المرأة الموظفة والمسؤولية التربوية

الأستاذ عبدالسلام محمد الأحمر

مقدمة

      تلك بعض الموجهات التي يتعين الانطلاق في ضوئها لمدارسة موضوع “المرأة الموظفة والمسؤولية التربوية”.
أولا: مسؤولية الأم التربوية
      يشترك الوالدان في تحمل مسؤولية تربية أبنائهما، والتي يعلو شأنها ويعظم في السنوات الخمس الأولى، لما يكون للفعل التربوي في هذه المرحلة من تأثير بليغ في تحديد معالم شخصية الطفل المستقبلية، وصياغة كيانه صياغة حاسمة وعميقة، قد يصعب جدا تغيير ثوابتها فيما بعد.
       ولقد ألمح القرآن الكريم إلى أساسية التربية في الصغر في موضعين. أحدهما في سورة الإسراء: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا  وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)[1]، والثاني في سورة الشعراء  (قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ)[2]، ففي هذه الفترة تكون نفس الطفل مهيأة لاستقبال ما يعرض عليها من معتقدات وعادات وأخلاق، حيث ينحصر دوره في التلقي والاستيعاب، ويكاد سلوكه لا يشذ عن معطيات تربية الأبوين، وعن تربية الأم على الخصوص، لشدة ارتباطه بها عبر عمليات الإرضاع والرعاية والاحتكاك المستمر.
     ولقد أكد رسول الله صلى الله عليه وسلم  من جهته هذه الحقيقة التربوية بقوله: “مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ” [3].
      فمن شأن تربية الوالدين أن تحيد بفطرة الطفل عما ركز فيها من معرفة الله وتوحيده، إلى أنواع شتى من المعتقدات والقناعات الموجودة في البيئة الأسرية والاجتماعية، كما من شأنها تثبيت وتنمية عقيدة الإسلام في نفس الوليد وتنشئته على هديها فكرا وسلوكا.
     وإذا كانت التربية تشمل تغذية الروح والجسد معا لتوقف كيان الطفل عليهما، فإنهما لا ينزلان في منزلة واحدة، وإنما تسمو التربية الروحية على تربية البدن قدرا وأثرا، حيث تتبع قيمة البدن قيمة الروح التي تسكنه، وما تكون عليه من سواء واستقامة وصلاح وخلق كريم، أو خلاف ذلك من انحراف وفساد. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” مَا نَحَلَ وَالِدٌ وَلَدًا مِنْ نَحْلٍ أَفْضَلَ مِنْ أَدَبٍ حَسَنٍ”[4]، وإذا كان في إسناد هذا الحديث كلام، فإن معناه صحيح تربويا، فكل عطاء مادي للابن قد يفيده مِؤقتا، لكن عطاء الأدب والتربية الرشيدة يدوم على مدى الحياة.
     ولما كانت فترة الطفولة الأولى، هي مرحلة وضع الأسس في عملية البناء النفسي والتربوي، التي تتواصل فيما يستقبل من المراحل العمرية الموالية، وتتحدد فيها ملامح التصميم الهيكلي للشخصية، فإن تدخل الأم في هذه المرحلة هو الأقوى والأجدى، فهي التي تباشر باقتدار وفعالية التربيتين الروحية والجسمية، في حين يقتصر دور الأب غالبا على توفير حاجيات الأسرة المادية ليس إلا.
     فهذا التدخل النوعي والحاسم في تربية الطفل، هو ما نجد مسؤولية الأم عنه مترجمة على مستوى قدر البرور الواجب للأم، والذي يزيد ثلاثة أضعاف عن قدر برور الأب، كما يبين ذلك الحديث الموالي: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: ”جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ ثُمَّ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ ثُمَّ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ ثُمَّ أَبُوكَ“[5].
     ومما تجدر الإشارة إليه في هذا الحديث، أن مكافأة الأم في الكبر بحسن صحبتها أكثر من الأب، لأنها أحسنت صحبة النشء في صغره وضحت براحتها وشبابها وصحتها ــ وهو أضعف ما يكون وأعجز ما يكون ــ من أجل أن يترعرع وينشأ نشأة سوية.
    ويأتي حديث آخر ليزيد مهمة الأم التربوية وضوحا، فيسند إليها مسؤولية التربية والرعاية داخل الأسرة. فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ”كُلُّكُمْ رَاعٍ فَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ“[6].
      فمسؤولية المرأة أمام الله تقع في حدود ما منحت للقيام به من استعدادات فطرية خاصة، وكفاءات خلقية عالية، وخصائص نفسية لا نظير لها لدى أخيها الرجل، وكل تجاهل لهذه الخصوصيات والتهوين من شأنها، ومحاولة التعمية عليها بتأويلات عارية عن السند العلمي والنظر الحصيف، لن تثمر إلا شقاء النشء وحرمانه من حقه الطبيعي والشرعي في رعاية أمه وتربيتها، فالذي فرض عليها من الناحية البيولوجية حمل الجنين بين أحشائها وإرضاعه من ثدييها بعد ولادته، هو الذي فرض عليها شرعا أن تلازم وليدها في بيتها،  وتتفرغ لتغذيته وتمريضه ونظافته وملاعبته،  وضمه في حضنها وإحاطته بعطفها وحبها وحنانها وكامل عنايتها. ومما يستدل به على انحصار وظيفة المرأة الأصلية داخل بيتها،  كون ابنتي شعيب بينتا لموسى عليه السلام بأن خروجهما لسقي الماء كان عن اضطرار لأن أباهما شيخ كبير، (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ،  وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ،  قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ،  فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ )[7].
    وجاءت الإشارات القرآنية متكررة لمسؤوليات الأمومة في الآيات التالية: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا)[8].
     وجاء الأمر صريحا بالإرضاع إلى أم موسى قبل إلقائه في اليم (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي)[9]  (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ،   وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ،   وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ، فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ،   فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ)[10]  ولقد اقتضت الحكمة الإلهية أن يرفض موسى الطفل لقم ثدي امرأة أخرى غير أمه، ليدفع في اتجاه تصحيح هذا الوضع بما يتفق مع حقه في الرضاع من أمه،  وواجبها نحوه في إرضاعه،  والتمتع باحتضانها له ولو لفترات محدودة.
     وهكذا شأن كل طفل يحال بينه وبين حليب أمه، لابد في البداية أن يعترض على هذا الظلم وهذا الاعتداء السافر، ويحتج على ذلك بالصراخ والقلق الشديد، لأنه لا يمكن أن تنطلي عليه أية محاولة لخداعه بغير أمه، أو هضم حقوقه فيها، وهو لا يستسلم لذلك إلا حين تعييه محاولات الرفض المستميتة، ومع ذلك يظل ضيقه وتبرمه متواصلا في صور متعددة.
      وقد وجد رينكولد Rheingold (1956) “أن حاجات الطفل المصحوبة بالمثيرات الاجتماعية بما في ذلك الاتصال الجسمي به، يؤدي إلى خلق طفل أكثر استجابة من الناحية الاجتماعية، عن قضاء مثل هذه الحاجات بطريقة فاترة باردة وبكفاءة، ولكن دون علاقات شخصية.. فالأطفال يشرعون في النمو الاجتماعي عندما يتغير نمط معاملة الآباء معهم، ويشعرونهم بالرغبة والرعاية والرقة والحب”[11]
      ولقد قسم الشرع الأدوار والمسؤوليات بين الأب والأم، لكي تتفرغ الأم لأعباء الإنجاب حملا وإرضاعا وتربية وعناية شاملة،  حيث حمل الأب مسؤولية الإنفاق على الزوجة، حتى لا تضطر للعمل خارج البيت لإعالة نفسها وطفلها،  فتتوزعها المهمتان بدل التركيز على مهمة رعاية الوليد. قال تعالى: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ)[12].
    وإذا بحثنا في المواثيق الدولية لحماية حقوق الطفل، فإننا نلاحظ بأنها أكدت حاجة الطفل إلى بيئة أسرية يسود فيها جو من الألفة والرحمة والمحبة.
     جاء في ديباجة اتفاقية حقوق الطفل المعتمدة من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة في نونبر1989 “وإذ تشير (أي الاتفاقية) إلى أن الأمم المتحدة قد أعلنت في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أن للطفولة الحق في رعاية ومساعدة خاصتين، واقتناعا منها بأن الأسرة، باعتبارها الوحدة الأساسية للمجتمع، والبيئة الطبيعية لنمو ورفاهية جميع أفرادها وبخاصة الأطفال، ينبغي أن تولى الحماية والمساعدة اللازمتين، لتتمكن من الاضطلاع الكامل بمسؤوليتها داخل المجتمع، وإذ تقر بأن الطفل كي تترعرع شخصيته ترعرعا كاملا ومتناسقا،  ينبغي أن ينشأ  في بيئة عائلية في جو من السعادة والمحبة والتفاهم”[13].
ثانيا: أولوية المهمة التربوية على العمل الخارجي.
      يمكن إرجاع حالة توزع المرأة بين مهامها الداخلية والخارجية، إلى اختلال الأولويات في عملها، الذي غدا بالوظيفة متعدد الواجهات. فإذا وضعت مهمتها التربوية حيال صغارها على قدم المساواة مع وظيفتها خارج البيت أو أخرتها عنها، هان عليها حينذاك أن تختار الجمع بينهما، مما يوقعها في حالة من الارتباك والعناء النفسي والجسدي،  وربما عرضت نفسها لوخز الضمير، عندما تفشل في القيام بالمسؤوليتين على الوجه المطلوب،، بعد أن ضمت مهمة الأب الأصلية إلى مهمتها الأصلية،  وحملت نفسها ما لا طاقة لها به بصريح الآية السابقة، مع أن مهمة الرجل وحدها تضنيه وتتعبه،  فكيف إذا زيدت على مهمة الأمومة المؤدية لوحدها إلى العناء الشديد.
      وهذا المسلك مناف لروح الشريعة الإسلامية الحريصة على التيسير ورفع الحرج عن المكلفين، حتى إن الأصوليين صاغوا قواعد في هذا المجال نذكر منها “لا تكليف إلا بمقدور” و”الحرج مرفوع” و”المشقة تجلب التيسير”. حتى إن بعض الفرائض إذا اجتمعت مع سنن قد يفوت القيام بها في الزمان والمكان، فإنها تتحول إلى مندوبات للتخفيف على المكلف ومنع الحرج عنه.
      ومن ذلك انتقال فرضية صلاة الجمعة إلى الندبية، إذا صادفت أحد العيدين، وقصر الصلاة في السفر، وسقوطها كلية عن الحائض والنفساء وغير ذلك كثير.
      لكن مما يجعل المرأة لا تستحضر هذا الفقه ولا تعيره الأهمية التي يستحقها،  أن تحريضها على العمل خارج البيت وتزيينه في عينيها،  والمبالغة في استعراض مكاسبه،  رافقته حملة موتورة على الوظيفة الأصلية للمرأة وكل ما يمت لها بصلة،  من إنجاب وإرضاع وتربية،  ورعاية للبيت وحسن تبعل للزوج،  بل وحتى عقد الزواج نفسه صار نادرا وفاقدا للقدرة على الصمود والاستمرار، مما هون عليها أمر التربية ووظيفة الأمومة، فانطلقت في اندفاع تلك الموجة العاتية،  إلى العمل الآخر بحماس شديد،  وهي مستهينة بتربية الأبناء،  بل وبولادتهم أصلا،  لأن ذلك سيعرقل تحررها من البيت والمهام المرتبطة بالبقاء فيه.
      وتقويما لهذه النظرة فإن تربية الأم عمل جليل ومسؤولية عظمى، لأنه اشتغال على بناء الإنسان وصياغته وجدانا وفكرا وسلوكا جسما وروحا، مما ستكون له آثار إيجابية بليغة في حياة الفرد والمجتمع، أو مضاعفات خطيرة تتولد عنها ويلات كثيرة تشقي الفرد والأمة بأسرها.
      وفي مقابل هذا فإن ما ستقوم به المرأة من أعمال خارج دائرة تربية الأبناء، يكون قابلا لتعويضها فيه و لا يرقى أبدا إلى مستوى التربية السامق،  حيث لا تشترط فيه ذاتها كما تشترط في وظيفة الأم التربوية،  والتي هي مسؤولية شخصية قطعا، لا تبرأ منها ذمة الأم بنيابة غيرها عنها، فشأنها كالعقيدة والعبادات والأخلاق يجب على الشخص القيام بها بنفسه ولا يصح أن يؤديها آخر عنه،  ما عدا استثناءات محدودة تؤكد قاعدة التكليف الشخصي ولا تلغيها، يقول الدكتور”ألِكسيس كاريل” ALEXIS CARREL”: إنّ الاختلافات الموجودة بين الرجل والمرأة لا تأتي من الشكل الخاص للأعضاء التناسليّة، ومن وجود الرَّحِم والحمل، أو من طريقة التعليم … إنها ذات طبيعة أكثر أهميّة من ذلك، إنها تنشأ من تكوُّن الأنسجة ذاتها، ومن تلقيح الجسم كله بمواد كيماويّة محدّدة يفرزها المبيض، ولقد أدَّى الجهل بهذه الحقائق الجوهريّة بالمدافعين عن الأنوثة إلى الاعتقاد بأنّه يجب أنْ يتلقى الجنسان تعليمًا واحدًا، وأنْ يُمنحَا سُلُطاتٍ واحدة، ومسؤوليات متشابهة. والحقيقة: إنَّ المرأة تختلف اختلافاً كبيراً عن الرجل، فكلُّ خليّةٍ من خلايا جسمها تحمل طابع جنسها، والأمر نفسه صحيحٌ بالنسبة لأعضائها، وفوق كل شيء جهازها العصبي، فالقوانين الفيسيولوجيّة غير قابلةٍ لِلِّين، شأنها شأن قوانين الأفلاك والنجوم، فليس في الإمكان إحلال الرّغبات الإنسانيّة محلها، ومن ثم فنحن مضطرّون لقبولها كما هي. فعلى النساء أن يُنَمِّينَ أهليَّتَهُن تبعًا لطبيعتهنّ، دون أنْ يحاولن تقليد الذكور، فإنّ دورهنَّ في تقدّم الحضارة أسْمَى من دور الرجال، فعليهنَّ ألا يتخلَّينَ عن وظائفهنّ المحدَّدة “[14].
      وهكذا لا يجوز ترك مجال البيت إلا لضرورة قاهرة، كأن تتضافر ظروف ملجئة للأم للعمل في الخارج، ولم يتأت درءه بأي حال من الأحوال، ومعلوم أن الضرورات تقدر بقدرها ولا يجوز للمعني بها التجاوز في اعتبارها فيحملها ما لاتحتمل. والأم عندما تُقوم ظروفها، عليها التزام الموضوعية ومراقبة الله المطلع على حقيقة حالها، والذي لاينفع معه سبحانه إلا الصدق و الإخلاص،  و من كابر خدع نفسه وأضر بها.
      أما إذا عدمت الضرورة، فالواجب على الأم التفرغ لولدها أو بنتها الصغيرين حتي يتجاوزا سن الخامسة، ثم تلتحق بالعمل إن كان ولابد.
      وإن مما زاد هذا الأمر تعقيدا، اعتبار النساء بأن العمل خارج البيت حق مكتسب،  لكن بفهم يلفه كثير من الغموض ويفضي إلى مغالطات كبيرة، على رأسها وضع الحق والواجب في درجة واحدة، أو لربما تم تقديم تحصيل الحقوق على أداء الواجبات. مما أفضى إلى مزاحمة الواجبات بالحقوق، وخلق الجرأة على تضييعها بدعاوى واهية.
      وهكذا تراجعت الواجبات عن موقعها الأول أمام الانشغال بتحصيل الحقوق،  وهو ما يعتبر دائما مؤشرا واضحا على أنانية سافرة،  وتدن مهول في استشعار المسؤولية وحفظ  الأمانات. فلا يسوغ عقلا ولا شرعا أن يفرط الإنسان في أداء واجب، بمبرر الاهتمام باستفادة حق مهما كان، لأن المحاسبة القانونية خاصة والإلهية عامة، إنما تقع على الواجبات التي يلزم أن تؤدى على أكمل وجه، وإلا اعتبر المكلف بها مقصرا يستحق المؤاخذة والعقاب.
      أما ما يتعلق باستيفاء الحقوق فهو موضع مطالبة اختيارية، وليس قطعا موضع مساءلة لا قانونية ولا شرعية، إلا بالنسبة لمن يعنيهم توفير تلك الحقوق وضمانها لأصحابها، وعندما تفضي ممارسة حق إلى التقصير في واجب أو ضياعه، فعلى المضيع للواجب الوزر وتحمل التبعات، و احتجاجه بالانشغال عنه بممارسة الحق مردود عليه.
      ذلك لأن كل واجب يرتبه الشرع على شخص، فهو حق ثابت ومحفوظ للغير، لاتبرأ منه الذمة إلا بأدائه على أحسن وجه، وكل إخلال به فهو تجن آثم، واعتداء شنيع على هذا الغير، سيما إذا كان رضيعا لا يملك حيلة ولا يهتدي إلى سبيل، يسترجع به حقه وينصفه من الجاني عليه، وذلك ما أوصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم “إِنَّهَا سَتَكُونُ بَعْدِي أَثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَأْمُرُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَّا ذَلِكَ قَالَ تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ وَتَسْأَلُونَ اللَّهَ الَّذِي لَكُمْ”[15]  والمقصود بالأثرة هنا ما يؤثره الإنسان لنفسه على حساب الآخرين،  ويندرج تحته ايثار بعض الأمهات أخذ الأجر المادي الزائل لقاء عملهن خارج البيت، على استحقاق الأجر الإلهي الباقي عن أداء حق الوليد في الملازمة والتعهد بالتربية وكامل العناية.
      وما استعرضناه من الإصرار على ممارسة الحقوق واستخلاصها، والذي يبلغ عند بعض الناس حد الهوس، على أداء الواجبات والتفاني في اتقانها، يعد نموذجا شائعا للأثرة وما تنكره النفوس السوية في الواقع الاجتماعي.
      وعمل المرأة ليس حقا لها تتمتع به كما تشاء فحسب، وإنما يتحول إلى الحق في تحمل  مسؤولية جسيمة تطالها المحاسبة عليها في الدنيا وفي الآخرة، فالواجب هو الوجه الآخر لهذا الحق يوجد بوجوده وينعدم بانعدامه، وإذا مارسته المرأة وهي مثقلة بواجب طفلها الصغير، الذي يتعين عليها رعايته وتربيته وملازمته، فإن حظوظها في إتقان الواجبين ضئيلة جدا، وهذا ما تؤكده مئات الدراسات والإحصائيات، “وكمثال على ذلك في مِنطقة الرّياض يبلغ العدد الإجماليّ للمعلّمات نحوًا من ( 37.000 ) ـ سبعة وثلاثين ألف معلمة ـ وقد أفادت إدارة تعليم البنات بمنطقة الرياض أنّه يَرِدُها شهريًا ( 33.000 ) ـ ثلاثةٌ وثلاثون ألف ـ تقرير طبي تقريبًا، أي بمعدّل ألف وخمسمائة تقرير طبّي يوميًا، وذلك لطلب إجازة مرضيّة”[16].
      وهناك قاعدة “دفع المفسدة مقدم على جلب المصلحة” والذي يفرض على المرأة المسلمة تقديم رعاية طفلها الوليد، وتجنب عواقب تركه بين أيدي أخريات من الخادمات والمربيات، اللائي لن يستطعن إشباع حاجاته إلى الحب والحنان والاهتمام، إذا راقبن الله في مهمتهن وأخلصن له القصد، فكيف إذا كن يزاولن هذا العمل ببرودة الوظيفة ورتابتها.
      وإن مما يثقل مسؤولية الاختيار أن المفسدة ستضر بفلذة كبد الأم، وسترتد نتائجها عليها عندما ترى نتائج إهمالها لمستلزمات الأمومة بادية في سلوك ولدها، وفاعلة بالسلب في كل أموره، وعلى رأسها علاقته بها المعرضة للفتور والوهن.
      وثمة قاعدة أخرى تنير الطريق أمام المرأة في هذا الصدد والتي تمكن من ترجيح احتمال الضرر القليل على احتمال الضرر الكثير وهي: “إذا اجتمع ضرران ارتكب أخفهما”، فالمرأة الموظفة حين تضع مولودها، تواجه أحد الضررين، أكبرهما التفريط فيما يجب لطفلها من الرعاية المركزة، والمرافقة التامة على مدى خمس سنوات، وتركه عرضة لهجرها والحرمان من الاستئناس بحضنها، حيث لا يمكن التكهن بمدى الأضرار العميقة والآثار الفظيعة التي ستنجم عن هذا الخيار، وأخفهما احتجاب مرتباتها الشهرية طيلة مدة التفرغ لتربية طفلها والقيام بشأنه، فتلك خسارة أولاد وبنات وهذه خسارة دريهمات.
ثالثا: مسؤولية المرأة الموظفة عن التوفيق بين تربية أبنائها وعملها خارج البيت.
      قبل الدخول في تحديد مسؤولية المرأة، عن التوفيق بين تربية أبنائها وعملها خارج البيت، لابد من التقديم لهذا الموضوع بما يضع المرأة أمام مسؤوليتها الكاملة، ويجعلها تراجع نفسها وتقوم أفكارها وتصوراتها الموجهة لاختياراتها في الحياة، والمحددة لمواقفها تجاه ما يكتب ويقال عن أدوار المرأة المعاصرة، وحقوقها ومسؤولياتها والتحديات التي تعترض مسارها.
      فمسؤولية الإنسان عن مواقفه، تنطلق في اتجاه ما يتبلور في ذهنه من توجهات وقناعات، سديدة أو شاذة عن الصواب و الاتزان، وموغلة في الذاتية واتباع الهوى، فقد تجد المرأة مثلا التي رتبت أولوياتها، بحيث وضعت العمل الخارجي في المقام الأول، واعتمدت لتبرير هذا الاختيار جميع الأفكار والمذاهب والحكايات والوقائع،  بل وحتى بعض النكت السمجة أحيانا،  وانتقت من القرآن والسنة -إذا رأت ضرورة ذلك وأهميته- ما يدعم نظرتها،  وأولت ما يتعارض مع تلك النظرة. فتقع في خداع عريض لذاتها، وهي تروم من وراء ذلك إسكات صوت الضمير والفطرة المنبعث من أعماق النفس، وهذا لعمري هو المسلك الذي تندرج فيه مواقف الإنسان تجاه معضلات الحياة، إلا من أكرمه الله بنور الفهم والتجرد للحق، وحفظه من ظلمات الوهم ومكر النفس الأمارة بالسوء.
      فليس إذن كل موقف تتبناه المرأة في هذا الشأن صحيحا، ولا سليما من شوائب الهوى وتقليد ما عليه حال الأغلبية، وأحسب أن المرأة التي تستبرئ لدينها وتحطاط لنفسها، هي التي تضع أمر تربية أولادها وإسعاد زوجها فوق كل اعتبار، وتراعي هذه الأولوية في كل تدبيراتها وترتيباتها، ومحاولات التوفيق بين حق أسرتها وحقها مع نفسها، فلا تميل كل الميل مع نفسها ورغباتها على حساب حق الولد والزوج. قال حسان ابن أبي سنان:” مَا رَأَيْتُ شيئا أهون من الورع دَعْ مَا يَرِيبُكَ إلى ما لا يريبك “[17].
      فما أسهل أن تزل الأقدام عندما يتعلق الأمر بالسعي على الأولاد والتصرف لمصلحتهم،  لأن الإنسان غالبا ما ينفلت منه زمام عاطفته،  فيروم الإحسان لأولاده، فإذا به يسيئ إليهم وهو لا يشعر،  وهذا حال طائفة من النساء، يتشبثن بالعمل خارج البيت حتى يوفرن لأولادهن ما يكفي من المال، ليتموا دراستهم ويتغلبوا على ارتفاع كلفة الحياة،   لكنهن بذلك يفوتن على أبنائهن مكاسب جمة لا تقدر بثمن،  عندما يتركنهم لغيرهن ويلتحقن بالأعمال الخارجية. قال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ  وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ”[18]
      فالمرأة العاملة بأجر، واقعة في فتنة مالها وأولادها، ماذا فعلت بكلتا الأمانتين؟ هل وفت أم أخلت؟ وهل أنزلت كل واحدة منهما في مكانها الصحيح، أم أساءت الترتيب والموازنة؟ وهل آثرت الأجر العظيم عند الله، على الأجر الزهيد الذي تتقاضاه عن عملها الثاني، فتفرغت لأداء حقوق أولادها، طالما هم في أمس الحاجة لقربها وحدبها ورعايتها؟ هذه أسئلة وأمثالها تواجه المرأة المسلمة، التي تستشعر هول الأمانة وثقل المسؤولية.
      فمشكلة التوفيق بين المهمتين يجب أن تحسم عند اختيار العمل، وقبل الاندماج في سلك الوظيفة، وذلك بمراعاة ثلة من المواصفات في العمل المراد مزاولته يمكن ذكر من بينها:
ــ موافقته لطبيعة المرأة وسده لحاجة ملحة في المجتمع، فالعمل نشاط فكري وعضلي إذا لم يصادف ميلا تلقائيا في النفس صار عبئا على صاحبه، وأدخل في حياته الكآبة والقلق، واستعصى عليه اتقانه والتفاني في القيام به. ولا نعدو الصواب إذا أرجعنا كثيرا من معاناة النساء في عملهن إلى سوء الاختيار، وأن تلك المعاناة تنقل المرأة عدواها إلى زوجها وأولادها، عندما تصل إلى بيتها متعبة ومنهكة القوى، فترتفع قابليتها للغضب، ويعيل صبرها على متطلبات عمل البيت، من انشراح النفس، وسعة الصدر، وطلاقة الوجه، والقدرة على ضبط المشاعر والمزاج.
ــ أن تكون ساعات العمل اليومية في حدود أربع ساعات خارج البيت، وساعات أخرى داخله كما هو الحال في مهنة التعليم والمحاماة، حتى لا يطول غيابها عن أولادها وزوجها، مع تجنب العمل الليلي إلا ما ندر. كما أن الأعمال الحرة قد تكون هي الأنسب للمرأة، بحيث ينحصر دورها في الإشراف العام الذي لا يستدعي الحضور المستمر، ويمكن توجيه التعليمات عبر الهاتف وغيره، واعتماد مبدأ التفويض بتوسع كلما دعت الضرورة لذلك.
ــ الاستفادة من كل الإمكانيات التي يتيحها قانون الشغل للمرأة، للتفرغ لرعاية صغيرها وإغداق حبها وعطفها عليه، واللذين لا يعد لهما في القوة والعفوية والصدق شيء، في مجال العلاقات الإنسانية.
      وهكذا نجد بقانون الوظيفة العمومية، مواد قانونية تؤطر عمل المرأة، وتحفظ حقوقها كموظفة وكأم، “من ذلك قانون 94-20 المغير والمتمم لظهير 24 شباط – فبراير – 1958 في شأن النظام الأساسي للوظيفة العمومية، الذي يجعل من عطلة الأمومة 12 أسبوعا مدفوعة الأجر، ويسمح للمرأة الموظفة في حالة ما إذا قررت التفرغ لتربية طفل يقل عمره عن 5 سنوات، بالحق في التوقف سنتين قابلة للتجديد مع استمرار التمتع بالتعويضات العائلية”[19].
خلاصة:
      ما من شك أن المرأة الموظفة، ترزح تحت ثقل مسؤولية عظيمة، وهي تحاول أن تكون فاعلة داخل البيت وخارجه، لكن الذي حرصت على توضيحه فيما تقدم،  هو تبيان مدى استحالة محاولة الجمع بين مسؤوليتين كبيرتين في آن واحد، وهما تربية طفلها خلال الخمس سنوات الأولى من عمره،  والتي يتقرر فيها مستقبله نفسيا وتربويا، والقيام بوظيفتها الخارجية خلال هذه الفترة التي تكون فيها أما لطفل دون الخامسة، حيث تكون قليلة التركيز مشوشة البال مضطربة المزاج، نتيجة بعدها عن فلذة كبدها وخوفها عليه، مما سيلاقيه من وحشة وضيق بفقدانها، الأمر الذي يجعل قيامها بالوظيفة في ظل هذه الظروف موقعا لها في الإخلال الجزئي أو الكامل بالمهمة الموكولة إليها.
والذي أرجوه هو أن يزداد وعي المجتمع بمعاناة أطفالنا رجال المستقبل، ومكابدات الأمهات الموظفات ومحنهن، حتى توضع جميع التسهيلات الإدارية، وتصاغ القوانين المناسبة، لينعم الجميع بسلامة الضمير ورضى النفس.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] – الإسراء ( 23-24)
[2] – الشعراء  18.
[3] – البخاري من رواية أبي هريرة
[4] – الترمذي وأحمد وغيرهما وضعفه الألباني.
[5] – البخاري ومسلم
[6] البخاري
[7] – القصص:23و24
[8] – البقرة 233
[9] – القصص  7.
[10] – القصص  (10-13)
[11] – النمو الروحي والخلقي – د عبد الرحمن عيسوي  دار النهضة العربية – بيروت ، 1992 ص 179-180
[12] – البقرة  233.
[13] – المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان – منشورات الوزارة المكلفة بحقوق الإنسان  ط 1 ، 1998
[14] – مروة محمد إبراهيم – مقال:( نساء الغرب يصرخن أنقذونا من العبودية) موقع أقلام  www.aklaam.net
[15] – رواه مسلم
[16] – خالد الشايع – مقال (عمل المراة خارج بيتها) موقع  www.islamtoday.com
[17] – رواه البخاري
[18] – الأنفال 27-28.
[19] – المرأة المغربية والشغل: جرد وآفاق ـ  رشيد حسن –  مجلة النور اللندنية رقم  151.        

Print Friendly, PDF & Email

‫4 تعليقات

  1. خروج المرأة للعمل في وقتنا الحالي أضحى ظاهرة طبيعية في مجتمعنا سواءا لحاجة مادية ملحة أو لمجرد ضمان المرأة استقلاليتها عن الرجل في حالة وقوع الطلاق، أو استغنائها عن المعيل تماما في حالة بقائها عازبة. و بالتالي فعندما تصبح أما و هي تعمل خارج البيت فإنها تخضع أمومتها لجدول وظيفتها الزمني، كأن تترك الطفل لمربية في المنزل أو عند الأقرباء من جدة أو خالة ، و إن لم تجد فالحل يكمن في ترك الطفل في دور الحضانة حتى عودتها من العمل. و تصبح الرضاعة الطبيعية التي هي حاجة نفسية للأم و الرضيع معا أمرا يمكن الإستغناء عنه و تعويضه بالرضاعة الإصطناعية. كما أن الأم العاملة تعتبر أن حاجات الطفل الأساسية تنحصر في الملبس و المأكل و النزهات فقط إلا أن يصل سن التمدرس. و مع توفر المرافق الترفيهية و الأنشطة خارج المدرسة فإن الأم تسعى لملء الفراغ التربوي و النفسي الذي يسببه غيابها المستمر بهذه الأنشطة ظنا منها أنها تحسن صنعا بدل أن يتركوا في المنزل مع المساعدة و أمام شاشات التلفاز. و بالتالي فإن الطفل ينشأ بعيدا عن التبادل العاطفي و الوجداني مع الأم في معظم مراحل الطفولة و المراهقة، و تربيه المدرسة و الأصدقاء و الأنشطة الموازية إن توفرت. و بالتالي يضعف الارتباط بالأسرة عموما و يقوى الإرتباط بخارج المنزل و بكل مايوفره من علاقات و أنشطة. و في أعتقادي أن هذه المؤشرات تزيد من الإحساس بالأثرة الذي تحدث عنه الكاتب و تعزز الفرادنية و بالتالي تهدد الترابط المجتمعي.

  2. حقا إن دور المرأة الرئيسي هو تربية الإنسان والذي من خلاله ستساهم في بناء وتنمية المجتمع بشكل إيجابي .. وهناك قاعدة هامة تنطبق على كل مكلّف رجل أو امرأة وهي أنه هناك واجبات ومسؤوليات يتحملها كل واحد وسيسأل عنها أمام الله وهناك مستحبات ونوافل من شتى الأعمال لا يمكن للعاقل الدخول فيها إلا إذا اطمأن إلى أنها لن تكون على حساب ما كلف به.

  3. بارك الله فيك أستاذي على هذا المقال المنير وتناولك لهذا الموضوع المهم الذي يتناول التغيير الطارئ على المجتمع حاليا والذي لا يبشر بالخير والله المستعان

اترك رداً على أسماء إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى