معلومات عامة عن الأطروحة:
ـ الجامعة: المولى إسماعيل
ـ الكلية: الآداب والعلوم الإنسانية مكناس.
ـ تاريخ المناقشة: 6 محرم 1445 هـ موافق 24/7/2023.
ـ مركز دراسات الدكتوراه: العلوم الإنسانية والآداب واللغات.
ـ تكوين الدكتوراه: تفسير الخطاب الشرعي؛ قضايا ومناهج.
ـ الميزة: مشرف جداً.
أعضاء لجنة المناقشة:
ـ د، فؤاد بوقجيج (رئيساً).
ـ د، محمد سدرة (مشرفاً).
ـ د، محمد عبد الحق حنشي (عضواً).
ـ د، إدريس الشرقي (عضواً).
ـ د، عبد الإله القاسمي(عضواً).
تقرير الأطروحة:
لقد استفاد الموضوعُ أهميتَه من أهميةِ الدعوة نفسها، فالدعوة من القول الحسنِ، وهي أشرف مهمَّة ارتضاها الله لنفسِه، فقال:﴿ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾([1])، واختارها لرُسله عليهم السلام فقال:﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾([2])، وأمرَ بها رسُولَه الخاتَم فقال:﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ﴾([3])، وأمَر بالتبليغ عَنه فقال ﷺ:” بلغوا عنِّي ولو آية “([4])، وقال” ربَّ مُبَلَّغٍ أوعى من سَامع”([5]).
كما يستقي الموضوعُ أهمِّيتَه من أهمية هذا الانسان؛ فقد خلقه ربُّه فسواه وكرَّمه وهداهُ النجدينِ بالفطرة، لكن هذه الفطرة قد تفسُد فتكون الدعوة أداة من أدواتِ إصلاحِها، وإرجاعها إلى الجادَّة حتى ينال التكريم الذي يستحقه.
وتبرز أهمية الموضوع كذلك من الدِّين الوسَطي الذي ارتضاه الله لِعباده فيحتاج لمن يعرِّف به على هدى من الله، ولا سبيل لهذا النهج الوسطي إلا بإدماج الفقه المقاصدي الدعوي.
إننا في حاجة إلى فقه دعوي مقاصدي يجمع بين القديم والجديد، وبين اتباع النصوص دون إهمال الغايات والمقاصد، فقه دعوي يُراعي العصر ولا يتنكر للأصل، يندمج ولا يذوب. وهذه رؤية – إذ اقدِّمها – فهي ما حفَّزني للكتابة في هذا الموضوع. علاوة على تسجيل الملاحظات التالية:
الملاحظة الأولى: إهمالُ الجانب التزكوي في علمِ المقاصد.
الملاحظة الثانية: إهمال التوظيف المقاصدي في الجانب الدعوي من النَّاحية التأليفية والأمثلة التطبيقية.
الملاحظة الثالثة: الحاجةُ الماسَّةِ لِضبط واقع الدعوةِ بالأحكام والقواعد الشرعية: من خلال ضبط واقع الدعوة بشيئين اثنين:
ـ فقه واقع الدعوة على ضوء الشرع.
ـ فقه تنزيل الأحكام الشرعية على هذا الواقع.
الملاحظة الرابعة: التمييز بين دعاة الحق ودعاة الضلال: في زمن اشتبه فيه الأمر على كثير من الناس، واختلط الحابل بالنابل، ومن سُبل التمييز بينهما، تجلِية مقاصد كلٍ منهما، ومدى امتثالِهما للقواعد الشَّرعية في أنفسهم ودعوتهم.
الملاحظة الخامسة: ضعف جانب التزكية في صفوف الدعاة والأتباع: لأن نجاحَ الدعوة رهينٌ بامتثالها واقعاً في صُفوف المؤمنين بها.
الملاحظة السادسة: الطبيعة المتكاملة للرسالة الخاتمة وللرسول ﷺ: لكون الرسالة النبوية رسالة خاتمة، وشاملة لمختلف الجوانب، وهو ما حفزني لاختيارها كمجال تطبيقي، وما تكتسيه من عصمة بالنسبة إلى غيرها، قال تعالى:﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾([6])، فهي النموذج في استنتاج مقاصدِ الدعوة، والأمن من المنزلقات لسلامة المنهج المطبَّق عليه.
أمَّا عن خطة الإنجَاز؛ فبعدَ المقدِّمة التي خصَّصتها للتعريف بموضوع هذا البحث وأهميتِه، والحديث عن أسباب اختيار الموضوع، وذكر أهم الدراسات السابقة، والإفصاح عن منهجية البحث ومضامينه. راعيتُ جانبين اثنين في عرضِ المادة العلمية لموضوعِ بحثي:
أولاً؛ الجانبُ النظري: وهو موضوع الباب الأول؛ خصصته للدراسة النظرية لقواعد المقاصد، وقسَّمته إلى ثلاثة فصولٍ، عُني الفصل الأول ببيان التعريفات والتحديدات لمكوِّنات الدراسة، ويدور الكلام فيه على مبحثين:
أولهما: الدراسة المصطلحية لألفاظ عنوان البحث وشملت مصطلحات: القواعد – المقاصد – المصطلح المركب، قواعد المقاصد – التزكية – الدعوة – السيرة والسنة.
والثاني: لبيان أوجه الاتفاق والافتراق بين مكونات عنوان البحث، وهمَّ بالخصوص الائتلاف والاختلاف بين قواعد المقاصد والقواعد المشابهة؛ كقواعد الوسائل والقواعد الفقهية والأصولية وقواعد الدعوة. والفروق بين التزكية والألفاظ ذات الصلة؛ كالزكاة والتربية والعفة والدعوة.
وعُني الفصل الثاني ببيان تاريخ قواعد المقاصد وخصائصها وأقسامها من خلال مبحثين:
الأول؛ خاص بالتاريخ بدءً بقواعد المقاصد القرآنية والحديثية، ومروراً بالقواعد عند الصحابة، وختماً بقواعد المقاصد قبل الشاطبي وعنده وبعده. والثاني؛ خصصته لتوضيح أقسام قواعد المقاصد باعتباراتٍ مختلفةٍ.
وخصَّصتُ الفصل الثالث لمناقشة قضية إعمال المقاصد في التزكية والدعوة، من خلال مبحثين: بيَّنت في الأولِ أهميةَ هذا الإعمال بالنسبة للدعوة والدعاة والمدعوين والوسيلة الدعوية.
وختمت بأهم مسالكِ التعرف على هذه القواعد في مجال التزكية والدعوة. واستقل المبحث الثاني؛ بذكر التأصيلات الشرعية لهذا الإعمال من القرآن والسنة وسير السلف الصالح، ومصادر الاجتهاد المختلفة، وتجارب بعض الحركات الدعوية.
ثانياً؛ الجانب التطبيقي: وهو موضوع الباب الثاني، واقتصرَت على التطبيقات الدعوية على قواعد المقاصد المنتقاة في باب التزكية، وكان مدار البحث على تسع قواعد – كنموذج للدِّراسة – مع الوعي الكامل منِّي بصعوبة استقراء كل قواعد المقاصد في التزكية خاصَّة، فضلاً عن قواعد المقاصد عموماً. وتوزعت فصول هذا الباب على تسعة فصولٍ، استقلت كل قاعدة بفصلٍ، وكل فصلٍ تحته مبحثين: الأول؛ لشرح القاعدة، وبيان فروعها ومستثنياتها وأدلَّتها. والثاني؛ للتطبيقات الدعوية للقاعدة من خلال السيرة النبوية، مع الختم ببيان أهمية القاعدة وأثرها في تعزيز مسار الدعوة إلى الله، وتتمثل هذه القواعد التسع المبحوثة في الآتي:
القاعدة الأولى: قاعدة؛ الأعمال بالنِّيات والمقاصد معتبرة في التصرفات.
القاعدة الثانية: قاعدة؛ مقصود الشريعة صلاح الانسان لأجل صلاح العمران.
القاعدة الثالثة: قاعدة؛ الرسل بعثوا بتقرير الفطرة وتكميلها لا بتغيير الفطرة وتحويلها.
القاعدة الرابعة: قاعدة؛ المَقصود من إرسال الرُّسل وإنزَال الكُتب أن يقوم الناس بالقِسط.
القاعدة الخامسة: قاعدة؛ المقصد الشَّرعي من وضع الشريعة إخراج المكلَّف من داعية هواه.
القاعدة السادسة: قاعدة؛ كل علم لا يُفيد عملاً فليس في الشرع ما يدل على استحسانه.
القاعدة السابعة: قاعدة؛ من مقصود الشارع في الأعمال دوام المُكلَّف عليها.
القاعدة الثامنة: قاعدة؛ الحِيل باطلةٌ متى هدَّمت أصلاً شرعياً.
القاعدة التاسعة: قاعدة؛ منع المَبادي أهون من قطع التمادي.
وفي أثناء إيراد النماذج التطبيقية من السيرة النبوية، لم أفوِّت فرصة الربط بواقع الدعوة اليوم، من خلال قياس أحداث اليوم بأحداث الأمس، وتلمس حلول الأمس لأزمات اليوم، كما حاولت الاختيار والتنويع في النماذج التطبيقية السيرية، وعياً منِّي بصعوبة إيراد كل النماذج والاستقراء التام للسيرة، وإنما يكفي من الأمثلة ما يُوضح المُراد.
وركَّزت في الخاتمة على تسجيل أهم الخلاصات والنتائج العلمية التي توصلت بها من خلال هذه الجولة العلمية، وسأكتفي في هذه العجالة بذكر المُجمل منها وهي أربعة نتائج:
الأولى؛ إدراك مدى حاجتنا الماسة إلى التزكية لتغيير النفوس ثم المجتمع.
والثانية؛ إدراك مدى حاجتنا إلى فقه المقاصد الدعوية لتصحيح مسار الدعوة.
والثالثة؛ إدراكنا أنه لا نجاح للدعوة إلا بفقه وتنزيل المنهج النبوي في الاصلاح والتزكية.
والرابعة؛ أن قواعد المقاصد في التزكية متكاملة، وكل لا يتجزأ، فبعضها يخدم البعض ويكمِّله.
كما دوَّنت أهم التوصيات والآفاق العلمية التي يفتحها هذا البحث لمن يروم إتمام البناء وتدارك الفوائت، وتتلخص في الآتي:
ـ ضرورة الاعتناء بفقه المقاصد في المجال الدعوي القائم على أساس الكتاب والسنة وفهم سلف الأمة.
ـ دعوة للباحثين لتنمية البحث في مجال إعمال قواعد المقاصد وتطبيقاتها في المجال الدعوي، والاهتمام بأخذ النماذج التطبيقية من القرآن والسنة والسيرة النبوية، وأقترح بعض القواعد التي تحتاج إلى البحث والتنمية في المجال الدعوي ومن ذلك:
ـ قواعد الاجتهاد وتطبيقاتها الدعوية.
ـ قواعد المصالح وتطبيقاتها الدعوية.
ـ قواعد السياسة الشرعية وتطبيقاتها الدعوية.
ـ قواعد الموازنة والترجيح وتطبيقاتها الدعوية.
ـ قواعد المشقة والتيسير وتطبيقاتها الدعوية.
ـ قواعد أعمال المكلفين وتطبيقاتها الدعوية.
ـ قواعد الوسائل وتطبيقاتها الدعوية.
ـ إعداد الدعاة وتكوينهم على غرار باقي القطاعات التي تحتاج إلى تكوين، لأن تحقيق مقاصد الدعوة، لا يتم إلاَّ بالتكوين العلمي والتربوي والخلقي والعملي، وأن أي إهمالٍ للجانب التكويني سيعطي نتائج عكس مقصود الدعوة. وفي تقديري؛ أن الذي يسهم في هذا التكوين يتجلى فيما يلي:
ـ فتح كليات خاصة للدعوة وفقه مقاصدها؛ لمَسيس حاجة الأمة إلى تخريج دعاة مخلصين، لهم من الفقه ما يكفي لمواجهة تحديات الدعوة في العصر الحاضر.
ـ فتح مواد لفقه الدعوة في كليات الشريعة الموجودة، التي تفتقر إلى هذا الفقه في برامجها، وتطوير ما هو موجود في أقسام الدراسات الاسلامية.
ـ إحداث معهد عالي لتخرج الدعاة الذين ستوكل لهم المهمات الدعوية، بعد التدريب العلمي والعملي.
وذيلت البحث بفهارس شملت ما يلي:
ـ فهرساً للآيات القرآنية.
ـ وفهرساً للأحاديث النبوية.
ـ وفهرساً للقواعد.
ـ وفهرساً للمصادر والمراجع.
ـ وأخيراً، فهرساً للموضوعات.
ومهما بذلت من جهد فإني أدركُ أنه جهدُ المقل، وجهد بشري، يشوبه ما يشوب الطبيعة البشرية من نقصان، فالكمال لله وحده.
ومن باب الأمانة العلمية فإن هذه الأطروحة في إخراجها النهائي ـ بحول الله ـ ستخضع لبعض الحذف والزيادة أو التقديم والتأخير، بناءً على ملاحظات اللجنة.
هذا؛ وما كان في هذا البحث من صواب فمن الله، وما كان فيه من زللٍ فمن نفسي والشيطان، والله اسأل أن يستر العيوب، ويهدينا للسداد في القول والفعل. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] – يونس: 25.
[2] – الحديد: 221.
[3] – النحل: 125.
[4] – رواه البخاري: كتاب أحاديث الأنبياء، باب: ما ذكر عن بني اسرائيل، برقم: 3461.
[5] – رواه البخاري: كتاب الحج، باب: الخطبة أيام منى، برقم: 1741.
[6] – الأحزاب: 21.
زر الذهاب إلى الأعلى