المِعيارُ المُعرِب والجامع المُغرِب عن فتاوى أهل إفريقية والأندلس والمغرب لأبي العبَّاس أحمد بن يحيى الونشريسي (ت914هـ)، ـ نوازل الطهارة، نوازل الصَّلاة، نوازل الجنائز، نوازل الزكاة، نوازل الصِّيام والاعتكاف، نوازل الحج»، دراسة وتحقيق.

إنجاز: الدكتور عبدالسلام الزاوي
 بحث لنيل درجة الدكتوراه في شعبة الدراسات الإسلامية
جامعة ابن طفيل بالقنيطرة
تحت إشراف: الأستاذ الدكتور محمد بوطربوش
11 ماي 2021 الموافق 28 رمضان 1442

      بسم الله الرحمن الرحيم وصلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ على المبعوثِ رحمةً للعالمين، سيِّدنا محمَّد وآله وصحبه، ومن سار على هديِه واستَمسكَ بنورِه من التابعين وتابِعِيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وبعد:
      إنَّ علمَ الفقهِ من أوسعِ العلومِ وأشملِها لكتاب الله ولسنَّة نبيه صلى الله عليه وسلم، لذا حثَّ الله المؤمنين ليتفقَّهوا في الدين في قوله ﴿وَمَا كَانَ الـمُومِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّة فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمُ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾([1])، وحثَّ النَّاس على التَّفقه في دينهم، فإن عُرض لهم عارضٌ أو حادثٌ في واقعةٍ من الوقائع يسألون أهل الذكر لقوله تعالى ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا يُوحَى إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾([2]).
      وإذا كان الفقهُ هو الإطارُ النَّظري الذي ينظِّم تصرفات المكلَّفين، فإنَّ فنَّ النَّوازل هو الميدان الخصب الذي تتفاعل فيه أحكام الفقه مع مستجدات النَّاس وتفاصيل حياتهم، فيجد الحلول لما استعصَى عليهم من مُشكِلات الحياة من نصوص الشَّريعة وأدلَّتها وقواعِدها في ظل روح مقاصدها السَّامية سعيًا إلى تحقيق الحياة الطيِّبة، لذلك كان الفقه في الدين مؤشِّرًا على الخيرية في البشر.
      والفقه الإسلامي يُواكب الواقع، ويُساير المتغيرات، ويظلُّ السؤال والاستفتاء قائمًا على اعتبار أنَّ النصوص التشريعية متناهية ومحدودة، ووقائع النَّاس وحاجاتهم متجدِّدة وغير متناهية، وهو ما جعل طبيعة الفقه مهيَّأة لظهور فقه النَّوازل الذي يعتبر وسيلة تتفاعل من خلالها الطبقات الاجتماعية المختلفة مع العلماء والفقهاء حرصًا للخروج من دواعي الأهواء إلى داعي الشَّرع.
      إنَّ الحديث عن النَّوازل الفقهية هو حديث عن حصيلة فقهية لفتاوى وأجوبة تحكي ظروف اجتماعية وتاريخية واقتصادية متناثرة بين أبواب الفقه، تُظهر الخصوصية التي ميَّزت المدرسة المالكية، كما تظهر كفاءة وبراعة الفقهاء النَّوازليِّين الذين أبدعوا تأليفًا وجمعًا وترتيبًا وترجيحًا ونقدًا وعلى رأسهم أبو العباس الونشريسي حامل لواء المذهب المالكي في عصره.
      عرف علم النَّوازل في الغرب الإسلامي تطوُّرًا ملحوظًا تجلى في تأليف العلماء العديد من التصانيف والمؤلفات، وأصبح هذا الفن من الفقه الإسلامي شاهدًا على ممارسات تُظهِر حالة المجتمع بمختلف الايجابيات والسلبيات، ولا ريب أنَّ أضخم موسوعة في النَّوازل الفقهية التي جمعت فتاوى العلماء المتقدمين، واجتهادَاتِهم في المذهب المالكي طوال ثمانية قرون ما ألَّفه الإمام أبو العبَّاس أحمد بن يحيى الونشريسي في مؤلفه “المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوي أهل إفريقية والأندلس والمغرب”، حيث اصطبغ هذا المؤلف بصبْغَة المذهب المالكي الذي يتوسَّع في أصلين من أصوله، وهما: المصالح المرسلة وسد الذرائع، وهما مرتبطان بواقع النَّاس.
      فهذه باختصار لمحة سريعة وشاملة على هذا الفن من الفقه، والتي تُبرِز جهود العلماء المالكية في خدمة مذهبهم والانتصار له، وفي التصنيف والتأليف.
أمَّا فيما يخص أهمية الموضوع والأسباب التي دفعتني إلى اختيار هذا المخطوط لدراسته وتحقيقه فأُجْمِلُها فيما يلي:
أولا: أهمية الموضوع:
      تكمن أهميَّةُ الموضوع في أهميةِ الكتابِ المحقَّق والمدروس، وفي القيمة العلمية التي يتمتَّع بها العلَّامة أبو العبَّاس الونشريسي، فكتاب “المعيار المعرب” تَرجِع أهميته إلى عدَّة وجوه نذكرها على سبيل الإجمال لا الحصر:
ـ يعرض جوانب مهمَّة من التراث الفقهي بالغرب الإسلامي، وهو فقه النَّوازل بما يحتوي عليه من فوائدٍ علميةٍ وفكريةٍ وتاريخيةٍ مهمَّة، بالإضافة إلى كشفه عن سر الصِّناعة الفقهية من خلال استنباط الأحكام، وتحقيق المناط، ومراعاة مقاصد المكلَّفين.
ـ أنَّ هذه الدراسة تهمُّ الفقيه العالم العلَّامة، المجتهد، حامل لواء المذهب على رأس المائة التاسعة، وأحد أعمدة المدرسة المالكية المغاربية، ذلكم هو أبو العبَّاس أحمد بن يحيى الونشريسي التلمساني منشأ وأصلًا، الفاسي منزلًا ومدفنًا الذي عاش خلال القرن التاسع الهجري.
ـ يعتبر “المعيار المعرب” وثيقة تاريخية وعمدة مرجعية لما حواه من نوازل وقضايا، ومسائل فقهية حدثت فيما بين القرن الثالث والتاسع الهجريين.
ـ إنَّ جمع الإمام الونشريسي للفتاوى والنَّوازل الفقهية، وعرضِها وترتيبِها والتعليق عليها، ونقدها أحيانا ليس بالأمر الهيِّن، بل هو صناعة خاصَّة، تحتاج إلى دراية بالفقه، وخبرة بالتاريخ.
ـ أنَّ هذا الكتاب يجمع بين الفقه والأصول، والخلاف الفقهي، والقواعد الفقهية والأصولية.
ـ غزارة الفتاوى الفقهية التي يحتوي عليها “المعيار المعرب“، وهي جديرة باهتمام الباحثين، وجديرة بأن تُحقَّق تحقيقًا علميًّا يليق بها حتى يستفيد العلماء والباحثين من هذا الكنز الثمين.
ثانيا: أسباب اختيار الموضوع:
ـ يعدُّ “المعيار المعرب” للونشريسي أثر علمي وتاريخي يزخر بالعديد من الفتاوى في مجالات اجتماعية واقتصادية وفكرية ارتبطت بصاحبها الذي لم ينحصر عمله المضني في جمع الفتاوى فحسب، بل رتَّبها وعلَّق على بعضها.
ـ أنَّه واحد من تآليف الونشريسي الفقهية المعتمدة في المذهب المالكي بما حواه من فتاوى ونوازل فقهاء الغرب الإسلامي التي ترجع إلى عصر متقدم، فكان بمثابة موسوعة فقهية نوازلية يرجع العلماء والفقهاء والباحثين إليها في فتاويهم ونوازلهم.
ـ ضمَّ مجموعة ضخمة من فتاوى واجتهادات فقهاء تلمسان، وبجاية، وقرطبة، وغرناطة، وسبتة، وفاس، ومراكش طوال ثمانية قرون.
ـ يُعدّ الكتاب مرجعًا مهمًّا في علم الفقه ومسائل الأحكام، فهو يندرج ضمن الفقه العملي الذي كانت له الريَّادة في الغرب الإسلامي.
ـ أنَّه جمع فتاوى كانت إجابات عن إشكالاتِ النَّاسِ، وأسئلتهِم في أحداث تتَّصل بحياة النَّاس وواقعهم في إفريقية والأندلس والمغرب، وكانت إجابات المفتين تُعبِّر عن آرائهم، والتي لا تكاد تخرج عن المذهب المالكي، وربطت بين الفقه وأصوله، وكانت سبيلا لحل الأزمات المستعصية.
      لهذه الأسبابِ كلِّها، ولأهمية كتاب الإمام الونشريسي -رحمه الله- بين المصنَّفات في علم الفتوى والنَّوازل، وكذا أهمية الكتاب المحقَّق، ولمكانة “أبي العبَّاس الونشريسي” -رحمه الله-؛ فقد ارتأيتُ أن أَخْدِم هذا الكتاب تحقيقًا ودراسةً، وأجعلُه موضوعا لنيل شهادة الدكتوراه في مسلك الاختلافِ في العلوم الشَّرعية.
ثالثا: الأسبابُ الداعيةُ إلى إعادة تحقيق المعيار المعرب.
      ليس من شكٍّ في أنَّ إعادة تحقيق “المعيار المعرب”، وإخراجُه على الشَّكل الذي كتبه مؤلِفه أو قريبا إليه، لا يقل فضلًا عن نشر مخطوط جديد؛ لأنَّ بقاءَ النَّص على هيأتِه بما فيه من تصحيفٍ أو تحريفٍ في كلماته، قد يوقع الباحثين في وهْمٍ حين يستندون إليه في دراساتهم أو يناقشون ما ورد فيه من آراء يظنُّون أنَّها لأصحابها في حين أنَّها جاءت نتيجةَ عجلةِ النَّشر أو ضيق الوقت.
      وظاهرةُ إعادةِ تحقيق الكتاب ليست مرفوضةً ابتداءً، نراها واجبةً في حقِّ بعض الكتب التي تُنشر دون عناية وتحقيق دقيق، وتكتظ بالتصحيف والتحريف، والقصور فيما يتطلبه التحقيق العلمي الأمثل حسب الأصول والقواعد اللازمة له.
      وقد دفعني هذا الخلط إلى تسجيل أمور تجيز للباحث إذا رآها في نصِّ الكتاب، أن يعيدَ نشرَه ثانية، لما في هذا من حسنات تخليص المُؤلَّف من شر النَّقص وآفات الخلل، وأبرز هذه الأمور ما يأتي:
ـ أنَّ المعيار المعرب نُشر بمقدمة دراسية لم يحققِّ فيها النَّاشر عنوان الكتاب، ولم يوثِّق صحَّةَ نسبَته إلى مؤلِّفِه، ويبيِّن منهج الكتاب، ويصف بدقة مخطوطاته المعتمدة في التَّحقيق، إلى غير ما هنالك مما يتعلَّق به.
ـ أنَّه كتابٌ لم يُحقق التحقيق العلمي المتعارف عليه، بل لم ينل من التحقيق سوى إخراج النَّص -بما فيه من أخطاء-فتجد التحقيقين اللَّذين وقفت عليهما يخلوَان من مقابلة النسخ لما لها من أهمية، وترجمة الأعلام، وشرح الكلمات الغريبة، وعَزو النُّصوص إلى مصادرها الأصلية مطبوعة كانت أو مخطوطة، وهنا أتحدث بالضبط عن تحقيق الدكتور الفاضل محمَّد حجي الذي أصدرته وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية. أمَّا التحقيق الثاني للكتاب الذي أصدرته دار الكتب العلمية في لبنان لصاحبه الأستاذ محمَّد عثمان احتفظ بنفس النَّص الذي نشرته وزارة الأوقاف المغربية، والإضافة التي أتى بها على التَّحقيق الأوَّل تتمثل في تخريج الآيات والأحاديث، وتعديل بعض عناوين المسائل، والتَّعليق على بعض المسائل من خلال إدراج نصوص أئمَّة المذهب عليها، في حين يحتاج الكتاب إلى أكثر من هذا العمل، وبالتالي يحتاج إلى إعادة تحقيق ودراسة مستفيضة، وهو الأمر الذي سعينا إليه.
ـ أن نصَّ المعيار طبع على النُّسخة الحجرية التي اعتمد الفقهاء فيها على خمس نسخ مخطوطة، وأُهْمِلت نسخ نفيسة للكتاب موثَّقة فيها إضافات، وزيادات، وتصحيحات، وفروق تفيد في تقويم نصِّ الكتاب وتحريره.
      ولما قابلت النُّسخ الست على الكتاب المطبوع اجتمع لدي بَعدَ المقابلةِ ما لا يَحسُن السكوت عليه من الملاحظات، فأَوْجبَ ذلك التنبيه، خدمة لهذه الموسوعة النَّفيسة، وجَريًّا وراء الحقيقة، ولكي يكون الباحثون على بيِّنة من الأمر حين يعتمدون عليها؛ لئلا يقعوا في الخطأ إذا نقلوا منها.
أمَّا الملاحظات فهي تدور حول المسائل الآتية:
أوَّلا: التحريف والتصحيف في النَّص:
      وقع في موسوعة المعيار المعرب عبارات وألفاظ فيها تحريف وتصحيف ونقص، ولدى الرجوع إلى النسخ الخطِّية تبيَّن أنَّ ذلك حدث بسبب الوهم في التحقيق أو الطبع. والمواطن التي ورد فيها الخلل كثيرة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
ص 55: عن الرمد في الطواف. وفي المخطوط: عن الرَّمل في الطواف.
ص 113: يُردُّ بأنَّ الزَّكاة شرعت لإزهاق النَّفس. في المخطوط: يردُّ بأن الذَّكاة شرعت لإزهاق النَّفس.
ص 145: يسجد حيث كان وقفه. في المخطوط: يسجد حيث كان وجهه.
ثانيا: على مستوى ضبط النَّص:
      حاول الأستاذ المحقِّق أن يضبط بعض ألفاظ الكتاب بالشكل، إلَّا أنَّ ألفاظًا كثيرة جاءت مخالفة لقواعد اللغة العربية، ويتَّصل بهذا الأمر كون المحقِّق قام بمهمَّته على وجهها، ولعلَّه لم يشرف بنفسه على التصحيح عند الطبع، وأوكل الأمر إلى دار النشر، أو إلى من يُعتَمد عليه فخرَّج النَّص بهذهِ الأخطاء، ومن أهم التحريفات في هذا الجانب:
ص 138: فلا أَشكال على القول المشهور. في المخطوط: فلا إِشكال على القول المشهور.
ص 382: سئل الباجي عن أجرةَ نقل الزكاة. في المخطوط: سئل الباجي عن أجرةِ نقل الزكاة.
ثالثًا: أمَّا على مستوى عزو النصوص والأقوال إلى غير قائليها:
      وردت في موسوعة المعيار نصوصًا وآراءً منسوبة إلى غير قائليها، بحيث وهم في نسبتها إلى أصحابها، ومن أمثلة ذلك نجد:
ص 170: قال الشَّافعي: يَطَلِعُ قوم من أهلِ الجنَّةِ. وفي المخطوط: قال الشَّعبي: يَطَلِع قوم من أهلِ الجنَّةِ.
ص 227: سئل ابن الحاج عمَّن ذكر الصَّلاة. وفي المخطوط: سئل ابن الحاجب عمَّن ذكر الصَّلاة.
ثالثا: التصحيف والتحريف في الأسماء:
      ورد في موسوعة المعيار أيضا التصحيف والتحريف في الأسماء، ولعلَّ ذلك يرجع بالأساس إلى عجلة النشر، أو ضيق الوقت، ومن أمثلة ذلك:
ص 275: هو ابن فرس في أحكام القرآن. وفي المخطوط: هو ابن العربي في أحكام القرآن.
ص 329: ما وقع في طرر ابن عَتَّاب. وفي المخطوط: ما وقع في طرر ابن عات.
رابعا: أهداف البحث:
ـ يهدف البحث إلى بيان جهود العلماء المالكية في الغرب الإسلامي في تصنيف مؤلفاتهم، وخدمة الفقه المالكي وإثرائه.
ـ قراءة في الأدوات المنهجية التي أعملها فقهاء الغرب الإسلامي في استيعاب واقع النَّاس، وفي حل المستعصيات.
ـ يهدف البحث إلى بيان ما يزخر به التراث الإسلامي من تصانيف ومؤلَّفات تحتاج إلى جهود جبَّارة، وهِمَمٍ عَاليةٍ لإعادة تحقيقها ودراستها.
ـ الإسهام في إعادة تحقيق الكتاب تحقيقا علميًّا رصينا.
ـ ومن أهداف هذا البحث أيضا الشعور بالمسؤولية الملقاة على عاتق الباحثين؛ خصوصًا المنتمين إلى شعبة الدراسات الإسلامية فالواجب عليهم أن يشمِّروا على سواعد الجد، وأن يَبذلوا قُصارى جُهدهَم في مجال البحث العلمي بصفة عامَّة، وفي تحقيق تراث الأمَّة بصفة خاصَّة، والذي أصبح يتطاول عليه ويستهين به كُل من لم يَسبِر أغوار هذا الفن.
خامسًا: خطة البحث:
اقتضت طبيعة البحث أن يكون في مقدّمة وقسمين، وخاتمة.
المقدّمة: وتعرضنا فيها لبيان:
ـ أسباب اختيار الموضوع.
ـ أهمية الموضوع.
ـ أهمية البحث.
ـ قراءة في الدراسات السابقة.
القسم الأوَّل خصَّصته للدراسة، والقسم الثاني خصَّصته للنَّص المحقَّق.
فأمَّا القسم الأوَّل فقد قسَّمته إلى أربعة فصول دراسية:
أمَّا الفصل الأوَّل: درست فيه عصر أبي العباس الونشريسي، وتحدثت فيه عن الوضع السياسي، والاجتماعي، والثقافي.
أمَّا الفصل الثاني: فخصَّصته للتعريف بالونشريسي من خلال مبحثين:
الأوَّل: تكلمت فيه عن الحياة الشَّخصية للونشريسي من خلال أربعة مطالب:
ـ المطلب الأوَّل: اسمه ونسبه.
ـ المطلب الثاني: نشأته وطلبه للعلم.
ـ المطلب الثالث: شيوخه.
ـ المطلب الرابع: تلامذته.
وفي المبحث الثاني تحدثت فيه عن الحياة العلمية لأبي العباس الونشريسي من خلال ثلاثة مطالب:
ـ المطلب الأوَّل: عطاؤه العلمي والمناصب التي تقلَّدها.
ـ المطلب الثاني: ثناء العلماء عليه.
ـ المطلب الثالث: مؤلفاته.
أمَّا الفصل الثالث: درست كتاب “المعيار المعرب”، من خلال ثلاثة مباحث:
أمَّا المبحث الأوَّل فتحدثت فيه عن الدراسة الشَّكلية، وقسَّمته إلى خمسة مطالب:
ـ المطلب الأوَّل: توثيق نسبة “المعيار المعرب” للونشريسي.
ـ المطلب الثاني: أسباب ودواعي تأليف الكتاب.
ـ المطلب الثالث: منهج التحقيق.
ـ المطلب الرابع: وصف النسخ الخطِّية.
ـ المطلب الخامس: نماذج من النسخ المعتمدة في التحقيق.
وفي المبحث الثاني: تطرَّقت إلى الدراسة الموضوعية للكتاب من خلال ثلاثة مطالب:
ـ المطلب الأوَّل: منهج الونشريسي في “المعيار المعرب”.
ـ المطلب الثاني: مصادر الونشريسي في معياره.
ـ المطلب الثالث: مكانة كتاب المعيار وقيمته العلمية.
وأمَّا المبحث الثالث فقد خصَّصته للحديث عن التأليف في فقه النَّوازل عند المالكية.
      ثمَّ القسم الثاني وهو الذي حقَّقت فيه النَّص، واعتمدت في ترقين وضبط نصِّه وفقراته على ست نسخ خطِّية، قمت بِجَمعِها من خزائن ومكتبات تراثية في بلدِنا المغرب، عدا مخطوطة واحدة، والتي حصلت عليها من الخزانة الوطنية بمدريد، وقد اعتمدت على هذه الأخيرة، وجعلتُها أصلًا، ثمَّ قابلت بينها وبين باقي النُّسخ مشيرًا إلى أهم الفروق في الهامش، وقد بذلت ما في وسعي، واستفرغت طاقتي في عزو الآيات القرآنية، والأحاديث النَّبوية والآثار، وتوثيق النصوص وردِّها إلى مصادرها الأصلية إن وُجِدت مطبوعة كانت أو مخطوطة، أو عَزْوِها إلى مصادر أخرى ذُكِرت فيها هذه النُّصوص.
      كما قمت بشرح الألفاظ الغريبة، وعرَّفت ببعض القواعد الفقهية والأصولية الواردة في الكتاب، وعزوت الأبيات الشعرية إلى قائليها ومصادرها، وعَلَّقت أحيانا على بعض المسائل الفقهية، ووضعت تسعة فهارس عامَّة للبحث، وترجمت للأعلام والأئمَّة الوارد ذكرهم لأوَّل وهلة.
      وأخيرًا قمت بوضع عناوين للمسائل المطروحة التي حصلت على جلِّها من النسخ الخطية، ولاسيما نسختي المكتبة الوطنية ونسخة المكتبة الحسنية.
      والله يعلم أننا قد اجتهدنا في إخراج هذا العمل في أحسن حُلَّة، وبَذلنا ما في وُسْعِنا، واستفرغنا طاقتنا، وما ادَّخرنا شيئًا منها حتى استغرق منَّا هذا التحقيق ستُّ سنوات كاملة، فإن وُفقْنا فالله هو صاحب الفضل علينا أوَّلًا وآخرًا، وإن أخطأنا فمنَّا ومن الشَّيطان، والله ورسوله منه بريئَان.
      نسأل الله عزَّ وجل أن يوفِّقنا لما يحبُّه ويَرضاه، وأن يرشدنا للطريق المستقيم، وأن يعصمنا من الزَّلل والخطأ، وأن يجعل عملَنا هذا خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفع به مصنفه، والمشرف على هذا البحث الدكتور الفاضل محمَّد بوطربوش، ومحقِّقه العبد الفقير، وكل من ساهم في إخراجه.
    السادة العلماء أعضاء لجنة المناقشة، الحضور الكرام؛
اسمحوا لي أن أنتقل بكم الآن وبعجالة للحديث عن ركائز هذا البحث وذلك من خلال ما يلي:
أولا: قيمة الكتاب العلمية:
      يعتبر المعيار المعرب من أشهر كتب المالكية في الفتوى، ومن أهم المصادر الفقهية في المذهب المالكي المعتمدة في الغرب الإسلامي لقرون متوالية، ومكانته لا تخفى على أحد، كما كان عمدة رجال الإفتاء لوفرة مادته الفقهية، ولحرص صاحبه على بيان طرق استنباط الأحكام.
     وتتجلَّى مكانة المعيار في اهتمام فقهاء الأمصار به منذ عصر المؤلِّف إلى أيَّامنا هذه، وتكفيه التَّسمية التي أطلقوها عليه: “المَعلَمة الفقهية”، أو “الموسوعة الفقهية” شرفًا وفخرًا، والبحوث التي قامت-ولازالت تقوم عليه- دليلٌ كافٍ على أهميته، ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: اختصار أحمد بن سعيد المُجَيْلِدي [ت1094ه] في مجلد واحد سمَّاه: “الإعلام بما في المعيار من فتاوي الأعلام”، ثمَّ الدراسة التي قام بها المستشرق إميل عمَّار على كتاب المعيار بالفرنسية في جُزأين، نشرت في باريس عام 1908م، واشتملت على دراسة مختصرة للكتاب، وهناك بحوث لها أهمِّيتها نشرت في مجلات عربية وأجنبية([3])، ويأتي أيضًا في طليعة الدراسات والبحوث التي نشرت:
     استخرج هنري بييوت فصل “المستحسن من البدع” من كتاب “المعيار”، ونشره سنة 1946م، ونشر هادي روجي رسالة تحت مسمَّى: “الزواج في الغرب الإسلامي” من خلال فتاوى “المعيار”، ونشر محمَّد حسن دراسة سمَّاها: “الريف المغربي في كتب النَّوازل”([4])، ونشر الباحث محمَّد فتحة كتاب: النَّوازل الفقهية والمجتمع “أبحاث في تاريخ الغرب الإسلامي”([5]).
ثانيا: فيما يخص مصادر الكتاب:
      من خلال قراءة الكتاب قراءة متأنِّية يظهر للقارئ أنَّ الونشريسي قد رجع في هذه الموسوعة إلى عدَّة مصادر في فنون مختلفة، وتنوَّعت المصادر العلمية التي تكوَّنت منها المادة الفقهية النَّوازلية في كتاب “المعيار”، وبالنَّظر إلى مسائل الكتاب نستطيع أن نكوِّن نظرة شاملة عن أهم المصادر التي اعتمدها الونشريسي في تحرير مسائله الفقهية، وتدوين النوازل، وهذه أهم المصادر التي وقفت عليها في الكتاب وأولها:
(كتب الأمهات) الموطأ للإمام مالك، والواضحة لعبد الملك بن حبيب، والمدوَّنة لسحنون، والعتبية، والمجموعة لابن الموَّاز، والمبسوطة للقاضي إسماعيل بن إسحاق، (وكتب الفتاوى والنوازل)منها: نوازل البرزلي وفتاوى المازوني، واللخمي، وابن الحاج، وسحنون..(، بالإضافة إلى أهم المصادر الفقهية في المذهب المالكي.
ثالثا: ملامح عن منهج الونشريسي في كتابه:
      المتأمِّل في كتاب “المعيار المُعرب” عبر موضوعاته المتنوِّعة والمختلفة ومسائِله المتعدِّدة يتبيَّن المنهج الذي سار عليه مؤلِّفه: بدأ بمقدمة حَمَد الله فيها، وأثنى عليه بما هو أَهْله، وثنى بالصَّلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثمَّ بيَّن سبب تأليفه لهذا الكتاب وموضوعه.
     ولقد جمع الونشريسي في موسوعته في فقه العبادات أربعمائة وسبع وسبعون فتوى فقهية صادرة عن علماء معاصرون له، ومتقدِّمون عليه الذي عاشوا في بلاد إفريقية والمغرب والأندلس، ولم يقتصر عمله على الجمع بل تجاوز ذلك إلى تصنيفها، والتعليق عليها، وإثرائها بالاستشهادات والتأصيل مع الاهتمام بتعدّد الآراء النَّاشئة عن مراعاة مختلف الأعراف السَّائدة مع الميل إلى الترجيح والتضعيف والقَبول والرد.
      انتظم منهج المؤلف في تصنيف وترتيب معياره على ثلاثة محددات أساسية: جمع، وترتيب، وتعليق.
     والترتيب الذي اعتمده الونشريسي في تصنيف موضوعات النَّوازل الفقهية، يشبه إلى حد كبير الترتيب المعتمد في تصنيف الأبواب الفقهية في المذهب المالكي الذي يعتمد التقسيم الخماسي للأبواب، ليسهل على المفتي معرفة الأحكام الشَّرعية موازاة بالنَّوازل العملية.
      وكذلك التعليق على بعض الفتاوى حيث كان متدخلًا معلِّقا عليها معطيًا بعض آرائه، واختياراته ومستشهدًا ببعض الأدلة واللَّطائف.
      فليس الونشريسي جامع فتاوى فقط، وإنَّما هو كما أشار إلى ذلك ابن عساكر فيما سبق ناقد بصير يَقبل ويَرُدّ ويرجِّح ويضعِّف([6])، وتبتدئ تعليقات الونشريسي بعبارة “قلت”، فتَقصُر تارة لتكون سطرًا أو أسطر، وتَطُول أخرى لتغطي صفحة أو صفحات([7]).
ويمكن أن نُجمِل المنهج الذي اتبعه صاحب الكتاب رحمه الله في تأليف الكتاب في النقاط التالية:
ـ يبدأ رحمه الله المسألة بعبارة “سُئِل سيدي” أو “سُئِل الشَّيخ” ويَذكُر اسم الفقيه، ثمَّ يذكر نصَّ السؤال، وبعدها يذكر الجواب بقوله: “وأجاب بما نصُّه” أو قوله: “فأجاب”.
ـ بعد ذكر نص السؤال والجواب للنَّازلة، يورد آراء العلماء فيها.
ـ اعتمد رحمه الله “أسلوب الفَنْقُلة” -وهو من الأساليب المهمَّة التي وجدت في كتب الفقهاء-بقوله: “فإن قلت…قلت”، وهي طريقة السؤال والجواب.
ـ يورد رأيه في المسألة بعد نقله أراد العلماء.
ـ يورد أحيانًا فتاوى قصيرة لا تتجاوز السطر الواحد، وأحيانًا أخرى يورد فتاوى طويلة بحسب طبيعة السؤال.
ـ يورد نصوص الأسئلة كما هي، فلا يتصرَّف فيها، ولو أنَّ بعض تلك الأسئلة كُتبت بلغة شعبية، وحرَّرته أقلام ليست دائمًا على درجة عالية من إتقان الفصحى، ولعلَّ حامله على ذلك حرصه على الأمانة العلمية في النَّقل، والتوثيق ورغبتِه في الحفاظ على المعاني ([8]).
ـ لقد حرص الونشريسي في جمعه أن يُثبِّت أسماء المفتين، ونصوص الأسئلة إلَّا في حالات نادرة يعتذر فيها عن عدم وقوفه على نصِّ السؤال أو يقول سئل فلان عن مسألة أو مسائل تظهر في الجواب([9])، وأحيانًا ينسبهم إلى جهة مكانية معيَّنة مثل قوله: “سئل بعض فقهاء الجزائر”.
قراءة في الدراسات السابقة:
      صدر عن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية سنة [1401ه-1981م] تحقيق للدكتور الفاضل محمَّد حجي لموسوعة “المعيار المُعرب” لمؤلِّفه أبو العبَّاس أحمد بن يحيى الونشريسي.
بَيْدَ أن قراءَتنا في الجهد المبذول في التحقيق وصلت إلى الملاحظات التالية:
ـ لم يُوفِّ جزء الدِّراسة حقَّها، حيث أغفل كثيرًا من المعطيات التي تستلزمها قواعد التحقيق، وهو ما أشار إليه الدكتور في المقدمة التحقيقية حيث قال: …لأنَّنا لم نقصد إلى تحقيق علمي لكتاب المعيار، فهذا يتطلَّب مجهودًا عظيمًا، ووقتًا طويلًا ([10]).
ـ أشار في مقدمته إلى مكان تواجد النسخ المعتمدة في التحقيق دون وصفها، ومقابلتها.
ـ انعدام حواشي ذيل المتن، سواء تعلَّق الأمر بتخريج الآيات القرآنية، أو الأحاديث النَّبوية والآثار، أو شرح للمصطلحات الغامضة، أو ترجمة للأعلام المغمورة.
ـ لم يُراعي المحقِّق علامات التَّنصيص، أو الأقواس الصَّغيرة عند الاقتباس لعبارةٍ بنصِّها.
ـ لم ينتبه المحقِّق إلى خِداع البصر عند الطبع وعند المراجعة، لدَى وجدنا في نص المتن وهْمٌ في نسبة بعض النُّصوص والأقوال إلى غير أصحابها، وأخطاء في عدَّة كلمات.
ـ خروج متن النَّص مشتملًا على تحريف وأخطاء مُخلَّة بحقيقتِه.
ـ لم يُضبَط النَّص ضبطًا تامًّا، فأهمل الأسلحة اللَّازمة للتَّمحيصِ.
ـ انعدام التعليق على النُّصوص والمسائل الفقهية التي تحتاج إلى تعليق.
ـ عدم عزو النُّصوص إلى مصادرها الأصلية، أو إلى المصادر التي ذُكرت فيها في كتب وتآليف العلماء ومصنَّفاتهم ولاسيما المتقدمين.
      وصدر عن دار الكتب العلمية في لبنان سنة [1433ه-2012م] تحقيق ثان لكتاب المعيار المعرب في ثمانية أجزاء للأستاذ الباحث محمَّد عثمان، إلَّا أنَّ هذا التحقيق لم يختلف عن الأوَّل كثيرًا لاسيما أنَّ صاحبَه احتفظ بنفس النَّص الذي أصدرته وزارة الأوقاف المغربية، والإضافة التي أتى بها عن التحقيق الأوَّل تتمثل في تخريجات الآيات والأحاديث، والتعليق على بعض المسائل الفقهية من خلال إدراجه نصوص لعلماء متقدمين.
ـ أمَّا ما يتعلق بخطة التحقيق
أولا: جمع ووصف النّسخ الخطية
      اعتمدت في قراءة نَصِّ الكتاب والتعليق عليه على ستِ نسخ خطيَّة أصلية، حصلت عليها بعد سفري إلى كل من مدينة فاس، وبالضبط إلى خزانة القرويين، وإلى المكتبة الوطنية والحسنية بالرباط؛ وتمكَّنت من الحصول على نسخة المكتبة الوطنية بمدريد عن طريق أحد الإخوة بمعية زوجته القاطنين في إسبانيا.
ثانيا– المَنهج المُتبع في تحقيق المخطوط:
     لما كان هذا البحث مُكوَّنًا من قسمين، فإنَّنا اعتمدنا في القسم الدراسي على المنهج الوصفي التحليلي، بينما اتبعنا في القسم التَّحقيقي المنهج المتَّبع في دراسة وتحقيق النصوص.
     وبعد جمع النسخ، والتأكُد من نسبتها إلى صاحبها اخترت النسخة التامَّة، والنسخة الأقدم، قُمت برقْنِ المخطوط على الحاسوب كاملًا، معتمدًا في ذلك على الرسم الإملائي المتعارف عليه، ووضعت علامات الترقيم الضابطة له، محاولًا إخراج النَّص كما وضعه صاحبه دون تغيير أو تبديل في أحسن حُلَّة.
     بعد الانتهاء من كتابة ورقن المخطوط، وتنظيمه، وترتيب فقراته بتعيين بدايتها ومُنتهاها، شرعت في مقابلة النسخ المتاحة بعضها ببعض، فجعلت:
النسخة الأولى: هي نسخة المكتبة الوطنية بمدريد، ورمزت لها بـ: (الأصل).
النسخة الثانية: هي نسخة المكتبة الحسنية بالرباط، ورمزت لها بـ: (أ).
النسخة الثالثة: هي نسخة المكتبة الوطنية بالرباط، ورمزت لها بـ: (ب).
النسخة الرابعة: هي نسخة المكتبة الوطنية بالرباط)الخزانة العامَّة سابقًا، ورمزت لها بـ: (ج).
النسخة الخامسة: هي نسخة خزانة القرويين بفاس، ورمزت لها بـ: (د).
النسخة السادسة: وهي نسخة المكتبة الحسنية بالرباط، ورمزت لها بـ: (ه).
وقد أثبتْتُ أهمَ الفروقِ بينهما جميعًا في الهامش على الشكل الآتي:
      في حالة الاختلاف بين النُّسخ، إذا كان ما في الأصل صحيحًا أثبته في المتن، وأضع ما يخالفه في الهوامش، مع ذكر النسخ التي ورد فيها خلاف ذلك، وفي بعض الأحيان أجد ما ورد في النسخة الأصل خطأ، فأصحِّحه من النُّسخ الأخرى، والتي تتفق في بعض الأحيان على الصحَّة، فأُثْبِت ذلك في المتن، وأضع ما دون ذلك في الهامش، وأقول: في الأصل )كذا(، والصَّحيح ما أثبتناه.
أمَّا في حالة السَّقط فأتبعُ الخطوات التالية:
أوَّلًا: إذا كان السقط في الأصل، وكان كلمة واحدة أو عبارة أضع فوق الكلمة أو العبارة رقمًا، وأشير إليه في الهامش، وأثبِته من النسخ الأخرى، وأكتب في الهامش وأقول: قوله (…) ساقط من الأصل، والمثبت من: (أ) أو (ب)، أو عبارة (كذا) سقطت من الأصل، والمثبت من:(أ) أو(ب) أو(ج) بحسب رموز نسخ المخطوط.
وتجدر الإشارة إلى أنَّه عندما يكون السقط في الأصل، أذكر النسخ التي أثبتت السقط فقط دون غيرها التي لم تثبته.
ثانيا: إذا كان السقط من غير الأصل:
فإذا كان السقط من غير الأصل: أضع فوق الكلمة رقمًا، وأكتب في الهامش: قوله (كذا) ساقط من (ج)، ومن (د) مثلًا.
أمَّا إذا كان السقط أكثر من كلمة فإنَّني أضع رقمًا على آخر كلمة سقطت، وأكتب في الهامش عبارة (كذا) سَقطت من: (أ) و(ه).
وقد وجدت بعض الفروق بين النسخة الأصل، وبقيَّة النسخ الأخرى، بحيث أجد أحيانًا مرادفات للكلمة، أو تقديم وتأخير في بعض الجمل، فأقول في الهامش قوله:(كذا) يقابله في (ج) و(د):(…).
وبعد الانتهاء من مقابلة النسخ شرعت في التحقيق والتوثيق متَّبعًا المنهج الآتي:
ـ خرَّجت الآيات القرآنية بنسبتها إلى سورها، مع ذكر رقم الآية وفقَ رواية ورش عن نافع.
ـ خرَّجت الأحاديث والآثار، وعزوتها إلى مصادرها مقتصرًا على الصَّحيحين أو أحدهما إذا كان فيهما، أو في أحدهما بذكر الكتاب والباب، والجزء والصفحة والرقم، وأمَّا إن كان الحديث في غير الصَّحيحين فإنِّي أقوم بتخريجه وفقًا للمنهج السالف الذكر، مع بيان درجته.
ـ ترجمت لأسماء الأعلام المغمورة في الكتاب عند ذكرهم أوَّل مرَّة إلَّا في حالات نادرة، فإنَّني أعرِّف ببعض الأعلام المشهورة عندما تدعو الضَّرورة إلى ذلك، مع الإشارة إلى المصادر.
ـ شرحت بعض المصطلحات والألفاظ الغريبة.
ـ خرَّجت الأبيات الشِّعرية ونسبتُها إلى قائليها، وبيَّنت مظانَّها، وخرجت الأمثال والحِكم.
ـ تَحقَّقنا من النُّصوص التي أوردها الونشريسي بالرجوع إلى المصادر التي أشار إلى النَّقل عنها، وإن تعذَّر علينا رجعنا إلى المصادر البديلة للعلماء المتقدِّمين دون غيرهم من المتأخِّرين الذين نقلوا عنه، وتمَّت إحالتها في الهامش.
ـ عرَّفت ببعض المصطلحات الفقهية.
ـ عرَّفت ببعض القواعد الأصولية والفقهية.
ـ تيسيرًا على القارئ وضعت بعض العناوين الجزئية للمسائل الفقهية، وللأمانة فإنَّ أغلبَها اقتبسناه من النُّسخ الخطية للكتاب.
ـ قمت بالتعليق على بعض النصوص والمسائل الفقهية.
ـ أعددت فهارس فنِّية مفصَّلة ومتنوِّعة:
ـ فهرس الآيات القرآنية.
ـ فهرس الأحاديث النَّبوية والآثار.
ـ فهرس الأبيات الشعرية.
ـ فهرس القواعد الفقهية والأصولية.
ـ فهرس الأعلام المترجم لهم.
ـ فهرس الكتب الواردة في “المعيار المعرب”.
ـ فهرس الأماكن والبلدان.
ـ فهرس المصادر والمراجع.
ـ فهرس الموضوعات(المحتويات).
ورغم ما بذلناه من جهد في تحقيق هذا الجزء من هذه الموسوعة الفقهية، فنسأل الله تعالى أن يتجاوز عنَّا الزَّلل والقُصور؛ لأنَّ الجُهد البشري لا يخلو من ذلك.
عوائق البحث وصعوباته.
      لا يكاد يخلو إنجاز أي بحث علمي من صعوبات تعترض الباحث وهو يُلمّ شَتَات مَوضوعِه، ويرتِّب أبوابه وفصولَه ومباحثَه، ويحقِّق نصوصَه إذ المعاناة تصاحب الباحث وتلازمه منذ بداية التفكير في الموضوع إلى حين تذييله بمصادره ومراجعه.
وإذا كان لابد من ذكر بعض الصعوبات التي واجهتني وأنا أشتغل على هذا الموضوع، فيمكن القول:
عارض هذا العمل مجموعة من الصعوبات، أُجمِلها فيما يلي:
ـ صعوبة الحصول على المخطوطة من المكتبات الوطنية، العامَّة والخاصَّة.
ـ كثرة النُّقول وتنوع مصادرها، من حيث مطبوعها ومخطوطها، وفقدان بعضها… واحتياج ذلك كله إلى الضبط والتوثيق، والعزو إلى مصادرها الأصلية.
ـ كثرة الأعلام التي تحتاج إلى تعريف، وترجمة بعض الأعلام التي تتشابه أسماؤُهم أو كُناهم، أو تخريج حديث أو أثر واحد، والمصطلحات.
لكن كل ذلك سهل بتيسير الله، مع شد العزم، ومساعدة أهل الفضل والعلم.
نتائج البحث:
      خَلصْتُ من خلال هذا البحث إلى جملة من النتائج والتوصيات، أذكرها فيما يلي:
ـ هذه الدراسة تكشف جوانب مهمَّة من التراث الفقهي الإسلامي بالغرب الإسلامي، لما يتميَّز به هذا الفن من الفقه تاريخيا وعلميا وفكريا واجتماعيا، لكونه يعرض لنا الصناعة الحديثية المرتبطة بأسبابها، والمتَّصلة بالواقع العملي لحياة النَّاس.
ـ أبو العبَّاس أحمد بن يحيى بن محمَّد بن عبد الواحد التلمساني، الونشريسي، المالكي، نزيل فاس في المغرب، وأحد أفذاذ علماء الغرب الإسلامي، وحامل لواء المذهب المالكي في عصره، والذي يفخر المغرب ويتشرَّف باحتضانه، فقد تشبَّع بعلومِ عصره، وتلقَّى العلم عن فقهاء تلمسان وغيرهم حتَّى بلغ مرتبة الاجتهاد، وتخرَّج على يديه عدد كبير من العلماء والصُّلحاء.
ـ كما خوَّلت له مكانته العلمية أن يتقلَّد مهمَّة التدريس في تلمسان وفاس، حيث درَّس في المدينتين المدوَّنة والمختصر الفرعي، كما تولَّى القضاء بفاس مدَّة ثمان عشر سنة، ثم الفتيا، وهذه المهام لم تمنعه من التأليف والتصنيف إلى أن وافته المنية رحمه الله.
ـ أنَّ “المعيار المعرب” للونشريسي يعكس شخصيتَه العلمية والفكرية، ومنهجَه الأصولي في الاجتهاد، والاستنباط، والترجيح، والنقد.
ـ أتاح لنا إعادة تحقيق الكتاب تصحيح كثير من الأخطاء في المتن التي وجدت في التحقيقين السابقين، بالإضافة إلى استدراك كثير من الأصول العلمية المتعارف عليها في التحقيق.
ـ ومما ينبغي التأكيد عليه في خاتمة الكتاب:
ـ الاهتمام بفقه النوازل، لاسيما مع التطورات والتقلبات التي يشهدها عالمنا اليوم، الأمر الذي يتطلب معه فقه متجدِّد، مَرِن، يُراعي مقاصد المُكلَّفين، وفقه المآلات، والواقع المعيش، وكل ذلك نجده مما اختصَّ به المذهب المالكي.
ـ يبقى باب البحث مفتوحًا على مِصراعيه في هذه الموسوعة الفقهية النَّوازلية أمام الباحثين والمتخصِّصين في العلوم الشَّرعية ليَنْهلوا منها، لكونها تضم علومًا كثيرة، حيث تقفُ فيها على فتاوى في مجالات واحدة ومتعددة تحتاج إلى جمعها في قالب واحد، كما يمكن الوقوف فيها على القواعد الفقهية والأصولية، والأمثال، وضوابط تنزيل الأحكام الشَّرعية، وأسباب الخلاف وثَمَرته، ومسائلٌ كثيرةٌ بحيث يمكن للباحث أن يشتغل على جزئية من الجزئيات.
وصلّى الله وسلَّم على إمام الأنبياء والمرسلين، وقدوة المتَّقين محمَّد عليه أزكى الصَّلاة والسلام، وبارك عليه، وعلى آله وصَحبه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) سورة التوبة [الآية: 123].
([2]) سورة النّحل [الآية: 43].
([3]) ينظر بحث الدكتورة وداد القاضي: نبذة عن المدرسة في المغرب حتَّى أواخر القرن التاسع الهجري في ضوء كتاب المعيار للونشريسي، مجلة الفكر التربوي الإسلامي، الكتاب الثاني، بيروت1981م(ص:61-86).
([4]) نشر هذا البحث في مجلة العلوم الإنسانية، تونس، عدد:33، سنة:1986م.
([5]) بحث نشرته كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالدار البيضاء سنة: 1999م.
([6]) دوحة الناشر، لابن عسكر(ص:48).
([7]) المذهب المالكي في الغرب الإسلامي وموسوعته الكبرى معيار الونشريسي محمَّد حجي ضمن أعمال ندوة الإمام مالك إمام دار الهجرة(3/132).
([8]) الألفاظ المغربية- الأندلسية في معيار الونشريسي، لعبد العالي الودغيري، مجلة كلية الآداب والعلوم الانسانية الرباط، العدد 17، (ص:41).
([9]) مقدمة كتاب المعيار، للأستاذ الدكتور محمد حجي(ص:ز).
([10])-مقدمة كتاب المعيار للدكتور محمَّد حجي(ص:ك).

Print Friendly, PDF & Email

تعليق واحد

  1. جهود علمية مباركة، تنضاف إلى المكتبة الفقهية المالكية، وتعرف بجهود عالم من كبار علماء المدرسة المالكية بالغرب الإسلامي.
    تقبل الله من الباحث هذا الجهد الكبير وجعله في ميزان حسناته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى