قواعد العقيدة وأثرها فـي الإصلاح الفكري والبناء الحضاري

دراسة تأصيلية تحليلة

إنجاز الباحث: مـحمد نــحُّوا
أستاذ مادة التربية الإسلامية بالتعليم الثانوي التأهيلي.

    وهي أطروحة دكتوراه في الحضارة الإسلامية، تحت إشراف الأستاذ الدكتور عبد الرحمان العضراوي، كلية الآداب والعلوم الإنسانية ببني ملال، وتمت مناقشتها في السنة الجامعية 2018م ـ 2019م، من طرف لجنة المناقشة المكونة من السادة الأساتذة: الدكتور محمد جمال، والدكتور سعيد شبار، والدكتور بنسالم الساهل، والدكتور إبراهيم رضا.
 خلاصة البحث:  
      الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
      وبعد، فأتشرف بتقديم ملخص لبحثي المشار إلـى عنوانه أعلاه، فأقول:
      إن أبواب البحث وفصوله غطت بالدراسة والتحليل ثلاثة جوانب كبرى وهـي:
الجانب الأول: القواعد العقدية وتطورها التاريـخـي، وهو موضوع الباب الأول من أبواب البحث، ويتناول التقعيد العقدي فـي أهم مراحل تاريخ المسلمين، وقد استقر رأي الباحث بعد استشارة فضيلة الأستاذ المشرف على أن يدرس في هذا الباب أهم الأطوار التي مر بها مصطلح العقيدة، وتحديد مفاهيم بعض المصطلحات المرتبطة به، بدءاً ببيان معنى العقيدة لغة واصطلاحا، وتعريف القاعدة العقدية وذكر صيغها، وأهم المؤلفات فيها، ثم دراسة نماذج من الواقع العملي لكيفية تعامل المسلمين مع قواعد عقيدتهم، مثل منهج الجيل الأول: جيل الصحابة الذين شاهدوا تنزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانوا أقوم سبيلا من غيرهم فـي فهم العقيدة الإسلامية، وقد ركز الباحث على بيان منهجهم في تلقي الوحي، ومنهجهم في النظر والتدبر وكذا منهجهم في ربط الإيمان بالعمل. ثم منهجهم في التصدي للانحرافات العقدية الوافدة على المسلمين.
     ويتبع ذلك بيان منهج التابعين وتابعيهم في فهم وتلقي العقيدة الإسلامية. من خلال إبراز أهم خصائص منهج كبار التابعين في تلقي العقيدة، ولمحة عن منهج الأئمة الأربعة في التقعيد للعقيدة الإسلامية، وذكر منهج علماء الحديث في أصول الدين، وأهم أسباب الانحراف في التقعيد العقدي، ثم مرحلة ظهور الفرق الكلامية، ومرحلة المدارس الكبرى في العقيدة الإسلامية.
الجانب الثاني: مقاصد القواعد العقدية وأهميتها وخصائصها، وهذا موضوع الباب الثاني للبحث، وقد حاول الباحث أن يدرس في هذا الباب العقيدة الإسلامية كما جاء بها الوحي الإلهي في نصوص القرآن الكريم وسنة النبي صلى الله عليه وسلم ببيان مقاصدها وأهم خصائصها، وبيان منهج الوحي فـي عرض القواعد العقدية، وما يتبع ذلك من مباحث تبرز كيف أن الوحي جاء بعقيدة صحيحة تضبط جميع ميادين الحياة، وأن حاجة المسلمين لتعلم عقيدتهم الصحيحة كما جاء بها الوحي الرباني كحاجتهم للهواء الذي يتنفسونه والماء الذي يشربونه، ولن يكون المسلم مسلماً كامل الإسلام بغير معتقد صحيح يدفعه إلى طاعة ربه وعبادته عبادةَ حق، وعمارة الأرض عمارة إصلاح وصلاح، وبذلك يصلح القلب وتنقاد الجوارح وفق أمر الله عز وجل فيكون المسلم مسلماً حقاً يعيش بهوية صحيحة وانتساب صادق للإسلام، بخلاف من امتلأ قلبه بعقيدة خربة فاسدة، فهذا يسري الفساد إلى أعماله بقدر فساد عقيدته، ويسئ إلى دين  الإسلام بقصد أو بغير قصد.
أما الجانب الثالث: فهو موضوع الباب الثالث، وعنوانه: “القواعد العقدية والإصلاح الفكري والبناء الحضاري”، وقد جمع فيه الباحث ما يزيد على عشر قواعد عقدية رأى أنها تصلح لأن تكون مدخلا من مداخل الإصلاح الفكري والبناء الحضاري للأمة الإسلامية.
 وخلص البحث إلـى تسجيل النتائج والتوصيات الآتية:
ـ أن قواعد العقيدة الإسلامية الصحيحة مبثوثة فـي نصوص الوحي الإلهي، والفطرة السليمة والعقل الصحيح شاهدان عليها ومعتـرفان بها.
ـ ضرورة ضبط الأصول الكلية والقواعد العامة للعقيدة الإسلامية، إذ بضبطها تُضبط العقيدة، وتزول كثيـر من الإشكالات ويظهر موطن الصواب والغلط.
ـ قواعد العقيدة الإسلامية غنية بالقيم والمعانـي التي تهدي الإنسان وتوجه سلوكه إلى ما فيه صلاحه وفلاحه فـي العاجل والآجل.
ـ عرض العقيدة الإسلامية بصفائها ونقائها كما عرضها الوحي الرباني فهو الذي يجمع الأمة على كلمة واحدة، ويجعلها قادرة على التأثيـر فـي غيرها من الأمم.
ـ الإيمان المؤثر الذي يثمر للأمة أفراداً وجماعات ثمرات فـي إصلاح أفكارها، ويقوّم اعوجاجها، ويعينها علـى البناء والعمران، هو الإيمان الذي جاء به الوحي المعصوم، أما قراءة العقيدة كما جاءت فـي اجتهادات المتكلمين وغيرهم، فهي قراءة قابلة للأخذ والرد، تبعاً لقربها أو بعدها عن نور الوحي.
ـ أظهر البحث أهمية علم القواعد العقدية، وخصائصه، وضرورة دراسة العقيدة الإسلامية بمقاصدها، لأن دراسة العقيدة باستحضار مقاصدها وقواعدها الكلية الجامعة لمسائلها وفروعها هو الذي ينقلها من النظرة التجزيئية إلـى النظرة الشمولية النسقية، وبذلك تتسع دائرة العقيدة، فتوجه المسلم فـي جميع مجالات الحياة.
ـ حاول البحث أن يبرز أهمية الاعتماد على القرآن الكريم والسنة النبوية فـي العقيدة، وجعل نصوصهما هو الفيصل والحكَم الذي يُرجع إليه عند كل اختلاف، وعلى ضوئهما تصحح كل الأفكار وتقوّم جميع الاجتهادات، لأنهما الحصن الحصين للأمة الإسلامية.
ـ أظهر البحث أن أخطر غزو يفتك بالأمة هو الغزو الفكري، وتكمن خطورته فـي كونه يضرب الأمة فـي حصونها الداخلية، ويخلخل لديها ثوابتها دون أن تشعر أحياناً، مما يؤدي إلـى ظهور ما سماه المفكر الجزائري مالك بن نبي بالقابلية للاستعمار العسكري الذي يأتـي نتيجة للغزو الفكري، وأساس انهيار أي أمة يبدأ من الداخل، والتدخل الخارجي قد يأتــي ليعجل بسقوطها بعد أن تكون قد سقطت قلاعها الفكرية أولا، والواقع العملي أثبت أن الأمة الإسلامية هدف ثمين من أهداف تصدير الأفكار، وأثبت الواقع كذلك بأن سوق الأفكار أخطر من أخطر أسواق المنتجات والسلع، وأكثرها تقبلاً للتزييف والتشويه والإفساد.
ـ البحث دعوة مفادها أن تحصين الأمة الإسلامية بعقيدة صحيحة لتفادي هجمات الغزو الفكري، وخاصة فـي زمن العولمة، يستدعـي من جميع الغيورين على الإصلاح والتجديد أن يبذلوا جهودهم لتنقية الفكر المنسوب للإسلام فـي جميع ميادينه من الفكر الدخيل، سواء فـي الماضي أو الحاضر، ذلك أن طريقة فهم النص الديني فـي بعض مناحي الفكر العربي المعاصر يعيد نفس المرحلة التاريخية التي دخل فيها الوافد اليوناني ساحة العلوم الإسلامية، لأن ما يحدث فـي بعض أبحاث الفكر المعاصر الموجه إلـى النص الشرعي عند اتجاهات معينة يعيد نفس الدور الإسقاطي المنهجي، لكن مع استبدال الوافد اليوناني بالمنهج الغربي فـي صورته الحديثة، مع اختلاف المخرجات بين المرحلتين.
ـ لم يقصد البحث تتبع كل القواعد العقدية المرتبطة بالإصلاح الفكري والبناء الحضاري، وإنما هي إشارات فـي الطريق لمزيد من الدراسة والبحث.
 هذا مجمل ما أفصح عنه البحث فـي أبوابه وفصوله ومباحثه، وهناك مسائل أخرى لا يتسع مقام البحث لعرضها ودراستها، أشيـر إلـى بعضها فـي شكل مقتـرحات وتوصيات، عسى أن ييسر الله لبعض الباحثين بحثها ودراستها، فتكمل بذلك الفائدة، وتسد هذه الثغرة، ومن هذه المقتـرحات والتوصيات:
ـ ضرورة تعميق البحث فـي قواعد العقيدة، وجـمعها ودراستها فـي مجالات أخرى، مثل المجال السياسي والاقتصادي…
ـ تضافر الجهود من أجل إخراج موسوعة للقواعد العقدية، على غرار موسوعة القواعد الفقهية، ويقترح الباحث أن تستند الموسوعة إلـى المتفق عليه بين الفرق الإسلامية فـي أمور العقيدة، استناداً إلـى ما ثبت فـي نصوص القرآن الحكيم، وما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع العناية بالجانب الروحي والتربوي والعملي فـي العقيدة الإسلامية، وتجنب الخلافات والجزئيات التي شقت صف المسلمين.
ـ ضرورة تتبع الآثار التي تركها دخول المنطق اليونانـي إلى العلوم الإسلامية عامة، وعلم العقيدة خاصة، لأن هذا العلم تأثر كثيـرا بالمنطق.
ـ ضرورة توجيه العناية إلـى تنقية العقيدة الإسلامية من كل ما هو دخيل عليها، مما يتعارض مع الوحي الربانـي ويشوه جـمال ووضوح العقيدة الإسلامية.
ضرورة التعاون على إخراج البحوث الجادة فـي التقعيد العقدي إلـى حيز الوجود، بتحقيق وطبع مخطوطها، ونفض الغبار عن مرقونها وإخراجه إلـى الطلبة وعموم الباحثين قبل أن تأكله الأرضة وتهجم عليه عوادي الدهر.
                            والحمد لله رب العالمين.

Print Friendly, PDF & Email

‫4 تعليقات

  1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    موضوع الأطروحة مهم جدا جمع بين التأصيل العلمي لعلم لقواعد العقائد وبين دورها في الإصلاح الفكري والبناء الحضاري.
    موضوع مثل هذا جدير بالقراءة.
    لست أدري هل الأطروحة مطبوعة أم لا؟
    وكيف يمكن الحصول عن نسخة من الكتاب إن طبع؟ أو من الأطرحة إن لم تكن قد طبعت بعد؟
    نشكركم على التعريف بالموضوع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى