الذكاء الاصطناعي توظيفاته الراهنة وآفاقه المستقبلية

أولا: الكلمة التقديمية للأستاذ عبد السلام محمد الأحمر
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيد المرسلين محمد الصادق الوعد الأمين، وعلى آله وصحابته أجمعين والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد فيسعدني كثيرا أن أرحب بالحاضرين والمتابعين عن بعد، متمنيا لهم استفادة كبيرة من هذه المحاضرة تحت عنوان: “الذكاء الاصطناعي توظيفاته الراهنة وآفاقه المستقبلية” والتي يتكرم بتنشيطها الأستاذ المقتدر عبد الرحيم هدي أستاذ الرياضيات سابقا ومفتش التعليم الثانوي في الإعلاميات حاليا.
وأود في كلمة تقديمية مختصرة أن أسرد أهم الدوافع والأهداف وراء برمجة هذا الموضوع وهي كما يلي:
أولا: تعرف الساحة الإعلامية على مستوى العالم اهتماما متزايدا في الفترة الأخيرة بظاهرة الذكاء الاصطناعي، التي تعرف نموا متسارعا لايمكن لجمه، ويستفز المشتغلين بالفكر والثقافة وغيرهم، لعقد لقاءات دراسية وندوات علمية لتحليل هذه الظاهرة والنظر في مآلاتها المنتظرة قبل استفحالها واتخاذها أبعادا خارج السيطرة.
ثانيا: اتساع دائرة الاختلاف يوما بعد يوم، بين من يستبشر بنتائج الذكاء الاصطناعي الحالية إلى حد الانبهار الشديد الذي يوقع في التهويل من إمكانياته، فيحمله ما لايحتمله من الإنجازات والانعكاسات الإيجابية في واقع الناس وفي نفوسهم. وبين من يتشاءم فيتوقع من ازدياد الاعتماد عليه نتائج غير مرضية بل مدمرة لنظام الحياة البشرية النفسية والاجتماعية والمادية. فنحتاج إلى دراسة هذين الاتجاهين وتبين الموقف المتوازن بينهما.
ثالثا: إن الكثير من المواقف وردود الأفعال، التي يعبر عنها عند تناول موضوع الذكاء الاصطناعي وقضاياه الشائكة، غالبا ما تصدر عن قلة في الخبرة وضعف المعرفة بحقيقة هذا المصطلح، خلافا لقاعدة “الحكم على الشيء فرع عن تصوره” فمن اختل تصوره للذكاء الاصطناعي جاء حكمه عليه واقعا في الخلل الكبير والوهم العريض.
    فنرجو أن تسهم هذه المحاضرة في إجلاء الأفهام وتبديد الكثير من الأوهام التي تكتنف هذا الموضوع المثير والمريب في الآن ذاته.
ثانيا: السيرة العلمية للأستاذ عبد الرحيم هدي
1) التكوين
ـ الأستاذ عبد الرحيم هدي مفتش التعليم الثانوي في الإعلاميات، حاصل على دبلوم مفتش التعليم الثانوي – تخصص المعلوميات، من مركز تكوين مفتشي التعليم – الرباط 2003.
ـ دبلوم أستاذ التعليم الثانوي – تخصص المعلوميات، من المدرسة العليا للأساتذة بالرباط 1996.
ـ شهادة أستاذ التعليم الإعدادي – تخصص الرياضيات، من المركز التربوي الجهوي درب غلف – الدار البيضاء 1988.
2) التجربة المهنية
مكون متعاقد في البرمجيات المكتبية، بمعهد التكنولوجيا التطبيقية معهد المعمورة بالقنيطرة من 2022 إلى الآن.
3) بحوث وأعمال منجزة
مؤلف ضمن فريق لثلاث مجموعات من الكتب المدرسية الرسمية والموازية:
ـ 2005 – 2007: أربعة كتب لتدريس المعلوميات بالتعليم الثانوي
« Le chemin de la réussite en informatique »
ـ 2009-2010: ستة كتب-موازية لتدريس المعلوميات بالتعليم الابتدائي
 « Je progresse en informatique »
ـ ثلاثة كتب-موازية لتدريس المعلوميات بالتعليم الإعدادي
« Clic Informatique »
4) أنشطة واهتمامات مختلفة
ـ مكون رئيسي ضمن برنامج GENIE. ومستشار جهوي بالأكاديمية الجهوية (الغرب الشراردة بني احسن سابقا)
ـ عضو أو رئيس بمجموعة من الجمعيات التي تهتم بالخط العربي والفن التشكيلي والإنشاد الديني والتصميم الجرافيكي وهو أكثر من ذلك قارئ مجيد للقرآن الكريم.
ثالثا: النص الكامل للمحاضرة
     تتطرق هذه المحاضرة إلى موضوع الذكاء الاصطناعي تحليلا وتفسيرا لماهيته، انطلاقا من محطات تاريخية تبلورت معها مجالات للبحث العلمي ارتكزت أساسا على تطور علوم الحاسوب (Computer Science)، والروبوتية (Robotics)، مستلهمة مبادئها من العلوم العصبية، حيث أوحت طريقة اشتغال الخلية العصبية للعلماء بأن يصنعوا ما يسمى بالخلية العصبية الاصطناعية، والتي تعتبر اليوم أساسا لتطور الذكاء الاصطناعي، من خلال الشبكات العصبية الاصطناعية.
     إن الآلات لا تعدو كونها أجهزة ميكانيكية تعتمد في اشتغالها أحيانا على الهيدروليك، أو الكهرباء، أو أي مصدر آخر للطاقة. وقد تطورت عبر التاريخ لتنضاف إليها رقاقات وشرائح إلكترونية، تساعد على تضمينها أنظمة مدمجة قابلة للبرمجة. ومع بروز الطرق السيارة للمعلومات، من خلال الشبكة العنكبوتية العالمية، أصبحت الأجهزة تتميز بوظائف جديدة، مستفيدة من سرعة التواصل مع نمو تكنولوجيا الاتصالات، مما يسر تداول أشكال مختلفة من المعلومات، كالصورة، والصوت، والنص، أو الفيديو. ومن بين ما يميز الآلات في عصرنا، إمكانية تجهيزها بأنظمة الاستشعار، مما يجعلها تلتقط الإشارات المختلفة، بل وتترجمها إلى ردود أفعال، بناء على قاعدة بيانات مسبقة، أو على برمجيات معلوماتية قابلة للتأقلم مع الوضعيات المختلفة، ويتم هذا عن طريق تعليم الآلة بداية، من خلال تزويدها بمداخل ومخارج، وخوارزميات قادرة على إنتاج منهجية للربط بينهما.
      ويعرف الذكاء الاصطناعي تطورا أُسِّيًّا (Exponentiel) لتطبيقاته في مجالات عدة، متعددة المنافع، ومحتملة الأضرار، ما يجعله أمام تحديات قانونية تارة، وأخلاقية قيمية تارة أخرى. مما يجعله مثيرا لمواقف واستنتاجات متباينة، بين التهويل والتهوين.
وسنحاول التطرق إلى تفاصيل هذا الموضوع، من خلال النقط التالية :
ـ ما هو الذكاء الاصطناعي ؟ تحليل وتفسير
ـ نبذة تاريخية ومجالات البحث
ـ تطبيقات الذكاء الاصطناعي بين النفع والضرر
ـ آفاق وتحديات الذكاء الاصطناعي
ـ مواقف واستنتاجات بين التهويل والتهوين
1) ما هو الذكاء الاصطناعي ؟ تحليل وتفسير
     من المؤكد أن تسمية الذكاء الاصطناعي لا تعني تشبيهه بالذكاء البشري، فالأمر لا يعدو أن يكون استعارة كما جرت العادة في التسمية، مثل الطائرة، مؤنث الطائر، ومن الطبيعي أن لا مجال للمقارنة بينهما، أو مثل خيول السيارة، وخيول العربة، وقس عليه.
     إن الذكاء البشري يختلف عن الذكاء الاصطناعي لكونه يختص بالكائن الحي المميز عن سائر الكائنات، فكيف يمكن أن يقارن بالآلة.
     وقد عرف أفلاطون الذكاء البشري بكونه النشاط الذي يكسب صاحبه العلم والتعلم، في حين عرفه أرسطو بكونه مجموعة من الأحاسيس والمشاعر التي تشكل العقل والمنطق، وقد قدم ابن تيمية تعريفا لطيفا للذكاء، حين قرب بينه وبين الفطنة في فهم الأمور الدقيقة.
     وقد اختزل بعض الباحثين في علم النفس مفهوم الذكاء فيما يمكن أن يقاس بمقياس للذكاء (بورين إيدوين Edwin G. Borin)، حيث سبقه (ألفريد بيني Alfred Binet) إلى تأسيس اختبار لتحديد العمر الذهني، قصد توجيه المتعلمين الصغار إلى مستويات وشعب دراسية مختلفة.
     كما تم تطوير أنظمة القياس، من خلال اختبار WAIS الذي اعتمد على مفهوم معدل الذكاء.
     يعتبر معدل الذكاء (IQ) حسب ويليام ستيرن William Stern :
(العمر الذهني \ العمر الزمني) * 100
     ويتم تصنيف نتيجة الاختبار وفق سلم Wechsler، بحيث يتمتع ذووا المعدلات الأكبر من 115 بالذكاء الجيد، ويصنَّف ذووا المعدلات الأكبر من 145 بالعباقرة.رسمة 1: سلم Wechsler لقياس الذكاء
     ومع اهتمام هذا القياس بمؤشرات متعددة ومتنوعة أهمها: الفهم اللفظي والتفكير الإدراكي وذاكرة الأرقام والحساب وسرعة المعالجة، إلا أن البعض يرى قصور مقاييس معدلات الذكاء في الإحاطة بكل جوانبه،
     قدم علماء النفس العديد من نظريات الذكاء، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، نظرية الذكاءات المتعددة التي تقترح ثمانية أنواع للذكاء: الذكاء اللغوي والذكاء المنطقي والذكاء الحسي/الحركي والذكاء الاجتماعي والذكاء النغمي والذكاء البيئي والذكاء المكاني والذكاء الذاتي.
     ويمكن تلخيص تعريف الذكاء على أنه مجموعة من القدرات يتمكن من خلالها الإنسان من:
ـ التفكير المجرد
ـ التحليل والتخطيط وجمع وتنسيق الأفكار
ـ حل المشكلات والاستنتاج
ـ سرعة التصرف والسرعة في التعلم
ـ الفهم والتواصل
ـ الإحساس وفهم وإبداء المشاعر
     في محاولة للاستلهام من المصطلح والمفهوم، تم نشر أول ورقة بحثية حول موضوع: آلات الحاسوب والذكاء (1950)، ومنذ ذلك الحين، يسعى العلماء إلى الاشتغال في تزويد الآلات ببرمجيات تحاول أن تحاكي القدرات البشرية.
     لهذا يعرف الذكاء الاصطناعي على أنه مجال من علوم الحاسوب، على اعتبار أن هذه الأخيرة تهتم بالأسس العلمية النظرية والتطبيقية لتطوير البرمجيات والأجهزة الإلكترونية الرقمية القادرة على إجراء العمليات الحسابية والمنطقية، بدقة وبسرعة، والتي تشكل جزءا مهما من المنظومة الرقمية.رسمة 2 : نظام المعالجة الرقمية
وتعتمد المنظومة الرقمية بالضرورة على مدخلات، أو معطيات، أو قواعد بيانات، حتى تتمكن من المعالجة المطلوبة، والمؤدية إلى نتائج أو حلول أو مخرجات.
ومن كل هذا، يمكن القول، بأن الذكاء الاصطناعي: يعنى بتصميم برامج حاسوبية قادرة على محاكاة القدرات العقلية المختلفة وقادرة على إظهار خصائص يتصف بها السلوك البشري، كالفهم والتحليل والتخطيط، وحل المشكلات، والاستدلال والاستنتاج واتخاذ القرار…
      وسنحتاج، لتوضيح هذا التعريف، العودة قليلا إلى بعض المحطات التاريخية المهمة التي أدت إلى بروز هذا العلم، والمجالات التي يهتم بها.
2) نبذة تاريخية ومجالات البحث
سنة 1943، استوحى والتر بيت Walter Pitts و وارن كولوش Warren McCulloch من العلوم العصبية عامة ومن طبيعة عمل الخلية العصبية البشرية، تصورا تصميما لأول خلية عصبية اصطناعية:
رسمة 3 : الخلية العصبية البيولوجية                            رسمة 4: الخلية العصبية الاصطناعية
بحيث تصبح الخلية العصبية نشطة، في حالة تشغيل، أو غير نشطة، في حالة إيقاف، وذلك وفق الإشارات التي تتلقاها من خلايا أخرى متصلة بها.
سنة 1948، ظهر روبوتان سماهما كاري والتر Gary Walter، ب إلمر وإلسي Elsie وElmer، يتنقلان بشكل ذاتي، ويتجاوزان العقبات باستعمال الضوء واللمس.رسمة 5: روبوت Elsie
سنة 1950، ظهر مفهوم التعلم الآلي أو تعلم الآلة Machine Learning، مع اختبار تورين Turing.
رسمة 6 : اختبار Turing   
يتم هذا الاختبار بمشاركة إنسان وحاسوب، ويشارك طرف ثالث، وهو إنسان كذلك، بدور المراقب. هذا الأخير لا يعلم أيا من المتنافسين الحاسوب وأيهما الإنسان. ويكون الاختبار بواسطة المحادثة النصية، باستعمال الكتابة فقط. ويعتبر الحاسوب ناجحا، إذا لم يتمكن المراقب من التفريق بينه وبين الإنسان، وليس بالضرورة أن يجيب إجابات صحيحة.
      حدد تورين Turing مدة زمنية للاختبار وهي 5 دقائق، وأكد أن الآلة قد يمكن تصنيفها بآلة تفكير، إذا ما نجحت في إقناع 30% من المراقبين. وهي النسبة التي لم ينجح أي برنامج حاسوبي في تجاوزها، إلا بقليل ابتداء من سنة 2014، مع برنامج أوجين كوستمان Engene Goostman، حيث أقنع 33% من المراقبين (وكان عددهم ثلاثون) في مدة لم تتجاوز خمس دقائق.
     عرف هذا الاختبار فشلا ذريعا في إثبات أن الذكاء يمكن أن يكون اصطناعيا، وهو في الحقيقة لا يعدو ان يكون محاولة لمحاكاة تفكير البشر، أو مجرد لعبة تقليد.
ما فتئت مجالات البحث تتراوح بين التطور والركود في الفترة ما بين 1951 و 1997، برز خلالها الاهتمام بالشبكات العصبية الاصطناعية منذ 1951، حيث ظهر جهاز سنارك SNARC الذي وصف بأول محاولة في الذكاء الاصطناعي حيث تم توظيف 40 خلية عصبية اصطناعية، يحاول مينسكي Minsky من خلالها محاكاة متاهة سكينير Skinner حيث يضع الفئران لتبحث عن طريق الخروج، من خلال اتباع أول فأر يجد الحل.
     توالت الأوراق البحثية فاتحة المجال لمواضيع جديدة، تهم بالأساس تطوير لغات برمجة مخصصة للذكاء للاصطناعي كبرنامجLISP  (1958)، وظهور برنامج إليزا ELISA (1964) لمعالجة اللغات الطبيعية، والذي يعتبر أساسا لروبوتات الدردشة ChatBot المنتشرة اليوم في أغلب المواقع الإلكترونية. كما اهتمت البحوث بتطوير أول نظام خبير Expert System قادر على اتخاذ القرار (1980)، في المجال الطبي كاديسوس CADUCEUS الذي كان يستطيع تشخيص ألف مرض مختلف.
     عرفت سنة 1997 تفوق الحاسوب ديب بلو Deep Blue على بطل الشطرنج العالمي كاري كاسباروف Gary Kasparov، حيث اعتبر هذا الحدث أول تفوق للذكاء الاصطناعي على الذكاء البشري. ومع بداية القرن الواحد والعشرين، عرفت مجالات التطوير انتشارا واسعا، سواء في مجال الروبوتية، كالسيارات الذاتية القيادة (ستانلي STANLEY 2005)، أو في مجال الإلكترونيك، حيث دعم ظهور وحدات معالجة الرسومات Graphics Processing Units، تدريب الشبكات العصبية الاصطناعية على التعلم العميق (Deep Learning) لأول مرة سنة 2009.
سنة 2011، تمكن نظام واطسون Watson لمعالجة اللغة الطبيعية من الفوز أفضل لاعبين بمسابقة المعلومات جيوباردي Jeopardy.
     كما برزت أنظمة الترجمة الفورية المنطوقة، سنة 2012 تترجم اللغة الصينية إلى اللغة الإنجليزية. وقد عرفت سنة 2022 ظهور روبوت متقدم للمحادثة الفورية من شركة OpenAI، يكون قدارا على حل المشكلات، من تمارين الرياضيات إلى تمارين البرمجة المعلومياتية.
     وخلاصة القول، نجد أن مجالات البحث المرتبطة بالذكاء الاصطناعي قد ركزت على تعلم الآلة، من خلال التعلم العميق الذي يوظف الشبكات العصبية الاصطناعية.
رسمة 7: مجالات الذكاء الاصطناعي
أـ مجال التعلم الآلي:
      يرتكز على تعلم الآلة من خلال تنفيذ المهام بالاعتماد على دراسة أمثلة لها. لذلك يتم التركيز على استخدام البيانات (بأمثلة كثيرة للتدريب) وعلى الخوارزميات المعدة لهذا الغرض، التي لديها القابلية على تحسين أدائها بشكل تدريجي.
      يعتمد التعلم الآلي على نماذج متعددة من علوم الرياضيات، كالنموذج الخطي (الانحدار الخطي Linear Regression) :
رسمة 8 : الانحدار الخطي
   يقوم النظام بالبحث عن الخط الأحمر الأمثل، الذي يمثل جميع النقط الزرقاء بحكم قرب المسافة، وكلما تعددت النقط الزرقاء (التي تمثل الأمثلة المختلفة) كلما كان النموذج الخطي دقيقا وأفضل تمثيلية.
ب ـ مجال التعلم العميق وطبقات الشبكات العصبية :
     وهو عبارة عن نموذج تعليمي متطور يعتمد على الشبكات العصبية متعددة الطبقات ونماذج غير خطية، على اعتبار أن المسائل والوضعيات التي ستعترض النظام لن تكون يسيرة المعالجة بنظام عادي خطي.
رسمة 9 : انحدار غير خطي
وتتعلم الآلة بخوارزميات التوجيه والتعزيز المتكرر، إلى أن يتم الحصول على النموذج الأمثل، وكلما زاد عدد طبقات الخلايا العصبية الاصطناعية، كلما كان التعلم عميقا ودقيقا. لذلك يتطلب الذكاء الاصطناعي موارد تجهيزية ضخمة تضمن السرعة في الأداء والقدرة على التخزين المؤقت لمعطيات المعالجة.
3) تطبيقات الذكاء الاصطناعي بين النفع والضرر
     إن تعدد مجالات البحث في علم الذكاء الاصطناعي، بين التعلم الآلي، والتعلم العميق، والشبكات العصبية، بالإضافة إلى وحدات معالجة الرسومات (GPU) وأنظمة معالجة اللغات الطبيعية، يتيح للمستثمرين والمخترعين والمصنعين، تنزيل كل الأفكار التي من شأنها ان تندرج في سباق عالمي نحو اثبات الهوية الرقمية ومع محاولة إيجاد سوق شاسع لها، يسعى إلى توسيع مجال التطبيقات لتشمل عددا كبيرا من مناحي الحياة. ونذكر من هذه التطبيقات ما يلي:
ـ القيادة الذاتية
ـ التعرف على الأشخاص
ـ التعرف على الأشياء
ـ التعرف على الأصوات
ـ معالجة اللغة الطبيعية وروبوتات المحادثة Chat-bot
ـ المجال الطبي (تشخيص الأمراض وإجراء العمليات عن بعد)
ـ الروبوتات وأنترنت الأشياء Internet of Things – IoT (روبوت البيت والتحكم في كل الأجهزة)
ـ تحليل المحتوى والكشف عن صفة الانتحال
أـ منافع الذكاء الاصطناعي:
    لا يمكننا اليوم تجاهل منافع هذه التطبيقات المتعددة، والتي يمكن تلخيصها فيما يلي:
ـ البحث وتحليل البيانات:
      أصبح من السهل اليوم إيجاد المعلومات والبيانات وبطريقة أسرع من المعتاد، كما أن تحليلها بات ميسرا عن طريق خوارزميات التنبؤ، مما يتيح إمكانية فهم النتائج والسيناريوهات المحتملة بعد معالجتها.  (مثلا، موقع يوظف الذكاء الاصطناعي للبحث والتحليل في مصطلحات القرآن الكريم: Quran Smart Semantic Search and Question Answering System – QA (BETA) (qurananalysis.com)).
ـ تقليل الأخطاء:
      يتميز الذكاء الاصطناعي من خلال التعلم العميق بمحاولة متجددة ومستمرة لتقليل الأخطاء، مما يجعل عددا الشركات والإدارات تتجه نحو تطبيقاته، مثل جمع المعطيات واستثمارها، وأداء المهام المتكررة بحرفية وكفاءة دون كلل أو ملل. حيث يستفاد منه نقص الضغط على الموظفين وإمكانية استمرار العمل على مدار اليوم.
ـ خدمة الزبناء من خلال حل المشكلات المعقدة واتخاذ أحسن القرارات:
     من خلال روبوتات المحادثة الفورية، أصبح من اليسير إيجاد واقتراح الحلول المناسبة لمشاكل واحتياجات الزبناء، مما يجعل القرارات التي يتخذها الزبون موضوعية إلى حد ما ولا يطغى عليها الجانب العاطفي في انجاز المعاملات.
ـ التعليم:
     تتيح أنظمة المحادثة الفورية إمكانية التفاعل مع أستاذ رقمي (يحاكي هيئة البشر بالصوت والصورة)، ويلعب دور المدرس، حيث انتشرت عدة شركات ومواقع إلكترونية تتيح خدمة تعليم اللغة بواسطة هذه التقنية. ومن فوائد هذه الأنظمة أنها تنفصل عن إطار المدرسة والمدرس، مما يساعد المتعلم على ضبط إيقاع تعلمه بنفسه مع اختيار محتوى يلائم حاجياته.
ـ وظائف جديدة:
     تؤثر تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجال الوظائف، إذ ستكون الحاجة أكبر إلى نوع جديد منها، خصوصا في مجال تحليل البيانات، والتصميم الجرافيكي، وفي مجال البرمجة المعلوماتية.
ب ـ أضرار الذكاء الاصطناعي:
ـ وظائف ستندثر:
     بالمقابل، وبشكل أسي، يتم تعويض البشر بالآلات في العديد من الوظائف، مما يتسبب في فقدان الكثير من الناس لوظائفهم، في الصناعة والتجارة والتعليم والنقل.. وغيرها من المجالات.
ـ كلفة تعلم الآلة:
      مع انتشار أنترنت الأشياء IoT، ستحتاج كل هاته الأجهزة الذكية إلى التدريب والعلم، مما يجعل الحاجة إلى الطاقة مستمرة، وهذا يطرح سؤال الكلفة، في وقت يشكو فيه العالم من نُدرة الموارد الطاقية.
ـ تغذية العنصرية والانحياز بين البشر:
     إن من يقوم بتدريب خوارزميات الذكاء الاصطناعي قد يكون سببا، غالبا عن غير قصد، في بروز ظاهرة التحيز في اتخاذ القرار. وكمثال على ذلك، يتم تحديد بلدان دون أخرى أثناء القيام بعملية تدريب المنتوج الجديد، مثل كوبيلوت Copilot المساعد في برامج المكتبيات التابعة لشركة مايكروسوفت Microsoft، مما قد لا يأخذ بعين الاعتبار الوضعيات المرتبطة بدول الجنوب في معالجة المشكلات أثناء إنتاج المحتويات بواسطة هذه البرامج. وهناك أمثلة أخرى تتعلق بقرارات منح بطاقات ائتمان لزبناء شركة آبل Apple، حيث اتهم النظام بالتحيز للرجال ضد النساء، كما اضطرت شركة أمازون Amazon إلى توقيف العمل بالذكاء الاصطناعي في النظر في ملفات التوظيف، لتحيز نظامها للرجال، والسبب أن تدريب الخوارزمية اعتمد على نسبة كبيرة من الرجال، وبالتالي تدرب على تفاصيل محددة دون أخرى وغالبها معلومات لا علاقة لها بالنساء. وفي مجال الأحكام القضائية، اتهم نظام كومباس Compas بالانحياز ضد ذوي البشرة السوداء أثناء التنبؤ بإمكانية تنفيذ جريمة.
ـ التضليل المعلوماتي والجرائم السيبرانية:
     يتمثل الجرم السيبراني في إنشاء المحتوى الضار من قبيل تطوير نماذج لغوية يتم تدريبها على الاحتيال كالرسائل الإلكترونية الاحتيالية الأكثر إقناعًا. ويتجلى كذلك في انتحال الشخصية، مع إمكانية نسخ الوجه أو الصوت من أجل تضليل وخداع الناس.
4) آفاق وتحديات الذكاء الاصطناعي
أـ حقوق الملكية الفردية
     إذا كان القصد من تدريب الذكاء الاصطناعي “ليكون بطريقة ما – نسخة من – البشرية جمعاء” حسب سام آلتمن Sam Altman مدير شركة OpenIA، وإذا كان تدريبه هو عبارة عن “إنتاج جزء كبير من البشرية”، فإن هذا الأفق يطرح تحديا كبيرا يتجلى في الإخلال بحقوق الملكية الفكرية والأدبية. إذ تواجه شركة OpenAI دعاوى قضائية في هذا الباب، بحكم توظيف تطبيقاتها لمحتويات المفكرين والفنانين والأدباء وغيرهم لإنتاج محتوياتها.
ب ـ مخالفات وحوادث الذكاء الاصطناعي والخوارزميات والأتمتة (AIAAIC):
AI, Algorithmic, and Automation Incidents and Controversies (https://www.aiaaic.org/)
     وبهدف دراسة ودعم الشفافية في مجال الذكاء الاصطناعي والخوارزميات والأتمتة (الروبوتية) أنشأت منظمة الـ AIAAIC كمبادرة مستقلة ذات مصلحة عامة، حيث تهتم بتوثيق ونشر المخاطر والحوادث والمخالفات في كل مجالات البحث والتطبيقات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي.
      حسب المنظمة المذكورة، فإن عدد الحوادث المسجلة يعرف نموا أسِّيًّا كما يوضح المبيان التالي :
     ومن أمثلة ما سجلته الـ AIAAIC معتبرة إياها تمييزا وانتهاكا للخصوصية:
ـ تقليد فيديوهات شخصيات بارزة (أو ما يسمى بالتزييف العميق deepfake)
ـ استبدال عمليات التنصت، بعمليات تحويل الأصوات إلى نصوص في السجون
ـ نظام intel لتحديد الحالة العاطفية للطلبة
ـ نظام مصفوفة عنف العصابات (GVM Gangs Violence Matrix 🙂 الذي تستخدمه شرطة لندن London لتَوَقّع وتصنيف المخاطر لكل عضو مدرج في المصفوفة
ت ـ الاستدلال القائم على القيم:
       بناء على كل ما سبق، يطرح الذكاء الاصطناعي تحديا كبيرا يتجلى في ضرورة إخضاع نماذجه إلى فلترة تحتكم إلى القيم. بحيث تخضع نتائج وحلول نماذج الذكاء الاصطناعي إلى قياس التطابق مع مجمل القيم المتفق حولها، على صعيد الدول والعالم.
ث ـ التوصية الخاصة بأخلاقيات الذكاء الاصطناعي:
     لذلك أصدرت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة التوصية الخاصة بأخلاقيات الذكاء الاصطناعي (2022)، منطلقة من القيم التالية:
ـ احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية وكرامة الإنسان وحمايتها وتعزيزها
ـ ازدهار البيئة والنُظم الإيكولوجية
ـ ضمان التنوع والشمول
ـ العيش في مجتمعات مسالمة وعادلة ومترابطة
ومرتكزة على المبادئ التالية:
ـ التناسب وعدم الإضرار
ـ العدالة والإنصاف وعدم التمييز
ـ السلامة والأمن
ـ الاستدامة
ـ الحق في الخصوصية، وحماية البيانات
ـ المسؤولية والمساءلة
ـ الوعي والدراية
ـ التعاون المتعدد الأطراف والسبل القابلة للتكيف
ـ اضطلاع البشر بالإشراف وباتخاذ القرارات
ـ الشفافية والقابلية للشرح
5) مواقف واستنتاجات بين التهويل والتهوين
     ترى مواقف التهويل أن الذكاء الاصطناعي سيشكل خطرا على البشرية من خلال تسليح الآلة وسلب حرية البشر. في حين، ترى مواقف التهوين أن لا خطر على البشر ما داموا هم صانعوا الآلة الذكية، وما دامت تطبيقات استغلالها ستدعم فرص الابداع البشري في جميع مناحي الحياة. وتبقى هذه الإيجابيات مشروطة بتأمين مبادئ تكافؤ الفرص والشفافية وعدم التمييز.
     وأختم هذه المحاضرة بمقتطف من حوار مطول دام قرابة الساعة، مع روبوت الدردشة ChatGPT، حول سؤال التهوين والتهويل:
أوضح لي أوجه الاختلاف بين المبالغين في التهويل من تقنيات الذكاء الاصطناعي والمبالغين في التهوين منها.
روبوت الدردشة : ChatGPT
المبالغة في التهويل من تقنيات الذكاء الاصطناعي تتمثل في تضخيم قدراتها وتأثيرها بطريقة غير واقعية، مثل توقعها لحل جميع المشاكل البشرية بسرعة وسهولة، بينما المبالغة في التهوين تتجلى في تقليل أهمية تلك التقنيات وتأثيرها، وعدم الاعتراف بإمكانياتها الفعلية وفوائدها المحتملة في مختلف المجالات.
يرجى التوضيح مع اعطاء أمثلة على كل تفصيل.
ChatGPT
بالطبع، ها هي أمثلة لكل تفصيل:
التهويل من تقنيات الذكاء الاصطناعي:
مبالغة في القدرات: تصور بعض الأشخاص أن الذكاء الاصطناعي قادر على حل جميع المشاكل البشرية بسهولة وسرعة، مثل توقعهم لوجود ذكاء اصطناعي يستطيع حل جميع مشاكل العالم بسرعة فائقة.
تهويل بالتأثير: يتمثل هذا في الاعتقاد بأن الذكاء الاصطناعي سيغير كل جوانب الحياة البشرية، من الطب إلى الصناعة، بطرق غير واقعية، مثل توقع تغيير الوظائف البشرية تمامًا واستبدالها بالروبوتات.
التهوين من تقنيات الذكاء الاصطناعي:
إنكار القدرات: بعض الأشخاص ينكرون إمكانية تقدم التقنيات الذكاء الاصطناعي في حل مشاكل معقدة، ويعتبرونها مجرد تكنولوجيا جديدة دون تأثير كبير، مثل عدم الاعتراف بإمكانية استخدام الذكاء الاصطناعي في تطوير الطب والتشخيص الطبي.
تقليل التأثير: يتمثل في عدم الاعتراف بالتأثير الاجتماعي والاقتصادي المحتمل للذكاء الاصطناعي، مثل تقليل أهمية استخدام الذكاء الاصطناعي في تحسين الإنتاجية وتقليل التكاليف في الصناعة.
مراجع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ العقل والشرع (العقل والذكاء)، د. فهمي قطب الدين النجار، نشر بشبكة الألوكة، 2014.
https://www.alukah.net/social/0/6809
2 ـ توظيف الذكاء الاصطناعي في خدمة العلوم الشرعية، د. عبد الله الشنقيطي، أستاذ الذكاء الاصطناعي بكلية الحاسب الآلي ونظم المعلومات بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
https://youtu.be/5AiDZhiL3Vs   
3 ـ التوصية الخاصة بأخلاقيات الذكاء الاصطناعي، معتمدة من قبل اليونسكو سنة 2021، منشور سنة 2022
https://unesdoc.unesco.org/in/rest/annotationSVC/DownloadWatermarkedAttachment/attach_import_f5d817c3-fd4a-4f8c-86e9-8733a19d0cea?_=381137ara.pdf&to=44&from=1
4 ـ متحف الروبوتات
 https://www.theoldrobots.com/ 
5 ـ مؤشر الذكاء الاصطناعي، تقرير 2023، جامعة Stanford الأمريكية
https://aiindex.stanford.edu/wp-content/uploads/2023/04/HAI_AI-Index-Report_2023.pdf
6 ـ IA et Education, Mohamed EL KOUACHE, Enseignant de l’informatique & Etudiant Chercheur en mathématique et IA. Kénitra, 2020

Print Friendly, PDF & Email

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى