والتسليم.
ـ أهمية تولي المناصب السياسية بين أناس لا يدينون بدين الله تعالى، وما لذلك من أثر في تحقيق العدل وتوصيل الحقوق إلى أهلها، وفوق ذلك التمكين للمشروع التوحيدي الاستخلافي.
ـ أن أهم مقصدين جاءت القصة لتحقيقه في القرآن الكريم هما “مقصدا التزكية ثم مقصد تقويم الفكر والنظر”، وهما ما تجسدا في سورة يوسف بما حملته من توجيهات وقيم ومقاصد.

العرض الرابع: مقصد التزكية في القصص القرآني من خلال الممارسة الاستخلافية
                          د. حفيظ غياط

حاولت هذه الورقة البحثية التأكيد على مركزية مقصد التزكية، وصلته الوطيدة بمقصد الاستخلاف في الأرض، باعتباره أمانة عظمى طُلِب من الإنسان الوفاء بها، ولتحقيق النجاح في هذه المسؤولية الجسيمة، وأدائها على الوجه الذي يُرضي الخالق العظيم ،كان مضطرا لخوض تجربة الاستخلاف المريرة على وجه هذه الأرض -بما تنطوي عليه هذه التجربة من تحديات وابتلاءات-يحتاج معها إلى إرادة ثابتة وقيم دافعة، تحثه على العمل المتواصل لبلوغ مقاصده وفق إرادة المستخلِف، من هنا تبرز مكانة التزكية باعتبارها عملية تأهيلية لهذا الإنسان لابد منها لتحقيق فلاحه، والنجاة من الخسران، وهي الوظيفة التي اضطلع بها جميع الأنبياء عليهم السلام، فكانت من أعظم مقاصد بعثتهم إلى أقوامهم، وعلى رأسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقوله تعالى: (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [البقرة 129]. وذلك لأن التمكين وتحقيق الاستخلاف الإيماني لا يتم إلا عن طريق تزكية المستخلَف، وانتصاره على النفس وأهوائها، وعلى وسوسة الشيطان وتحريضه، وتجاوز العقبات المانعة من عمارة الأرض بالخير والصلاح، فالتزكية أساس الاستخلاف الإيماني، وشرط لتحصيل نتائجه المباركة.
ثم فسر حديثه عن هذا الموضوع من داخل القصص القرآني، بكونه يمثل تجربة واقعية لتاريخ البشرية عبر مسارها الطويل، بما فيها من رصد دقيق -نابض بالحياة- لقصة النفس البشرية خلال سعيها الاستخلافي على وجه هذه الأرض، سعيٌ في اتجاهين متقابلين: اتجاه الصلاح والإصلاح والتزكية المفضي إلى الفلاح، واتجاه الفساد والإفساد والتدسية الذي يفضي إلى الخسران، حيث يمثل كل اتجاه منهما ممارسة استخلافية لها منطلقاتها التصورية المبررة لتصرفاتها السلوكية، والمعبرة عن إرادتها واختيارها، تصورها لنا حلقات زمنية متعاقبة لقصص أقوام مرت فوق هذه الأرض، تاركة بصماتها وآثارها من الخير أو الشر، مسجلة بذلك حضورها الاستخلافي المشرف أو المُخزي، كل ذلك السعي الممارَس من خلال كسب الإنسان وعمله إنها هو مظهر لابتلاء الإرادة وامتحان لها، يعقبه الجزاء من جنس العمل، (فَمَنْ يَّعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرا يَرَهُۥۖ وَمَنْ يَّعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّة شَرّا يَرَهُۥۖ ) [الزلزلة: 7-8] فلا يفلح إلا من آمن وعمل صالحا، أما الخاسرون فهم من اختاروا بإرادتهم طريق الانحراف عن منهج الله المستقيم، وهم بذلك يتحملون مسؤولية سعيهم، إذ ( لَّيْسَ لِلِانسَٰنِ إِلَّا مَا سَع۪يٰۖ وَأَنَّ سَعْيَهُۥ سَوْفَ يُر۪يٰۖ ثُمَّ يُجْز۪يٰهُ اُ۬لْجَزَآءَ اَ۬لَاوْف۪يٰۖ) [النجم: 39-41].
وأوضح بأن الورقة حاولت بيان مكانة مقصد التزكية باعتباره مقصدا قرآنيا عظيما، ذلك أن من أعظم مقاصد التزكية النجاح في إصلاح النفس بتقويم اعوجاجها، وتوجيه أهوائها حتى تكون موافقة لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فلا وفاء بأمانة الاستخلاف إلا بعد النجاح في معركة التزكية، وتحقيق العبودية الخالصة لله تعالى باعتبارها خير غاية يتوق إليها الإنسان، لقوله سبحانه: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) [الذاريات:56]
من خلال ما سبق تظهر العلاقة بين التزكية والاستخلاف، فالتزكية أساس الاستخلاف الإيماني وشرط تحققه، ومن تم فلا فوز بوعد الله بالاستخلاف والتمكين، إلا بعد تحقق شروطه من الإيمان بالله والعمل الصالح، وهو ما يشير إليه قوله تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً) [النور: 55].
إن تدبر القصص القرآني من أبرز أساليب التربية والتزكية ” إنها قطع من الحياة الماضية استرجعها الوحي الأعلى للتعليم والاعتبار”[2]، حيث لا تخلو قصة من قصص القرآن من دروس وعبر تتزكى بها النفوس، وتتزود بها لمواجهة تحديات الحياة وابتلاءاتها.
ومن ثم أكد بأن الورقة سعت إلى تجلية مكانة التزكية من خلال الممارسة الاستخلافية كما صورتها لنا قصص الأنبياء مع أقوامهم في القرآن الكريم. وبعد توضيح المفاهيم الأساسية وبيان العلاقة فيما بينها، حاول عرض بعض الأمثلة والنماذج التطبيقية من القصص القرآني تبرز ما ألمح إليه سابقا في الإطار النظري.

                                                  *******

الجلسة الختامية

      وبعد فترة المناقشة التأمت الجلسة الختامية برئاسة الأستاذ عبد السلام محمد الأحمر، حيث قدم د. مصطفى فاتيحي كلمة باسم مركز الأمانة، وقدم د. إدريس التركاوي كلمة باسم الأساتذة المؤطرين، وقدم د. عبد الرحيم خياري كلمة باسم المشاركين. وكان الختم بتلاوة آيات من الذكر الحكيم من طرف الباحث السيد يوسف زغلول.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1]  محمد عبد الفتاح الخطيب، قيم الإسلام الحضارية، كتاب الأمة، قطر، عدد 139، 1431هـ، ص 35.
[2] – محمد الغزالي، ” المحاور الخمسة للقرآن الكريم”، ص89

Print Friendly, PDF & Email

تعليق واحد

  1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    تحية طيبة لمركز الأمانة على جهوده العلمية المباركة، كان يوما دراسيا موفقا بما عرفه من مساهمات جادة ومناقشات مفيدة. مزيدا من النجاح إن شاء الله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى