مقدمة فالمعرفة الدينية يحصلها من دراسة وتدبر آيات الله المسطورة في وحيه المنزل، وأيضا من النظر والبحث في آيات الله المنشورة في الأنفس والآفاق، {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} [فصلت: 53]. وانطلاقا من فهمه الصحيح أو الخاطئ لهذين النوعين من الآيات، تتحدد طبيعة ممارسته لمسؤوليته في الحياة. فالخطوة الحرجة في مسار الإنسان نحو الهداية، هي فهم خطاب الوحي فهما سليما، وتفسير الوجود الكوني في إطاره، وكل الخطوات الموالية لمرحلة الفهم هذه تكون متوقفة عليها وتابعة لها ومتوجهة بها. ولما كانت آيات الله قابلة للتأويل حسب استعداد كل إنسان، ورغبته وحرية فكره، فإن احتمال الآيات لتأويلات متعددة سديدة وخاطئة ومتعارضة بين الناس، يجعل فهمها يتشكل بناء على التفاعل بين الذات المؤولة والنص الشرعي، وهو ما يحتاج إلى تسليط الأضواء على عملية التأويل لترشيدها وتأكيد مسؤولية المؤول في كل حال. القسم الأول: طبيعة النص الشرعي يمتاز النص الشرعي بطبيعة خاصة تميزه عن النصوص البشرية، وذلك باعتباره مجالا للعلم والامتحان بتحمل أمانة الاستخلاف في الوقت ذاته. وإذا فإن المعرفة بخصائصه ومميزاته شرط أساسي لإدراك مقاصده وفهم دلالاته والانتفاع بعلمه وبيناته، ومن أهم خصائصه ما يلي: أولا: خصوصية النص الشرعي إن أول ما يميز النص الشرعي، هو كونه مضمونا تكليفيا استخلافيا، بمعنى أن الله تعالى بعث به إلى الإنسان على يد رسله الكرام، بعد أن نصبه خليفة في الأرض وأوكل إليه مسؤولية جسيمة، مدارها ممارسة حرية التصرف في أمور نفسه، انطلاقا من اختيار أحد طريقين، إما قبول إخبارات الوحي والتصديق بها، وإما رفضها بعد الاطلاع عليها والتشكيك في نسبتها إلى الله، والتكذيب بأنها حق وصلاح ومصدر السعادة الإنسانية دنيا وأخرى. ولقد اقتضت مشيئة الله تعالى، أن يكون استخلاف الإنسان ابتلاء متعدد الأوجه في هذه الحياة الدنيا، وأن يجعل الآخرة جزاء له على نجاحه أو فشله فيه، فحصر الغاية من خلق الموت والحياة في ابتلاء الإنسان هل يحسن أم يسيء، {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} [الملك: 1، 2] وجعل أساس هذا الابتلاء الإيمان بالغيب؛ بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، فربط الابتلاء بالإيمان فتح مجالا واسعا أمام النفس لتمتحن امتحانا عسيرا في إرادتها وحريتها وعملها، فسواء آمنت أم كفرت فإنها لا ترى نتائج عملها إلا بعد انقضاء هذه الحياة ووقوع البعث والنشور، والحكمة من ذلك لتعطى الفرصة الكاملة لتحقق ما تشاء وتختار، {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا} [الإسراء: 18 – 20]. وكان المدخل الأول لابتلاء الإنسان بأركان الإيمان كلها، هو كتب الله، ومنها القرآن الكريم، الذي يضم إلى جانب الابتلاء بالله والملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر والقدر، ما اختص به من ابتلاء يتعلق بنظمه وأسلوبه في الحديث عن مختلف القضايا، والعناصر الأساسية للإيمان الذي هو أصل كل الابتلاءات. وإذا فإن المتن القرآني لا يقدم أحكام الدين وتوجيهاته، إلا في نسق ابتلائي يجعل النفوس تتخذ منه مواقف متباينة، بحسب ما تضمره من استعداد مسبق للتصديق به أو الاعتراض عليه، بل إنها قد تؤمن به لفترة ثم تعود فتنتقده وتصد عنه، {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا} [النساء: 137]. فالابتلاء في فهم القرآن على وجهه السديد، حاصل لكل من يتلوه بداية وانتهاء، فهو لا تنقضي عجائبه، وبالتالي لا تنقضي ابتلاءاته، فكلما عاود القارئ تدبره عرض نفسه لبياناته واكتشاف أسراره، ولكن أيضا واجه ما تحتار النفس في إدراك حكمه وأبعاده، مما قد تستشعر معه صعوبة في الظفر بإجابات شافية ونهائية لبعض تساؤلاتها، مع ما قد تلجأ إليه من قراءات مستفيضة في التفاسير، ففي القرآن ما لا يعلم تأويله إلا الله، والذي يكون فتنة بالنسبة لمن يطلبون في القرآن الشبه والمتشابهات، فهؤلاء ينفذون منها للطعن في ربانية الوحي، واتهام الرسول بالافتراء على الله أو تحريفه من قبله، {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ } [آل عمران: 7]. فهذه الآية صريحة في كون القرآن يجمع بين دفتيه المحكم الواضح الصريح في دلالته، والمتشابه الظني الدلالة أو الذي لا يدرك العقل معناه، ويكون كافيا لجعل باغي الفتنة يجازف في تأويله، وهذا ما يجعل القرآن معتمد المؤمنين به في إيمانهم، ومعتمد الجاحدين في جحودهم، وكل منهما يظن أنه المحق في موقفه وغيره المبطل. إن القرآن الكريم متفرد في كل شيء، لا يشبه الكتب البشرية في تنظيمها وتنسيقها وبناء مضمونها، غايته تقديم إرشادات لمن قبل ورغب في الإيمان بالله ونيل رضاه، وتوفير إمكانيات تأويله تأويلا مضلا، يحرم صاحبه برد اليقين ويملأ قلبه تمردا وعنادا. فالدارس “إذا بدأ يتصفح هذا الكتاب يفاجأ بعكس ما كان يتوقعه، فيجد أسلوباً لم يألفه من قبل، إذ أنه يرى فيه المسائل العقائدية والتعاليم الخلقية، والأحكام الشرعية، والدعوة والنصيحة، والعبرة والنقد، والزجر والتخويف والترغيب، والحجج والشواهد، والقصص التاريخية، والإشارات إلى آيات الله في الكون. كل ذلك يتكرر بيانه بين حين وحين، ويُبدأ ويُعاد بوجوه متباينة وأساليب منوعة، كما أنه بينما يطرق موضوعاً، فإذا به يولي وجهه شطر موضوع ثان وثالث، بل يكون الأمر أغرب من ذلك، حين يبتدئ موضوعا ثم يتخلله موضوع آخر بغتة. كما يتبدل المخاطب والمتكلم بين حين وآخر، وتتجه وجهة المحاورة إلى جهات مختلفة مرة بعد أخرى”[1]. فلا يعدو القرآن أن يكون هدفه الأسمى، وضع النفس المتلقية أمام اختبارات متوالية، تهم كل الجوانب فيه شكلا ومضمونا، وتتغير امتحاناته للفهم البشري مع تكرار تلاوته وتدبره، ويخضع دوما إلى إرادة التعلم، ويتماشى معها في الاتجاه الذي تختاره إيمانا أو كفرا، بحثا عن هداياته أو انحرافا في تأويلاته. فعن جابر عن النبي ﷺ قال: ” القرآن شافع مشفع، وماحل[2] مصدق، من جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلف ظهره ساقه إلى النار”[3]. فالقرآن باعتباره كلام الله المبسوط أمام نظر البشر، لاختبار قلوبهم وما تنطوي عليه من الرغبة في بلوغ الحق والانصياع لمقتضياته، أو اختيار الزيغ عن هدي الله واتباع أهواء النفس، يختلف تعامل الناس معه عن تعاملهم مع أي كتاب آخر؛ حيث إن الله تعالى يزيد الصادقين في ابتغاء هديه هداية ويشرح صدورهم لمكنوزاته، ويطمس على قلوب المتهاونين في تعلم بيناته والجاحدين لحقائقه ورشاده؛ {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ } [الأعراف: 146]. فالدارس الذي لم يؤمن بهذا الكتاب، ولا يريد من دراسته إلا إثارة الشبهات، فهو يجد في فقدان الترتيب والتنسيق متسعاً لإثارة الاعتراضات المنوعة حول الكتاب. وأما المؤمن به والخاضع له فتتجاذبه المواقف والأطوار. فمرة؛ يغمض نظره عن المطالب خلال دراسته. وأخرى يطمئن قلبه بتفسيرات عديدة لانعدام التناسق الظاهري. وثالثة؛ يأتي بنتائج غريبة لمحاولته إيجاد وجوه للتناسق وذلك باجتهاد شخصي متكلف. ورابعة؛ يستسلم لفكرة ” شذور متناثرة ” فتصبح كل آية من آياته معزولة عن السياق العام. وتعود مسرحاً لابتكار المعاني التي تخالف ما يريده العزيز الحكيم.[4] إن ما ذكر من نماذج لمميزات النص الشرعي عامة والقرآني خاصة، تتلاءم تماما مع طبيعته التكليفية، والتي تجعله مؤهلا للإنسان، ليتحمل مسؤولية الاهتداء بتعاليمه، أو الانحراف عنها. وكل ذلك يتوصل إليه عبر محاولات تأويله ودراسته وتدبره. ثانيا: انفتاح الوحي كتابا وسنة على التأويل. أكد تعالى كون القرآن كتابا مبينا، وهو ما قد يحمل على التقليل من أهمية التأويل والتفسير، اللذين تتسع بهما حرية الفكر وتختلف رؤاه حول معاني ودلالات النص، قال سبحانه: {طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ} [النمل: 1 – 4]. يرى الطبري أن المقصود بمبين كونه “يبين لمن تدبّره، وفكّر فيه بفهم أنه من عند الله، أنزله إليك، لم تتخرّصه أنت ولم تتقوّله، ولا أحد سواك من خلق الله، لأنه لا يقدر أحد من الخلق أن يأتي بمثله”. كما أن بيان معانيه إنما يكون متأتيا للمومنين، وليس لأي من المومنين، وإنما للذين يواظبون على عبادة الله ويوقنون بالآخرة، أما الذين لا يومنون فيزين الله لهم سوء أعمالهم التي بنوها على فهم خاطئ لآيات الله، وانحرفوا في تأويلها فازدادوا حيرة وترددا. قال أبو الدرداء رضي الله عنه: “لا تفقه كل الفقه حتى ترى للقرآن وجوها كثيرة”[5]. وروي عن ابن عباس رضي الله عنه: “القرآن ذو وجوه فاحملوه على أحسن وجوهه”[6]. وأكثر ما تتعدد أوجه الدلالة في التعبير القرآني فيما لا يكفي فيه التفسير الذي يعتمد فيه البحث عن مدلول اللفظ وما يقتضيه السياق، ويحتاج فيه إلى التأويل لتحديد مقصود الكلام الذي يخفى على الناس ولا يدل عليه ظاهر اللفظ. ونخلص من هذا إلى أن التأويل في المصطلح القرآني لا يكون إلاّ لما فيه غموض وإبهام يفتقر إلى توضيح وتفسير، ذلك أن من خصائص اللفظ العربي، اتساع دائرة دلالاته واتصافه بالوضوح أو الإبهام على اختلاف درجاتهما، وقد اختار الله تعالى اللغة العربية لتكون وعاء لوحيه للعالمين حتى يكون أكثر انفتاحا على التفكير والتأمل والتفسير والتأويل، وأما قوله تعالى في أكثر من آية {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ } [الشعراء: 193 – 195] أي “أن لسان القرآن عربي مبين لأن المنزل عليه عربي، والمخاطبون به عرب، ولأنه تحدى بفصاحته فصحاء العرب”[7] فلا يمكن لأحد أن يجادل في عربية القرآن، أما كونه مبينا فيبعد أن يقصد به استغناء قارئه عن اللجوء إلى التأويل. فالقرآن الكريم لا يمارس ضغطا قاهرا على العقل، أو يحمله على فهم محدد، يفقده حريته ويجرده من مسؤوليته الثابتة، في استعمال النص الشرعي لتعزيز الموقف العام، الذي اختاره لنفسه وارتضاه، سواء كان مصيبا في ذلك أو مخطئا. فالتأويل شرعا “هو صرف اللفظ عن معناه الظاهر إلى معنى يحتمله، إذا كان المحتمل الذي يراه موافقًا للكتاب والسنة، مثل قوله تعالى: (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ) إن أراد به إخراج الطير من البيضة كان تفسيرًا، وإن أراد به إخراج المؤمن من الكافر أو العالم من الجاهل كان تأويلاً”[8]. وقد قسم الأحناف اللفظ باعتبار الوضوح في دلالته على معناه إلى أربعة أقسام وهي: الظاهر والنص والمفسر والمحكم، وهو أعلاها مرتبة في الوضوح، ثم المفسر ثم النص ثم الظاهر. وقسموه باعتبار الخفاء في دلالته على معناه إلى أربعة أقسام مقابلة لتلك، وهي: الخفي، المشكل، المجمل، والمتشابه. فالخفي يقابل الظاهر، والمشكل يقابل النص، والمجمل يقابل المفسر والمتشابه يقابل المحكم[9]. وفيما يلي بعض الأقوال المقارنة بين التفسير والتأويل[10]: 1ـ قال أبو عبيدة وطائفة معه: التفسير والتأويل بمعنى واحد فهما مترادفان، وهذا هو الشائع عند المتقدمين من علماء التفسير. 2ـ قال الراغب: التفسير أعم من التأويل، وأكثر ما يستعمل التفسير في الألفاظ والتأويل في المعاني. 3ـ قال الماتريدي: التفسير القطع على أن المراد من اللفظ هذا، والتأويل ترجيح أحد المحتملات بدون القطع. ولقد دعي الإنسان في القرآن لتدبر آياته واعتبر ذلك مطلوبا شرعيا، {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: 24]، {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29] وعملية التدبر تنطلق من التفسير وتحلق في أفاق التأويل بحرية لا تحدها حدود إلا المسؤولية العلمية. وكما ينخرط الناس في مهام الفهم والتفسير والتأويل لقضايا الحياة الشائكة، بحسب ما لديهم من الخبرات والتجارب، وما أحرزوه من الدرجات العلمية والكفاءات المعرفية، وتظل مظاهر عدة مستعصية على الفهم، فكذلك يمارسون تأويل مضمون الوحي بحسب ما توفر لديهم من أدوات الفهم والتحليل والاستنتاج. فالطريقة التي تعلمنا بها آيات الله المنشورة في الكون، تشبه إلى حد كبير الطريقة التي تعلمنا بها آياته المقروءة كثيرا من حقائق الدين وأساسياته. ثالثا: قابلية الوحي ليكون سببا للهداية والغواية معا. يعد المضمون الشرعي في الكتاب والسنة من أهم مواد الهداية الشاملة، التي تتوفر بين يدي الإنسان، ليباشر مسؤوليته في السعي إلى تحقيق الهداية الذاتية، والتي تتوقف على إرادته الأكيدة في ابتغاء الاهتداء، بما توفره نصوص الوحي من أدلة وبينات، تهدي من يصدق في طلب الحق، ويبدي الاستعداد اللازم لتحمل أعبائه. لكن من اختار جحود معطيات الهداية الشاملة، وسلك طريق رفض أدلتها وحججها، فلا تملك أن تجبره على قبولها وتقبلها، والإذعان لدلالاتها البينة على الحق والرشاد، ليس هذا وحسب بل تظهر لنظره على أنها كما تسول له نفسه ويوهمه هواه، ما هي إلا محض افتراء واختلاق وخداع لمن تغلب عليهم السذاجة والغفلة من البشر، وتختل عندهم مناهج التفكير وبديهيات التعقل، ولقد أولى القرآن هذه الظاهرة المطردة في واقع الأمم عبر الحقب والأمصار ما يكفي من التوضيح والبيان، من ذلك قوله تعالى:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ } [الحجر: 9 – 15]. إذن اقتضت حكمة الله تعالى أن يكون كلامه متعدد الدلالات، غزير المعاني كثير الإشارات، يحتمل المعنى وخلافه في نفس الوقت، فهو بذلك مثير للجدل مستفز للعقل، يمنح كل دارس ومتأمل على قدر نيته ومراده، وعلى قدر حرصه على النفاذ إلى أعماق معارفه وعلومه. فمن جد في طلب هدايته اهتدى، ومن بحث فيه عما يعترض به عليه ويكذبه ويكفر به، بدت له جميع آياته مندرجة في هذا الاتجاه، وقد بسط القرآن هذه الحقيقة في آيات عديدة منها قوله تعالى: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة: 124، 125]، {وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا } [المائدة: 64] فلو شاء الله تعالى لجعل كتابه واضحا لكل من يقرأه، لا يتطرق إليه أي قدر من الالتباس والتشابه، وتتساوى فهوم القارئين له واستنتاجاتهم منه، ولكنه سبحانه أراده إرادة كونية، أن يكون المادة الأساس لاختبار البشر، وامتحانهم وابتلائهم بالوحي المنزل، فيجد فيه المريد للإيمان ما يزيده هداية واستبصارا، ويجد فيه المريد للكفر ما يزيده ضلالا وعماية. رابعا: سلطان الوحي على النفس بين الله أن وحيه المنزل قرآنا وسنة، يهدي من استحب الهدى في دياجير الحياة وظلماتها، ويرشده إلى تبين ما خلق لأجله من التكليف بمقتضى الشرع، الذي فيه تفصيل ما به تتحقق السعادة والكرامة، والفوز بنعيم الخلد في الجنة، والنجاة من محن الدنيا وشقاء الآخرة. ويمكننا أن نؤكد أن تعاليم الدين هي الأقوى والأنجع، في تغيير أحوال النفوس وتطهيرها من أدرانها وعيوبها، والارتقاء بها إلى أسمى درجات الخيرية والفاعلية والصلاح، لكن شيئا من ذلك لا يحصل، إلا إذا هي لزمت المطاوعة والمتابعة لهداياته وإرشاداته. ولقد سمى سبحانه كتابه نورا وهدى وموعظة ورحمة وحكمة، وأكد له صفة الهداية في آيات عديدة منها قوله تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9]، {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [المائدة: 15، 16]، فأثبت الله للقرآن خاصية الهداية حصريا لمن سلكوا سبيلها، وخطوا على نهجها خطواتهم الأولى. فهؤلاء فقط من تنفعهم مواعظه، ويستضيئون بنوره، ويغترفون من حكمته، أما الذين امتنعوا عن فتح قلوبهم لخطاب الشرع، أو أغلقوها في وجهه، بعدما جربوا الإيمان وتفاعلوا معه فكرا ووجدانا ثم صدوا عنه، فإنهم بموقفهم يمنعون سلطانه عليهم، فيعودن إلى إعراضهم وضلالهم من جديد، {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [آل عمران: 86]. وقال تعالى مخاطبا رسوله ﷺ: “{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52]، وقال أيضا: “{وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ} [الصافات: 175].فمهمة الرسول ﷺ تنحصر في سوق الأدلة الضافية على ربانية القرآن، واصطفاء المبعوث به لتبليغه وبيانه للناس، ليتولى المتلقون مسؤولية اعتبارها والتصديق بها والانصياع لها، أو إنكارها وتجاهل ما فيها من هداية ورشاد. فخاصية الهداية والتبصير في نصوص الشرع، ليس من قدرتها ولا من طبيعتها أن تفرض حقائق الوحي على البشر، حتى تنفتح لها قلوبهم وتتطلع إليها نفوسهم، فسلطانها يظل حاكما عليها آمرا ناهيا لها، مادامت تدين لكلام الوحي بالتسليم والانقياد التام، فإذا ضعف ولاؤها له، ونكثت عهدها مع الله، تراجع سلطان القرآن على القلب وزال ما كان من تأثيره الحميد. لقد أفادنا القرآن بأن الإنسان منذ آدم عليه السلام، ظل محتفظا بحريته كاملة تجاه خطاب الوحي، الذي لم يكن يؤمن به من الأقوام الغابرة إلا شرذمة قليلون، في حين اختارت الغالبية العظمى تكذيبه والاستهزاء بمضمونه ومخالفته ومحاربة من آمن به. وإذا كانت أمة محمد ﷺ استجابت ولا زالت تستجيب للوحي، وتتجاوب معه دون كبير عناء، فإن مرد ذلك أساسا لتطور الذات البشرية واعتناقها للحقيقة متى ظهرت لها دلائلها وتوافرت براهنها. فإذا كان سلطان الوحي على النفس البشرية بالهداية، يقوى تبعا لما يكون عليه حالها من السعي لمعرفة الحق والنزول عند مقتضياته، فإن سلطانه عليها بالغواية والعماية يشتد إذا اختارت الاعتراض على مضمونه، والطعن في ربانيته، ورفض تعاليمه وجحود أوامره، واستباحة نواهيه. فيتخذ تأثيره الاتجاه الذي يقرره الإنسان ويتماشى مع إرادته، ويؤكد حريته ومسؤوليته، فآيات الله المسطورة كما آياته المنشورة في الكون سخرت للإنسان ليقرأها كيف يشاء، ويستخلص منها ما يشاء، ويتخذ تجاهها من المواقف ما يشاء، ويمارس من خلالها مسؤوليته، التي هي من أهم مقاصد الشرع على الإطلاق، ونراه دائما حريصا على صيانتها وحمايتها من أي ضغط يلغيها، أو يضعفها ويتنافى مع مقتضياتها. خامسا: تأسس التأويل على توجه فكري ونفسي عام. ينطلق الإنسان في تأويل آيات الله المنشورة والمسطورة من توجه فكري عام، لا يكون وليد لحظة التأمل والتفكر في الآيات، وإنما يتبلور لديه ابتداء من اختياراته النفسية ومعارفه المحصلة سابقا، والمدعومة بعدة معطيات توفرها له البيئة المحيطة، بثقافتها السائدة ومعتقداتها وتقاليدها المتوارثة، وتتميز الآيات بنوعيها بمرونة كبيرة لمسايرة التوجهات المختلفة بين الناس والجماعات، بحيث تسمح لكل اتجاه باعتقاد الصواب في جانبه، ورؤية الغلط في جانب غيره المخالف، أو رؤية التقارب والتكامل بين اتجاهات بعينها، وتوصل كل منها إلى جانب من التصور الصحيح للقضية مجال الفهم. وهذا التوجه رغم ما يغلب عليه من الثبات والرسوخ، قابل للتأثر والتغير الجزئي أو الجذري نتيجة لمعطى جديد، إذا حظي بتجاوب صادق من النفس وحاز انفتاحها عليه وتفاعلها التلقائي معه. فهو يحمل النفس دوما على الالتزام بمقتضياته، وعدم الانسياق بسهولة وراء ما يخالفه من المعارف والمفاهيم والمبادئ، مما يدفع العقل إلى تفسير وتأويل الظواهر والخطابات، وكل مجريات أمور الحياة بما يتوافق معه، فرارا من التناقض والتضاد المفضي إلى الحيرة والارتباك. إن الذات تولي التوجه النفسي الأهمية الكبرى، باعتباره حاكما مطلقا على جميع الرؤى والوقائع ومتغيرات الحياة، وتجعل من كل ذلك خادما طيعا لمرادها، ما دامت تعتقد جازمة أنه التعبير الصادق عن رغبة الذات وكنهها، لكن أصحاب الرأي والتأويل قد لا ينتبهون إلى كون آرائهم ونظراتهم وتفسيراتهم للخطابات والأحداث والمؤشرات المختلفة، ناجمة بالأساس عن توجهات ذاتية متأصلة في الأعماق، وتفصح عن نفسها كلما مارست محاولة الفهم والإدراك والاعتبار، لذلك تجدهم ينسبون آراءهم لمضمون النص ودلالات الظواهر، ويبرؤون أنفسهم من تدخلها في عمليات التكييف والتطويع، فيستغلون انفتاح النص على عدة معاني، لتحميله ما يحتمله وما لا يحتمله حتى يلائم توجههم الذي طغى على النفس، فجعلها تنظر فيما حولها من خلاله، ولا تكاد تطيق التحرر منه. ولذلك يتعين على من يروم دراسة القرآن بتجرد ودون مسبقات فكرية مشوشة ” سواء آمن به أو لم يؤمن، أن يخلي ذهنه ما أمكن من جميع ما استقر فيه من قبل من التصورات والنظريات، ويطهره من سائر ما يكنه من الرغبات الموالية أو المناوئة، ثم يكب على دراسته بقلب مفتوح وُأذن واعية وقصد نزيه لفهمه. أما الذين يدرسونه واضعين طائفة من التصورات في أذهانهم مقدماً فما بين دفتيه إلا تصورات أنفسهم”[11]. ولقد نبهنا القرآن إلى انحشار النفس في فعل الفهم والإدراك، وتأثيرها عليه إلى أبعد حد، فبين أن النفس إذا استماتت في التمسك بتوجهها المعارض والمعترض على مضمون الوحي، طبع عليها بما اختارت التمادي فيه، فلا تدرك الحق ولا تتبينه أبدا،{الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} [غافر: 35]، كما أن تغيير ما بالناس من توجهات فكرية وسلوكية وأوضاع اجتماعية، رهين بتغيير ما بأنفسهم من قناعات ومعتقدات وانحرافات نفسية راسخة، {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11] فمن يعتقد بوجود الخالق وكماله، يسهل عليه إدراك معنى العبودية التامة له، وتفسير علاقته بمخلوقاته على أساس وجوب الانقياد لمراده وحكمته، ومن ينكر وجود الله يتجه إلى تفسير الوجود بما يستبعد مبدأ دلالة وحدة الخلق على وحدة الخالق مثلا، ويبني تصوراته على نحو يتعارض مع حقائق الإيمان وبيناته. {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ} [البقرة: 26]. نلاحظ أن نفس المثل يهدي به الله من اختاروا الهداية، ويضل به من اختاروا الضلالة، حسب ما اتجهت إليه أنفسهم، {وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة: 146 – 148]. فموقف الذات المؤولة من الخطاب تقبلا أو اعتراضا، أعظم موجه لفهمها له يشهد على ذلك قوله تعالى: “{الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 97]. فلما انخرط الأعراب في سلك الكفر والنفاق، بسبب بعدهم عن مجالس الذكر والإيمان، جعلتهم هذه الحالة النفسية غير مهيئين لتعلم حدود الوحي وبياناته، والمسلم محتاج إلى ضبط توجهه على أساس هدي الدين ومقاصده، حتى يستقيم فهمه في نصوص الشرع، إذ” لابد من معرفة الدلالات والمعاني الشرعية المقصودة وليس الملفوظة، فكثيرا ما يكون المعنى المقصود على خلاف الظاهر الملفوظ” [12]، وغير بعيد عن مجال النصوص الشرعية، يمكننا الحديث عن التوجه الذاتي الذي يحكم تدين كل مسلم متعلم وغير متعلم، فيحدد فهمه الخاص للدين، وتمثله سلوكيا في حياته اليومية، واستيعابه لحقائقه الاعتقادية والتعبدية والأخلاقية. سادسا: نماذج من التأويلات المؤطرة بتوجهات فكرية معينة. عندما نطالع أفكار مختلف الفرق الإسلامية وعلماء التفسير وشراح السنة، وعموم المفكرين قديما وحديثا، نقف على أثر التوجهات الفكرية في تأويل النص الشرعي، ومحاولة استخدامه لدعمها وإبراز مشروعيتها، وإذا لم يكن ممكنا تجريد التأويل من خلفيته الفكرية، واختيارات المؤول الشخصية الصحيحة والفاسدة، فإننا لا يمكننا بحال تبرئة المؤولين من مسؤوليتهم عن اعتماد اتجاه معين في تفسير النصوص وتأويلها، إذا كان اختلاله فاحشا وعن طريقة توظيفه إذا كان صائبا مقبولا. ونستعرض فيما يلي بعض نماذج التأويل التي خضعت لتوجهات فكرية معلومة؛ فالتفسير بالرأي عموما يعتمد على الاجتهاد، بعد امتلاك معرفة واسعة باللغة العربية، والمعرفة بأسباب النزول والناسخ والمنسوخ، وغيرها من علوم القرآن التي كان القصد من إبداعها تيسير فهم كلام الله والعمل بهديه، والمقصود بتفسير القرآن بالرأي ليس هو مطلق الرأي، وإنما الرأي المعتبر والمستند إلى الدليل الشرعي. ومن حكم هواه في تأويل كلام الله، فإنه هو المسؤول عن فهمه المعوج، وعن انعكاساته على تنزيله في اعتقاده وعبادته ومعاملاته، كما أن الفهم العليل في آي القرآن يعد حجابا بين المؤول ومضمون الوحي. فإخفاق المكلف في التوصل إلى معاني القرآن والزيغ عن هديه، هو العقاب الأول الذي يعجل لمن أساء التأويل في الحياة الدنيا. أما التفسير الإشاري فهو تفسير القرآن بغير ظاهره لإشارة تظهر لبعض المفسرين، مع عدم إبطال الظاهر. وقد عرفه الصابوني بأنه “تأويل القرآن على خلاف ظاهره، لإشارات خفية تظهر لبعض أولي العلم، أو تظهر للعارفين بالله من أرباب السلوك والمجاهدة للنفس، ممن نور الله بصائرهم فأدركوا أسرار القرآن العظيم، أو انقد حت في أذهانهم بعض المعاني الدقيقة، بواسطة الإلهام الإلهي أو الفتح الرباني، مع إمكان الجمع بينهما وبين الظاهر المراد من الآيات الكريمة”[13]، فعن تفسير قوله تعالى: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} [الرعد: 17] قال ابن عباس رضي الله عنه: (أنزل من السماء ماء) قال: قرآنا (فسالت أودية بقدرها) قال: الأودية: قلوب العباد[14]، فهذا التأويل ينسجم مع تعبير اللغة العربية، الذي يسمح باستعمال ألفاظ معينة للدلالة على معاني مخالفة لظاهرها ومستساغة في سياقها الخاص، ومنضبطة بالفهم السليم للدين، وهو غير ما يسمى بالتفسير الباطني، الذي يخرج عن الاستعمالات المتبعة في اللغة العربية، ويحملها ما لا تطيق من معاني شاذة تروم تثبيت معتقدات واهية. فقد فسروا قوله تعالى: {آلم ذلك الكتاب} الكتاب “علي”، {لا ريب فيه}: لا شك في إمامته، {هدى للمتقين}: بيان لشيعتنا. فكل آيات القرآن عندهم ليس لها من تفسير إلا وفق ما يخدم اتجاههم العقائدي. ويعتبر التأويل العقلي أساسا كبيرا في المنهج الفكري الاعتزالي، فهو الأداة التي بواسطتها تمكن المعتزلة من التوفيق بين أصول مذهبهم وبين نصوص القرآن والحديث. فمتى وجدوا في أحد هذين المصدرين نصا يعارض أصلا من أصولهم بادروا إلى تأويله، وصرف ألفاظه إلى معان موافقة للعقل[15]. فقد سئل جعفر بن مبشر أحد كبار المعتزلة عن قوله تعالى: “يضل من يشاء ويهدي من يشاء” وعن الختم “ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم” والطبع “ونطبع على قلوبهم فهم لا يسمعون” فقال أنا مبادر إلى حاجة، ولكني ألقي عليك جملة تعمل عليها: إعلم أنه لا يجوز على أحكم الحاكمين أن يأمر بمكرمة ثم يحول دونها، ولا أن ينهى عن قاذورة ثم يدخل فيها، وتأول بعد هذا كيف شئت”[16] وهكذا حاول المعتزلة الالتزام بمذهبهم في بناء منهج لتأويل القرآن الكريم يتقيد بمبادئهم ويدود عنها. وفي العصر الحديث ظهر ما سمي بالقراءة الجديدة للقرآن، التي سعت إلى توجيه فهم القرآن بما يناسب متغيرات الواقع والثقافة المادية السائدة، فالمهندس محمد شحرور يرى أن هدف القراءة المعاصرة، هو اختراق كثير مما يسمى بالثوابت، وخاصة ما يسمى أصول الفقه التي تم وضعها من قبل الناس في القرون الهجرية الأولى وهي برأيه لا تحمل أي قدسية، وبدون اختراق هذه الأصول لم نتمكن من تجديد أي فقه. فأطروحات التجديد لا معنى لها ولا تؤتي ثمارها، وإنما هي تكرار للذات وللسلف، وهي مجموعة من الخطابات والكلمات الرنانة بدون أي معانٍ أو أفكار مفيدة[17]، فهو بهذا يخالف مفهوم التجديد المتداول في الفكر الإسلامي، والذي من شروطه وغاياته إرجاع الأمر من جديد إلى ما كان عليه في أصله. ومن المؤولة الجدد من تطاول على النص القرآني، فكتب مقالا بعنوان “فراغات النص القرآني… من يملؤها وكيف؟” زعم فيه أنه لا يوجد نص متماسك كالتماسك الذي يوجد عليه الخط المستقيم.. ويقصد بذلك ألا وجود لنص من غير فراغات متغلغلة بين تصوراته وأفكاره وجمله. والمقصود عنده بالفراغ “الفراغ المملوء”، المحتشد بالكثير من المعاني والحقائق والأسرار والألغاز والأخبار. والمطلوب اقتحام هذا الفراغ من أجل اكتشاف بعض هذا المخزون، وهناك معنى آخر لملء هذا الفراغ، أن نسلل أو ندس بين الأفكار والتصورات التي يحملها النص، نلحم بين الأفكار والتصورات بواسطتنا نحن، بنفسنا، بروحنا، بضميرنا، خبثنا فرحنا، وكل ما هو لصيق بنا، بشكل وآخر[18]. فما سمي بالفراغات يمكن فهمها حسب السياق الذي جاءت فيه، وبناء على ما ورد مفصلا ومتعلقا بها في مواضع أخرى من القرآن، وليس كل من لاحظها يستنتج ما طالب به الكاتب، من تدخل عبثي في النص القرآني، وهذا نموذج واحد من أسباب الافتتان بالطبيعة القرآنية لمن ينظر فيها بخلفية الشك والجحود. ويبرز اتجاه القراءة المعاصرة للتراث، في كتابات العديد من المفكرين العرب الآخرين أمثال: الطيب تيزيني في كتابه: (النص القرآني أمام إشكالية البنية والقراءة)، محمد أركون، صاحب مشروع “نقد العقل الإسلامي” وكتاب “من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني”، ومحمد عابد الجابري في كتابه: (التراث والحداثة). ومترجم كتب محمد أركون: هاشم صالح في: (القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني). وفي عدد من مؤلفات علي حرب (نقد النص)، و(نقد الحقيقة). وفي مجموعة من مؤلفات: نصر حامد أبو زيد، مثل: (الخطاب والتأويل)، و(مفهوم النص). وأدونيس في كتابه: (الثابت والمتحول). وحسن حنفي في كتابيه: (دراسات إسلامية)، و(مفهوم النص). فهؤلاء وغيرهم “اعتمدوا منهج رفض القراءة التراثية وتبنوا مشروع قراءة تأويلية، تعتمد المناهج الغربية، وترمي إلى رفع عائق القدسية عن النص القرآني.. والنظر إليه على أنه مجرد نص لغوي كسائر النصوص البشرية، وأنه نص محكوم بسياق ثقافي اجتماعي معين، وتزعم أنه نص ينفتح على احتمالات متعددة وتأويلات غير متناهية”[19]. وبالتأكيد سيستمر سيل التأويلات دفاقا، ما بقي إنسان على وجه الأرض، تحقيقا لحكمة الله ومراده، بأن يظل كتابه ووحيه الخاتم مثار جدال ونقاش، أصاب فيه أناس وأخطأ آخرون، ولكن يجمعهم حال واحد هو أن كلا منهم سوف يسأل عن فهمه وموقفه فيجزى بما يستحقه عند المتكلم بالقرآن العليم الحكيم. القسم الثاني: مسؤولية الذات المؤولة إذا كان مقصد الله من إنزال الكتاب، إفساح المجال أمام حرية العقل البشري، ليفهم من كلام الله ما يتطلع لفهمه، فإنه لن يكون مكلفا إلا بحسب ما يدركه العقل الفردي والجماعي من مضمون الوحي، وليس مكلفا بما فوق ذلك. فما يصعب تأويله اختبار عسير للتمييز بين من يعرف حدود العقل فيقف عندها فيفلح، ومن يتجاوزها زيغا وطلبا للفتنة وإشاعة لها فيضل. فمسؤولية الإنسان لا تبدأ عند علمه بما يجب عليه فعله وما يحرم، وإنما تبدأ من الرؤية الكلية، التي تنتظم الدين كله هل تمثل حقيقته الكاملة، أم تجانبها وتنأى بالنفس عن الفهم الصحيح لها، وحسن استيعابها والالتزام بالحياة على نهجها. {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [الأحقاف: 13]، فقبل إرساء قاعدة الاعتقاد في الله تعالى، يحتاج المرء إلى تأويل سليم لما يسمع ويرى في الحياة، ليخلص إلى الحق والحقيقة الدينية، ليهون عليه بعد ذلك الانخراط في ممارستها بصدق وحماس. إذن يحتاج المتصدي للنظر في مضمون الوحي كتابا وسنة، أن يستشعر ثقل هذه المهمة، وما تتطلبه من شروط نفسية ومنهجية معرفية، حتى يستقيم فهمه وتأويله، ويصح تمثله وتخلقه، وينأى بنفسه عن مواقع الغلط والزلل والارتياب، وفيما يلي أهم جوانب مسؤولية المؤول. أولا: إخلاص القصد لله وطلب هدايته فأول خطوة على درب تدبر كلام الله، هي إقبال القارئ على كتابه راغبا طامحا في تعلم بيناته، متواضعا مستسلما لدروسه وعظاته، مشتاقا للاستزادة من أنوار علمه وبصائره، والوقوف على حقائقه وحكمه وأحكامه، وأن يدعم إخلاص قصده، بالمواظبة على الدعاء، بأن يفتح الله قلبه لفهم مراده من كلامه، ويوفقه لاستيعاب بيانه والتزام حدوده، وألا يطلب شيئا من متاع الدنيا أو منصبا أو سمعة، بتأويل القرآن لينال هو نفسه أو غيره ما ليس بحق وعدل. ورد في الحديث عن أم الفضل وعبد الله بن عباس، رضي الله عنهما، أن رسول الله ﷺ قال: “ليظهرن الإيمان حتى يرد الكفر إلى مواطنه وليخاض البحار بالإسلام، وليأتين على الناس زمان يتعلمون فيه القرآن فيعلمونه ويقرؤونه، ثم يقولون قد قرأنا وعلمنا فمن ذا الذي هو خير منا؟ فهل في أولئك من خير؟» قالوا: لا يا رسول الله. ومن أولئك؟ قال: «أولئك منكم، وأولئك هم وقود النار”[20] ثانيا: تهيب مدارسة خطاب الله واستعظام تأويله خلاف مراده. عندما يندفع المطالع لنصوص الوحي، دون الحذر من اختلال الإدراك وغلبة الوهم، ويجهل أو يتجاهل بأن جانبا من آياته مثار إشكالات حقيقية تزيغ فيها الأفهام وتزل الأقدام، فإنه يغامر بالخوض في تأويله دون رادع فيكون عرضة للغلط والانحراف. ولقد تواترت الأدلة الشرعية، على تأكيد خطورة تأويل شيء من القرآن، دون تصحيح القصد واستيفاء الكفاءة العلمية المطلوبة، بل إن الخطورة تخف ولا تزول حتى مع وجودهما، ففي الحديث “من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار”[21]، فمن نظر في القرآن بغير علم وقع في اتباع هواه، وزل فكره وساء تقديره، “لأن التفسير معناه الكشف والبيان والكشف عن مراد الله تعالى، لا يجزم به إلا إذا ورد عن رسول الله ﷺ، أو عن بعض أصحابه الذين شهدوا نزول الوحي، أما التأويل فملحوظ فيه ترجيح أحد محتملات اللفظ بالدليل، وهذا الترجيح يعتمد على الاجتهاد”[22]. فالمؤمن يستشعر هول مسؤولية تأويل كلام الله، خشية تحميله ما لا يحتمله، فيكون حاله حال من يكذب على الله، والذي لا يقل جزاءه عمن يكذب على رسوله، ” مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا؛ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ”[23]. وقد كان كبار الصحابة رضوان الله عليهم يتهيبون تأويل القرآن، لما يعلمونه من صعوبته رغم تمكنهم من العربية، وشهودهم تنزل القرآن حسب الوقائع، فعن الشعبي قال: أدركت أصحاب عبد الله، وأصحاب علي وليس هم لشيء من العلم أكره منهم لتفسير القرآن، قال: وكان أبو بكر يقول: “أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم”[24]، وقد نهى رسول الله ﷺ عن التماري في القرآن، لما سمع قوما يتدارءون*، فقال: ” إنما هلك من كان قبلكم بهذا، ضربوا كتاب الله بعضه ببعض، وإنما نزل كتاب الله يصدق بعضه بعضا، فلا تكذبوا بعضه ببعض، فما علمتم منه فقولوا، وما جهلتم، فكِلوه إلى عالمه”[25]. إن وحي الله تعالى لا يفتح خزائن علومه ولا يمنح مفاتيح أسراره لكل من استوفى الشروط العلمية المطلوبة، حتى يشفعها بخشية الله تعالى والعمل بما علم من هدي كتابه وسنة نبيه، إذ “لا ريب أن الله يفتح على قلوب أوليائه المتقين وعباده الصالحين – بسبب طهارة قلوبهم مما يكرهه، واتّباعهم ما يحبه- ما لا يفتح به على غيرهم وهذا كما قال عليٌّ : إلا فهما يؤتيه الله عبدا في كتابه، وفى الأثر : من عمل بما علم ورّثه الله علم ما لم يعلم، وقد دل القرآن على ذلك في غير موضع”.[26] وقال ابن القيم: ” والمقصود تفاوت الناس في مراتب الفهم في النصوص، وأن منهم من يفهم من الآية حكما أو حكمين، ومنهم من يفهم منها عشرة أحكام أو أكثر من ذلك، ومنهم من يقتصر في الفهم على مجرد اللفظ دون سياقه ودون إيمائه وإشارته وتنبيهه واعتباره”[27]. فتحصيل العلم بالشرع عامة وبالقرآن خاصة، نعمة يمنحها الله لمن يستحقها بإعزاز كتابه وإجلاله، وعدم التجرؤ على تفسيره أو تأويله، دون استيفاء الشروط اللازمة النفسية والمعرفية. ثالثا: تحقق الشروط الأساسية لاستجلاب التوفيق والسداد في تأويل النص الشرعي حدد العلماء بعض الشروط التي يلزم أن يستوفيها من يروم تأويل الوحي نجملها فيما يلي[28]: 1ـ أن يكون التأويل موافقا لوضع اللغة، أو عرف الاستعمال، أو عادة صاحب الشرع، وكل تأويل خرج عن هذه الثلاثة فباطل. 2ـ أن يندرج في إطار مقاصد الشرع وكلياته العامة، وموافقا لما هو معلوم من الدين بالضرورة. 3ـ أن يكون المعنى الذي أول إليه اللفظ من المعاني التي يحتملها اللفظ نفسه، ويدل عليها بطريق من طرق الدلالة بمنطوقه أو مفهومه. 4ـ أن يقوم على التأويل دليل صحيح، يدل على صرف اللفظ عن الظاهر إلى غيره، وأن يكون هذ الدليل راجحا على ظهور اللفظ في مدلوله. ومن الآداب التي تضاف إلى الشروط العلمية نذكر ما يلي: ـ تقوى الله: أكد تعالى أنه سبحانه هو من يتولى تعليم كتابه والنفع بفوائده، لمن يحرص من عباده على تحصيلها، وصدق في امتثال أوامره واجتناب نواهيه، وكان تلميذا مجدا ومجتهدا في التزام تقوى الله، {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 282]. ـ المواظبة على تدبر القرآن ومدارسته: ومما ينمي في الفكر القدرة على تأويل كلام الله؛ المداومة على تلاوته وتدبره آناء الليل وأطراف النهار، حتى يخبُر منهجَه في خطابه، ويلم بمحتوياته وقضاياه، لأن “تدبر القرآن، وإطالة التأمل فيه، وجمع الفكر على معاني آياته، فإنها تطلع العبد على معالم الخير والشر بحذافيرهما، وعلى طرقاتهما وأسبابهما وغاياتهما وثمراتهما، ومآل أهلهما، وتَتُل في يده مفاتيح كنوز السعادة والعلوم النافعة، وتثبت قواعد الإيمان في قلبه، وتشيد بنيانه وتوطد أركانه، وتريه صورة الدنيا والآخرة والجنة والنار في قلبه، وتُحضِره بين الأمم، وتريه أيام الله فيهم، وتُبَصره مواقع العبر، وتُشهِده عدل الله وفضله، وتعرفه ذاته، وأسماءه وصفاته وأفعاله، وما يحبه وما يبغضه، وصراطه الموصل إليه، وما لسالكيه بعد الوصول والقدوم عليه، وبالجملة تعرفه الرب المدعو إليه، وطريق الوصول إليه، وما له من الكرامة إذا قدم عليه”[29]. ـ مراجعة محصول التأويل وتنقيحه وتصويبه على الدوام: يحتاج التأويل إلى إدامة المراجعة وتجديد النظر حينا بعد حين، وعرضه على مجمل القرآن وربطه بمقاصد الدين العامة، وعرضه على أهل العلم وطلب رأيهم فيه وإجازتهم له، وعدم الجزم فيما اطمأنت إليه النفس وغلب الظن بصوابه، حتى يمكن الاستماع لملاحظات ذوي الخبرة وتوجيهاتهم، واعتبارها شرطا لمزيد من البحث والتفكير، المفضي إلى أعلى ما يمكن من الضبط والتدقيق. رابعا. الانطلاق من رؤية عامة موجهة لفهم النص الشرعي. تتحدد المنهجية التي يعتمدها المؤول، انطلاقا من رؤية معينة والتي قد يكون واعيا بها غالبا وقد لا يكون، وتكون موجهة لعملية التفسير والتأويل لمحتوى الوحي، فعلى قدر اقترابها من حقائق الدين، وانضباطها بمقاصده الكلية، يكون التأويل الذي تؤطره أقرب للصواب وأبعد عن الخطإ، والعكس بالعكس. ومن ثم لزم أن تحوز الرؤية المؤطرة للتأويل، العناية الكبرى والاجتهاد الأقصى، لأن موقف الذات المؤولة المسبق من الخطاب، سواء كان مؤسسا علميا وفكريا، أم نتيجة مقاربة نفسية وفكرية مختلة، هو أعظم موجه لبناء الفهوم والتصورات. وهذا الشرط على أهميته، قليلا ما يحظى باهتمام المتصدين لتأويل النص الشرعي، من الدارسين والمفكرين والمفسرين، على غرار ما هو موجود عند بعض الفرق الإسلامية، التي تجد نفسها مضطرة لتحديد مواقفها من محتويات الخطاب الشرعي، التي قد تتعارض معها كثير من أفكار بعضها وتوجهاتهم. إن الرؤية الموجهة لتفسير النص الشرعي، تستوجب إحكام ربطها بالرؤية العامة للدين، باعتبارها فرعا عنه وتفصيلا لحقائقه، بل إن الفهم السديد لمضمون الوحي وحسن تأويل مفرداته، هو المنطلق السليم لبناء الرؤية الشاملة لكل قضايا الوجود الإنساني، قبل استخراج الرؤية الخاصة بتتبع جزئيات النص الشرعي، والتصدي لفهمها في إطار الرؤية الجامعة. خامسا: الحذر من انطماس القلب إن مدارسة كتاب الله وتدريسه والبحث فيه، لا يضمن لمن يقوم بذلك النفاذ إلى روحه وسبر أغواره، إلا إذا كان ساعيا مثابرا في طلب هدايته والاستنارة بنوره، في سراديب الحياة ومعضلاتها. لذا يلزم التفريق بين فهم الدلالة وفهم الهداية. فليس كل من بلغته الحجة وفهمها يهتدي بها. لكن الله جعل فهم الدلالة شرطاً في تكليف عموم الناس، ولم يكتب فهم الهداية والتوفيق إلا لمن أراد لهم ذلك، وكانوا مستحقين له عنده، فقراءة القرآن ليست كقراءة الكتب البشرية، يستفيد منها كل من استوفى الشروط العلمية المطلوبة، وأتقن اللغة المكتوبة بها، وإنما القرآن الكريم من حيث هو دليل الله على حقائق الدين، التي من استوعبها وعمل على أساسها فاز بخيري المعاش والمعاد، وسار على الصراط السوي، وهو أيضا تكليف من أمعن النظر في مضمونه، يكافأ بما يليق به من الهداية أو العماية، ولا ينال من فوائده الكثيرة، إلا على قدر حرصه عليها، واستعداده للانتفاع بها. فالقرآن كما يزيد المهتدين هدى يزيد الضالين ضلالا، {وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا} [المائدة: 68]. {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [يونس: 15] فقد احتل توضيح العلاقة بين المؤول (بالكسر)، والنص الشرعي المؤول مساحة هامة في خطاب الشرع، لكي يعيها ويستوعبها جيدا من يريد فهم مضمونه واستخراج فوائده، فعن أبي ذر الغفاري قال رسول الله ﷺ:”إِنَّ بَعدي مِنْ أُمَّتِي – أو سيكون بعدي من أمتي – قوم يَقْرَأُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَلاقِمَهُمْ يَخْرُجُون مِن الدِّينِ كَمَا يَخرُجُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ ثُمَّ لَا يَعودُون فِيهِ هُم شَرُّ الخلق والخليقة”.[30] فعلى من يتلو القرآن أن يكون على حذر شديد ويقظة كاملة، لأنه في امتحان خفي، إما يخلص منه إلى مزيد هداية أو إلى شيء من الضلالة، وإما يكون القرآن حجة له أو حجة عليه. سادسا: التزام المؤول بنتائج تأويله عندما ينتهي التأويل بصاحبه إلى فهم معين في الكتاب والسنة، وبناء موقف على أساسه، فإنه يصبح ملزما بنتائج تأويله، ما دام يغلب على ظنه أن ما تبين له هو مراد الله، ولم يخرج عن مقتضيات اللسان العربي، أو يتعارض مع معلومات الدين بالضرورة، وكان هذا المسلك لدى العلماء الرواد، هو أصل نشوء الفرق الإسلامية والمذاهب الفقهية المشهورة. ويتعلق التأويل غالبا بإنشاء اعتقاد أو تصور، وبإيجاب فعل أو تحريمه، وإيقاع ذلك بمجرد تبينه والوقوف على ما يدل على وجوبه، لأنه يُطْلَق التأويل في الكتاب والسنة ويراد به الحقيقة التي يؤول إليها الأمر أو الخبر، كالرؤيا المنامية التي تؤول إلى حدث متحقق في الواقع، كما حصل ليوسف وهو صغير حيث وردت قصته في القرآن، {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} [يوسف: 4] ثم تحقق تأويل هذه الرؤيا عندما سجد له والداه وإخوته الأحد عشر، {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا} [يوسف: 100]. ومن معاني تأويل أمر الله في كتابه، بالصلاة والزكاة والصيام وغيرها من التكاليف، القيام بأدائها والمحافظة عليها، فعن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: “كان النبي ﷺ يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي ” يتأول القرآن”[31]، والذي أمره فيه الله بأن يسبح بحمده وأن يستغفره، {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر: 3]. كما أن تأويل ما أخبر به القرآن، من الحشر والحساب والجزاء في الآخرة، هو تحققه في يوم القيامة، {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} [الأعراف: 53]. وهكذا يتبين من دلالات التأويل في المنظور الإسلامي، ارتباطها الشديد بالإفضاء إلى عمل أو التحقق في الواقع، وليس محض تصور لا يندرج تحته واجب عملي. وقد يؤدي التأويل بالمؤول إلى الانفراد بفهم خاص، أو الانتهاء إلى اختيار مرجوح، لكن مدار التكليف دائما على ما اطمأنت إليه النفس وإن خالف أحيانا الاتجاه المشهور والغالب، ولم يكن القصد هو مجرد المخالفة والتميز عن الناس. فالمتأول غير آثم إذا كان في حقيقته مخطئا غير متعمد لما اعتمده، بل يعتقد أنه على حق، وكان ذلك هو قصده ونيته، ومبلغ فكره واجتهاده، وقد قال تعالى: [وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ [الأحزاب:5. وهذا عام في كل خطإ، لأنه يكون عن غير قصد ولا تعمد. قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ : “قد يكون الرجل لم تبلغه النصوص الموجبة لمعرفة الحق، وقد تكون عنده ولم تثبت عنده، أو لم يتمكن من فهمها، وقد يكون قد عرضت له شبهات يعذره الله بها، فمن كان من المؤمنين مجتهداً في طلب الحق وأخطأ : فإن الله يغفر له خطأه كائنا ما كان، سواء كان في المسائل النظرية أو العملية”[32] فكل متأول معذور مادام يتحرك بفكره في دائرة المعنى المحتمل لغة وشرعا، ولم يتبين تعديه لحدود الشرع وضوابطه، ” وأما من أظهر ما فيه مضرة، فإنه تدفع مضرته ولو بعقابه، وإن كان مسلماً فاسقاً أو عاصياً، أو عدلاً مجتهداً مخطئاً، بل صالحا أو عالما، سواء في ذلك المقدور عليه والممتنع… وكذلك يعاقب من دعا إلى بدعة تضر الناس في دينهم ؛ وإن كان قد يكون معذوراً فيها في نفس الأمر لاجتهاد أو تقليد”[33]. وقال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله: (قال العلماء كل متأول معذور بتأويله ليس بآثم، إذا كان تأويله سائغاً في لسان العرب، وكان له وجه في العلم)[34] ويقرر ابن حزم العذر بمثل هذا التأويل قائلاً: (ومن بلغه الأمر عن رسول الله ﷺ، من طريق ثابتة، وهو مسلم، فتأول في خلافه إياه، أو ردّ ما بلغه بنص آخر، فما لم تقم عليه الحجة في خطئه في ترك ما ترك، وفي الأخذ بما أخذ، فهو مأجور معذور، لقصده إلى الحق، وجهله به، وإن قامت عليه الحجة في ذلك، فعاند، فلا تأويل بعد قيام الحجة)[35]. ولا تأويل فيما خالف أو أنكر معلومات الدين بالضرورة، قال أبو حامد الغزالي: “ولا بد من التنبه لقاعدة أخرى وهي: أن المخالف قد يخالف نصّاً متواتراً ويزعم أنه مؤول، ولكن ذكر تأويله لا انقداح له أصلا في اللسان، لا على بُعده ولا على قرب، فذلك كفر وصاحبه مكذِّب ولو زعم أنه مؤول، ومثاله : ما رأيته في كلام بعض الباطنية أن الله تعالى واحد بمعنى أنه يعطي الوحدة ويخلقها، وعالِم بمعنى أنه يعطي العلم لغيره ويخلقه، وموجود بمعنى أنه يوجد غيره، وأما أن يكون واحدا في نفسه وموجوداً وعالماً على معنى اتصافه به : فلا، وهذا كفر صراح ؛ لأن حمل الوحدة على إيجاد الوحدة ليس من التأويل في شيء، ولا تحتمله لغة العرب أصلا.. فأمثلة هذه المقالات تكذيبات عَبَّر عنها بالتأويلات”[36]. ويرى بعض العلماء وجوب محاجة من شذ واعتدى في تأويله، حتى تعلم مستنداته ودلائله، ويُعرف مدى قدرتها على الصمود أمام النقد والبيان العلميين، فالتأويل مسؤولية عظيمة تعرض صاحبها للمساءلة والمتابعة في الدنيا، وبين يدي الله الذي يعلم مكنونات القلوب وخبايا النفوس. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ [1] – أبو الأعلى المودودي، مبادئ أساسية لفهم القرآن، نشر منبر التوحيد والجهاد ص2. [2] – جاء في مختار الصحاح ج1 ص 257 “وماحل مصدق جعله يمحل بصاحبه إذا لم يتبع ما فيه، أي يسعى به إلى الله تعالى وقيل معناه وخصم مجادل مصدق، – والمماحلة المماكرة والمكايدة. [3]– أورده الألباني في صحيح الجامع الصغير وزياداته، 2/818. [4] – مبادئ أساسية لفهم القرآن، مرجع سابق، ص3. [5] – شرح السنة للبغوي (1/ 265). [6] – أبي شجاع الديلمي، الفردوس بمأثور الخطاب، 3/228. [7] – الماوردي، أبو الحسن علي بن محمد، النكت والعيون، تحقيق خضر محمد خضر، مطابع مقهوي، ط 1 – 1402/1982 [8] – الجرجاني، علي بن محمد – التعريفات دار الكتب العلمية بيروت – لبنان ط 1، 1403هـ -1983م – ص 50. [9] – أديب صالح، محمد – تفسير النصوص في الفقه الإسلامي، المكتب الإسلامي، ط 2، 1404/1984- ص 1/140 [10] – الذهبى، محمد حسين – التفسير و المفسرون، مكتبه وهبه، ط 7، السنة 2000- ص16/1 (باختصار شديد ). [11] – مبادئ أساسية لفهم القرآن ص 23. [12] – أحمد الريسوني، محاضرات في مقاصد الشريعة، دار السلام ط1، 1430/ 2009. [13]– انظر التبيان في علوم القرآن، محمد علي الصابوني، عالم الكتب للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، 1985، ص191. [14]– القرطبي، الجامح لأحكام القرآن، 9/259 [15]– انظرالمنحى الاعتزالي في البيان وإعجاز القرآن، أحمد أبو زيد، مكتبة المعارف ط1 الرباط 1986، ص 44. [16] – فرق وطبقات المعتزلة ص 81 نقلا عن المنحى الاعتزالي في البيان وإعجاز القرآن، المرجع السابق. ص 144. [17] – انظر موقع محمد شحرور http://www.shahrour.org/. [18] – بودراع، عبد الرحمن. الخطاب القرآني ومناهج التأويل نحو دراسة نقدية للتأويلات المعاصرة، نشر مركز الدراسات القرآنية التابع للرابطة المحمدية للعلماء الرباط. ط 1، 1434/2013، ص 36. [19] – نفسه.ص 51. [20]– المعجم الكبير للطبراني (12/ 250) وحسنه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة. [21] – رواه الترمذي وصححه وابن الأنباري والطبراني والبيهقي. [22] – انظر تفسير الماتريدي (تأويلات أهل السنة)، أبو منصور الماتريدي، تحقيق د. مجدي باسلوم، دار الكتب العلمية – بيروت، لبنان الطبعة: الأولى، 1426 هـ – 2005 م (1/ 185). [23] – التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان (8/ 71) وقال الألباني حسن صحيح. [24] – مصنف ابن أبي شيبة (6/ 136)* أي يتمارون [25] – مسند أحمد ط الرسالة (11/ 354) وهو صحيح، وهذا إسناد حسن. معمر: هو ابن راشد. وهو في “مصنف” عبد الرزاق (20367)، ومن طريقه أخرجه البخاري في “خلق أفعال العباد” ص 43، والبغوي (121)، والبيهقي في “شعب الإيمان” (2258). وسلف برقم (6668)، وذكرنا هناك شواهده. [26] – ابن تيمية، مجموع الفتاوى، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة النبوية، المملكة العربية السعودية، 1416 هـ/1995م، ص 13/245. [27] – ابن قيم الجوزية، إعلام الموقعين عن رب العالمين، تحقيق: محمد عبد السلام إبراهيم، دار الكتب العلمية ـــ ييروت 1/354. [28]– انظر تفسير النصوص في الفقه الإسلامي، محمد أديب صالح، المكتب الإسلامي، ط 3، 1404/ 1984، 1/380 ـــ 382. [29] – ابن قيم الجوزية، مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين، تحقيق: محمد المعتصم بالله البغدادي، دار الكتاب العربي – بيروت ط3، 1416 هـ – 1996م، (1/ 450) [30] – التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان (9/ 403) صححه الألباني. [31] – صحيح البخاري (1/ 163). [32] – ابن تيمية، “مجموع الفتاوى، المحقق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، الناشر: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة النبوية، المملكة العربية السعودية، 1416هـ/1995م، ص 346 / 23. [33] – نفسه 10/ 375. [34] – ابن حجر العسقلاني، فتح الباري شرح صحيح البخاري، رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي، قام بإخراجه وصححه وأشرف على طبعه: محب الدين الخطيب عليه تعليقات العلامة: عبد العزيز بن عبد الله بن باز. دار المعرفة – بيروت، 1379. 12/304. [35] – ابن حزم، الدرة فيما يجب من الاعتقاد، توزيع مكتبة التراث، ط 1، 1408/1988، ص 414. [36] – أبو حامد الغزالي، فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة” قرأه وخرج أحاديثه وعلق عليه محمود بيجو. ط1، 1413/1993 (ص 66، 67 ).