دور العلماء في النّهوض بإشكالية التّكامل بين العلوم في الحضارة الإسلاميّة:
أبو حامدٍ الغزالي نموذجا
ذ. جواد أحيوض
أولا: التّكامل المعرفي في الحضارةِ الإسلاميّة: إنّ التكامل المعرفي بين العلوم سواء الدينية أو الإنسانية الكونية، له عمق تاريخي وأصالة زمنية، فهو قديم قدم تلك المعارف والعلوم نفسها، لأن العلوم التي جاءت نِتاج علوم الوحي إنما هي في الحقيقة علوم متكاملة فيما بينها، إِذْ إنّ العلوم مطلوبة إما ابتداء أو تبعا[2]. والمقصود بالتّكامل بين العلوم، من مادة (ك م ل) -في المعاجم اللغويّة- هو تلك الدّلالة على التّمام بعد التّجزئة، وتوحي المعاجم أيضا على أن جزء الشّيء أو الأجزاء المتعدّدة للشّيء الواحد قد اتّحدت وتوحّدت واندمجت واختلطت، وأخذت شكلا واحدا، ولهذا فإنّ الشّيء قد اكتمل وتم[3]، ومنه قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3]. وهذا المعنى يرشدنا إلى المعنى الاصطلاحي للتكامل بين العلوم، والمعبر عنه بإتمام العلوم بعضها لبعض، حتى تحصل المعرفة بالشيء معرفة تامة وحسنة. والمقصود من نظرية التكامل المعرفي هنا، هي تلك الصّورة العلمية المتكاملة للوجود والذات، المتحققة بتفعيل الرؤية الإسلامية في كل مجالات المعرفة، سواء أكانت علوما طبيعية أم اجتماعية أم إنسانية أم شرعية[4]. ولقد حقق السّلف الصالح من العلماء والمفكرين عبر التاريخ العلمي الطويل نموذجا رائعا يحتذى به في حرصهم على العلم والمعرفة، انطلاقا من وعيهم بأهمية العلم في بناء الحضارة من غير تضييع للهوية الإسلامية والمبادئ الربانية، وذلك بالتركيز على العلوم التي تحتاجها الأمة أفرادا وجماعات، تحصيلا وتأليفا وتنظيرا وتدريسا، وترتيبها وتصنيفها بنظرة تكاملية جامعة بين ثوابت الأصالة وتطلعات المعاصرة، فإذا تتبعنا التراث الإسلامي نجد أنّ العلماء من أمثال الشافعي وابن حزم والسيوطي وابن تيمية وابن خلدون والدّهلوي وغيرهم، يعترفون بالدور الكبير للعقل في التعامل مع الوحي، والذي أدى إلى انبثاق معارف جديدة وتولد علوم وفنون كثيرة، من أمثلة ذلك: علوم القرآن، وعلوم الحديث، وعلم التفسير، والفقه، وأصوله وغير ذلك، وفي المقابل يثبتون أن للإنسان قوة عاقلة لفهم الكون والكشف عن مكنوناته، فيُحصّل بذلك على علم جديد نافع[5]، وهو المعبر عنه بالعلوم العقلية أو التطبيقية أو التجريبية[6]… ويعدّ أبو حامدٍ الغزالي واحدا من زمرة هؤلاء، حيث يعتبر إنتاجه العِلمي من بين أضخم الإنتاجات في تاريخ الحضارة الإسلامية[7]، من حيث الكم والكيف والتّكامل أصالة ومعاصرة، تأسيسا واجتهادا، ويدلّ على غزارة علومه المتكاملة ذلك التنّوع الهائل في تصنيف العلوم دون إحداث جدار فاصل بينها، وإذا ما تأملنا إطارها النّظري سنجد أنّها تشكل دائرة متكاملة، وهي كالتالي: ـ العقيدة: ولقد صنف فيها؛ “الاقتصاد في الاعتقاد” و “قواعد العقائد في التوحيد” و“إلجام العوام عن علم الكلام” و “المقصد الأسني في شرح أسماء الله الحسنى”. ـ في الفلسفة: نجد؛ “مقاصد الفلاسفة” و “تهافت الفلاسفة” وهناك من عدّ “ميزان العمل” ضمن الفلسفة العملية لأبي حامد.[8] ـ في الأديان المقارنة: ألّف، “الرد الجميل على ألوهية عيسى بصريح الإنجيل”. ـ في الفقه: له؛ “البسيط”. “والوسيط”. “والوجيز”. “والخلاصة”. ـ في علم الكلام: “القسطاس المستقيم”. “محك النظر”. “معيار العلم”. ـ في الأخلاق والتصوف: “إحياء علوم الدين”؛ وهو مكتبة مكتملة الجوانب، حيث نجد في هذا الكتاب، دراسات عميقة حول الأمور النفسية، والاجتماعية، وعلاقة السلطة الدينية بالسلطة السياسية، وكذا علم الاجتماع والاقتصاد الاسلامي. ثم كتاب: “ميزان العمل”، “منهاج العابدين”، “الأربعين في أصول الدين”، “منهاج العارفين”، “القواعد العشرة” و“بداية الهداية”. ـ في السياسة: له “التّبر المسبوك في نصائح الملوك” و “فضائل الأنام من رسائل حجّة الإسلام”، و”فضائح الباطنية”. ـ في أصول الفقه: “المنخول في علم الأصول”. و”المستصفى”. “شفاء الغليل في القياس والتّعليل”. و“تهذيب الأصول”. ـ في علم الفِرَق: “فضائح الباطنيّة” و”حجّة الحق” “مفصل الخلاف” “فيصل التفرقة فيما بين الاسلام والزندقة”. ـ في التفسير: ألف “ياقوت التأويل في تفسير القرآن” وهو عبارة عن أربعين مجلداً التي لم تظهر في المكتبات الاسلاميّة، وتحتاج إلى التنقيب عنها في إطار مشروع “إحياء التراث”.[9] ـ وفي المناهج: “منهاج العابدين”. ـ وفي فقه الاختلاف: يُعَدُّ “فيصل التفرقة فيما بين الاسلام والزندقة” من أهم الكتب التي تشكل اللّبنات الأساسية في فكر الغزالي، في هذا الفقه. ولعل المتدبّر في هذا الزخم المعرفي، سيصل الى نتيجة مفادها أنّ أولّ ميزةٍ تميّزُ أبا حامدٍ، في هذا المجال التّأليفي، كونه لم يكن متخصصاً في حقل واحد من المعرفة، وليس غريبا أَنْ يُعِدَّه رمضان البوطي فريدا في تآليفها إذْ؛ “لم يكن على غرار من عاصره أو جاء من بعده من العلماء في التوجه إلى اختصاص علمي واحد، مع المشاركة في سائر العلوم الأخرى أو بعض منها مشاركة إجمالية عامة، بل إنك لتنظر فتجد اسمه يلتمع في كلّ قائمةٍ، تضم أسماء ذوي الاختصاص، في أيٍّ من العلوم الإسلاميّة النّقليّة والعقليّة المتداولة! فهو الاسم الوحيد الذي يتكرر في تلك القوائم كلّها”.[10] كما أَعرب، عن تعدّد الاختصاصات، عند الغزالي، مصطفى المراغي شيخ الأزهر، مقرّاً أن ذكر الغزالي يفضي إلى تعدد الرِّجال في رجل واحد، لكل منهم قدرته وقيمته، حيث يخطر إلى البال: “الغزالي الأصولي الحاذق الماهر، والغزالي الفقيه الحر، والغزالي المتكلم إمام السّنة وحامي حماها، والغزالي الاجتماعي الخبير بأحوال العالم وخفيّات الضمائر ومكنونات القلوب، والغزالي الفيلسوف… والغزالي المربّي، والغزالي الصّوفي الزاهد، وإن شئت فقل: أنه يخطر بالبال رجل هو دائرة المعارف”[11] ولعل إشكالية التّنازع حول جدلية هذا الرجل -من حيثُ محاولةُ فهمِه ووضعه في إطارٍ معيّن، يمكن من خلاله الحسم في آرائه- راجعة بالأساس، إلى عدم الإحاطة بهذه الكتب[12]، المترامية الأطراف في جغرافية الفكر عامّة. ثانيا: المشكلة الحضارية للتكامل العِلمي في عهد الغزالي ودور الغزالي في تجاوزها: 1) إشكالية الضّيق الفكري: وبعد هذا البيان حول موسوعية الغزالي في كلّ مناحي العلوم التي كانت سائدة آنذاك في عصره، يجدر بِنَا أَنْ نقف على أصل المسألة، وهي أنّ الغزالي قد عانى من مشكلة “الضيق الفكري” بسبب موسوعيته العلمية، من طرف علماء الدِّين، خاصّة في العلوم العقلية التي تشكّل الفلسفة رأسها[13]، حيث أنّ هؤلاء كانوا في “أكثر الأمر خصوماً لها في غير هوادة ولا رفق”[14]، وإن لم نجد عند بعضهم “ممّن تأثروا بالفلسفة تلك الجفوة التي نجدها في أساليب المتأخرين من أمثال ابن الصّلاح”[15]، الذي أصدر فتوى يحرّم فيها هذا العلم[16]، ثم تلاها منشور، كَتَبَه أبو عبد الله -كاتب الخليفة المنصور بالأندلس- يحرّم بشأنه كذلك الفلسفة، بل متجاوزا التّحريم إلى إعدام كتبها واضطهاد رجالها[17]. ومن هنا كان من السّهل اتهام الرّجل بالزندقة[18]، متى نحى في كتبه نحواً فلسفيا، وقد بالغ هؤلاء المتطرفون في هذا النزوع، حتّى كانوا ينفرون من كلّ علمٍ ينسب إلى الفلسفة أو يتّصل بها، وذهب أصحاب هذا الاتجاه إلى القول بأنّ النبيّ (ص) حين سأل ربه أن يعيذهُ “من علمٍ لا ينفع” إنما قصد به علوم الأوائل[19]. ولقد انتقد الغزالي هؤلاء بشدّة واصفا إياهم بأنهم “من الذين لم تستحكم في العلوم سرائرهم، ولم تنفتح إلى أقصى غايات المذاهب بصائرهم”[20]، وأنّ المشكلة المعرفية عند هؤلاء نابعة من عدم التّكوين الشّمولي، فهم “يعرفون الحقّ بالرّجال، ولا يعرفون الرِّجال بِالْحَقِّ… فإذا نسبت الكلام إلى قائلٍ حسُنَ فيه اعتقادهم، قبِلوهُ وإنْ كان بإطلاً، وإن أسندته إلى من ساء فيه اعتقادهم رَدُّوه وإنْ كان حقّا “[21] وهنا، إزاء هذا الوضع العِلمي المنفصم، يمكن أن نتساءل: ماذا فعل الغزالي تجاه هذه الإشكالية؟ إنّ ما يجدر التّنبيه عليه في هذا الصّدد، هو أنّ الغزالي لم يكن متفرجا على ما كان يقع في الساحة الاسلامية، كما لم يكن منظِّرا عن بعد، بعد إشباعٍ فكري وصل إلى التّخمة، وإنّما كان يعيش حقائق مجتمعه المؤلمة بكل سلبياته آنذاك، وتناقضاته وتناحراته، فانتدب نفسه لمشروع اصلاحي كبير؛ يتوخى التجديد والإحياء، بعد استيعاب واسع للعلوم ومشكلات العصر، بغية تجاوزها، مُقدِّرًا في نفسه “أنّ هذه الحركة، مبدأ خير ورشد قدّرها الله سبحانه… وقد وعدَ بإحياء دينه على رأس كلّ مئة”[22]. ومن هنا تأتي حقيقة كتبِ الغزالي في عمقها التجديدي، المنبثق من هذه القناعة الإيمانية، المستندة الى السُّنّـةِ الكونية في التجديد، مما يعني أنّ هذا العمق، صادر عن وعي حضاري لهذه السُّنة، التي اختصت بها الأمة الإسلامية. وهنا يكمن مفتاح قراءة الغزالي، وقوته في النهوض بالأمّة من جديد، على كامل مستوياتها، لتحيا حياة جديدة ومتجددة. فعلى مستوى مشروعه الفلسفي، وهو ما يهمنا في هذه الورقة، فانّ الغزالي كان صاحب همَّ رسالي، يريد من خلاله إطعام عقلية المسلم المنتكسة، ورفع مستواها الفكري إلى أعلى، وذلك تجنبا للمزالق والانتكاسات الفكرية (الفقهية والكلامية) على حدٍّ سواء[23]. ولأجل إخراج الأُمّة الاسلاميّة من “ضنك الضّيق الفكري” الاختزالي الرّافض لعلوم الأوائل، وجدنا الغزالي خطى الخطوات التالية: إبراز موقف الدِّين من الفلسفة، ثم تشخيصه لأزمة اختزال العلوم معرّجا في إصلاحه التّجديدي هذا، على الدعوة الى ضرورة الشمول والتّكامل المعرفي. فلنفصّل القول في هذه الخطوات. 2) موقف الدِّين من الفلسفة: 1ـ الإطار النّظري للفلسفة: إذا بدأنا بكتاب المقاصد، الذي يعد مقدمة نظريّة للتهافت؛ حوت في خلاصتها وضع الفلسفة آنذاك، نجد الغزالي قد وضع الإطار النظري لهذه الفلسفة في أربعة علوم: الرياضيات والمنطقيات والطبيعيات والإلهيات،[24] معرفاً كل علم على حدة. حيث عرّف [الرياضيات]؛ على أنها نظر في الحساب والهندسة. وأما [المنطقيات] غرضها؛ تهذيب طرق الاستدلالات.[25] وأما [الطبيعيات]؛ هي كلّ ما يتعلّق بالمواد تعلّقاً لا يقبل التّجريد عنها؛ أي أنّ الطبيعيات، تُرَجِّعُ النظر في جسم العالم من حيث وقوعه في التّغيّر والحركة والسكون[26]. وإذا عدنا إلى المنقذ من الضلال فإنّ الغزالي، قد حدد العلوم الفلسفية – بالنسبة إلى الغرض الذي تطلبه – في ستة أقسام؛ [رياضية، ومنطقية، وطبيعية، وإلهية، وسياسية، وخلقية]، ليكون الإطار العام الكلي للفلسفة، مكوناً من ستة علوم[27]. 2ـ علاقة العلوم الفلسفية بالشرع: فما علاقة هذه العلوم -التي حددها الغزالي ضمن إطار الفلسفة- مع الشرع؟ هل هي جزء لا يتجزّأ منه؟ أم هي مخالفةٌ له كلّ الاختلاف؟ أم لعلّها وسط بين هذا وذاك؟ إنّ هذه العلاقة بالذات، هي التي أبرزها الغزالي، بشكل واضح، لا يحتمل أيّ تأويل، في المقدِّمات للكتابين المركزيين؛ (المقاصد والتهافت)، ليبني عليها عمله؛ “تناقض الفلاسفة وتهافتهم”، حسبما أكّد عليه في مقدّمة (المقاصد)، وجعلها في المقدّمات كمنهج مقاصدي، راسماً لنفسه الحدود التي يبحث فيها دون تجاوزها. فلنستمع إلى الغزالي، وهو يحدثنا عن نوع العلاقة بين العلوم الفلسفية، مع علوم الشريعة. يقول بشأنها: “فأما [الرياضيات]، ليس فيها ما يخالف العقل والحق، ولا هي مما يمكن أن يقابل بإنكار وجحد. وأمّا [المنطقيات]؛ فأكثرها على منهج الصّواب، والخطأ نادر فيها، وإنما يخالفون أهل الحقّ فيها بالاصطلاحات والإيرادات، دون المعاني والمقاصد. وأمّا [الطبيعيات] فالحق فيها مشوب بالباطل، والصّواب فيها مشتبه بالخطأ، فلا يمكن الحكم فيها بغالب ومغلوب. وأما [الإلهيات] فأكثر عقائدهم فيها على خلاف الحق”[28] وفيما يتعلق بـ[السياسيات والخلقيات]، فإن الغزالي قد ذكرها في (المقاصد) بطريقة ضمنيّة، بينما في المنقذ من الضلال، أبرزها بوضوحٍ تام، حيث حدّدها في ما يلي: “وأما [السياسيات]: فجميع كلامهم فيها، يرجع إلى الحِكم المصلحيّة المتعلّقة بالأمور الدنيويّة، والإيّالة السّلطانيّة، وإنّما أخذوه من كتب الله المنزّلة على الأنبياء، ومن الحكم المأثورة عن سلف الأنبياء عليهم السلام. وأما [الخلقيّة]: فجميع كلامهم فيها، يرجع إلى حصر صفات النفس وأخلاقها، وذكر أجناسها وأنواعها، وكيفية معالجتها ومجاهدﺗﻬا”[29] ونؤكِّد؛ بخصوص كلِّ ما قاله الغزالي؛ عن نوع العلاقة بين الفلسفة والحقّ، هو نفسه الذي قال به في؛ “كتب الإطار المرجعي” بل حتى في الكتب الأخرى ذات الإطار غير المرجعي[30]، وإذا كان الأمر كذلك، فهذا يعني أنّ الغزالي كنتيجة مستخلصة أولى؛ أنّه لم يكن معارضاً للفلسفة كلِّها، من خلال مقولات الفلاسفة، ما دام علم الريّاضيات والمنطقيّات والسيّاسيّات والخلقيّات لا تتعارض بشكل من الأشكال مع الحق. والغزالي نفسه يؤكد هذه الحقيقة في كتاب (التّهافت) معلناً على أنّ أصل الخلاف بينه وبين الفلاسفة راجع إلى “أصول الدّين كالقول بحدوث العالم، وصفات الصّانع، وبيان حشر الأجساد والأبدان، وقد أنكروا جميع ذلك”[31] ومعنى هذا الكلام، أن الغزالي حتى في جانب ”الإلهيات” لا يخالف الفلاسفة في كل شيء، ما دام المشكل محصوراً في الأصول التي حدّدها. بقي إذا علم الطبيعيات، من بين العلوم الفلسفية الست الذي لم تحدد علاقته بشكل واضح مع الحق، وبشأنه يقول الغزالي، من خلال (المنقذ) بوضوح لا غبار عليه أنّ “علم الطبيعيات”: هو بحث عن عالم السّماوات وكواكبها وما تحتها من الأجسام المفردة: كالماء والهواء والتّراب والنّار، وعن الأجسام المركّبة، كالحيوان والنّبات والمعادن، وعن أسباب تغيّرها وامتزاجها، وكذلك يضاهي بحث الطب؛ عن جسم الإنسان، وأعضائه الرئيسيّة والخادمة، وأسباب استحالة مزاجه. وكما ليس من شرط الدّين إنكار علم الطّب، فليس من شرطه أيضًا إنكار ذلك العلم، إلا في مسائل معيّنة، ذكرناها في كتاب (تهافت الفلاسفة) وما عداها مما يجب المخالفة فيها، فعند التّأمل يتبين أﻧّﻬا مندرجة تحتها، وأصل جملتها: أن تعلم أنّ الطبيعة مسخرة لله تعالى، لا تعمل بنفسها، بل هي مستعملة من جهة فاطرها. والشمس والقمر والنجوم والطبائع، مسخّرات بأمره، لا فعل لشيءٍ منها بذاته عن ذاته”[32] وهكذا يتّضح أنّ الغزالي، لم يكن له موقف مضاد للفلسفة أو معادي للفلاسفة، بقدر ما حدد الإشكالية في قسمين من أصل ستّةٍ منها، يخالف فيها الفلاسفة: –الأول: قسم الإلهيات، الذي قال عنه؛ أكثر قسم صدّرت فيه أغاليط الفلاسفة، بحيث يختلف معهم كل الاختلاف، في ثلاثة أصول منها فقط، بالقطع من أصل ستة عشر.[33] – والثاني: راجع إلى علم الطبيعيات، بنسبة قليلة جدّاً حدّدها في أربعة مسائل. ولمزيد من التّدقيق، في هذه المسائل الأربعة، سلّطنا عليها الضّوء من جديد، فألفينا الغزالي بعد تشخيصها، أنّه؛ لم يلزم نفسه في النِّزاع مع الفلاسفة فيها: إلاّ في المسألة الأولى. تلك المبنيّة على “مفهوم السببيّة” عندهم؛ في “أنّ الاقتران المشاهد في الوجود بين الأسباب والمسبَّبَات اقتران تلازم بالضرورة”[34]. فلنتأمّل جيّدا سياقه في ضوء هذا المعطى، حسب تدرّج الغزالي في التصريح به، منطلقا من العام إلى الخاص، فأعرب أوّلاً: أنّ للعلوم الطبيعية أقسام، وجب إبرازها “لِيُعرَف أنّ الشرع، ليس يقتضى المنازعة فيها، ولا إنكارها”[35] إلاّ في المواضع الأربعة التي حُدّدت، سنذكرها لاحقًا، فوضّح أصولها (العلوم الطبيعية) الثمانية مع تحديد المراجع اليونانية التي جاءت فيها، كما أبرز إلى جانبها فروعها السّبعة بشكل مختصر، ليصل إلى المسائل المختلف حولها، المتمثلة في: ـ مفهوم السببيّة عند الفلاسفة، التي ذكرنا نصّها سالفا. ـ وفي أنّ “النّفوس الإنسانيّة جواهر قائمة بأنفسها، ليست منطبعة في الجسم… وزعموا أنّ ذلك عُرف بالبرهان العقلي” ـ وفي قولهم: “أنّ النّفوس يستحيل عليها العدم، بل هي إذا وجدت فهي أبدية سرمديّة، لا يتصور فناؤها”. ـ وكذلك في قولهم: “يستحيل ردّ هذه النفوس إلى الأجساد”، وبعد هذا فإن الغزالي، حصر الخلاف فيها، قائلاً بصريح العبارة: “إنما يلزم النزاع في الأولى” معلّلا ذلك؛ في أنّ الأمر؛ “ينبني عليها في إثبات المعجزات الخارقة للعادة، من قلب العصا ثعبانا، وإحياء الموتى، وشقّ القمر، ومن جعل مجاري العادات لازمة لزوما ضروريا، أحالوا جميع ذلك، وأوّلوا ما في القرآن من إحياء الموتى، وقالوا: أراد به إزالة موت الجهل بحياة العلم، وأوّلوا تلقّف العصا؛ سحر السحرة بإبطال الحجة الإلهية، الظاهرة على يد موسى شبهات المنكرين…[36] وهكذا نجد الغزالي: قد رسم الخريطة المعرفية النقدية في: ـ أصلين من أصول الفلسفة من إطار عام، يرجع في مجموعه إلى ستة أصول، بيَّنا معالمها سابقا. وهذان الأصلان هما؛ [العلم الماورائي والعلم الطبيعي]. ـ ثم بالإضافة إلى هذا، فإنّ الغزالي قد، حصر النّزاع في مجمله في أربع مسائل؛ (ثلاث منها [من أصل ستة عشر] متعلقة بالعلم الماورائي)، و(واحدة منها؛ [من أصل أربعة]، في العلم الطبيعي). ليكون الغزالي في آخر المطاف متوقفا في جزء يسير منها؛ ذلك المرتبط بالأصول الإسلامية، من حيث تعارضه معها بطريق لا يقبل التأويل. ثالثا: رسالة الغزالي العِلمية من خلال العلاقة بين الدِّين والفلسفة: والواضح هنا أنّ الغزالي في إطار تحديده للعلاقة بين الفلسفة والدّين، يقول للمتذرعين بالدِّين: إنكم تحولون دون الاستقلال الفكري للأمة برفضكم للفلسفة[37]. وأنّ هذا الرفض يضرّ بالدين برفضه للعلم، مما يدلّ على أنّ الغزالي أراد أَنْ “يرفع السقف المعرفي العلمي للمنظومة الاسلامية”، حتى تستفيد من التراكم المعرفي الإنساني، الذي كانت الفلسفة تشكل وجها من وجوهه في ذلك العصر، حيث لاحظ الغزالي بحكم مشروعه الفلسفي، أنّ هناك فصلا شارخا بين علوم الشريعة وعلوم الفلسفة، كرّس هزيمة نكراء للعقل الاسلامي بشقيه، سواء منه (المنحاز إلى الفلسفة)، المنخلع عن ربقة الدين، أو (المنحاز إلى علوم الشّريعة)، الرّافض للفلسفة. فعالج الغزالي هذه المشكلة، انطلاقا من حديث الخسوف والكسوف، الذي انتقد فيه مضمون روايته، وردّ جزءًا منه، معتبرا إيّاهُ زيادةً لا يمكن قبولها، لأنه يتناقض مع أصول الشّرع، موضحا الخلل الذي أصاب العقول، انطلاقا من علم الرّياضيّات، وهو جزء من الإطار النظري للفلسفة اليونانية إلى جانب المنطق والطبيعيات والميتافيزيقيا وغيرها. حيث اعتبر الغزالي -في الريّاضيّات- أنّ من ظنّإبطال هذا العلم بالمناظرة من الدّين، فقد جنى على الدّين وضَعُف أمره، لأنّ هذه الأمور؛ تقوم على براهين هندسيّة حسابيّة، لا يمكن معها الشّك. فالخسوف والكسوف مثلا –الذي يخبر العلماء عن وقتهوقدره، ومدّة بقائه إلى الإنجلاءباعتباره علماً– إذا تمّ رفضه على أساسِ أنّه مخالفٌ للشّرع، تسرّب الشّك إلى الشّرع بأصحاب الشرع[38]. فالغزالي هنا، تنبّه بتيقّظ إلى هذه المشكلة المعرفية المنفصلة، مشكلة الفصل بين العلوم في المنظومة الإسلامية[39]، التي تنقسم إلى “علوم شرعية” و “علوم غير شرعية” وأنّ الضّربة المهلكة؛ نابعة بالأساس من هذا الخلل، فأصبح الدّين يهدّمه [بَنُو جلدته] برفضهم للفلسفة البرهانية اليقينية. فلنتأمل بالحرف قول الغزالي وهو يقول: “ضررُ الشّرع مِمّن ينصره لا بطريقه، أكثر من ضرره ممّن يطعن فيه بطريقه. وهو كما قيل: عدوٌّ عاقل خَيْرٌ من صديقٍ جاهل”[40]. فإن قيل: فقد قال رسول الله (ص): (إنّ الشّمس والقمر لآيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله والصلاة) فكيف يلائم هذا ما قالوه (اي الفلاسفة)؟ قلنا: وليس هذا ما يناقض ما قالوه، إذ ليس فيه إلا نفي وقوع الكسوف لموت أحد أو لحياته، والأمر بالصلاة عنده. (…) فإن قيل: فقد روي أنّه قال في آخر الحديث: (ولكنّ الله إذا تجلى لشيء خضع له) فيدلُّ على أنّ الكسوف خضوع بسبب التجلّي، قلنا: هذه الزِّيادة لم يصح نقلها، فيجب تكذيب ناقلها؛ وإنّما المروي ما ذكرناه، كيف ولو كان صحيحاً لكان تأويله أهون من مكابرة أمور قطعية (…) وأعظم ما يفرح به الملاحدة، أن يصرِّح ناصر الشرع،بأنّ هذا وأمثاله؛ على خلاف الشرع، فيسهل عليه طريق إبطال الشرع”[41]. وهكذا يكون الغزالي بهذا “الروح المضموني للحديث” قد وضع الحديث الشّريف في مكانته العلمية، التي لا يمكن للشرع أن يتناقض معها، مبرزا لهذا الفريق الرافض للفلسفة، أنه يضرّ بالدين لرفضه المطلق لكل علوم الفلاسفة، إذْ ينتج عن هذا الرفض -خاصة في اليقينيات- سوء الاعتقاد في الدين، فيُرفَض على اعتبار أنّه يحول دون العقل، مما يعني عندهم أنه دين قائم على الخرافات. مما يدلّ -عند الغزالي- على أنّ بعض أهل الدِّين، لم يصلوا بعد إلى النضج المعرفي الكامل، وعدم خروجهم عن إطار السقف المرسوم لهم؛ المحدد في علوم الشريعة دون تجاوزها، وهو إطار بدوره يفتقر إلى إعادة النظر فيه، حسب ما صرّح به الغزالي في أكثر من موقع، وفي باب العلم من كتاب إحياء علوم الدين، هذا الكتاب الذي لازال إلى حدّ الآن مفتقرا الى القراءة الصائبة كي تخرجه من عزلةِ “حصره في التصوّف” إلى نظرةٍ أعمق، عمق النّظر المتكامل عند الغزالي. بعد هذا العمل النّقدي، سيعمد الغزالي إلى تشخيص مشكلة الحضارة الاسلاميّة على مستوى التقوقع العِلمي، ليستيقظ أهل العلم من غفلتهم وردود أفعالهم المضرّة بالدِّين أساسا، سنحاول أَنْ نعالجها في نقطتين أساسيتين. رابعا: مشكلة اختزال العلوم والدّعوة الى التّكامل المعرفي: 1) أزمة اختزال العلوم: لقد لاحظ الغزالي في رحلته العِلمية؛ التعليمية والتنظيرية، أنّ العلوم الإسلامية تعاني مشكلة الاختزال، عوض التّوزيع العلمي الشّامل، الذي يراعي في توزيعه احتياجات الأمة، بطريقة توجيهية متساوية، لا ترجِّحُ كفّةَ إحدى العلومِ على الأخرى، حيث كان (علم الفقه) و(علم المناظرة) هما الطّاغيان في السّاحة الفِكريّة للمسلمين، بشكل مبالغ فيه، تجاوزا احتياجات الناس في المنظومة الحضارية الإسلامية أكثر من اللازم، في حين، يكفي الأمة عدد قليل من علمائها في سدّ هذا الباب الكفائي[42]. فالغزالي تنبه بتيقظٍ على أن هذه العلوم حقّا، تعاني سوء التوزيع، إِنْ لم نقل شبه انعدامه، بل حتى علم الفقه الذي كان سائدا، لم يكن في حد ذاته يراعي مبدأ الأولويات في العلم، الذي يعتبره الغزالي تقديم الفروض العينية على الفروض الكفائية، فالفقيه مثلاً، لو سُئل عن المعاني التالية: “الإخلاص مثلاً أو عن التّوكُّل أو عن وجهِ الاحتراز عن الرياء (…) وعن اللِّعان والظِّهار، والسَّبْق والرّمي، لَسَرَد عليك مجلداتٍ من التفريعات الدقيقة التي تنقضي الدهور ولا يُحتاج إلى شَيْءٍ منها”[43]، ولعل هذا النص بوجاهته، يبرز لنا بجلاء، الذيول الفقهية المُضخَّمة، التي مُلِئت بها المُصنفات ورفوف المكتبات، ولا حاجة للمجتمع بها، وحتى أنه لو اُحْتِيج إلى هذه التفريعات الدقيقة، فإنّ البلد لا يَخْلُ “عمن يقوم بها، ويكفيه مؤنة التّعب فيها، فلا يزال يتعب فيها ليلاً ونهاراً، وفي حفظه ودرسه، يغفل عما هو مهم في نفسه في الدّين، وإذا روجع فيه، قال: اشتغلت به لأنه علم الدين، وفرض الكفاية، ويُلبِّسُ على نفسه وعلى غيره في تعلُّمه. والْفَطِنُ يعلمُ أنّهُ لو كانٓ غرضُهُ أداءَ حقِّ الأمرِ في فرضِ الكفايةِ، لقدَّمَ عَلَيْهِ فرض العين، بل قدم عليه كثيراً من فروض الكفايات“[44]، أي كثيرا من العلوم الاخرى كالطب والهندسة والرياضيات وغيرها. ويضيف الغزالي موضحا حجم الإشكال بمرارة، قائلا: “فكم مِنْ بلدةٍ ليس فيها طبيب إلا من أهل الذّمة، ولا يجوز قبول شهادتهم فيما يتعلق بالأطباء من أحكام الفقه، ثم لا نرى أحداً يشتغل به ويتهاترون على علم الفقه، لا سيما الخلافيّات والجدليّات، والبلد مشحون من الفقهاء بمن يشتغل بالفتوى، والجواب عن الوقائع، فليت شعري كيف يرِّخص فقهاء الدّين في الاشتغال، بفرض كفاية قد قام به جماعة، وإهمال ما لا قائم إلاّ به، هل لهذا سبب إلا أن الطبّ ليس يتيَسَّر الوصول به إلى تولِّي الأوقاف؟! والوصايا، وحيازة مال الأيتام، وتقلُّـدِ القضاء والحكومة، والتّقدّم به على الأقران!”[45] وإذا ما تأملنا في العبارات الأخيرة لهذا النص، فإننا سنلاحظ أن مشكلة توزيع العلوم، بل اختزال هذه العلوم في الفقه والجدال، لها علاقة بالسياسة والنفوذ بالمناصب بشكل ما. والذي يهمنا في هذه النقطة، هو ما توصل إليه الغزالي؛ من أن مشكلة العلوم تعاني قصورا، غَيّبَ حقَّ الأولويات واحتياج الأمة المتعطّشة إلى الأهم، كي تزيد قدما في الرّقي الحضاري، مما يعطيها القدرة على التحديات العصرية. ولإبراز مدى تعطش الأمة إلى علوم مُناسبةٍ وموزعةٍ بشكل متوازن، ضرب الغزالي لنا مثلاً لهذا التعطش المضني، قائلا: “إن من رأى ما هو أهم، وفعل غيره، عصى بفعله، وكان مثاله؛ مثال من يرى جماعة من العطّاش، أشرفوا على الهلاك وقد أهملهم النّاس، وهو قادر على إحيائهم بأن يسقيهم الماء، فاشتغل بتعلّم الحجامة وزعم أنه من فروض الكفايات، ولو خلا البلد عنها لهلك الناس، وإذا قيل له؛ في البلد جماعة من الحجّامين وفيهم غُنْيَة، فيقول: هذا لا يخرج هذا الفعل عن كونه فرض كفاية” وبالتالي، فإنّ حال من يفعل “هذا ويهمل الاشتغال بالواقعة الملمّة بجماعة العطّاش من المسلمين كحال المشتغل بالمناظرة، وفي البلد فروض كفايات مهملة لا قائم بها، فأما الفتوى، فقد قام بها جماعة، ولا يخلو بلد من جملة الفروض المهملة، ولا يلتفت الفقهاء إليها، وأقربها الطب؛ إذ لا يوجد في أكثر البلاد طبيب مسلم، يجوز اعتماد شهادته فيما يعول فيه على قول الطبيب شرعاً، ولا يرغب أحد من الفقهاء في الاشتغال به، وكذا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”[46]، اي محاسبة الظّلمة إعلاء لكلمة الحقّ والعدالة الاجتماعية. وهذه الرؤية المنبثقة من الوعي بالواقع العلمي المختزل في الفقه والجدال العقيم، ثم التحديات التي ينتظرها الإسلام للتعريف بنفسه من خلال مترجميه، وتصدير العلم والعلماء عوض استيرادهم من الحضارات الأخرى، تشكل حجر الزاوية عند الغزالي. وليس معنى هذا أنّ الغزالي كانت له حزازات مع أصحاب ديانات أخرى، بل كان منفتحاً على عصره، ومطّلعاً على كلّ المذاهب والعلوم، وإنما يحزُّ في نفسه أن يرى المسلمين لا ينتبهون، ومن هنا تنبه إلى مسألة توجيه العلوم وإعطاء كل واحد منها حقه، بتخريج دُفعات في كلّ التّخصّصات، بل أكثر من ذلك خلق تخصّصاتٍ دقيقة؛ “كالتّعمّق في دقائق الحساب وحقائق الطِّب وغير ذلك”[47]، اذ تفيد هذه الأخيرةُ، زيادة قوّةٍ في القدر المحتاج إليه. إنّ الغزالي من هذا المنظور، كان يراهن على الاكتفاء الذاتي، فهو يرى انّ كل بلد من بلدان المسلمين، ينبغي أن تتوفّر فيه الحاجات الضرورية لكل مسلم. ومن هذا المنطلق كان نكيره على العلماء المنكبين على تعلّم العلوم الشّرعية غليظا؛ لاّنهم ضيَّعوا وقتهم في تفريعات فقهية لا طائل تحتها. فقد آلمه أشدّ الألم، أَنْ يرى عزوفَ المسلمينَ عن المِهن، مما يجعلها حكرا على غيرهم، إذا احتاجوا إليها وجدوا أنفسهم تحت رحمة غيرهم. والملاحظ أنّ تخلُّف المسلمينَ -أنذاك في عصر الغزالي في كثير من ميادين الحياة- يرجع الى ما اكتشفه الغزالي من إقبالهم على بعض المصالح دون بعض، الأمر الذي أدى الى الإخلال بالتوازن، ولا شكّ أنّ هذا الخلل له تأثيره في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والفكرية. والغزالي لا يريد أنْ يكون لغير المسلمين الفضل في أيّ من هذه الجوانب، إذِ اليد العليا خير من اليد السّفلى[48]. وهكذا فالعلوم كلها تعتبر محمودةً، وجب علينا تحصيلها، بغية الرقي الحضاري الإنساني، فالبشرية لا تحتاج فقط إلى الفقه وإلى علم الكلام، وإنّما إلى أطباء وصيادلة، وعلماء فلك، والحساب والهندسة… وكل ما يخدم الناس لكي يحصل عندهم الأمن الصحي والغذائي والسكني والصناعي والروحي والفكري، وبالتّالي تتسنى لهم العبادة التي أُمروا بها، في إطار دولةٍ قويّة، تعي حجمها وتحدياتها المعاصرة، وبالتالي القدرة على النقد والمواكبة للعصر. 2) شُموليّة العلومِ وتَكامُلِها. إنّ مشكلة سوء توزيع العلوم، والذي غلّب الجانب الفقهي وما يليه من قضاء وفتاوى على الجوانب الاخرى، أدّى بالغزالي الى القول بـ”التكامل العلمي والمعرفي” رغبة منه في تحصيل جميع علوم العصر دون الاقتصار على واحدة منها؛ لأنّ الاقتصار على جانب واحد منها خاصة العلوم الشّرعية فيه مهلكة للأمة وللدّين معا، بينما التّعْدِية إلى علوم أخرى، فيه مصلحة عميمة للاّمة وللدّين معا؛ اذِ “العلوم كلِّها متعاونة ومترابطة” فيما بينها[49]، وعلى طالب العلم أَنْ لا يقتصر على واحدة منها فقط، بل عليه أَنْ “لا يدع فنًّا من فنون العلم، ونوعا من أنواعه، إلاّ وينظر فيه نظرا يطّلع فيه على غايته ومقصده وطريقه. ثم إِنْ ساعده العمر، وواتته الأسباب، طلب التّبحّر فيه… ليستفيدَ مِنْهُ في الحال حتى لا يكون معاديا لذلك العلم بسبب جهله به؛ فإنّ النّاس أعداء ما جهلوا”[50]. ويؤكد الغزالي في هذه المهمة “العلمية التكاملية” على عدم الاستهانة بشيء من أنواع العلوم كيف ما كان لونها؛ اذْ مهمة الدّارس تتمثّـل في السّعي إلى تحصيلها خطوة خطوة، وعدم مجاوزة فنٍّ من فنونها حتّى يُحكِم زِمامه علما وعملا، وليكن قصد السّاعي وراء العلم، من كلّ علم يتحرّاه، التّرقّي إلى ما فوقه. وفِي نفس الإطار، بما أنّ العلوم متكاملة ومترابطة، فإنّ الأمر يستوجب على الطالب الحصيف أَنْ لا يحكم على علم بالفساد لوقوع الاختلاف بين أصحابه فيه، “ولا بخطإ واحدٍ أو آحادٍ فيه، ولا بمخالفتهم موجب العلم بالعمل، فيرى جماعة تَرَكُوا النّظر في العقليّات والفقهيات متعللين فيها، بأنّه لو كان لها أصل لأدركه أربابها…” ويضيف الغزالي في نفس السّياق، على انّ المعرفة يجب أَنْ تكون علميّةً يقينيّةً؛ إذْ لا يصِحُّ مثلا: أن يرى الدّارس الصّحّة في قومٍ اعتقدوا صِحّة النّجوم لصوابٍ اتُّفِق لواحد. وطائفة يعتقدون بطلانه لخطإ اتّفق لواحد؛ لانّ الكل خطأ حسب الغزالي. والصّواب في هذه المسأله تكمنُ في أن “يُعْرَف الشّيءُ في نفسهِ، فلا كلّ علمٍ يستقِلّ به كلُّ شخص، ولذلك قال علي رضي الله تعالى عنه: لا تعرف الحق بالرجال. اعرف الحقّ تعرف أهله”[51]. وبهذا الصّدد ضرب لنا الغزالي مجموعة من أمثلة الرضوخ للحق، وأخذ العبرة من رجال الصدر الأوّل زمنَ الصّحابة، باعتبارهم مؤسّسين لسنّة الاختلاف والتّعاون على العلم والحقيقة بدون أيّ تعصّب، ذاهبا في قوله إلى أنّ طالبَ الحقِّ يَجِبُ أَنْ يكون كناشدِ ضالّةٍ، لا يفرِّق في بحثه أَنْ تظهر الضّالة على يده او على يد من يعاونه، ثم عليه أن يرى رفيقه معينا لا خصما، ويشكره إذا عرّفه الخطأ وأظهر له الحقّ؛ “فهكذا كانت مشاورات الصّحابة رضي الله عنهم، حتّى أنّ امرأةً ردّت على عمر، ونبّهته على الحق وهو في خطبته على ملإ من النّاس، فقال: أصابت امرأةٌ وأخطأ عمر. وسأل رجل عليا فأجابه. فقال له الرّجل: ليس كذلك يا أمير المؤمنين، ولكن كذا وكذا، فقال له: أصبتَ وأخطأتُ وفوق كلّ ذي علم عليم. واستدرك ابن مسعود على أبي موسى الأشعري، فقال أبو موسى: لا تسألوني عن شَيْءٍ وهذا الحَبر بين أظْهُـرِكم”[52]. وإذا كانت العلوم مترابطة ومتعاونة فيما بينها، فعلى رجال العصر التّعاون على الرّبط فيما بينها، والاستفادة منها قدر الإمكان، كما على المهتمِّين بقضايا العصر أَنْ يتناظروا في مسائل واقعة متجدّدة أَوْ قريبة الوقوع غالبا. وينتقد الغزالي في هذا الجانب المهتمين بالشّأن العام على أنهم “لا يهتمون بانتقاد المسائل التي تعم البلوى بالفتوى فيها، بل يطلبون الطّبوليات التي تُسمع فيتّسع مجال الجدل فيها كيفما كان الأمر، وربّما يتركون ما يكثر وقوعه ويقولون: هذه مسألة من الزّوايا وليست من الطّبوليات”[53]. ولعل هذا النّص فيه كفاية على أنَّ العلوم لم تكن تعبِّر بحقٍّ عن المضمون الاجتماعي ولا المضمون السّياسي؛ فالعلوم كانت في واد، وقضايا العصر في واد آخر. ومن خلال هذا المعطى، نستنتج أنّ الغزالي توصّل في عصره، إلى أنّ علوم الوحي لم تتمكن من فهم الواقع المعاصر آنذاك، الذي أصبح يتميز بسيولة فائقة، ويعرف تغيرات كبيرة، جلبت معها العديد من القضايا، التي لا قِبَل للعقل الفقهي التّراثي بها[54]، فأصبحت حاجة هذه العلوم إلى العلوم العلمية العقلية أكثر من ترف فكري، بل ضرورة منهجية، تمليها تعقيدات الواقع بمختلف أشكاله السّيّاسيّة والثقافيّة والاجتماعيّة، ومن هذا المنظور، يصبح التّكامل المعرفي بين علوم الوحي وعلوم العقل مطلبا منهجيا في فهم الواقع والسّعي الى تغييره. خاتمة: يتّضح ممّا سبق، أنّ التكامل المعرفي بين العلوم سواء الدينية أو الإنسانية الكونية، له عمق تاريخي وأصالة زمنية، فهو قديم قدم تلك المعارف والعلوم نفسها، حقَّق السّلف الصالح من العلماء والمفكرين عبر التاريخ العلمي الطويل، نموذجا رائعا يحتذى به في حرصهم على العلم والمعرفة، انطلاقا من وعيهم بأهمية العلم في بناء الحضارة من غير تضييع للهوية الإسلامية والمبادئ الربانية. ولقد كان الغزالي من زمرة هؤلاء، الذّين أرّخ التاريخ العِلمي جهودهم العلمية المتكاملة والمتناسقة، أبرزنا معالمها طيلة هذه الورقة، موضّحين في ثناياها أنّ الغزالي كان قلقا من مشكلة الانفصال بين العلوم من جهة، ومن الاختزال وسوء توزيعها من جهة ثانية، الأمر الذي جعله ينتدبُ نفسه ليكون مجددا مصلحا، هادفا بذلك إلى إعادة رونق التّكامل بين علوم الشريعة والعلوم العقلية، تلك التي كانت مُحارَبةً من طرف بعض الفقهاء، فبين من خلال كتابه النّقدي “تهافت الفلاسفة” قدرته على إنتاج قول فلسفي حول آراء الفلاسفة، تختلف عن المرحلة السابقة التي كانت فيها الفلسفة مجرّدَ نقولٍ للنصوص[55]، كما أبرز من خلال سيرته الذاتية ذلك الضّلال العِلمي الذي أعمى بصيرة العلماء، موضحا انّ الفلسفة كعلم -من الناحية الشّرعية- ليست معادية للدّين حتى تُحارب، وإنما يحارِبُ الدِّين من يتنكّر للفلسفة خاصّة في العلوم اليقينية، ذاهبا إلى أنَّ الكلام كيفما كان “إذا كان معقولا في نفسه، مؤيدا بالبرهان، ولم يكن على مخالفة الكتاب والسُّنَّة، فلا ينبغي أَنْ يُهجر!”[56]، مرسيا بذلك قاعدة جوهرية: كون العلوم كلها متعاونة ومترابطة، وجب على الفقهاء والعلماء التعاون عليها والاستفادة منها قدر الإمكان، حتى تستطيع الأُمّة مواكبة روح العصر، ومواجهة كلّ التّحدّيات التي تحول دون تحقيق أهدافها.
ــــــــــــــــــــــــــ [1]– هو محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الطوسي الإمام الجليل أبو حامد الغزالي، حجة الإسلام. جامع أشتات العلوم، والمبرّز في المنقول منها والمفهوم. ولد سنة 450 هـ بطوس. وفِي هذه الفترة كانت فيها البلاد تحت حكم الدولة السّلجوقية، التي تمتعت باستقلال نسبي عن الخلافة العبّاسية. [(بشأن تسميته حجة الاسلام، أنظر للدكتور القرضاوي، يوسف، “الغزالي بين ناقديه ومادحيه”، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط4-1994، (ص19. وما بعدها من الصفحات). وينظر كذلك (الباب الخامس) من كتاب: صالح أحمد الشّامي، “الامام الغزالي وحجة الاسلام مجدد المائة الخامسة” دار القلم/دمشق، ط1-1993)]. [2]– يوسف العزيزي، التكامل المعرفي وأثره على النهضة العلمية والحضارية، موقع: المركز الديموقراطي العربي: https://democraticac.de/?p=86152، تاريخ الاطلاع: 12/04/2023. [3]– الفراهيدي، العين، دار ومكتبة الهلال: بيروت، ط2، ج5، ص378. وفيروز آبادي، القاموس المحيط، مؤسسة الرّسالة للطباعة والنّشر والتّوزيع: بيروت، ط:8، ج1، ص 1054. وابن منظور، لسان العرب، دار صادر، بيروت، ط3- 2002م، ج 11، ص598. [4]-يوسف العزيزي، التكامل المعرفي وأثره على النهضة العلمية والحضارية، موقع: المركز الديموقراطي العربي: https://democraticac.de/?p=86152، تاريخ الاطلاع: 12/04/2023. ابو حامد الغزالي، ميزان العمل، تحقيق وتقديم سليمان دنيا، دار المعارف: مصر، ط1- 1964، ص348. [5]– راجع: أبو حامد الغزالي، جواهر القرآن، تحقيق محمد رشيد رضا القباني، دار إحياء العلوم: بيروت/ لبنان، ط2-1990م. [6]– نفس المرجع السابق. ثم: ياسين مغراوي، التكامل المعرفي ودوره في قيام الحضارة الإسلامية وبناء الأمة المحمدية، مدونة تعليم جديد: https://www.new-educ.com-، تاريخ الاطلاع: 13/04/2023 [7] راجع بشأن غزارة هذا الانتاج: عبد الرحمان بدوي، مؤلّفات الغزالي، وكالة المطبوعات، الكويت، ط2-1977. ومحمد عبد الكريم العثمان، سيرة الغزالي وأقوال المتقدمين فيه، دار الفكر: دمشق، بدون تاريخ، ص35. [8]– محمد عقيل بن علي المهدلي، “مدخل إلى دراسة مؤلفات الغزالي” دار الحديث: القاهرة، بدون تاريخ، ص28. [9]– محمود حمدي زقزوق، المنهج الفلسفي بين الغزالي وديكارت، دار المعارف، 1998، ص56 [10]– محمد سعيد رمضان البوطي، شخصيات استوقفتني، دار الفكر/دمشق- سورية، ط1-1999، ط7-2008، ص74. [11]– نقلا عن؛ نور الدين آل علي، أبو حامد “فضائل الأنام من رسائل حجة الإسلام الغزالي” ترجمها عن الفارسية مع شروح وتعاليق الدكتور؛ نور الدين آل علي، الدار التونسية للنشر، 1972، (ص أولى). [12]– توجد بعض الدراسات التي تدعي صعوبة الإحاطة بفكره، زاعمة أنّ “التعامل مع الغزالي لايمكن ان يكون في كليته من الوهلة الاولى، فذاك أمر شاق، والإحاطة به تصبح أكثر عسرا”. نور الدين السافي، نقد العقل منزلة العقل النظري والعقل العملي في فلسفة الغزالي، مكتبة علاء الدين، ط1 غشت 2003، ص13. [13]– راجع لأبي حامد الغزالي بشأن هذه الإشكالية، المنقذ من الضّلال والموصل إلى ذي الْعِزَّة والجلال، تحقيق وتقديم: جميل صليبا وكامل عياد، دار الأندلس للطّباعة والنّشر: بيروت/لبنان، 1967م، ص79-88 [14]– مصطفى عبد الرازق، تمهيد لتاريخ الفلسفة الاسلاميّة، مطبعة لجنة التأليف والترجمة: القاهرة، 1363هـ/1944م. ص82. [15]– توفيق الطّويل، قصّة النّزاع بين الدِّين والفلسفة، مكتبة الآداب: مصر، بدون تاريخ، ص104. [16]– راجع الفتوى: قصة النّزاع بين الدّين والفلسفة، نفس المرجع، ص120-121. ومصطفى عبد الرازق، تمهيد لتاريخ الفلسفة الاسلاميّة، نفس المرجع. ص85-86. [17]– مصطفى عبد الرازق، تمهيد لتاريخ الفلسفة الاسلاميّة، نفس المرجع، ص 116. [18]– زندقة وزنديق لفظ مشترك، قد أطلق على معانٍ عدة، مختلفة فيما بينها، على الرّغم مما قد يجمع بينها من تشابه. فكان يطلق على من يُؤْمِن بالمانوية، ويثبت أصلين أزليين للعالم: هما النور والظلمة. ثم اتسع المعنى من بعد اتساعا كبيرا، حتى أطلق على صاحب كل بدعة وملحد. بل انتهى الأمر أخيرا، الى ان يطلق على كل من كان مذهبه مخالفا لمذهب أهل السنّة، او حتى من كان يحيى حياة المجون من الشعراء والكتاب ومن إليهم. (عبد الرحمان بدوي، من تاريخ الإلحاد في الاسلام، المؤسسة العربية للدراسات والنشر: بيروت، ط2، ابريل 1980م، ص28. [19]– كان مفكرو الإسلام -فيما يقول جولد زيهر- Gold Ziher يطلقون على دائرة معارف اليونان من رياضيات وطبيعيات وإلهيات اسم “علوم الأوائل أو علوم القدماء أو العلوم القديمة” وهي تقابل عندهم علوم العرب والعلوم الشّرعية بوجه خاص. نقلا عن: توفيق الطويل، قصة الصراع بين الدِّين والفلسفة، مرجع سابق، ص104. [20]– أبو حامدٍ الغزالي، المنقذ من الضلال، تقديم وتحقيق جميل صليبا وكامل عيد، دار الأندلس، بيروت/ لبنان، ط7-1967. ص88. [21]– المنقذ من الضلال، نفس المرجع، ص89. [22]– المنقذ من الضلال، نفس المرجع، ص122. [23] راجع الفصلين التاليين: علم الكلام، والعلوم الفلسفية في: “المنقذ من الضّلال”، نفس المرجع. [24]– الغزالي، أبو حامد، مقاصد الفلاسفة، تحقيق محمود بيجو، مطبعة الصباح/ دمشق، ط1-2000م، ص9. [25]– نفس المرجع، ص9و165 [26]– نفسه. [27]– المقاصد، مرجع سابق، ص79 [28]– المقاصد، مرجع سابق، ص9-10 [29]– المنقذ، مرجع سابق، ص80. [30]– مثل كتابه: (إحياء علوم الدين، ومعه؛ المغني عن حمل الأسفار في تخريج ما في الإحياء من الأخبار، للعلامة زين الدين أبو الفضل العراقي، دار ابن حزم للطباعة والنشر، بيروت – لبنان، ط1-2005)، فان الغزالي ذكر فيه نفس هذه العلاقة بين الفلسفة والدين، أنظر ص30. [31]-أبو حامد الغزالي، “تهافت الفلاسفة” تحقيق وتقديم سليمان دنيا، دار المعارف، ط6-1980، ص.34 [32]– المنقذ، مرجع سابق، ص83. [33]– هذه الأصول الثلاثة هي: ادعاء الفلاسفة عدم علم الله بالجزئيات وأن الحشر لا يكون بالأجساد وإنما بالأرواح، وقدم العالم. [34]– أبو حامد الغزالي، “تهافت الفلاسفة” تقديم وضبط وتعليق؛ جيرار جهامي، دار الفكر اللبناني/بيروت، ط1-1993، ص166. [35]– التهافت، نفس المرجع، ص165. [36]– التهافت، مرجع سابق، ص167. [37] راجع: أبو يعرب المعرزوقي، باطنية الفلسفة وظاهريتها، مجلة الإحياء، العدد 25، جمادى الثانية 1428هـ/ يوليوز2007، ص18-29. [38]– ابو حامد الغزالي، تهافت الفلاسفة، تحقيق سليمان دنيا، دار المعارف، ط6 ص80. [39]– راجع: ميزان العمل، مرجع سابق، ص348. [40]– التهافت، مرجع سابق، ص80. [41]– التهافت مرجع سابق؛ ص80-81. [42]– الإحياء، مرجع سابق، ص30 وما قبلها. [43]– نفسه. [44]– الإحياء، مرجع سابق، ص30 -31. [45]– نفسه، ص30. [46]– الإحياء، مرجع سابق، ص54 [47]– الإحياء، مرجع سابق، ص24 [48]– يوسف العاصي الطّويل: النّزعة النّقدية في فلسفة أبي حامد الغزالي، مكتبة حسن العصريّة: بيروت/لبنان، 1436هـ/2016م. ص368. [49]– ابو حامد الغزالي، ميزان العمل، تحقيق وتقديم سليمان دنيا، دار المعارف: مصر، ط1- 1964، ص348 [50]– ميزان العمل، نفس المرجع، ص348. [51]– ميزان العمل، مرجع سابق، ص349. [52]– الإحياء، مرجع سابق، ص55. [53]– نفسه. [54]– أبو حامد الغزالي، معيار العلم، تحقيق د سليمان دنيا، دار المعارف بمصر، ط م1961، ص28. [55]– راجع: لأبي يعرب، المرزوقي “مفهوم السببية عند الغزالي”، دار بوسلامة للطباعة والنشر، ط1-1978م. [56]– المنقذ، مرجع سابق، ص88.
المراجع: 1ـ ابن منظور، لسان العرب، دار صادر، بيروت، ط3–2002، ج 11. 2ـ أبو حامد الغزالي، إحياء علوم الدين، ومعه المغني عن حمل الأسفار في تخريج ما في الإحياء من الأخبار، للعلامة زين الدين أبو الفضل العراقي، دار ابن حزم للطباعة والنشر، بيروت – لبنان، ط1–2005م. 3ـ أبو حامد الغزالي، “تهافت الفلاسفة” تقديم وضبط وتعليق؛ جيرار جهامي، دار الفكر اللبناني/بيروت، ط1–1993م. 4ـ أبو حامد الغزالي، “تهافت الفلاسفة” تحقيق وتقديم سليمان دنيا، دار المعارف، ط6–1980م. 5ـ أبو حامد الغزالي، جواهر القرآن، تحقيق محمد رشيد رضا القباني، دار احياء العلوم: بيروت/ لبنان، ط2–1990م. 6ـ أبو حامد الغزالي، فضائل الأنام من رسائل حجة الإسلام الغزالي، ترجمها عن الفارسية مع شروح وتعاليق الدكتور؛ نور الدين آل علي، الدار التونسية للنشر، 1972م. 7ـ أبو حامد الغزالي، القسطاس المستقيم، قراءة وتعليق محمود بيجو، المطبعة العلمية: دمشق، 1413هـ/ 1993م. 8ـ أبو حامد الغزالي، معيار العلم، تحقيق: سليمان دنيا، دار المعارف بمصر، 1961م. 9ـ أبو حامد الغزالي، المنقذ من الضّلال والموصل إلى ذي الْعِزَّة والجلال، تحقيق وتقديم: جميل صليبا وكامل عياد، دار الأندلس للطّباعة والنّشر: بيروت/لبنان، 1967م. 10ـ أبو حامد الغزالي، مقاصد الفلاسفة، تحقيق محمود بيجو، مطبعة الصباح/ دمشق، ط1–2000م. 11ـ ابو حامد الغزالي، ميزان العمل، تحقيق وتقديم سليمان دنيا، دار المعارف: مصر، ط1– 1964م. 12ـ أبو يعرب المرزوقي “مفهوم السببة عند الغزالي“، دار بوسلامة للطباعة والنشر، ط1–1978م. 13ـ صالح أحمد الشّامي، “الامام الغزالي وحجة الاسلام مجدد المائة الخامسة” دار القلم/دمشق، ط1–1993. 14ـ عبد الرحمان بدوي، مؤلّفات الغزالي، وكالة المطبوعات، الكويت، ط2–1977. 15ـ عبد الرحمان بدوي، من تاريخ الإلحاد في الاسلام، المؤسسة العربية للدراسات والنشر: بيروت، ط2، ابريل 1980م. 16ـ الفراهيدي، العين، دار ومكتبة الهلال: بيروت، بدون تاريخ، ط2، ج5. 17ـ فيروز آبادي، القاموس المحيط، مؤسسة الرّسالة للطباعة والنّشر والتّوزيع: بيروت، ط:8. 18ـ مصطفى عبد الرازق، تمهيد لتاريخ الفلسفة الاسلاميّة، مطبعة لجنة التأليف والترجمة: القاهرة، 1363هـ/1944م. 19ـ محمد سعيد رمضان البوطي، شخصيات استوقفتني، دار الفكر/ دمشق– سورية، ط1–1999، ط7–2008. 20ـ محمد عبد الكريم العثمان، سيرة الغزالي وأقوال المتقدمين فيه، دار الفكر بدمشق، بدون تاريخ. 21ـ محمد عقيل بن علي المهدلي، “مدخل إلى دراسة مؤلفات الغزالي” دار الحديث: القاهرة، بدون تاريخ. 22ـ محمود حمدي زقزوق، المنهج الفلسفي بين الغزالي وديكارت، دار المعارف، 1998. 23ـ نور الدين السافي، نقد العقل منزلة العقل النظري والعقل العملي في فلسفة الغزالي، مكتبة علاء الدين، ط1– غشت 2003. 24ـ يوسف العاصي الطّويل: النّزعة النّقدية في فلسفة أبي حامد الغزالي، مكتبة حسن العصريّة: بيروت/ لبنان، 1436هـ/2016م. 25ـ يوسف القرضاوي، “الغزالي بين ناقديه ومادحيه“، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط4–1994. المجلاتوالمواقعالإلكترونية: 1ـ أبو يعرب المرزوقي، باطنية الفلسفة وظاهريتها، مجلة الإحياء، العدد 25، جمادى الثانية 1428هـ/ يوليوز2007، ص18–29. 2ـ يوسف العزيزي، التكامل المعرفي وأثره على النهضة العلمية والحضارية، موقع: المركز الديموقراطي العربي: https://democraticac.de/?p=86152، تاريخ الاطلاع: 12/04/2023. 3ـ ياسين مغراوي، التكامل المعرفي ودوره في قيام الحضارة الإسلامية وبناء الأمة المحمدية، مدونة تعليم جديد: https://www.new-educ.com- ، تاريخ الاطلاع: 13/04/2023