كلمة بين يدي المحاضرة(رئيس المركز الأستاذ عبد السلام محمد الأحمر) بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحابته أجمعين، أعزائي الكرام الحاضرين معنا في هذه القاعة، والمتابعين لنا عن بعد، أحييكم وأرحب بكم في هذا النشاط الفكري والعلمي الهام، وأود في البداية أن أتكلم عن دوافع التفكير في هذه المحاضرة وفي برمجتها فأقول: لقد لاحظنا تزايد ظاهرة الوهن والفتور، وضعف الفعالية الفردية، والتي تتجلى في السلوك العام لغالبية الناس؛ من إخلاف المواعد وخيانة الأمانات، والغش في العمل، وغياب الإتقان، وكذا تضخم الحرص على نيل الحقوق، مقابل التقاعس في أداء الواجبات، وتفشي ظاهرة الانتظارية؛ حيث ينتظر الفرد أن تتغير أحواله العامة والخاصة، دون إسهامه شخصيا في ذلك من قريب أو بعيد، وبقليل قبل الكثير. ونعتقد أنه لا مخرج من هذه التواكلية المقيتة، إلا بتوعية الفرد بمسؤولياته عن أوضاعه الفردية والاجتماعية. {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11] كما أنه لا يمكن لمجتمع، أو شعب، أو أمة، أن تحقق نهضة، دينية وعمرانية وحضارية، دون الاعتماد على فعالية أفرادها، وحشد كل الإمكانيات التي تنميها، وتبلغ بها أعلى درجة مستطاعة. وإذا تأكد أنه لافعالية للفرد دون فعالية الأمة، فإن الأوكد من ذلك هو أن لافعالية للأمة دون فعالية أفرادها، والفرد على كل حال مطالب أن يفعل الصلاح والأصلح، والحسن والأحسن، ويسارع في الخيرات، ليبرئ ذمته أمام الله، وينقذ نفسه من تبعات التقاعس، في أداء الواجبات، ويعتق رقبته من النار. ولا يكون ذلك، إلا بأن يحزم المرء نفسه، ويسلك بها بعزم طريق الإنجاز الصالح، والفعل الخير. وأود كذلك، أن أقدم إضاءات حول العلاقة بين الفعالية الفردية كما الاجتماعية وقيمة الأمانة. لأن الأمانة التي حملها الإنسان، وأشفقت منها السماوات والأرض والجبال، تقتضي في حقيقتها أن يكون له الاختيار، بين أن يفعل الصلاح أو الفساد، وأن يتبع طريق الهداية أو طريق الضلال، والكثير من الناس يميلون مع فعل الفساد على فعل الصلاح، وذلك لسبب واضح معلوم، وهو سهولة أفعال الفساد دون استثناء، وشدة الإغراء بها، وسرعة تحصيل نتائجها، في حين تتميز أفعال الصلاح بصعوبتها، وشدة مكابدة النفس لها أثناء فعلها، وتأخر نتائجها في الغالب إلى الدار الآخرة، وهذا ما يجعل معظم بني آدم، يعجزون عن أن يكونوا فعالين على نهج الدين وواجباته، المعاكسة بطبيعتها للأهواء واتباع الشهوات، في حين نجد المتحررين من تعاليم الوحي، يندفعون في إشباع رغباتهم الدنيوية، بقيود أخف وكوابح أقل، أو ربما عند انعدامها تماما، فتكون فعاليتهم في تحصيل المطالب الدنيوية أعظم وأظهر، لكنهم غالبا ما يخيب سعيهم، عندما لايتحقق لهم ما قصدوه، وابتغوا وسائله المادية، ألا وهو السعادة الدنيوية. أما أهل الاستقامة على دين الله وهديه، فكلما ازدادت فعاليتهم بالدين وفي إطاره، تحقق لهم قدر من السعادة في الدنيا، وازداد طمعهم في رحمة الله ورضاه، وسعادة الخلد في جنات النعيم. ولذلك فإن فعالية المؤمن، لاتستهدف فقط الرقي الحضاري الدنيوي، الذي قد تدركه أولا تدرك منه شيئا إطلاقا؛ لأنه لا يتوقف على فعل فرد وحده، وإنما تستهدف ما هو أعلى من ذلك وأيقن وأدوم؛ وهو السعادة الأبدية. فالله سبحانه خاطب آدم وحواء وإبليس، عند إهباطهما من الجنة إلى الأرض، راسما المآل الحتمي لفاعلية المكلفين في الدنيا والآخرة؛ {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 123، 124] وأكد سبحانه وتعالى أنه: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97]. والحياة الطيبة متحققة ابتداء في الدنيا وانتهاء في الآخرة بحسب ما يناسب كلا منهما. وتجدر الإشارة في الختام، إلى أن سلوك الإنسان ينشأ، إما بدافع اتقاء الآلام، وإما بحافز تحصيل الملذات، وقد أبلغ الدين الآلام إلى منتهاها في حر جهنم، وأبلغ الملذات إلى منتهاها في نعيم الجنات، وبذلك يتفوق الوحي على كل المذاهب الأرضية، في إكساب الإنسان المؤمن أعلى فعالية، والتي لا تنحدر إلا عندما ينحدر في النفس الإيمان بحقيقة الأمانة العظمى وتبعاتها الثقيلة دنيا وأخرى، والتي نجد تفصيلا لها في مختلف تكاليف الشرع بنوعيها: المطلوب فعلها من المفروضات والمندوبات، والمطلوب تركها من المحرمات والمكروهات. وخير من يتحدث لنا في هذا الموضوع، الأستاذ الدكتور زيد بوشعراء، الذي أعد فيه سفرا من خمسمائة صفحة، سيعرف طريقه إلى النشر قريبا بحول الله. فأجدد شكري له على تلبية الدعوة، بإلقاء هذه المحاضرة الهامة، وأتمنى له التوفيق والسداد، ولكم جميعا تمام الاستفادة. نص المحاضرة: لقد كانت الفَعَّالية الفردية عبر التاريخ هي الأصل في نشأة المجتمعات والمؤسسات، والأصل في انطلاق مشاريع الإصلاح المجتمعي والإنجاز الحضاري. إنها بحق ضرورة حضارية، وإنما يأتي التدبير الجماعي المؤسسي بكل أنواعه ليكون مسندا لها ومرشدا ومنميا ومطورا، وليس ليكون بديلا لها ومغنيا عنها، وما ينبغي له ذلك. والعمل المؤسسي يقاس نجاحه، بمدى قدرته على تقديم أعمال نافعة كبيرة، ناجمة عن تشاور أفراده وتعاونهم وتكاملهم، ويقاس أيضا بمدى وفائه لأصل نشأته الفردية؛ أي بمدى قدرته على تأهيل كل فرد من أفراده للنهوض بأعمال ذات بال، وبقدرته على فتح الباب أمام الفَعَّالية الفردية، والتحفيز عليها وتعهدها وتنميتها، بحيث يصبح الفرد ذا فاعلية أو أحسن فاعلية مما كان عليه قبل اندماجه بالعمل المؤسسي. لكن تسيير المؤسسات اليوم صار في الغالب مختلا، بما يؤول إليه من الحد من الطاقة الفردية، إما بالنقصان منها أو تجميدها في مستواها القبلي، فأصبحت مجموعة من أفرادها، تشترك في إنجاز ما يكفي لإنجازه الفرد الواحد. بل في إنجاز ما هو أقل من إنجاز الفرد الواحد، المستقل المجتهد الفعال. وقد أُعجبت أمتنا في زمانها الأخير بما أبدعته الأمم المزامنة لها من أنماط المؤسسات، فصارت تقتبسها منها، إلا أن أغلب إدارات الأمة العامة وجمعياتها المختلفة تشبثت بأشكالها وأهملت مضمونها ومقصودها المتمثل في تنمية فعالية أفراد المؤسسات، وجودة إنجازهم لأهدافها، وصولا إلى تنمية قدرات المجتمع وتحقيق مطالبه، ولم يسلم من هذا العيب إلا الشركات بسبب حرص أصحابها على النجاح، وكل ذلك أمر ملحوظ في واقعنا الراهن، وهو ظاهرة مؤسساتية يحزن لاستمرارها كل الغيورين عليها، ويؤكد استشراءها كل المراقبين لأوضاعها، فقد كشفت بعض الإحصاءات والدراسات أن نسبة الموظفين الفعالين في بعض الدول الإسلامية لا تتعدى العشر، وذلك راجع إلى عدة أسباب؛ ويأتي في مقدمتها توسيد الأمور إلى غير أهلها، وما يتبع ذلك من سوء التخطيط الإداري، وسوء التوظيف كما ونوعا وكيفية، وسوء التقويم للأفراد، وغياب المراقبة والمحاسبة والزجر والحفز، وما إلى ذلك. بل صارت كثير من المؤسسات، عاجزة عن الاستجابة لحاجات المجتمع وإصلاح أحواله، فخيبت ظن الناس فيها، وقطعوا إياسهم منها. لذلك صار من اللازم استعادة الفَعَّالية الفردية، وتجديدها وتنميتها وصيانتها، بعد الفتور الذي أصابها بفعل عوامل مختلفة، وبعد التحجيم الذي لحقها من جراء العمل المؤسسي غير المؤهل، بل ينبغي للفرد استعادتها بنفسه، ولو كان غير مندمج بأي مؤسسة. وينبغي أيضا لكل فرد مؤمن، أن يستمر في فعل الخير الذي تعين في حقه وجوبا أو ندبا، لا يضره في ذلك خذلان المؤسسات لمجتمعه وإغفالها لتطلعاته. إذ عسى الله أن يبارك في فَعَّالية الأفراد، فينشئ في المجتمع من تفاعلها وتراكمها روحا جديدة، ويبلور لنهوضه وتجديده أسبابا عديدة ووسائل مفيدة. على أن الفَعَّالية الفردية المرجوة لن تكون بحال بديلا عن العمل المؤسسي، بل إن من فَعَّالية الفرد، تأسيسه لمراكز بحث وتفكير وفرق عمل وتدبير، تكون مهمتها الكبرى نفع المجتمع، وتكون ميزتها الأساسية إعطاء الفَعَّالية الفردية حقها من العناية، وذلك بحسن اختيار أفرادها، وحسن تحفيزهم على إنجاز ما ينفع الناس في حياتهم العلمية والعملية. كما أن فَعَّاليته ترغيبه الأكفاء في تأسيسها على هدا النحو. وبذلك تكون الفَعَّالية الفردية ضرورية في كل الأحوال، فقد كانت ضرورية لتأسيس الأمة، وهي أبدا ضرورية لتأسيس مؤسساتها النافعة، وضرورية لتدبير أعمالها، وضرورية لتحقيق المطالب الشرعية كلما أخفقت في ذلك المؤسسات وفشلت. وبالتأمل في حضارة المسلمين وتراثهم التربوي والاجتماعي وسير أعلامهم، نجد للفَعَّالية الفردية حضورا لافتا للانتباه، مثيرا للإعجاب، وحسبك من ذلك فعالية العلماء من حيث الأثر البارز الذي كان لهم في اصلاح الأحوال، ومن حيث الكتب العلمية الكثيرة النافعة المباركة التي أنتجها وخلفها كل واحد من جهابذتهم، وهي أعمال علمية لا تستطيع إنجازها مراكز البحث الكبرى الحالية برمتها، مع ما لها من موارد مالية كبيرة، وطواقم علمية كثيرة، ووسائل تقنية متطورة… كما أننا بالنظر في نصوص الإسلام نلحظ بيسر أنه جعل لفَعَّالية الفرد مقاما معتبرا، وجعل لها مقومات ميزتها عن مقومات الفَعَّالية الفردية لدى الأمم الأخرى القديمة منها والحديثة، وذلك من حيث مفهوم الفعالية نفسه ومداها، ومن حيث صورها ومراتبها، ومن حيث حوافزها وشروطها، ومن حيث صوائنها التي تحفظها من التدهور أو الزوال. وبعد فهذا مقتضب ما كتبته في موضوع الفعالية الفردية مما هو خلاصة تفكير وتجربة وملاحظة واستقراء للكتاب والسنة والتراث الإسلامي، وهو نص الكلام الذي أمكن إلقاؤه في الزمن المخصص للمحاضرة. وقد ضمتنه ثلاثة مباحث: المبحث الأول في مفهوم الفعالية الفردية وتأصيلها والمبحث الثاني في صورها ومراتبها والمبحث الثالث في عواملها. المبحث الأول: مفهوم الفَعَّاليةوتأصيله المطلب الأول: مفهوم الفَعَّالية ـ فَعَّالية الفرد هي كونه فَعَّالا، والفَعَّال وزن من أوزان المُبالَغَة، والمُبالَغَة بلوغ المرء في فعل من الأفعال منتهاه، أو درجة مقاربة له، وتكرار الفعل منه واطراده ودوامه وكثرته، ولذلك كانت الفَعَّالية أبلغ من الفاعلية. والفَعَّال صفة إذا أطلقت، أي إذا قيل فلان فَعَّال، فالمراد بها المدح، إذ يوصف بها من يكثر من القيام بالأفعال الحسان. ـ إن المؤمن الفَعَّال، فضلا عن كونه مأمون الشر، هو الشخص المبادر إلى نفع الغير أحسن نفع، وفي أسرع وقت، مداوما على ذلك ومكثرا منه، وجامعا بين أنواع النفع عند تزاحمها، ومرجحا لأولاها عند تعذر الجمع بينها. فمعنى كون المؤمن فَعَّالا أنه متسم بمجموع سمات خاصة وهي: السمة الأولى: كونه جامعا بين “الصالحات” الواجبة والمندوبة، وبين القاصرة النفع والمتعدية النفع جميعا، حريصا على أن يعود بالسلام والرحمة والبركات على الناس وعلى دين الله. السمة الثانية: كون نفعه المتعدي هو الأحسن، أي حرصه على أن يكون هو الأنفع للناس، حتى يغلب على أعماله أن تكون هي الأنفع، وعلى نفعه أن يكون كثير الوجوه، ومتنوع الوسائل، وعاما لكل الناس، ومستمرا لا ينقطع. السمة الثالثة: كونه مأمون الشر، حريصا على أن يجعل سلوكه كله نافعا سالما من الإضرار. السمة الرابعة: كونه مبادرا إلى عمل “الصالحات”، حرصا منه على إدراك فضل السبق إلى فعلها. السمة الخامسة: كونه سريع الإنجاز لهدفه المشروع، حرصا على تعجيل النفع. السمة السادسة: كون فعله لتلك الصالحات متميزا بالخصائص المقاصدية التالية: الأولى: أن يجمع بين المصالح ويوفق بين الحقوق المتساوية والمتفاوتة، عندما تتزاحم عليه، وذلك كلما كان جمعه بينها ممكنا. والثانية: أن يفعل الراجح منها، عندما يتعذر عليه الجمع بينها، ويقدم منها ما كان أنفع؛ أي ما كان نفعها هو الأجود، والأعم، والأثقل وزنا، والأدوم أثرا، والأولى بالنسبة إلى زمانه ومكانه. والثالثة: أن المؤمن الفعال، وهو ينحو هذا المنحى الممكن له في الجمع بين المصالح، وفي ترجيح بعضها على بعض، يهدف إلى تحقيق المقاصد الضرورية والحاجية والتحسينية، ويدور سعيه الفردي أو المشترك بين حفظ مصالح موجودة وتنميتها، وجلب مصالح مفقودة أو إحياؤها، وإزالة مفاسد واقعة أو تقليلها، ودرء مفاسد متوقعة. مصطلحات مفهوم الفعالية الفرد المؤمن الفَعَّال هو في الاصطلاح القرآني مرادف لكونه “المبارك” وهو “المصلح” المؤمن الفعال بمقتضى المفهوم القرآني للإصلاح. وهو، في اصطلاح أهل التفسير وأصحاب التراجم والسير، المؤمن الذي تنطبق عليه الأوصاف الواردة عنهم بصيغة المبالغة، تلك التي تدل على أن نفعه قد بلغ أقصاه مطلقا، مثل صفات: فَعَّال للخير، ونَفَّاع، وسبَّاق إلى الخير، وقضَّاء للحوائج، وقوَّال بالحق، وأمَّار بالمعروف ونَهّاء عن المنكر. المطلب الثاني: تأصيل مفهوم الفَعَّالية تأصيل مفهوم فَعَّالية المؤمن هو تأصيل تفصيلي، أي تأصيل كل عنصر من عناصره المكونة له، وهي المتمثلة في كون المؤمن مبادرا إلى فعل الخير وسريع الإنجاز له، وكون فعله للخير ناتجا عن إتيانه الفرائض والمندوبات معا، وكون فعله ذا نفع متعد، وكونه الأنفع أي أجود نفعا وأكثره وعامه ومتنوعه ومستمره، وكونه ممسكا عن الإضرار. أولا: تأصيل كون المؤمن مبادرا سريع الإنجاز تأصيل كون المؤمن الفعال مبادرا، أي سريع النهوض إلى فعل الخير، يتمثل في حث الله المؤمنين على المسارعة في الخيرات والسبق إليها، كما في قوله: {فاستبقوا الخيرات} [الْمَائِدَةِ: 48] ومسارعة المؤمن في الخيرات، تفضي إلى سبقه إليها، ونيله لأجور من تبعه إل يوم الدين، كما نص على ذلك حديث جَرِيرٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَدْرِ النَّهَارِ، قَالَ: فَجَاءَهُ قَوْمٌ حُفَاةٌ عُرَاةٌ مُجْتَابِي النِّمَارِ أَوِ الْعَبَاءِ، فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا رَأَى بِهِمْ مِنَ الْفَاقَةِ، فَأَمَرَ بِلاَلاً فَأَذَّنَ وَأَقَامَ، فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا، بَلْ قَدْ عَجَزَتْ، قَالَ: ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَلَهُ أَجْرُهَا، وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ…”[1] فإذا جاء وقت عمل شرعي ما، فالسرعة في النهوض إلى أدائه محمودة، ما لم يؤد ذلك إلى تفويت مصلحة أكبر من مصلحته. ثم إن شأن المؤمن الفعال أن ينفع بإحسان وفي أسرع وقت ممكن، فلا يستغرق إتقانه لأي عمل أكثر من الوقت الذي يكفيه عادة. ومن شواهد استحباب سرعة الإنجاز ما روي عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أنه قَالَ: “قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتُحْسِنُ السُّرْيَانِيَّةَ؟» قُلْتُ: لَا قَالَ: فَتَعَلَّمْهَا فَإِنَّهُ تَأْتِينَا كُتُبٌ، قَالَ: فَتَعَلَّمْتُهَا فِي سَبْعَةِ عَشَرَ يَوْمًا”[2]. ثانيا: تأصيل كون المؤمن نافعا مأمون الشر المؤمن الفعال مأمون الشر، حريص على أن تصدر منه الأعمال النافعة، ولا يصدر منه أي عمل ضار، فيكون جامعا بين المكرمتين، وتأصيل هذه الصفة يتمثل فيما دل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «خيركم من يرجى خيره ويؤمن شره وشركم من لا يرجى خيره ولا يؤمن شره»[3] فالمؤمن الفعال إذن هو الذي ينفع الناس ولا يضرهم. ومن الشواهد العامة الدالة على كون المؤمن نافعا لسواه هو كونه عاملا بشريعة ثبت بالاستقراء أنها قاصدة لجلب المصالح للعباد، ودرء المفاسد عنهم. وكون النفع المتعدي مطلوبا يتمثل تفصيلا فيما دلت عليه نصوص القرآن والسنة: ومن ذلك ما دل عليه الأمر بالإحسان، والتنصيص على محبة الله للمحسنين، قال الفخر الرازي: “الإحسان إلى الغير، إما أن يكون بإيصال النفع إليه، أو بدفع الضرر عنه. وما دل عليه قول رَسول اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إن من الناس ناسا مفاتيح للخير مغاليق للشر، وإن من الناس ناسا مفاتيح للشر مغاليق للخير، فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه»[4]. ثالثا: تأصيل كون المؤمن أنفع الناس تأصيل كون المؤمن الفعال أنفع الناس يتمثل فيما دلت عليه نصوص السنة: فلقد حض الرسول صلى الله عليه وسلم المؤمن على أن يبتغي أعلى درجات النفع، بحيث يكون أكثر نفعا وأحسنه وأدومه وأعمه، فقال: «خير الناس أنفعهم للناس»[5]. والمؤمن بهذا إنسان مبارك له “نصيب من قوله تعالى: ﴿وَجَعَلَنِے مُبَٰرَكاً اَيْنَ مَا كُنتُ ﴾ [مريم: 30]، فهكذا المؤمن مبارك أين حل، والفاجر مشؤوم أين حل”. قال الله تعالى على لسان عيسى عليه السلام: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا}. جاء في التفسير عن مجاهد أن َمعْنَاهُ: وَجَعَلَنِي نَفَّاعًا، وروي عنه أيضا وعن سفيان أنه َمعْنَاهُ: جَعَلَنِي مُعَلِّمَ الْخَيْرِ. وَقَالَ الضَّحَّاك: قَضَّاء للحوائج”. المبحث الثاني: صور الفعالية ومراتبها مدخل أولا: بالنظر في النصوص الشرعية وفي التفسير الوارد عليها، يتبين أن أوجه النفع التفصيلية فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إن أبواب الخير لكثيرة” وذكر بعضهم أنها غير منحصرة ثانيا: تتمثل فعالية المؤمن داخل العمل المؤسسي في صور أهمها وأجمعها: *الفعالية التلقائية وهي مجموع المبادرات النافعة التي يمكن أن يقوم بها المؤمن من تلقاء نفسه، من غير انتظار لأمر أو التماس. *الفعالية التنفيذية؛ وهي مجموع ما يصدر من المؤمن من المبادرات، الرامية إلى التنفيذ المتقن لما يوجه إليه من الطلبات والأوامر المشروعة، أو يوكل إليه من المهام النافعة والمصالح المعتبرة. فالدرجة العليا من الفعالين هي درجة من يجمع بينهما، وتليها درجة من يقتصر على الفعالية التنفيذية. ثالثا: فعالية المؤمن درجات تابعة لدرجات حسن الخلق، إذ تتراوح بين ترك الإساءة إلى الناس ابتداء، وترك الإساءة إليهم جزاء، فقد سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليه وسَلم عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الجَنَّةَ، قَالَ: تَقْوَى اللهِ، وَحُسْنُ الخُلُقِ”[6] قال القاري: “(وَحُسْنُ الْخُلُقِ). أَيْ: مَعَ الْخَلْقِ، وَأَدْنَاهُ تَرْكُ أَذَاهُمْ، وَأَعْلَاهُ الْإِحْسَانُ إِلَى مَنْ أَسَاءَ إِلَيْهِ مِنْهُمْ”[7]. رابعا: فعالية المؤمن درجات، بالنظر إلى مدى الاجتهاد في فعل الفرائض والمستحبات المتعدية النفع: فأعلى المؤمنين درجة في الفعالية من يفعل كل هذه الفرائض والمندوبات لاستطاعته فعلها جميعا. تليها دَرَجَةُ من يفعل هذه الفرائض جميعا ويفعل ما يستطيع من هذه المندوبات. تليها دَرَجَةُ من يفعل هذه الفرائض ويترك بعض هذه المندوبات تهاونا. هذا وإن تصنيف أوجه النفع باعتبار حكمها الشرعي هو ما سنسير عليه في هذه المحاضرة، وذلك لبيان أن المؤمن الفعال هو الذي يؤدي ما عليه من الواجبات المتعدية النفع والقاصرة النفع، ويزيد عليه التطوع بكل مندوب نفعه متعد فضلا عن المندوب الذي نفعه قاصر، وكل ذلك بحسب استطاعته، فلا يقتصر على النفع الواجب، ولا على النفع المندوب، بل يأتيهما معا بالترتيب، فلا يقدم مندوبا على واجب عند تعذر الجمع بينهما. وهذا المبحث يتكون من مطلبين أحدهما في الفعالية المفروضة، والثاني في الفعالية المندوبة. المطلب الأول: الفعالية المفروضة نص القرآن والسنة على أوجه الفعالية الواجبة على المؤمن تجاه الناس، وهي في الجملة ضربان: الضرب الأول:النفع بالدَّلَالَة عَلَى الْخَيْرِ ومن أهم وسائله: الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والتعليم، والإفتاء، والبحث والتأليف، والخطبة، والموعظة، والحوار والتوجيه الأسري والتنوير الإعلامي والالإرشاد الفني. فدلالة المؤمن غيره على الخير هي مما أمِر به من قول الخير، فهو نافع بكلامه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ»[8]. والأصل في كون المؤمن نافعا لغيره بالدَّلالَة عَلَى الْخَيْرِ، أن النبي صلى عليه وسلم أخبر أن ذلك هو نهجه ونهج الأنبياء السابقين عليهم السلام، ومن ثم كان هو نهج أتباعه، فقد قال: «إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلَّا كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ، وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ»[9]. ورغب في ذلك فقال: «إِنَّ الدَّالَّ عَلى الخَيْرِ كَفاعِلِهِ»[10]. وأهم أوجه النفع المرجوة من أداء واجب الدَّلَالَة عَلَى الْخَيْرِ معرفة الناس للخير واهتداؤهم إليه، وتحول حياتهم وسلوكهم من الشر إلى الخير. هذا وإن قيام المؤمن بالدلالة على الخير، يشمل فوق ما سبق ذكره أمورا أخرى لا تحصى عددا، ومنها: أولا: دلالة أرباب الأموال، من المحسنين والمستثمرين، على مجالات الإنفاق والاستثمار الواجبة والمندوبة. ثانيا: دلالة الجمعيات النشطة في مجالات مختلفة على أوجه النشاط المفيد. ثالثا: دلالة طالبي الرزق الحلال على مواضعه وسبله. رابعا: دلالة الباحثين على أنفع المواضيع للمجتمع. والضرب الثاني:النفع برعاية الحقوق وأبرز ما نص عليه القرآن والسنة منها: الإحسان إلى الْوالِدَيْنِ، وصلة الرحم، والمعاشرة بالمعروف، وتأديب الولد، وإيتاء الزَّكَاة، والقيام بِالْقِسْطِ، ورعاية الأَمَانَاتِ وإغاثة الملهوف… المطلب الثاني: الفعالية المندوبة نص القرآن والسنة على أوجه الفعالية التي يندب المؤمن إلى التحلي بها، وهي فعالية واسعة الأطراف وتحتها خمسة أضرب: الضرب الأول: التطوع بكفالة طفل يتيم أو متخلى عنه. والضرب الثاني: التطوع بالإعانة وقضاء الحوائج، وقد نص القرآن والسنة على أنواع الإعانات المندوبة ومجموع ذلك حوالي عشرين: الشفاعة الحسنة، والإنفاق لسد الخلات، وإنظار المدين المعسر، والتصدق عليه، وقضاء دينه، والإعارة، والقرض، وإعانة الصانع، وإعانة الأخرق، وهداية الطريق، وإعانة الضعيف والعاجز، والإسماع للمنقوص سمعه، والإبصار للمنقوص بصره، والبيان عن الأرتم، وهداية الأعمى، والسقي للغير، وإعطاء صلة الحبل، وإعطاء شسع النعل. والضرب الثالث: التطوع بأداء خدمات نفسية، ومما ندب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الهدية للجار، وإكرام الضيف، وعيادة المريض، وطلاقة الوجه، والْكلمَة الطَّيِّبَة، وَتَوْقِيرُ كَبِيرِ المسلمين، وَرَحْمَةُ صَغِيرِهِمْ. والضرب الرابع: التطوع برفع الضرر مثل إصْلاح ذات البينَ، وإعانة المغلوب، وإقالة النادم. والضرب الخامس: التطوع بدفع الضرر؛ مثل ستر المسلم وإيناس الوحشان، وإِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ. المبحث الثالث: عوامل الفعالية عوامل فعالية الفرد المؤمن تقارب عشرين عاملا ما بين حوافز وشروط، وتتميز الحوافز بكونها تشتمل على حوافز متنوعة، أقواها الحوافز الإيمانية التي تنشئ في المؤمن أكمل الإرادات، ثم تنتج فيه أهلية عملية، هي الالتزام الفعلي الذي ينمي فيه قدرات ربانية هي شروط أساسية للفعالية، وتدفعه إلى اكتساب شروط الإنجاز، فتجعله محققا للأهداف، مؤثرا في الحياة أحسن تأثير. وهذا المبحث يتكون من مطلبين أحدهما في حوافز الفعالية، والثاني في شروط الفعالية. المطلب الأول: حوافز الفاعلية الحافز هو الحاثُّ والدافعُ المُسْتَعْجِلُ للمرء أي الذي يجعله يُعَجِّلَ في الأمر. وحوافز الفعالية نوعان ضرورية وتكميلية. أولا: الحوافز الضرورية الحوافز الضرورية متعددة، إلا أن أوكدها الإيمان بالله واليوم الآخر، فقد استعمل القرآن والسنة الإيمان بالله واليوم الآخر محفزا للمؤمنين على تنفيذ الأوامر، ونفع العباد والإمساك عن الإضرار بهم، كما في قوله عز وجل {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21] وقول النبي صلى الله عليه وسلم: “من كان يومن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت”. وقوله: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره”[11]. يليهما حافز الإشفاق على الناس وحب الخير لهم، وحافز اعتقاد المؤمن أن الإصلاح ممكن دائما، وحافز الوعي بطبيعة النفس وواقع الأمة الحافز الأول: الإيمان بالله أولا: الإيمان بالله يثمر إرادة الاستجابة لله وللرسول الإيمان بالله يحصل بالإيمان بأسمائه الحسنى، وبعضها تثمر معرفتها في القلب مشاعر الخوف والرجاء. ولا شك أن هذه المشاعر متى رسخت في القلب أنتجت إرادة الاستجابة لله وللرسول… ثم إن الإيمان بأسمائه الحسنى يبعث على الفعالية من عدة جوانب نبرزها فيما يلي: ثانيا: الإيمان بالله مُقنِع بالامتثال. الإيمان بالله يقوي عند المؤمن الباعث على تطبيق الأوامر الشرعية، بما ينشئه الإيمان بأسماء الله في قلبه من الاقتناع بأن الخير فيما شرع الله، وأن أحكامه كلها حكمة وعدل ورحمة ومصلحة. ومنها أسماؤه: الودود والحكيم والرحمن الرحيم والمحسن. ثالثا: الإيمان بالله باعث على الأمل. الإيمان بالله يجعل المؤمن راجيا للخير، وذا أمل في أن الله سيجعله سببا لتحقيق مصالح الناس؛ فإيمان المؤمن بأن الله وليه ووكيله وكافيه، وقريب منه ومجيب له، يجعله راجيا لحصول الخير. وهذا مبني على إيمانه بأسماء الله التي تقتضي حتما أن يؤمن أن الله الذي بيده الأمر كله، ويتصرف في الكون، ويدبر الأمر وفق إرادته لمصالح العباد. وهي الملك والرب والقيوم والمدبر وما في معناها. رابعا: الإيقان بحاجة الناس إلى الإيمان والإسلام. الإيمان بالله يورث لدى المؤمن الاعتقاد بأن الناس أفرادا ومجتمعات محتاجون إلى ما عنده من الإيمان بالله ربهم: اللطيف الخبير، العليم الحكيم، الرحمن الرحيم، الرؤوف الودود، المقسط المعز، الرزاق ذي القوة المتين. وأنهم لا خلاص لهم ولا سعادة، إلا في الاعتصام به وفق منهاجه، المتمثل في دينه الإسلام. الحافز الثاني: الإيمان باليوم الآخر الإيمان باليوم الآخر، خوفا من سوء الحساب وطمعا في حسن الثواب، هو من أقوى ما يحفز المؤمن إلى فعل الخير والإكثار منه، وإلى الإمساك عن الشر وترك الإضرار. ومن آثار الإيمان باليوم الآخر في الفعالية: أولا: ما أشار إليه القرآن من أن الإيمان بالآخرة دافع إلى إلى إقامة الأخلاق وصيانتها، كما قال تعالى: ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماٗ كَانَ شَرُّهُۥ مُسْتَطِيراٗۖ وَيُطْعِمُونَ اَ۬لطَّعَامَ عَلَيٰ حُبِّهِۦ مِسْكِيناٗ وَيَتِيماٗ وَأَسِيراً﴾ [الإنسان: 8]. ثانيا: ما أشار إليه القرآن من أن خوف المؤمن من عذاب الله، هو باعثه على الإمساك عن الشر، بدليل ما ذكره الله من أن عدم الإيمان بيوم الحساب، يدفع الناس إلى فعل الشر والفساد، ويزع المؤمنين منهم عن الفساد التجاري كما قال تعالى: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}[المطففين:1، 6] ويؤكد أثر الإيمان بيوم القيامة في الفعالية الفردية أن الله تعالى جعل الحساب فرديا، وأخبر بذلك إخبارا واضحا، فقال: ﴿وَكُلُّهُمُۥٓ ءَاتِيهِ يَوْمَ اَ۬لْقِيَٰمَةِ فَرْداًۖ﴾ [مريم: 96]. وإنما كان الحساب فرديا يوم القيامة، لأن التكليف فردي في هذه الدنيا، وهو شامل لواجبات كل مؤمن تجاه نفسه والناس والإسلام. فكل مؤمن على حدة، مطالب في ذلك بفعل ما يستطيع، فإن كان قادرا على العمل المطلوب باشَره بنفسه، ورغب فيه غيره من القادرين، وإن كان غير مؤهل له، حض عليه المؤهلين له، ودلهم عليه وأعانهم ويسر مأموريتهم، كما هو المطلوب في كل واجب كفائي. ثالثا: كما أن خوف المؤمن من العقاب وازع فرجاؤه للثواب حافز، وهما عاملان متكاملان، إلا أن أقواهما تأثيرا عند الله ما سماه: “خوف مقام الله”، أي خوف المؤمن من قيامه بين يدي ربه للحساب والجزاء، وجعله الأصل لنهي المؤمن نفسه عن الهوى، وهما مقوما التقوى، والتقوى هي المحققة للصلاح، وذلك: أن الله أخبر سبحانه في سور عدة من كتابه، بأن التقوى هي الصفة التي يستحق بها صاحبها دخول الجنة، ومن ذلك قَوْله تَعَالَى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133]. وجعل التقوى متمثلة في خصال صالحة كثيرة، كلها مصالح يحتاج إليها الفرد والمجتمع، وذكر أنها أسباب لدخول الجنة. كما في قَوْلِهِ تَعَالَى: {…الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134] … وأَرجع في سورة النازعات استحقاق الجنة بتلك الأعمال إلى أصلين هما: خوف مقام الله، ونهي النفس عن الهوى، كما قال الله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 40]. ثم أرجع الأصلين إلى أولهما، وذلك في سورة الرحمان، فقال: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن: 46] فأكد بذلك أن خوف مقام الله هو الأصل والسبب في استحقاق الجنة وأنه هو ما يجعل المؤمن ناهيا لنفسه عن الهوى، أي عن حب الدنيا وإيثارها على الآخرة، فإن حبها يمنع من الامتثال لأمر الله أو يؤخره، فنهي المؤمن لنفسه عن الهوى هو ترجيحه طاعة الله ورضوانه على اتباع هواه، وحمله لنفسه على لزوم طاعته، وعدم الرجوع عنها. ومن ثم يكون الإيمان باليوم الآخر، أو خوف مقام الله، هو السبب في كل تحول حسن يقع في النفس وفي المجتمع، مما نص الله عليه في كتابه، أو نطق به رسوله صلى الله عليه وسلم. الحافز الثالث: الإشفاق على الناس وحب الخير لهم. من فروع الحوافز الإيمانية التي تجعل المؤمن فعالا إشفاقه على الناس، وحبه الخير لهم. والشَّفَقَةُ كما قال الجرجاني: “هي صرف الهمة إلى إزالة المكروه عن الناس”[12]. والمقصود إشفاقه على المعرضين عن ذكر الله، وحبه الخير لهم، خوفا عليهم من سوء المصير الذي ينتظرهم يوم القيامة، وحرصا على التسبب في هدايتهم، وإنقاذهم من العذاب الأدنى، الذي يعانون منه في هذه الدنيا. وإشفاقه عليهم ينبني على كراهيته لبقائهم على حال الإعراض، لأنه يفضي إلى أن يخسروا الدنيا والآخرة. وحبه الخير لهم هو رغبته أن يمتعوا بالحياة الطيبة ثم بالنعيم المقيم. وهذه الكراهية وهذا الحب هما من الإيمان، كما نبه عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة: “… وأحب للمسلمين والمؤمنين ما تحب لنفسك وأهل بيتك، وأكره لهم ما تكره لنفسك وأهل بيتك تكن مؤمنا”[13]. الحافز الرابع: اعتقاد المؤمن أن الإصلاح ممكن دائما ويشمل هذا الاعتقاد: ـ اعتقاد أن وعد الله ووعد رسوله عليه الصلاة والسلام منجز لا محالة. ـ اعتقاد أن التغيير يجري وفق قانون السببية، أي تبعا لأسباب هي في متناول الإنسان وبإمكانه إدراكها، وهو ما أرشد الله تعالى إليه في كتابه، ونبه عليه رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته… فمن إرشاد النبي صلى الله عليه وسلم إلى كون الأمل مبنيا على نظام السببية قوله: “من يتحر الخير يعطه ومن يتق الشر يوقه”[14] ودلالة الحديث هي أن المؤمن إنسان راج للخير، متحر له حاصل عليه، فهو نافع منتفع. ومن سنن الله الاجتماعية، أن الأمل شرط ضروري لكل إنجاز، والأمل رجاء مؤسس على الإيمان بالله كما سبق بيانه، وعلى حقائق الواقع. الحافز الخامس: الوعي بطبيعة النفس وواقع الأمة. 1ـ وعي المؤمن بطبيعة النفس وواقع الأمة هو معرفته بانطواء الأفراد والمجتمع على قابلية للتجاوب مع كل ناصح صحيح القصد والمنهج، وأن نشاطه لن يذهب جفاء، بل لا بد أن يثمر ثمارا طيبة. 2ـ الوعي بواقع الأمة خصوصا، يشمل الوعي التاريخي، والوعي بالأحوال الراهنة، ويتجلى فيما يلي: * معرفة انطواء الأمة على قابلية الصمود والنهوض معرفة المؤمن أن الله قد جعل في هذه الأمة قابلية دائمة للنهوض والتجدد، وقدرة فائقة على المقاومة والصمود، فهي أمة لا تنقرض ولا تبيد، فلا تزال فيها طائفة ظاهرة على الحق، ولا يزال الله يبعث فيها على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها، وكل صوت للتجديد أصيل يجد صداه فيها ولو بعد حين. وذلك لشهادة التاريخ، أن هذه الأمة قد مرت بظروف عصيبة، وتسلط عليها أعداء شرسون، لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة، ولا يحترمون في الأمة حقا ولا عهدا، ومع ذلك صمدت وانتصرت، لما قيض الله لها قادة فعالين، أعادوا الاعتبار إليها، فجعلوها عزيزة بعد ذلة قوية بعد ضعف. ومن ثم فالمؤمن، مهما أظلم الحال، يعرف أنه لا ينبغي له أن يقطع إياسه من نهوض أمته، لعلمه بأن الفرج يعقب الكروب والشدائد، وأن مع العسر يسرا، وهو ما نبه الله تعالى عليه بقوله: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا } [يوسف: 110]، فكل فعل مدروس يبتغي إصلاح الأمة وتجديد دينها، هو مؤثر بلا ريب، وستظهر آثاره في زمن فاعله أو بعد زمنه، لأن ما ينفع الناس من أعمال المؤمن، يحفظه الله لكي يظهره في الوقت المناسب، قال الله تعالى: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد: 17]. *تتبع أحوال المجتمع إنه لا فعالية للمسلم تجاه مجتمعه إلا إذا اهتم بأمره وحمل همه، والاهتمام بأمره لا يحصل إلا بتتبع ما يصيبه. نعم قد يكون توالي المصائب على الأمة سببا في إصابة يعض الناس بالإحباط واليأس، ولكنه -بالنسبة للمؤمن الذي يعرف أن لكل مصيبة سببا تقع لوقوعه وترتفع بارتفاعه-باعث على الاستجابة للتحدي، وحافز لإرادة تجديد أمته، ودافع لمقاومة محاولات الإبادة أو الإلحاق، وذلك مثلما كانت الخطوب والأهوال التي مرت بالأمة عبر التاريخ محركا حقيقيا حرك أبناءها النجباء المهتمين بأمرها، وكانت السبب في شحذ الهمم، وظهور الرجال الذين حفظ الله بهم الملة والدين، وأرجع القوة والعزة. ولذلك فتتبع ما يصيب الأمة هو من عوامل الفعالية، وليس من هوادمها. فإذا ضم إليه الوعي بما ينمو فيها من الخير الموازي لذلك الشر، وما لديها من طاقات وفرص ومداخل للإصلاح فإنه بلا شك سيزداد تحفزا على القيام بواجبه تجاهها. ثانيا: الحوافز التكميلية الحافز الأول: الاطلاع على سير الأعلام من حوافز الفعالية، الاطلاع على سير الأعلام الفعالين، من المجددين والمصلحين والأبطال، وغيرهم ممن وفقهم الله لهداية الناس وصناعة الحياة، وتجديد قوة الأمة، وسن السنن الحسنة. ومعرفة كيف تعاملوا، على اختلاف مؤهلاتهم ومواقعهم وميادين عملهم، مع ظروف أزمنتهم وأمكنتهم، وكيف تغلبوا على الصعاب المتنوعة، وأحدثوا التحول الواجب، وكيف كانوا يدبرون أوقاتهم، وكيف بارك الله في أعمالهم وأعمارهم. إن إطلاع المؤمن على قصص فعاليتهم، ينشئ في نفسه حتما الحماس الضروري لفعاليته. الحافز الثاني: الحافز الدنيوي لما كانت الفعالية تعني جميع المؤمنين، ولما كان المؤمنون متفاوتين في درجات الإيمان، وفي التأثر بآثار الإيمان الغيبي، وما ينتج عنه من تخلق متفاوت، ولما كان الإسلام دينا واقعيا يراعي هذا التفاوت الموجود بين الناس، كان من الحكمة أن يضم إلى الحافز الأخروي الحافز الدنيوي، ويشهد لمشروعية استعمال هذا الحافز شواهد شرعية كثيرة، ومنها قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة[15]، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه». وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ»[16]. هذا ويعزز هذا الحافز الشرعي الدنيوي -وهو عبارة عن وعد الله للمؤمن بجزاء يعجل له في حياته الدنيا-بالحوافز الدنيوية المستعملة من قبل الدولة أو المؤسسات الخاصة لدفع أطرها وسائر مواردها البشرية إلى الاجتهاد في أمور العمل، إتقانا وإبداعا واختراعا، وذلك كالحوافز المالية والجوائز والترقيات وما إلى ذلك…. المطلب الثاني: شروط الفعالية الشرط الأول: الكفاءة الدينية إن الفعالية المنطلقة من روح الإسلام تتميز عن غيرها من الفعاليات بكونها تتأسس على التقوى، وذلك لما ثبت من استقراء الشرع والتاريخ أن استجابة المؤمن لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم، بإتيانه ما استطاع من الواجبات المتعدية النفع وقاصرته، واجتنابه المحرمات المتعدية الضرر وقاصرته، إن استجابته هذه هي شرط كمال فعاليته وبلوغها مداها، ومصدر مهم يزودها بالطاقة الضرورية، ويوفر لها شروط التحقق. وأما المنائح التي تمنحها التقوى لفعالية المؤمن فأعظمها معية الله. وتحتها ما يؤتاه من البصيرة وتيسير الأعمال، لقوله تعالى: (إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا). (ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا) … الشرط الثاني: الكفاءة المعرفية مما يجعل المؤمن العالم أكثر نفعا للناس، سواء كان داعيا أو معلما أو مفتيا أو قاضيا أو واليا، أن يكون على قدر من الثقافة العامة، مع إحكامه للمعرفة الشرعية وغير الشرعية المتعلقة بمجال فاعليته، وامتلاكه المعرفة الواقعية ذات الصلة، لا سيما معرفته بكل شخص يريد مخاطبته أو معاملاته، ومعرفته لحقائق كل قضية يريد معالجتها، ومعرفة سياقها العام والخاص، ومعرفته للواقع العام المحلي والدولي على نحو مجمل. هذا فضلا عن معرفة كيف أخرج الله للناس الأمة التي كانت هي خير أمة، وكيف مد في عمرها في غياب الرسول صلى الله عليه وسلم، زمن الخلفاء الراشدين، على نحو قريب مما كانت عليه زمن النبوة، وكيف كانت لها السيادة والتفوق العلمي والحضاري على أمم الأرض طوال قرون، فإن معرفة كل ذلك عامل مهم يؤكد ميزة دين الإسلام، باعتباره دينا مجربا في التاريخ، جربته شعوب مختلفة في أماكن مختلفة وأزمنة مختلفة، فأعمر لها الأرض وأصلح لها الحياة. وذلك أن معرفة هذه الحقائق التاريخية، تساعد على استنباط المنهاج المناسب، لإعادة إخراج الأمة للناس. الشرط الثالث: الكفاءة الفنية تحتاج فعالية المؤمن إلى الكفاءة الفنية المتمثلة في المهارات العلمية والعملية، لا سيما تلك التي تمكنه من تنفيذ مشروعه بسرعة ونجاح، وتساعده على حسن تسييره لعمله المؤسسي، وعلى إيصال أفكاره و”اجتهاداته” بكل لباقة إلى الأفراد وإلى مستويات المجتمع التي يباشر فعاليته فيها. وهذه المهارات تتنوع إلى أنواع كثيرة لكن أهمها: مهارة التفكير، ومهارة التعبير، ومهارة التأثير، ومهارة التدبير. الشرط الرابع: اتخاذ مشروع وبرمجته من عوامل فعالية المؤمن أن يرسم لحياته هدفا أو أهدافا إسلامية تتحقق بالتوازي أو بالتعاقب. ويتخذ مشروعا شخصيا يسهم به في إصلاح متعدد الجوانب مركب من الواجبات العينية والكفائية والمندوبات المتوافقة مع قدراته الفطرية والمكتسبة، وتحويله المشروع إلى برنامج موزع على الأعوام والشهور، والأسابيع والأيام والساعات. والمؤمن لتحديد مشروعه العام، يتبع أسباب التوفيق الشرعية التالية: أولها: أن يطيل التفكير والدراسة والبحث، في واقع الناس، وفي طاقاته الشخصية، وفي موضوع كل عمل جزئي يريد مباشرته. ثانيها: أن يتحقق من مشروعية مخططه، ومن مشروعية العمل الجزئي، إذا كان نشاطا جديدا، أي غير منصوص على حكمه الشرعي. ثالثها: أن يتحقق من جدوى مخططه، ومن جدوى كل عمل جزئي وفائدته، إذ رب عمل يكون مجديا مفيدا في مكان دون مكان أو في وقت دون وقت أو في حال دون حال، وسبيل المؤمن في ذلك أن يستشير الخبراء، أو يطلع على ما دونوه من الخبرات. رابعها: أن يستخير الله القدير علام الغيوب سبحانه، طلبا لتيسير إنجاز المخطط، وما في ضمنه من أعمال جزئية، ومباركة كل ذلك إن كان خيرا له، وصرفه عنه إن كان شرا له. واستخارته إياه في كل عمل جزئي أمر ضروري للفعالية، إذ رب عمل مباح هو مفيد اليوم عقيم غدا، وإذا باشره شخص نجح فيه ونفعه ونفع به، وإذا باشره آخر أخفق فيه وضره وأضر بغيره، ولا يعلم ما في غد ومن يصلح للعمل المعين ممن لا يصلح له إلا الله سبحانه، فهو الذي عنده مفاتيح الغيب، والذي يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير، وهو الذي ييسر سبل الخير ويجعل الحَزْن إن شاء سهلا، وهو على كل شيء قدير. إن المؤمن الفعال مستخير لله في شؤون مشروع حياته العام، كما هو مستخير لله في شؤون حياته الخاصة، من حيث تلك الشؤون في ذاتها، أي مبدئيا، ومن حيث تفاصليها التنفيذية المتمثلة في اختيار الوقت والمكان والمجال والوسائل والأشخاص والشركاء، والمساعدين والمستشارين والمنفذين، وما إلى ذلك من الأمور التي تؤثر في الأعمال توفيقا أو إخفاقا. واتخاذ المؤمن لمشروع يجمع له أربعة أسباب للفعالية وهي: ـ اتضاح الرؤية لديه؛ وتمكنه من تذكر رسالته، وهو ما يجعله يأخذ حذره من الشواغل العارضة لها، متقيا لما يصرف عنها، وما يزين تركها والانتقال إلى غيرها. فيبقى بذلك بعيدا عن التخبط والتذبذب والانقطاع. ـ استجماعه لقواه كلها (من قدرات فكرية وذهنية وعلمية ومن مال ووقت) ، وصرفه إياها في خدمة مشروعه، على سبيل التفرغ له والتخصص فيه، وهذا يجعله متهيئا لأن يحقق منشوده. ـ شعوره أثناء سيره، بأنه سائر على طريق الإنجاز، مجذوب في كل مرحلة إلى المرحلة التي تليها، وكلما حقق هدفا جزئيا ومرحليا تحمس للمضي إلى النهاية. ـ تمكنه أثناء سيره من استثمار كل ما يتاح من فرص ووسائل وطاقات، زيادة على مؤهلاته الذاتية، وبذلك يتحقق له المطلوب، في أسرع ما يمكن من الوقت، وأجود ما يمكن من النتائج. وبدون تحديد المؤمن لمشروعه وبرمجته له، فإنه يكون قليل الفعالية أو عديمها، من جهة أنه يصبح مضيعا لطاقته ووقته، فيما لا فائدة فيه أو فيما فائدته محدودة جدا، وذلك من عدة جهات: من جهة أنه يحرم أعمالا طيبة من الفرص والإمكانات المتاحة، بسبب كونه في وضعية ذهنية وعملية لا تسمح له بتوظيفها. ومن جهة أنه، بحرصه على فعل كل شيء، يصبح عاجزا عن إعطاء الأعمال حقها. ومن جهة أنه يصبح عاملا في بعض المشاريع التي وضعها غيره ومنفذا لها، ومشاريع الغير قد تكون في ذاتها أو في ظاهرها مشروعة، لكنها تؤدي إلى ضرر أكبر من نفعها الأصلي، أو إلى نفع أقل من المطلوب، أو لا تكون هي الأَولى، أو لا تكون مناسبة لأحوال مجتمعه، أو لا يوظف فيها مؤهلاته الشخصية المعتبرة التوظيف الأصح والأكمل والأمثل والأجدى. الشرط الخامس: التوكل على الله. التوكل مطلوب عند العزم على إمضاء أمر من الأمور؛ كما قال الله تَعَالَى للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: 159]، ومعنى التوكل على الله الاعتماد عليه في جعل ما باشره من السبب موصلا إلى النفع المرجو المعتبر، قال ابن منظور: “وكلت أمري إلى فلان؛ أي ألجأته إليه واعتمدت فيه عليه، ووكَّل فلان فلانا: إذا استكفاه أمره ثقة بكفايته، أو عجزًا عن القيام بأمر نفسه، ووكل إليه الأمر: سلمه” أما فيم يكون التوكل، فالمؤمن يعتمد على الله في تحقيق ما يرجو من المصالح وفي درء ما يخشى من المفاسد، بعد أخذه بالأسباب، ويسأله أن يدبر له لأنه لا يحسن التدبير، لإيمانه بأنه حسبه وكافيه، وعلمه ألا توفيق له ولا حول ولا قوة إلا بالله، بمعنى أنه لا حذق له، ولا جودة نظر، ولا دقة في التصرف، ولا قوة على الإنجاز، ولا قدرة على التحول إلى الحال التي هي أحسن، إلا بالله تبارك وتعالى. ثم إن الله تعالى قد جعل جزاء توكل المتوكل عليه أن يكفيه ما أهمه فقال: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3]. الشرط السادس: الإحسان في التنفيذ إحسان المؤمن في تنفيذ كل فقرة من فقرات مشروعه، شرط لفعاليته، وهذا إنما يتأتى له إذا استفرغ وسعه فيما هو بصدد معالجته وإنجازه، بحيث يتبع بكل أناة الخطوات المطلوبة فيه، ويعطي لكل خطوة ما تستحقه من التفكير والبحث والجهد والوقت والمال، بلا زيادة ولا نقصان، فلا ينتقل منها إلى أخرى إلا بعد استيفاء شروطها، ويتبع في تنزيل حكمها الشرعي المنهج الشرعي الذي يجعله تنزيلا مناسبا للمجال والزمان والمكان والأشخاص، رافعا للمفسدة الواقعة، أو دارئا للمفسدة المتوقعة، أو جالبا للمصلحة المرجوة، ومخرجا إخراجا جميلا. وبدون هذا الاجتهاد فلا نجاح لأعماله ولا فعالية له. ومن الإحسان في التنفيذ، معالجة الأمور جذريا، والنظر في المآل، وتحقيق المناط. 1ـ اعتماد المعالجة الجذرية المؤمن الحصيف يعتمد المعالجة الجذرية في حفظه للشيء الصالح، وذلك باجتثاث الأسباب التي ببقائها فيه يفسد أكثر أو يزول، وفي رفعه لأسباب الفساد الواقع، درء لفساد متوقع أو هلاك مخوف. ومن ذلك مثلا أن المؤمن يصرف الزكاة على المحتاجين، بما يستأصل فقرهم ويجتث جذوره بقدر الإمكان، إما بماله الخاص، إن كان كافيا لذلك، أو باشتراك مع غيره… 2ـ النظر في المآل لما كانت الفعالية هي العمل على جلب المصالح للناس ودفع المفاسد عنهم، كان من لوازمها أن يكون من منهج المؤمن الفعال، عند إرادته فعل واجب أو مندوب متعدي النفع، أن يحرص على أن يكون مآل فعله، مفضيا إلى تحقيق ما شرع لأجله من المصالح، ودفع ما شرع لدفعه من المفاسد، وذلك هو النظر في المآل، المطلوب اعتماده من قبل المجتهد الشرعي، ومن سائر المكلفين. وقد صاغ الشاطبي ضابطا متعلقا بالنظر في مآلات الأقوال وهو “أنه ليس كل ما يعلم مما هو حق يطلب نشره، وإن كان من عِلم الشريعة، ومما يفيد علما بالأحكام، بل ذلك ينقسم، فمنه ما هو مطلوب النشر؛ وهو غالب علم الشريعة، ومنه ما لا يطلب نشره بإطلاق، أو لا يطلب نشره، بالنسبة إلى حال أو وقت أو شخص … وضابطه أنك تعرض مسألتك على الشريعة، فإن صحت في ميزانها، فانظر في مآلها بالنسبة إلى حال الزمان وأهله، فإن لم يؤد ذكرها إلى مفسدة، فاعرضها في ذهنك على العقول، فإن قبلتها فلك أن تتكلم فيها، إما على العموم، إن كانت مما تقبله العقول على العموم، وإما على الخصوص، إن كانت غير لائقة بالعموم، وإن لم يكن لمسألتك هذا المساغ، فالسكوت عنها هو الجاري على وفق المصلحة الشرعية والعقلية”[17]. ومن أمثلة نظر المؤمن الفعال في المآل، أن تغييره للمنكر مشروط بأن لا يفضي إلى منكر أكبر منه… ومنها أنه، في الإفتاء، يجتهد ألا تؤدي فتواه إلى مفسدة أكبر من مصلحتها، أو إلى أن يفهم منها غير ما قصد منها. ومنها أنه، في البحث العلمي، لا يشتغل شخصيا ولا يدل غيره، إلا على القضايا التي هي أنفع لأمته. ومنها صرفه الصدقة التطوعية فيما نفعه أعم وأدوم. 3ـ تحقيق المناط يتعين على خواص الفعالين الجمع بين فقه الواقع وفقه الدين، وذلك أن الاستجابة لله تعالى، تمنح أهلية الفهم لمن بذل الجهد في التعلم والتفقه، والمؤمن الذي اجتهد حتى جمع الله له الفقهين، فقه الدين وفقه الواقع، هو إنسان مزود بإحدى مؤهلات التأثير في الحياة، من جهة أنه يكون موفقا لتنزيل دين الله على حياة الناس تنزيلا مناسبا يحقق لهم مصالحهم الحقيقية المعتبرة، ومن جهة أنه، بفضل ما يملك من حجته الدينية المطابقة للواقع، يكون ذا قدرة على الإقناع. وتلك هي الحكمة التي في نفوس الناس شوق إلى ظهور من تتمثل في شخصه وفي قوله وفي فعله، وفي نفوسهم استعداد لاتباعه والاقتداء به. أـ عرف الشاطبي تحقيق المناط بأنه “أن يثبت الحكم بمدركه الشرعي، لكن يبقى النظر في تعيين محله”[18]. فهو اجتهاد في تنزيل الحكم في محله، وهذا من الحكمة التي يطلب من المؤمن الفعال الأخذ بها، قال الهروي: هِيَ “وَضْعُ الشَّيْءِ فِي مَوْضِعِهِ”[19]. ب ـ تحقيق المناط اجتهاد مطلوب من العموم، إلا أن بعضه يقوم به الإمام الأعظم أو السلطان، وبعضه يقوم به القاضي، وبعضه يقوم به المفتي، وبعضه يقوم به المعلم والخطيب والداعي، وبعضه يقوم به المكلف، قال الشاطبي: “فالحاصل أنه لا بد منه بالنسبة إلى كل ناظر وحاكم ومفت، بل بالنسبة إلى كل مكلف في نفسه”[20]. فالمعلم والخطيب والداعي محققون للمناط، من حيث تعرفهم على قدرات المستمعين، واستعداداتهم النفسية وطاقاتهم العقلية، بحيث يلقون عليهم ما يناسبهم من الأحكام والنصوص والمعلومات. لأن وجوب التبليغ منوط بهذا التحقيق. وقد سماه الشاطبي “اجتهاد المكلفين”[21]. ومن أمثلة هذ التحقيق أيضا، ما سبق ذكره من طريقة يوسف عليه السلام، في دعوته للفتيين اللذين دخلا معه السجن واستفتياه في رؤيتيهما… ومنها تحقيقه مناط حكم مواجهة السلطان الجائر بكلمة الحق… ومنها حرص المؤمن العالم على بث العلم في أهله… ومنها أنه في العمل الإعلامي، يقدم للناس التحليلات المطابقة للشرع والواقع… ومنها صرفه الزكاة والصدقة التطوعية في محلها، بإعطائه إياها لمن تبين له بعد الاجتهاد أنه يستحقها… ومنها أنه في العمل المؤسسي، يسند الوظائف والمهام إلى من هو أهل لها… ومنها أنه في الشفاعة، يتوسط لقضاء حاجة من علم أن له حقا خاصا… ومنها أنه يقرض الذي علم أنه يستقرضه لأمر مشروع، وأنه لا مال له لبلوغه… ومنها أنه يسقط الدين عمن علم أنه في الحال معسر حقا، وأنه لن يستطيع تسديد دينه… ومنها أنه يعير أرضه التي لا يستطيع زرعها لمن يعلم أنه محتاج وقادر على إحيائها… جــ- إن شرط إفضاء الأحكام الشرعية إلى مآلاتها المقصودة شرعا، هو أن تنزل في محالِّها المناسبة، ولا ينزلها في محالِّها إلا العارف بتلك المحالِّ وبمناسبتها لتلك الأحكام، فلذلك لا مصلحة تحصل من الإفتاء إذا كانت الفتوى غير مناسبة للأحوال والأشخاص، ولا عدل يتحقق في القضاء إذا نزلت العقوبة على غير مستحقها، ولا تحصل مصالح المهام على النحو المقصود شرعا، إذا كلف بها غير أهلها، ولا ينفع خطاب الدعوة إذا لم يراع خصوصيات المدعوين من الأفراد والجماعات، ولا ينفع التعليم إذا كان المتعلم غير مؤهل لفهم ما يتلقاه، ولا ينفع الإنفاق إذا وضع المال في غير اليد التي تستحقه، ولا ينجح استثمار إذا رصدت الأموال لإنتاج ما لا يحتاج الناس إليه، ولا ينفع موقف بني على خبر غير ثابت أو غير مكتمل العناصر. .. ومن شروط الإنجاز التكميلية الشرط السابع: مقابلة الإساءة بالإحسان في فائدة هذا قال الله تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت: 34]. الشرط الثامن: الرفق في الأمر كله. رفق المؤمن الفعال هو أن يتبع فيما يروم من الإصلاح منهجا يفضي إلى النفع المحض الذي لا ضرر فيه لأحد، فيجعل كلا من خطابه وأعماله ومواقفه وطرائق تعامله مع الناس متسما بسمة الرحمة بهم والشفقة عليهم واللين لهم، مراعيا ضعف الإنسان وهشاشته النفسية، متجنبا أن يصدر منه ما يعين الشيطان على الناس المعنيين بخطابه أو عمله أو موقفه، متلطفا في إيصال رسالته إليهم، مصلحا لأخطاء الجهال بالتعليم، ورادا على الإساءات التي ينبغي الرد عليها بلا أي زيادة عليها، فيتفادى أن يكون معهم فظا غليظ القلب، أو متهجما عليهم، أو جارحا لمشاعرهم، أو كاسرا لقلوبهم، أو محرجا لهم، أو عنيفا معهم، أو قاسيا عليهم، أو خشنا أو صادما أو مزعجا، ويتأكد ذلك في حق المخالفين له، والمسيئين إليه والجهال والضعفاء . وكل ذلك يجعله محبوبا مقبولا، ويضفي على خطابه أو عمله أو موقفه أو منهجه زينة، ويجعل له جاذبية، لأن الله رفيق، وجبل عباده على حب الرفق والرفقاء. هذا تقريب الرفق الذي تخلق به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونوه بفضله وأخبر أن الله يحبه ويحب أهله، وأنه يأمر بالتخلق به في كل الأمور. فقال: “إن الله يحب الرفق في الأمر كله”[22]، وقال “إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه” أخرجه مسلم وقال “من يحرم الرفق يحرم الخير كله”[23]. الشرط التاسع: اغتنام الفرص المباركة المؤمن حريص على اغتنام ما جعل الله تعالى في الزمان من فرص وهيأ من أحوال، لعلمه أن ذلك طريق رباني إلى جعل اجتهاده فيها أكثر بركة وعمله أفيد: فرصة الشباب وفرصة البكور وفرصة رمضان. الشرط العاشر: كثرة الذكر وإلحاح الدعاء. المؤمن الفعال لا بد أن يكون عبدا ملحاحا كثير الذكر، وبهذه الخصلة يستنزل من الله أنواع المدد التي تقتضيها أسماؤه الحسنى، فإن الله يرعى من ذكره، ويجيب من دعاه، ويوفق من رجاه، بل لو أن ذكر الله شغل المؤمن عن الدعاء فإن الله العليم بحاجاته كلها يعطيه أفضل ما يعطي السائلين. وكيف يخفق في نفع غيره، من يبدأ عمله باسم الله، وكيف يخيب من إذا خرج من بيته لخدمة الناس قال: (بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله) فيقال له (كفيت وهديت ووفيت) فيضمن لنفسه وعمله (الكفاية والهداية والوقاية) وأنعم بها من ضمانات. وكيف يحبط الله عمل من يستعيذ به من الشيطان الرجيم. وإنما يتعرض للإخفاق من وكله الله إلى نفسه في ذلك، وأعرض عن ذكره وترك الاستعانة به. وبعد فإن ما كتبته في الفعالية الفردية يشمل مفهومها وصورها ومراتبها وعواملها وصوائنها، وقد اختصرته اختصارا أرجو أن يكون دالا على المقصود غير مخل به، إلا أنني لم أشأ أن أعرج في هذا المختصر على صوائن الفعالية اقتصارا على ما سمح وقت المحاضرة بإلقائه تاركا عرض ما كتبته فيها إلى مناسبة أخرى، إن أذن الله بها، وعسى أن يتيسر للقارئ الاطلاع عليه وعلى تفاصيل الموضوع في الكتاب المزمع نشره. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ [1]صحيح مسلم كتاب الزكاة، باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة، أو كلمة طيبة وأنها حجاب من النار، رقم: 1017. [2]المستدرك على الصحيحين، كتاب معرفة الصحابة رضي الله عنهم، باب ذكر مناقب زيد بن ثابت رقم: 5781. [3]سنن الترمذي، كتاب أبواب الفتن، رقم 2263، وقال حديث حسن صحيح. [4]سنن ابن ماجه، باب من كان مفتاحا للخير رقم: 237. [5]أخرجه ابن حبان في المجروحين وحسنه الألباني في بداية السول. وأخرجه الطبراني في الاوسط [6]سنن الترمذي كتاب: أبواب البر والصلة، باب ما جاء في حسن الخلق، رقم: 2004، وقال حديث حسن صحيح. [7]مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، كتب الآداب، باب حفظ اللسان والغيبة والشتم، رقم: 4833. [8]صحيح البخاري كتاب الأدب، باب من كن يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره، رقم: 6018. ومسلم كتاب الإيمان، باب الحث على إكرام الجار والضيف وازوم الصمت إلا عن الخير رقم: 47. [9]صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب الأمر بالوفاء ببيعة الخلفاء، الأول فالأول، رقم: 1844. [10]رواه الترمذي، كتاب أبواب العلم، باب ما جاء في الدال على الخير كفاعله، رقم: 2670. [11]تقدم تخريجه. [12]التعريفات. الشريف الجرجاني، دار الكتب العلمية بيروت -لبنان ط1، 1403هـ -1983م،ص 127. [13]أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط، وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم: 7833. [14]السلسلة الصحيحة للألباني، رقم: 342، وحسنه الألباني. [15]صحيح ـ ((التعليق الرغيب)) (1/ 51 ـ 52): م [16]صحيح البخاري، كتاب البيوع، باب من أحب البسط في الرزق، رقم: 2067. [17]الموافقات في أصول الشريعة، الشاطبي، المحقق: أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان الناشر: دار ابن عفان، ط1 1417هـ/1997م، ص 5/167-172. [18]نفسه 5/12. [19]انظر التفصيل في مدارج السالكين لابن القيم، تحقيق محمد المعتصم بالله البغدادي، دار الكتاب العربي بيروت، ط3، 1416/1996، ص2/448. [20]الموافقات 5/16. [21]نفسه 1/251. [22]أخرجه البخاري كتاب: الأدب، باب: الرفق في الأمر كله رقم: 6024. [23]أخرجه مسلم: كتاب البر والصلة والأدب، باب فضل الرفق، رقم: 2592.