مسؤولية الإنسان في منظور القرآن

الباحث الأستاذ هشام الحداد

العقد الأول أساس المسؤولية
       يستفاد هذا الوصف من أبرز موقف مر به الإنسان في بداية وجوده، يتعلق الأمر بـ “العقد الأول” الذي يعتبر الإنسان طرفا فيه، بينما الطرف الآخر يمثله خالقه، وهو سبحانه نفسه من تكفل بحكي لحظة إبرام العهد الأول شاهدا على أنه تمّ مع كل البشر من ذرية آدم، وهو أصدق الشاهدين لا شك؛ ﴿‌قُلْ ‌أَيُّ ‌شَيْءٍ ‌أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ﴾ [الأنعام: 19].
      نصُّ “العقد الأول” وقد ورد في سورة الأعراف في قوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ ‌مِنْ ‌ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ﴾ [الأعراف: 172]، وفيه صيغة السؤال الإشهادي الدال على أن الإنسان بدأ مشواره مسؤولا عن تجربته، وعلى الأساس نفسه تقوّم هذه التجربة في آخر المطاف؛ ﴿فَوَرَبِّكَ ‌لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الحجر: 92-93]. وقد اختار التعبير القرآني في نص «العقد الأول» صفة الرّبوبية لله تعالى، لما يدل عليه لفظ “الرب” من ضربين من المعاني؛ الأول: الملك والسيادة، والثاني: الإصلاح والتربية. فالسيادة تبرر أساس إقامة العقد، لأن الإنسان يوجد في ملك غيره، بينما الإصلاح يسمّي مضمون العقد ويفسر مقصده، فيصير مقتضى العقد هو الالتزام أمام السيد المالك بالصلاح والإصلاح.
      إبرام العقد كما تقول الآية، لم يكن أمرا؛ بل كان سؤالا وجوابا، وفي ذلك دليل على وعي الإنسان بدلالة السؤال، من خلال الجواب الدال على الإقرار بالإبداع الإصلاحي للرب سبحانه، الذي يريد من المخلوق المكرم أن يخوض تجربة الصلاح والإصلاح ومقاومة الفساد والإفساد ويتحمل مسؤوليته فيها في ظل نظام الخلق؛ ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ ‌بَعْدَ ‌إِصْلَاحِهَا﴾ [الأعراف: 56].
      وكما هي العادة في العقود، فإنها تتأسس على شرطين رئيسين، هما: الرّضا والحرية. وإذا كان الرضا واضحا في عبارة الإيجاب والقبول التي تضمنها العقد؛ «أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ قَالُوا بَلَى»، فهل من شك في شرط الحرية والإرادة؟
      تشرح لنا آيات الاستخلاف أن آدم تم تكريمه بالقدرة على إنتاج المفاهيم؛ ﴿‌وَعَلَّمَ ‌آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا﴾ [البقرة: 31]، لكنها في الوقت ذاته تخبرنا أن جانبا غامضا في الشخصية الآدمية له تأثير على عملية بناء المفاهيم وتبنيها سلوكيا، أي الجانب المتعلق بإرادته الحرة، التي تبرز أن مسؤولية الإنسان كاملة في العقد. ولكي يعي ذلك، سيُختبر آدم بأول تشريع قانوني؛ ﴿‌وَلَا ‌تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: 35]، وهو القانون الذي ينبهه على أن الحرية التي يتمتع بها، لا ينبغي أن تخرج عن منطق النظام الوجودي. بمعنى أنها حرية مسؤولة إزاء الامتناع عن كل ما يمكن أن يخل بالنظام، سواء النظام الفطري؛ ﴿فِطْرَتَ اللَّهِ ‌الَّتِي ‌فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾ [الروم: 30]، أو النظام الكوني؛ ﴿وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ ‌الْمِيزَانَ﴾ [الرحمن: 7]. فالله سبحانه أقام ميزان النظام على أساس الامتناع عن خيارات أخرى يمكن أن تفقده سيرورته واقعا ومعنى، وهو ما يقوم دليلا عليه تكرار عبارات “لو شاء الله”  أو “لو شاء ربك” أو “إن يشأ” المتعلقات بالفعل الإلهي في عدة مناسبات، للتنبيه على أن الله أراد هذا النظام بطريقة ما رغم قدرته على أن يجعله في صور أخرى، أي إن اختيار صورة للنظام يوجب ترك خيارات أخرى، وهو ما التزم رب العزة بالقيام عليه بما يصلحه، لأن النظام هو سر العقد وأساسه، وإلا انتفى معناه أصلا؛ ﴿‌إِنْ ‌نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ﴾ [سبأ: 9]. وبهذا النظام الذي أراده مالك الخلق، يستطيع الإنسان أن يستمر في إنتاج المفاهيم واكتشاف النفس والآفاق بحرية تكريما له عن المقهورات الكونية الأخرى، كشأن السماء والأرض؛ ﴿فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا ‌طَوْعًا ‌أَوْ ‌كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾ [فصلت: 11]، وهي الحرية التي تقتضي رفع الجبر عن الإرادة الإنسانية كي تليق بمقام المسؤولية؛ ﴿‌وَلَوْ ‌شَاءَ ‌رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ [يونس: 99].
      لكن الذي ظهر مع التجربة الآدمية الأولى، أن استيعاب مفهوم كالحرية في ظل نظام الميزان الوجودي لم يكن أمرا بسيطا يمكن إدراكه بالأسماء والمفاهيم، بل سيتضح مما صدر من آدم من مخالفة للتشريع الأول؛ ﴿‌فَأَكَلَا مِنْهَا﴾ [طه: 121]، أنه سيكتشف أن الوعي بالحرية كمفهوم أخلاقي يحتاج إلى شيء آخر يساعده على التجلي الإيجابي في الممارسة، وكانت بداية الاكتشاف حدوث تغير مفاجئ يدل على حدوث شيء أخل بالنظام؛ ﴿فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى﴾ [طه: 121].
المسؤولية معرفة وإرادة
      ما الذي حدث لكي يقع آدم في المخالفة؟ هذا بالضبط ما تشرحه لنا آية النسيان وانتفاء العزم؛ ﴿‌وَلَقَدْ ‌عَهِدْنَا ‌إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا﴾ [طه: 115]، وهي الآية التي توضح لنا أن علاقة ما ثاوية بين المعرفة والإرادة، وأن حصول الغفلة المعرفية عن بنود العقد إنما تحصل بسبب وهن يصيب الإرادة المسؤولة بسبب انتفاء العزم، أي احتجاب المعاني الفطرية الإيجابية بسبب الفتور الإرادي عن تذكر مقتضيات العقد الأول، ما يؤدي إلى انحراف القدرة عن الممارسة المسؤولة، أي المتذكرة لسؤال العقد الإصلاحي الأول.
      لم يعتبر القرآن نسيان آدم سهوا، إذ لو كان كذلك لما عوتب، بل اعتبره سلوكا اختياريا يميز شخصية الإنسان المستقلة، إذ على أساسه يحصل الابتلاء والاختبار، ولذلك حوسب عليه بالنزول في المرتبة. وهذا التغيير الابتلائي الذي حصل، وانتقال آدم من اختبار السكن في الجنة بشروط، إلى اختبار إعمار الأرض بشروط، لم يخرج عن البعد الإصلاحي للعقد الأول في المكانيْن معا، لأن الرب سبحانه بكونه السيّد المصلح لا يمكنه أن يعقد عقدا لا يدخل تحت مسؤولية الإصلاح التي يلتزم بها هو رغم علوّ إرادته؛ ﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا ‌وَلَئِنْ ‌زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾ [فاطر: 41].
      كما أن هذا التغير الابتلائي بين الدارين أظهر لنا أن الإخلال يؤدي إلى القهقرى في نيل الرضا الإلهي، مع فرق بين الذي يعيد ربط الإرادة بمقصدها الإصلاحي ويعلن تحمل مسؤوليته كما فعل آدم وزوجه؛ ﴿قَالَا ‌رَبَّنَا ‌ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [الأعراف: 23]، واعترافه بالحاجة إلى الاستمداد من المرجع الأسمى، وبين الذي يفصل المفاهيم عن النظام الفطري والكوني ويصر على خرق العهد، فهذا سينزل القهقرى ويهبط هبوطا أشد وأنكى، كالهبوط التراجيدي الذي صوره لنا القرآن بخصوص قارون المغرور؛ ﴿‌فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ﴾ [القصص: 81]، لرفضه الجمع بين المفاهيم التي ينتجها ذاتيا والمفاهيم المرجعية المقوّمة (بالكسر)، معلنا استغناءه التام؛ ﴿قَالَ إِنَّمَا ‌أُوتِيتُهُ ‌عَلَى ‌عِلْمٍ عِنْدِي﴾ [القصص: 78]. وهذا الحساب الصارم الذي يصوره لنا القرآن الكريم، نستوعبه جيدا عندما نعلم أن رحمة الله قضت بفتح باب تجديد العهد لكل من عزم على وصل معرفته بالمرجع الأسمى؛ ﴿قُلْ يَاعِبَادِيَ ‌الَّذِينَ ‌أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر: 53]، وعلى هذا الأساس تعظم مسؤولية الإنسان إزاء الخالق الرحيم، الذي جعل العودة إلى العهد الأول غير مشروطة بشيء سوى شرط واحد يستحيل معه تصوّر النظام، وهو الاعتراف به سبحانه الطرف الآخر الوحيد في العقد؛ ﴿إِنَّ اللَّهَ ‌لَا ‌يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء: 48].
      باح آدم بمسؤوليته عن خطئه بالندم والشعور بالذنب إزاء الطرف الذي تعاهد معه، لكنّ المفاهيم التي أُلهم القدرة على إنتاجها لم تسعفه لكي يعبر عن حالة النسيان وانتفاء العزم التي وقع فيها، لأنه لم يع أن هذه الأسماء التي ينتجها لا تخرجه عن الحاجة إلى المرجعية الخالقة المدبرة، إذ لو كانت كافية لما استزاد الإنسان من الكشف، بل كيف للكشف المعرفي أن يحصل بالاستغناء عن أسدّ المراجع وأقومها؟ مع أن الحقيقة الأسمى مرجعيا هي الله، وبالتالي فالتعرف إليها ينبغي أن يبقى ملازما للإنسان، وإلا يكون قد استبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، وهذا لا يستقيم في منهج المعرفة.
      هذه هي نقطة الضعف في الشخصية الإنسانية إذن، أي تلك الإرادة الحرة المحتمل ميولها إلى الاستغناء عن المرجع الأسمى، ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ ‌لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى﴾ [العلق: 6-7]، وهو المدخل الذي تسلل منه إبليس ليقنع آدم ولو لوهلة بإمكانية المشاركة في الملك والسيادة الخالدَين؛ ﴿َهل أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ ‌وَمُلْكٍ ‌لَا يَبْلَى﴾ [طه: 120]، فكانت النتيجة أن نزل الفكر الآدمي من تجربة التعرف على نظام الله، إلى تجربة خرق النظام المرجعي المتجلي فطريا وكونيا.
      تجربة الإخلال هذه، كانت لها نتائج، أهمها تغيير مكان الابتلاء من الجنة إلى الأرض، وظهور الحاجة الإنسانية إلى “الكلمات”، أي شيء آخر غير الأسماء التي تعلمها آدم، يذكّر بمنهج صيانة العهد الأول ويصحح مسار العودة إلى الالتزام به؛ ﴿‌فَتَلَقَّى ‌آدَمُ ‌مِنْ ‌رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: 37].
المسؤولية واليقظة المنهجية
      لقد كانت تجربة آدم في الجنة تجربة حرة ابتلائية، بمعنى أنه لم يكن في الجنة الأخروية التي يعصم ساكنوها من الخطأ، وأظهرت تلك التجربة أنه يستحيل الاستغناء عن المرجع المعرفي الأول، وأن حصول الاستغناء يُخرج عن قصد الصلاح والإصلاح، فيؤدي ذلك إلى النزول في المرتبة؛ ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي ‌أَحْسَنِ ‌تَقْوِيمٍ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ [التين: 4-6]. والنزول في المرتبة اقتضى تغييرا في آلية التواصل بين الربّ والإنسان، من الاتصال المباشر إلى الاتصال بواسطة؛ ﴿قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى ‌فَمَنْ ‌تَبِعَ ‌هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [البقرة: 38]، وهو ما التزم به الخالق بعد واقعة النزول إلى الأرض، إذ أرسل الرسل تترى؛ ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ ‌مِنْهُمْ ‌مَنْ ‌قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ﴾ [غافر: 78].
      والقرآن الكريم باعتباره الوحدة الخاتمة لسلسلة الهدايات الربانية التي وعد الله بها آدم، يبرز لنا من خلال حَكْيِّه التاريخي لعاقبة الأمم السالفة أن الحرية مرتبطة بالمحاسبة، وأنه لا داعي للتعلق بجبرية متوهمة تذكيها الرغبة في الاستغناء عن المرجع الأسمى والتنصل من المسؤولية؛ ﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا ‌لَوْ ‌شَاءَ ‌اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ﴾ [الأنعام: 148].
       وهنا يتجلى القرآن الكريم قائما بواجب بيان علاقة الآدمي بالعهد الأول. إذ لمّا كان احتجاب المعاني الفطرية الإيجابية، لا يحصل تلقائيا، بل بسبب حالة خاصة من النسيان المرتبط بوهن وضعف يصيب الإرادة، فإن القرآن -كجامع للهدايات المنزلة- يبيّن أن وظيفتها تجاه العهد الأول تتلخص في مقصدين مترابطين:
     الأول: التذكير المعالج للنسيان، ﴿‌وَلَقَدْ ‌وَصَّلْنَا ‌لَهُمُ ‌الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ [القصص: 51]، من خلال تثوير المعاني التي توسع الإطار المرجعي للمفاهيم الهادية إلى صون العهد الأول.
      الثاني: إنهاض الإرادة الإنسانية ببيان مسؤولية الإنسان عن أعماله، وهو ما يفسر كثافة خطاب الوعد والوعيد في المتن القرآني وربطه العمل الإنساني بالمحاسبة الدقيقة؛ ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ‌وَمَنْ ‌يَعْمَلْ ‌مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ [الزلزلة: 7-8]، إذن، لحفظ العهد الأول والتذكير بمسؤولية الإنسان تجاهه، نزل القرآن الكريم منبها على أهمية المداومة على تقويم المعرفة والإرادة معا لتحصيل المفاهيم الهادية المسددة للفكر والسلوك، كما تدل على ذلك الآية الكريمة: ﴿إنّ هَذَا ‌الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ [الإسراء: 9]، وفيها تأكيد على المقصد التقويمي للقرآن الكريم، وما يتطلبه ذلك من تحلّ باليقظة المنهجية التي تجنب الإنسان كل ما من شأنه أن يصده عن مقتضيات الصلاح والإصلاح. وبذلك تتغير نظرتنا إلى القرآن الكريم كمرجع يعلي مقام الإنسان بين كل الخلائق، بجعله كائنا مكرما بالمسؤولية، وبالتالي فأي محاولة لتحريف القرآن الكريم عن دوره المنهجي ذاك، تكون مخالفة في واقع الأمر للغاية التي نزل لأجلها الكتاب المبين، ألا وهي تنبيه الإنسان على أنه كائن مسؤول.

Print Friendly, PDF & Email

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى