الباحث يونس العزوزي
أطروحة دكتوراه من إعداد الباحث يونس العزوزي، تحت إشراف الدكتور خالد الصمدي، وضمت لجنة المناقشة الدكتور مصطفى الغاشي رئيسا، والدكتور توفيق الغلبزوري عضوا، والدكتور مصطفى الزباخ عضوا، وتمت المناقشة يوم الخميس 5 ذو الحجة 1442 هـ، الموافق 15 يوليوز 2021 بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان.
ملخص الأطروحة:
عرف العالم الإسلامي على مدى قرنين من الزمان عدة مشاريع لإصلاح التعليم الإسلامي بالجامعات الإسلامية العريقة، بكل من القرويين والزيتونة والأزهر وغيرها، سواء منها التي قادتها السلطات الحاكمة من سلاطين وحكام، أو التي قادها رواد ومصلحون تربويون ترجمت فكرهم ورؤيتهم لتحقيق الإصلاح المنشود، همت مختلف المجالات انطلاقا من الهياكل الإدارية، والتربوية، والبيداغوجية، ومناهج التدريس، وتكوين وتخريج العلماء، المتخصصين في مجموعة من فروع المعرفة الإسلامية.
وقد تابع الدراسة والتكوين في هذه المؤسسات مجموعة من الطلبة والباحثين والعلماء من مختلف دول العالم، ومن دول جنوب شرق أوربا، وتخرجوا من هذه الجامعات حاملين شواهد دراسية عليا، ومستفيدين من تكوين علمي متكامل في شتى صنوف المعرفة الإسلامية، وعادوا إلى بلدانهم لإتمام حياتهم العملية والعلمية.
ومما لا شك فيه أن تكوين هؤلاء الخريجين في هذه الجامعات مكنهم من امتلاك مجموعة من الخبرات والتجارب المرتبطة بطبيعة تخصصهم من جهة، وبمدى امتلاكهم لمناهج وكفايات إرساء وتطوير وإصلاح التعليم الديني والعلوم الإسلامية بهذه الجامعات من جهة أخرى، والتي سيعملون على تنزيلها في بلدانهم، كل من موقع مهمته ومسؤوليته وتخصصه، بهدف تطوير هذا الصنف من التعليم وتحسين جودته والارتقاء بمخرجاته، سواء في ميدان التدريس أو الإمامة والخطابة أو الوعظ والإرشاد أو الإفتاء أو التأليف والترجمة أوغيرها من المجالات.
وجاءت هذه الدراسة لتسلط الضوء على إسهام هذه المراكز في تطوير التعليم الديني والعلوم الإسلامية بالبوسنة والهرسك، انطلاقا من اقتفاء أثر خريجيها من أبناء هذا البلد، وانخراطهم في الإرساء الحقيقي لنظام تعليمي ديني وتطويره ببلادهم، يستند على ما راكموه من خبرة وتجربة خلال سنوات دراساتهم العليا بهذه المراكز الإسلامية، ويستلهم روحه وقوته من واقع التعليم الديني بالبوسنة والهرسك المتقلب، ومن تفانيهم في رسم معالم هذا التطوير بمنطلقات دينية وقومية وتربوية، ومن حرصهم على احترام خصوصياتهم بروافدها المتعددة.
إن أهمية هذه الدراسة وراهنيتها تتجلى أساسا في إبراز إسهام الجامعات الإسلامية العريقة في تطوير التعليم الديني والعلوم الإسلامية والارتقاء بها، وإشاعتها والإسهام بها في بناء حضارة الشعوب عبر العالم، ومنها شعوب دول جنوب شرق أوربا، بما يؤسس لإعادة الاعتبار لهذه الصروح العلمية الرائدة، وفي التعريف بالنظام التعليمي الإسلامي بدولة البوسنة والهرسك، والذي يبقى مجهولا لدى مسلمي الغرب الإسلامي على الأقل، وإخراجه من جزره المعزولة في صورة تيسر متابعته والاطلاع عليه والاستفادة منه، ثم تحسيس وتوعية الأجيال الصاعدة في العالم الإسلامي وبدول جنوب شرق أوربا خصوصا بغنى الموروث الثقافي والحضاري الإسلامي لمراكز التعليم في العالم الإسلامي، انطلاقا من إسهامات خريجيها المنتمين لهذه البلاد من طلبة وأساتذة وباحثين في إرساء وإصلاح وتطوير التعليم الديني والعلوم الإسلامية بها، والإسهام من خلاله في بناء وتطوير الحضارة الإسلامية والإنسانية والاعتزاز بها انطلاقا من هذا الإقليم، وفي التعريف بعلماء وشيوخ وأساتذة ومؤسسات التعليم الديني بدولة البوسنة والهرسك، ويإسهاماتهم العلمية في إرساء النموذج الحالي للتعليم الديني.
كما تظهر أهميتها كذاك في إمكانية استفادة مختلف القائمين على التعليم الديني والعلوم الإسلامية بدولتي المغرب والبوسنة والهرسك، من خلال كشفها لأهم المشكلات التي يعاني منها هذا الصنف من التعليم ومن العلوم الإسلامية، والتعريف بها لدى بعض المؤسسات والهيئات والمنظمات الخيرية أو الوقفية في مختلف البلاد الإسلامية، لتشجيعها على الاهتمام والاستثمار المالي والعلمي في سبيل تطويرها، وكدا الباحثون في مجال التربية والدراسات الإسلامية بالمغرب والبوسنة وغيرهما، بفتح آفاق ومجالات واسعة للبحث وإجراء الدراسات العلمية المشابهة أو المكملة أو الناقدة أو غيرها.
وقد تمحورت إشكالية هذه الرسالة حول سؤال محوري هو: إلى أي حد أسهمت الجامعات الإسلامية العريقة (القرويين والزيتونة والأزهر…)في إرساء وتطوير نموذج التعليم الديني والعلوم الإسلامية بالبوسنة والهرسك؟
تفرعت عنه بعض الأسئلة الفرعية وهي: – ما هو واقع التعليم الديني بدولة البوسنة والهرسك؟ وما هي الجامعات الإسلامية التي أثرت في التعليم الديني والعلوم الإسلامية بدول جنوب شرق أوروبا؟ وكيف ساهم خريجو الجامعات الإسلامية من أبناء البوسنة والهرسك في إرساء وتطوير التعليم الديني والعلوم الإسلامية بالمنطقة؟ ووما هي أوجه ومجالات وآفاق هذا التأثير؟
وللإجابة عن هذه الأسئلة افترضت الدراسة بعض الفرضيات للانطلاق منها هي:
– مراكز التعليم في العالم الإسلامي بمشاريعها الجادة والرائدة أسهمت إلى حد كبير في إرساء وتطوير التعليم الديني والعلوم الإسلامية بالبوسنة والهرسك.
– وجود تعليم ديني جيد بإشراف المشيخة الإسلامية بالبوسنة والهرسك، رغم معاناته من عرقلة السلطات الحاكمة وتراكمات الماضي.
– تأثر التعليم الديني والعلوم الإسلامية بدول جنوب شرق أوربا عموما وبالبوسنة والهرسك خصوصا بمخرجات المشاريع الإصلاحية الكبرى للجامعات الإسلامية العريقة.
– فرص التأثير والتأثر بين الجامعات الإسلامية ومؤسسات التعليم الديني بالبوسنة والهرسك واعدة وتتطلب جهودا ومبادرات جادة.
وقد ركزت هذه الدراسة على تحقيق مجموعة من الأهداف تتلخص فيما يلي:
– التعريف بأهم الجامعات الإسلامية العريقة، التي أسهمت ولا زالت في تكوين طلبة وأساتذة وشيوخ منطقة البلقان في العلوم الإسلامية.
– إبراز إسهمامها في تطوير التعليم الديني والعلوم الإسلامية، ونقلها وإشاعتها عبر العالم وخاصة بدولة البوسنة والهرسك.
– بعث روح الثقة في هذه الجامعات لدى الأجيال الصاعدة، كمؤسسات تعليمية ساهمت وأثرت في إصلاح وتطوير التعليم الديني بدول جنوب شرق أوربا وفي الحضارة الأوربية عموما.
– التعريف بأبرز أساتذة وعلماء وشيوخ المنطقة من خريجي الجامعات الإسلامية وبإنتاجاتهم العلمية وإسهاماتهم المهنية.
– الوقوف على أشكال وصيغ تأثيرهم في تطوير التعليم الديني والعلوم الإسلامية، انطلاقا من المهام التي يمارسونها.
– تحديد مجالات وأشكال التأثير والتأثر بين الجامعات الإسلامية المذكورة والتعليم الديني بهذه المنطقة.
– استشراف المستقبل من خلال تحديد ودراسة آفاق الارتباط بين الجامعات الإسلامية العريقة وبلدان جنوب شرق أوربا انطلاقا من دولة البوسنة والهرسك، بما يضمن بناء الشخصية المسلمة وإسهامها في الحضارة الإنسانية، وتمثيل النموذج الصحيح للإسلام أمام أوروبا.
أما مناهج البحث العلمي المعتمدة في إنجاز هذه الدراسة، فتنوعت بتنوع فصوله ومباحثه ومطالبه، وجمعت بين المنهج التاريخي التوثيقي، والمنهج الوصفي التحليلي، والمنهج المقارن، والمنهج الاستقرائي.
أما عن مجال هذه الدراسة فهي تجمع بين مجموعة من الخلفيات الفكرية، والمجالات العلمية، فهي دراسة تاريخية باعتبار معالجته لمعطيات تاريخية محضة، خاصة منها المرتبطة بتاريخ الأفكار وتطورها وانتقالها وتأثيرها في مجتمعات من خارج البيئة التي نشأت فيها، وهي دراسة تندرج في مجال الحضارة الإنسانية، كونها تسهم في بيان أوجه العلاقة والارتباط بين عدة مناطق وبلدان من العالم الإسلامي، وهي دراسة تربوية خالصة، لإشارتها إلى أنظمة تعليمية إسلامية متمثلة في مؤسسات ومراكز التعليم في العالم الإسلامي من جهة، ولتركيزها على نظام التعليم الديني بدولة البوسنة والهرسك، من حيث مؤسساته وأعلامه الفاعلون فيه ومناهجه وتحدياته وآفاقه من جهة أخرى، وبالتالي يمكن القول إن الدراسة تجمع بين الأبعاد التاريخية والحضارية والتربوية، وتتقاطع فيها مجموعة من المباحث العلمية.
وقد تنوعت أدوات البحث لإنجاز هذا العمل بين المقابلات الشفوية نصف موجهة، والوثائق والمخطوطات، والمصادر والمراجع، بالإضافة إلى الزيارة الميدانية لمنطقة البحث والمؤسسات المختصة بدولة البوسنة والهرسك، والتي جرت خلال شهر أبريل من العام 2019م.
أما الصعوبات التي واجهتها الدراسة فتجلت أساسا في افتقار المكتبة العربية إلى الكتب، والمصنفات، والتآليف، والأبحاث، والدراسات، والمقالات المرتبطة بهذه المنطقة، بالإضافة إلى ندرة الدراسات الأكاديمية السابقة، والمرتبطة بموضوع البحث، وبعد المنطقة جغرافيا، وإشكالات ترجمة نسبة مهمة من المادة العلمية المحصلة من اللغات المحلية (البوسنية والألبانية والصربوكرواتية) إلى اللغة العربية، ناهيك عن تشتت معظم خريجي هذه الجامعات في مقرات عملهم بعدة مناطق من العالم، وما يطرحه الأمر من صعوبة الوصول إليهم والتواصل معهم، وصعوبة اللغات المعتمدة في مكتبات البوسنة والهرسك، وغيرها من الصعوبات التي ذللناها بمجموعة من الإجراءات أبرزها: الاستعانة بالله عز وجل، والتوكل عليه، ثم الصبر والبحث، والتنقيب والاعتكاف العلمي، ثم مساعدة الأستاذ المشرف على الأطروحة، ثم زملائي الطلبة من جامعة عبد المالك السعدي، وبالرحلة في طلب العلم للحصول على المصادر والمراجع القريبة من موضوعي ما بين مخطوطة ومطبوعة، ولقاء العلماء المختصين للسؤال وتلقيح الأفكار، وخاصة بدولة البوسنة والهرسك، دون إغفال المساعدة المشكورة والمحترمة لأساتذة كلية الدراسات الإسلامية بسراييفو وزينيتسا وبيهاتش، الذين ذللوا لي العديد من العقبات العلمية أثناء مقامي بالبوسنة والهرسك وبعد رحيلي عنها، سواء تعلق الأمر بتوفير مراجع أو كتب، أو بترتيب وتسهيل عمليات التواصل مع مجموعة من الأساتذة والمهتمين، أو بترجمة العديد من النصوص من اللغة البوسنية إلى اللغة العربية، أو مراجعة وتصحيح وتتبع الفصول المنجزة أولا بأول، أو غيرها من أشكال العناية والاهتمام.
وقبل تقديم الخطة النهائية لهذه الدراسة نرى أنه من المفيد جدا الإشارة ولو بإيجاز إلى مسار إنجازها من البداية إلى النهاية، فمن رحم مجموعة من الأفكار، خرجت فكرة البحث في علاقة مراكز التعليم في العالم الإسلامي بالتعليم الديني والعلوم الإسلامية بالبلقان عموما وبالبوسنة والهرسك خصوصا، وبعد تخمر الفكرة ونضجها انطلقنا في البحث فيها بتوجيه من السيد المشرف، وبعد مواجهتنا لشح المعلومات والمصادر والمراجع المرتبطة بالموضوع، كان الحل في التفكير في الرحلة العلمية إلى منطقة البحث، وتم ذلك بتوفيق من الله وعونه، وبمساعدة من السيد المشرف ومن مسؤولي التعليم الديني بالمشيخة الإسلامية بسراييفو، وتم ذلك والحمد لله في شهر أبريل عام 2019م، واستغرقت الرحلة 14 يوما، قابلت فيها مسؤولي المشيخة الإسلامية وعلى رأسهم سماحة رئيس العلماء الدكتور حسين كافازوفيتش، وعدد من رؤساء الأقسام والإدارات بالمشيخة، ثم التقيت وقابلت وحاورت عددا مهما من عمداء ومديري وأساتذة المدارس والمراكز والكليات والمكتبات الإسلامية بسراييفو وزينيتسا وبيهاتش، تجاوزت في مجملها الخمسين لقاء موثقا ومسجلا، تمكنت خلالها من جمع مادة علمية غنية وكافية لكتابة هذه الرسالة، تنوعت بين مطبوعات ومخطوطات ومصادر ومراجع وكتب وأبحاث ومقالات ومقابلات شفوية مسجلة وروابط إلكترونية، كما كانت فرصة للحصول على وسائل الاتصال بهؤلاء الأساتذة والشيوخ كافة، والذين لا زالت صلتنا بهم وطيدة إلى اليوم، من خلال تتبعهم لجل مراحل إنجاز هذا البحث، وتتبعهم وتصحيحهم ومراجعتهم لفصوله ومباحثه، خاصة ما تعلق منها بأسماء الأشخاص والأماكن والبلدان، وبالمعطيات العلمية والإحصائية ذات الطابع البوسني الخاص.
فلا تفوتني الفرصة هنا للتنويه بجميع الأساتذة والباحثين البوسنيين المسهمين في هذا العمل كل واحد باسمه وصفته، لانخراطهم الفعال في إتمام هذا العمل وإخراجه في صيغته الحالية، سواء تعلق الأمر بتوفير مصدر أو مرجع، أو بتقديم مشورة، أو بترجمة مقال أو مادة علمية، أو بمراجعة وتصحيح منتوج، أو توجيه منهجي أو غيره.
وظلت خطة البحث تتطور بتطور وتقدم إنجاز هذا العمل، إلى أن استقرت في صورتها النهائية والكاملة، والتي انتظمت في مقدمة وبابين وخاتمة وفهارس ولائحة للمصادر والمراجع.
أتيت في المقدمة بسياق عام للموضوع وأهميته وأهدافه، ثم دققت إشكاليته الرئيسة وأسئلته الفرعية، وذيلتها بمجموعة من الفرضيات المحتملة، مع الإشارة إلى مناهج البحث المعتمدة، وقوفا عند حدوده الزمانية والمكانية، وأدواته وعينته البحثية، مركزا على مجال البحث وصعوباته وأهم الحلول والإمكانيات المرصودة لتجاوزها، ثم عرضت أهم الدراسات والأبحاث السابقة ذات الصلة بالموضوع، من أطاريح ورسائل جامعية وأبحاث ودراسات وأوراق علمية، وصولا إلى عرض خطته النهائية.
وتكون الباب الأول من خمسة فصول، تضمن كل فصل منها مجموعة من المباحث والمطالب والفقرات، جاء أولها في صيغة فصل تمهيدي، خصصته للتفصيل في أهم المصطلحات والمفاهيم المستعملة، ثم تطرقت في الفصل الأول للتعريف بدولة البوسنة والهرسك جغرافيا وبشريا ودينيا وثقافيا، مع تدقيق النظر في واقع الاهتمام البحثي العربي والإسلامي بدول جنوب شرق أوروبا عموما، ثم خصصت الفصل الثاني لإيراد لمحة تاريخية عن التعليم الديني بدولة البوسنة والهرسك منذ العهد العثماني إلى وقتنا الحاضر، فيما عرضت في الفصل الثالث أهم المؤسسات التعليمية الدينية بهذه البلاد، من كتاتيب قرآنية ومدارس ابتدائية وثانويات إسلامية وكليات للتربية والدراسات الإسلامية، وأتيت في الفصل الرابع بأهم الجهات المتدخلة في التعليم الديني بدولة البوسنة والهرسك، خاصة منها مؤسسة المشيخة الإسلامية، ومؤسسة دار الإفتاء، ومؤسسة دار الأوقاف، ومكتبة الغازي خسروبك، وصولا إلى الفصل الخامس الذي فصلت فيه الحديث عن مختلف الجامعات الإسلامية المسهمة في تطوير التعليم الديني بدولة البوسنة والهرسك، وعن تأثيرها في تطوير الجامعات الأوروبية عموما.
أما الباب الثاني فجاء هو الآخر في أربعة فصول، خصصت فصله السادس للحديث عن أبرز أعلام الإصلاح والتطوير الديني والتعليمي بالبوسنة والهرسك، وخاصة منهم حسن كافي الأقحصاري، وجمال الدين تشاؤوشيفيتش، ومحمد الخانجي، وبسيم كوركوت، وحسين جوزو، وأحمد إسماعيلوفيتش، وأنس كاريتش، من حيث نشأتهم وأنشطتهم العلمية والمهنية والدعوية، وإسهاماتهم في إرساء وتطوير العلوم الإسلامية ونموذج التعليم الديني بدولة البوسنة والهرسك، وتحدثت في الفصل السابع عن إسهامات علماء البوسنة والهرسك في تطوير العلوم الإسلامية بشكل عام، وعن عنايتهم بالقرآن الكريم وعلومه، وبالحديث الشريف وفنونه، وبالسيرة النبوية ومجالاتها، وبالفقه وأصوله، وبالعقيدة واتجاهاتها، دراسة وتأليفا وترجمة ونشرا وتدريسا، ووقفت في الفصل الثامن على التأثير المباشر لخريجي مراكز التعليم في العالم الإسلامي في تطوير التعليم الديني بالبوسنة والهرسك، على مستوى المؤسسات والمراكز التعليمية والدينية والبحثية، وعلى مستوى الممارسات التعليمية والتربوية، وعلى مستوى التأليف العلمي والمدرسي، مشيرا إلى أهم تحديات وآفاق هذا الصنف من التعليم في هذه البلاد، واختتمت الفصل التاسع بالحديث عن جهود المغاربة لمساندة مسلمي دولة البوسنة والهرسك في مختلف المحطات التاريخية الصعبة التي مروا منها، في المجالات الدينية والتعليمية والسياسية وغيرها، وصولا إلى رصد جهود الإيسيسكو لتطوير التعليم الديني بدول البلقان عموما، انطلاقا من استراتيجية الإيسيسكو للعمل الإسلامي في الغرب الموقعة في زاغرب عام 1998م.
وعرضت في الخاتمة لأهم الخلاصات والاستنتاجات المتوصل إليها، وذيلتها بفهرس للمحتويات ولائحة للمصادر والمراجع المعتمدة.
وقد خلصت الدراسة بعد استقراء آراء وأفكار وردود الأساتذة والفاعلين والمسؤولين والباحثين في التعليم الديني والعلوم الإسلامية بدولة البوسنة والهرسك، وتحليلها ومقارنتها وتركيبها من جهة، ثم الوقوف على تفاصيل الوثائق والمصادر والمراجع والمخطوطات وغيرها من المعطيات، ومقارنتها ببعضها وبخلاصات اللقاءات الشفوية المذكورة من جهة أخرى، إلى مجموعة من النتائج نبرز أهمها في النقط التالية:
– محدودية التواصل والتعاون والشراكة في الوقت الحاضر بين جامعتي الزيتونة والأزهر من جهة وكليات الدراسات الإسلامية بالبوسنة والهرسك من جهة أخرى.
– مراكز التعليم الديني في العالم الإسلامي هي خزان للمبادرات والتجارب التربوية الناجحة، التي يمكن استثمارها في إصلاح التعليم الديني بمنطقة جنوب شرق أوروبا عموما وبالبوسنة والهرسك على الخصوص.
– وجود اهتمام بهذه المنطقة لدى مراكز التعليم في الشرق العربي (المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية، قطر، مصر، الكويت…) أكثر من مراكز شمال إفريقيا (القرويين والزيتونة على الخصوص).
– النماذج التعليمية الدينية بالمنطقة متفاوتة، تختلف من حيث تاريخها وأشكالها ومناهجها والفئات المستهدفة منها، ومن حيث بنياتها البشرية والمادية والتحتية.
– محدودية اهتمام المنظمات الإسلامية العالمية بهذه المنطقة، خاصة منها المنظمة العربية للتربية والثاقفة والعلوم الأليسكو، واتحاد الجامعات الإسلامية، والمعهد العالمي للفكر الإسلامي.
– علماء وشيوخ وأساتذة ومسؤولو التعليم الديني بالمنطقة أدوا ولا زالوا يؤدون أدوارا رائدة في مجال إرساء النموذج التعليمي الديني السليم وتطويره من جهة، ويحققون إنجازات رائدة في تقديمه للغرب الأوروبي.
– الممارسات والأساليب التعليمية المرتبطة بالتعليم الديني بدولة البوسنة والهرسك تشكل مثالا ونموذجا يمكن اعتماده وتطويره في باقي بلدان العالم الإسلامي.
– مؤسسات التعليم الديني بدولة البوسنة والهرسك تعاني من عدة مشاكل، منها ما هو مرتبط بمناهجها التعليمية، وأخرى بالتكوين الأساسي للمدرسين والطلاب، على الرغم من فرادة هذا النموذج بمنطقة البلقان.
– تعرف العلوم الإسلامية صحوة كبيرة في منطقة البلقان عموما وفي البوسنة والهرسك خصوصا، وتحظى باهتمام بالغ من طرف العديد من الأساتذة والباحثين والدارسين، خاصة منهم خريجو مراكز التعليم في العالم الإسلامي.
– إسهام علماء البوسنة والهرسك الرائدة في مجال تطوير العلوم الإسلامية والاعتناء بها، وذلك في عدة مجالات من أهمها الترجمة والتأليف، بالإضافة إلى تجويد وتطوير مناهجها وأساليبها.
– العلاقات التي تربط الشعبين المغربي والبوسني هي علاقات ود، واحترام، واعتزاز، واعتراف، تترجمها انطباعات ومواقف عامة الشعب البوسني وخاصته عند تعاملهم مع شخص مسلم مغربي، إلا أنها لا تعكس ألبتة العلاقات الرسمية بين البلدين في مختلف المجالات.
وانطلاقا من النتائج المتوصل إليها اقترحت الدراسة مجموعة من التوصيات كمنتوج علمي، يمكن إجمالها في النقط التالية:
– ضرورة الانتباه إلى هذه المنطقة من قبل الجامعات الإسلامية العريقة، كجزء من العالم الإسلامي.
ـ التركيز على التراث الإسلامي العريق للمنطقة منذ العهد العثماني.
– التعريف بالنماذج والأشكال التعليمية الموجودة بهذه المنطقة لدى مختلف مسلمي العالم.
– عقد ندوات ومؤتمرات دولية يشارك فيها خبراء في التربية منتمون لهذه المنطقة ولمؤسسات التعليم في العالم الإسلامي.
– عقد شراكات علمية وتربوية بين مختلف المراكز التعليمية في العالم الإسلامي من جهة ومنطقة جنوب شرق أوروبا (البوسنةوالهرسك خصوصا) من جهة أخرى.
– اشتغال مراكز التعليم في العالم الإسلامي، وخاصة منها القرويين والزيتونة على تطوير نموذجها التربوي والعلمي، بما يؤهلها للانفتاح على هذه المنطقة والإسهام في الارتقاء بنموذجها المتاح حاليا.
– التفات المنظمات الإسلامية العالمية (الإيسيسكو، الأليسكو، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، اتحاد الجامعات الإسلامية…) إلى هذه المنطقة.
– توقيع اتفاقيات للشراكة والتعاون في مجال الدراسات الجامعية والبحث العلمي بين المغرب ودولة البوسنة والهرسك، بإشراف المشيخة الإسلامية بسراييفو و المؤسسات التعليمية المغربية.
– تفعيل بنود هذه الاتفاقيات على مستوى إرسال واستقبال الخبراء والأساتذة لتنزيل برامج تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، وبناء وتقويم وتطوير مناهج تدريس العلوم الإسلامية وغيرها.
– فتح فرص لاحتضان مؤسسات تعليمية مغربية للطلبة والباحثين من البوسنة والهرسك.
– حث مراكز تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها بالمغرب، وخاصة منها كلية أصول الدين بتطوان، وكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، على الاستجابة؛ لتطلعات وحاجيات الطلبة والباحثين البوسنيين الراغبين في الاستفادة من دوراتها التكوينية.
– اضطلاع كلية الدراسات الإسلامية بسراييفو، وكلية التربية والدراسات الإسلامية في زينيتسا، وكلية التربية الإسلامية في بيهاتش بالأدوار المنوطة بها، كمؤسسات متخصصة في البحث التربوي والعلوم الإسلامية.
– إحداث مركز تربوي بمثابة معهد عالي يضم في أعضائه خبراء وأخصائيين من المغرب والبوسنة والهرسك، ومن مختلف البلاد الإسلامية، بهدف تقويم ومراجعة المناهج التعليمية الدينية بالبوسنة والهرسك وبالمغرب، والوقوف على جودة الخدمات التعليمية بالمؤسسات التعليمية الدينية بهذين البلدين.
– إشراك الباحثين والأساتذة بدولة البوسنة والهرسك في الندوات والمؤتمرات والمناسبات العلمية التي يحتضنها المغرب.
– من المهم جدا إيفاد مدرسي اللغة العربية من مختلف البلاد العربية والإسلامية لتعليم الطلاب البوسنيين اللغة العربية من منبعها الأصلي.
– تخصيص مختلف الجامعات الإسلامية لمنح دراسية سنوية للطلاب البوسنيين، خاصة المتفوقون منهم في العلوم الإسلامية.
لقد حاولت هذه الرسالة فتح نافذة علمية على المنطقة، وأوصت الباحثين والمهتمين بالشأن التعليمي بالدخول عبرها لسبر أغوار العلوم الإسلامية والتعليم الديني بالبلقان عموما، في مختلف التخصصات والمجالات.
واختتم بتطوان يومه: الأربعاء 29 جمادى الأولى 1442ه الموافق 13 يناير 2021م.
زر الذهاب إلى الأعلى