منهج الجدل الديني عند الحافظ ابن حزم الظاهري

الحلقة الأولى: "ممهدات"

الدكتور توفيق أبريز
      كما يسجل لنا القرآن أن إبليس جادل عن نفسه أمام الله تعالى ليبرر عصيانه لأمره بالسجود لآدم مع الملائكة، {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ  قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ  قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ  قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ  قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ  ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ  قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأعراف: 11 – 18]فهذه المواقف الجدلية التي تخللت وقائع استخلاف آدم تؤكد المكانة الكبرى التي يحتلها الجدل في حياة الإنسان على كوكب الأرض، بحيث جعله الله تعالى وسيلة فعالة لممارسة أمانة المدافعة بين الحق والباطل والهداية والضلال والصلاح والفساد.
      ولذلك هيأ الله تعالى على امتداد الأعصار، لعلم الجدل والمناظرة رجالا أمدهم بتوفيقه وكلأهم برعايته، استبسلوا في الذوذ عن حياضه فألفوا في الجدل ولهم صولات وجولات جدالية حفظها التاريخ، نذكر منهم على سبيل المثال: أبو الوليد الباجي (ت: 474هـ)، أبو بكر الطرطوشي (ت: 520 هـ)، أبو الفضل اليحصبي القاضي عياض (ت: 540 هـ)، أبو بكر ابن العربي المعافري (ت: 543 هـ).
     وكان الإمام ابن حزم الظاهري، ممن أشتهر في حضارتنا الإسلامية بممارسة الجدل، دفاعا عن حقائق الإسلام ورد الشبهات المثارة حوله، فجادل بالحقائق لدحض الأباطيل وتقويم الاعوجاجات في التصور والتفكير، وإقامة الحجة على المعترضين بلا دليل. داخل الدائرة الإسلامية وخارجها.
بين يدي البحث
    إن الحقائق الظاهرة الجلية يلمسها الإنسان وتنطق بها شواهد الكون، ولا يحتاج إلى برهان على ثبوتها، أو دليل على صحتها، ولكن المكابرة كثيرا ما تحمل أصحابها على إثارة الشكوك، وتمويه الحقائق بشبه تلبسها لباس الحق، وتزينها في مرآة العقل، فهي في حاجة إلى مقارعتها بالحجة، واستدراجها إلى ما يلزمها بالاعتراف، آمنت أو كفرت، والقرآن الكريم ­وهو دعوة الله إلى الإنسانية كافة­ وقف أمام نزاعات مختلفة، حاولت بالباطل إنكار حقائقه، ومجادلة أصوله، فألجم خصومتهم بالحس والعيان، وعارضهم في أسلوب مقنع، واستدلال مُلزِم، وجدل محكم.
      والمسلم في محاجته خصومه ملزم أن يتمسك بكل قواعد علم الجدل، وتبني وجهة النظر التي يفرضها الدليل القاطع، وفضلا عن ذلك فنحن نعلم أن الله تعالى أوصى محمـدا صلى الله عليه وسلم ألا يلـجأ إلى القوة إلا بعد أن يستنـفد كل موارد الحجة في إقناع مجادليه من الكافرين،{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [النحل: 125]، كــما أن النبي صلى الله عليه وسلم  علم أصحابه أفضل الطرق في المجادلة، وحضهم على أن يجاهدوا المشركين، وأن يرتضوا في هذه السبل التضحية بالأموال، وبالأنفس، مع الدعوة في نفس الوقت بالموعظة الحسنة.
      ثم جاء علماء المشرق من بعدهم، فصاروا على نحو ما سبقهم، فتوسع علم الجدل والمناظرة بعد ذلك جيلا بعد جيل، إلى أن عم أصقاعا كثيرة من بلاد الإسلام لا سيما في حدود القرنين الرابع والخامس الهجريين (ابن الراوندي والبلخي والأشعري والماتريدي)، وفي بلاد الإسلام حيث تغلب السنة المروية شفاها على السنة المكتوبة، يصنع الناس تاريخهم، وهم يتكلمون، ويعرفون أفكارهم بصورة أفضل في مجالس جدلية، وقد أحرز المسلمون قصب السبق في هذا العلم دون غيرهم، ولهم فيه القدح المعلى واليد الطولى، وشهد لهم بذلك كثير من بحاث الفرنجة، غير أنه لم يعط حقه من العناية الكاملة، وبقيت مسائله منثورة في بطون الكتب (كتب أصول الدين، وكتب أصول الفقه، ومصنفات الفتاوى، وكتب الاجتهاد، وكتب فقه الخلاف) رغم محاولات قليلة جمعتها بحوث السابقين من المشارقة.
      ولم يكن الغرب الإسلامي أقل شأنا، وأدنى عطاء على المستوى العلمي والفكري من صقع الشرق، فلا يجرؤ على إنكار الإبداعات العلمية، والإنتاج الفكري لأهل الغرب إلا من أشرب قلبه العصبية للمشرق، وزعم أن للشرق فضلا ومزية على الغرب، وتلك دعوى جاهلية تتداعى أمام الأدلة والحجج التي حفظها التاريخ، وتنهار بين يدي ما تحويه رفوف المكتبات الإسلامية المحلية والعالمية من تراث مكتوب أبدعته أنامل رجال العلم، ورواد الفكر من شرق الإسلام وغربه على حد سواء.
     وبحكم انتمائي إلى هذا القسم من العالم الإسلامي، حري بي أن أولي هذا التراث الحضاري الإقليمي ما يستحق من الرعاية، وأن أبذل الجهد للتعريف به: قراءة ودراسة وتحقيقا، والتعريف بالأعلام الذين بنوا بأبحاثهم وجهودهم حضارة الأمة، وشيدوا صرحها الثقافي، وهذا العمل يهدف إلى:
ـ الاعتراف وإعادة الاعتبار لرجال الفكر وأساطين العلم المنتمين للغرب الإسلامي.
ـ الاستفادة من هذا التراث الفكري في حاضر الأمة وغدها.
     ولما تتبعت إصدارات هذا العلم ­الجدل والمناظرة­ بنهم وشغف، دريت أن للغرب الإسلامي رصيدا من العلماء، حيث امتد فسطاط الأندلس حتى أسفرت شمس الإسلام عن أئمة مفلقين كبلوا الأسماع، وذاع صيتهم في أقصى الأصقاع، نشروا السحر الحلال ­وهو الكلام الفصيح الذي يأسر سامعيه من عمق بيانه­ فصار كالعذب الزلال، حيث ساهموا في هذا الميدان، وتبوأوا به مكانة سامية، وألَّـفُوا كتبا من خيرة المؤلفات الإسلامية وفي شتى العلوم والمعارف الأخرى.
    وكان من بين أولئك الأعلام الذين لهم الأثر في هذا المجال في القرن الخامس الهجري، الإمام الحافظ أبو محمد ابن حزم الأندلسي، إذ يعتبر أحد العلماء البارزين الذين توجت أسماؤهم سجل التاريخ الإسلامي في مجال الثقافة والعلوم، وكان له قدم راسخة في مختلف أنواع المعارف الإسلامية، فقد جمع في ذلك فأوعى لتعدد مواهبه، وتنوع أنماط فكره التي أفادها من تلقيه على فطاحل العلماء والشيوخ، فقد طبع على رائق الكلام، وبديع اللفظ والنظام، بنثر محكم السبك، بديع النسج، تنهال المعاني على فؤاده انهيالا، وتنثال المفردات على لسانه وقلمه انثيالا دون تكلف وتعسف.
     ولقد عاش الإمام في الأندلس في خضم مذاهب يهودية ونصرانية، تتجاذب في كثير من العقائد، كما كانت بها حروب وفتن، وتناحر مذهبي بين الشيعة والخوارج والمسرية وغيرهم… وفي ذلك المزدحم من الأفكار، والمضطرب الفسيح من الآراء، وفي ذلك المزيج من النحل والأهواء، أتم الإمام ابن حزم رجولته، والنفس القوية تستخلص غذاءها الروحي من كل الأفكار، كالرجل القوي يستخلص قوته من حسك السعدان، ومن وسط القتاد، فلا عجب إذا تغذت نفس الإمام ابن حزم من هذه الأفكار المتضاربة، والآراء المتناحرة، واستخلصت من بينها ما ينميها، وإن النفس القوية تستفيد من باطل الآراء كما تستفيد من صحيحها، إذ تعرف ما في الباطل من دَخَل، وما في ثناياه من خَطَل، فيكون إدراكها للحق على بينة ويقين، وليس قويا في نفسه هو الذي يتحير في وسط الشبهات، ومتنازع الأهواء والأفكار، ولكن القوي في نفسه هو الذي يتخير مذهبه الحق وسط أعاصير الأهواء، فلا يتطرق الشك إلى قلبه، ولا يرد الاضطراب إلى نفسه، بل لا يزيده إلا يقينا، والتحام الأفكار إلا ترسيخا كالشجر الثابت يأخذ من الريح العاصف غذاءه ولا يصاب بأذى، كذلك كان الإمام ابن حزم في معتلج الآراء، ومضطرب المذاهب اتخذ له مذهبا في الدين آمن به حق الإيمان، وأذعن له حق الإذعان، وكان كالطود الأشم، تصطدم به الرياح، فتتبدد حوله وهو جاثم في مكانه يستخلص من تلك الفتن ما يدعم حجته، وينير محجته، ويقوي به دعوته، ويثبت ما رآه في الدين حقا، وفي أخلاق الناس منارا، لذلك اجتهد في انتشال غرقى اللوثات العقدية، وصرعى المخالفات الاجتماعية والأخلاقية في عصره.
     وهو أيضا من أئمة الجدل الذين حازوا أهليته، وجمعوا أبعاده وأسسه، وتقدموا في علومه وفنونه، ويبدو علم الجدل وكأنه مطية امتلك زمامها، فسلس قيادها، وكان خبيرا بمناهجه المتعددة، دارسا لأصوله، عارفا بطرقه وآلياته، فتسنم ذروته، وامتطى صهوته، وتشهد كتبه (الفصل، الأحكام، المحلى…) التي بين أيدينا بأنه رجل جدلي عنيف، وكان معاصـروه من العلماء يعرفـون فيه ذلك حتى قبل أن يعـانفهم ويغاضبهم، وحسبنا في ذلك ما قاله ابن كليـب في التفلسـف ­طوق الحمامة­ حول أمور تتعلق بالحب: «أنت رجل جدلي ولا جدال في الحب». بيد أن معرفة المنهج الجدلي وخصائصه، ومكانته العلمية السامية لم يحظ بالعناية الكاملة من لدن الباحثين، وبقيت مسائله منثورة في بطون البحوث، وبعد التوكل على الله واستشارة مع الأستاذين الكريمين: الدكتور توفيق الغلبزوري والدكتور الحسن العلمي اهتديت إلى كتابة موضوع يتعلق بالإمام الحافظ ابن حزم، وبعد أخذ ورد، ومراجعات ومناقشات، استقر موضوع البحث على العنوان الذي تراه مثبتا على الغلاف.
أهمية الموضوع
      إن الموضوع يكتسي أهمية بالغة تبرز من خلال ما يلي:
أولا­: لقد تناول هذا البحث جوانب فكرية، ونقدية جدلية عند الإمام ابن حزم تُقَرِبُنا من توجهه العلمي ومساره الفكري، ونظرته الشمولية لقضايا مجتمعه وقضايا الأمة، ومنهجية بحثه في نقد الممارسات الفاسدة التي مست ميادين شتى في بلاد الأندلس خاصة، وفي واقع الأمة عامة.
ثانيا:­ استهدفت بهذا الموضوع إماطة اللثام عن أمر له أهمية كبرى، وهو أن ابن حزم ­رحمه الله­ لم ينتج ما قدمه من فكر للحظة التي عاشها، وإنما اخترق زمانه إلى زماننا، فواجب علينا أن نستفيد من تجربته النقدية ومنتوجه العلمي الزاخر باللآلئ.
ثالثا­: إن الإمام ابن حزم الظاهري قدم بأعماله وأبحاثه أنموذجا منقطع النظير لتصحيح صورة الفكر الظاهري في أذهان كثير من الناس الذين نظروا إلى الظاهرية ­عبر التاريخ­ على أنها تيار الجمود، والشذوذ لا يستجيب لروح العصر.
ومن أعظم الحوافز والدوافع الرئيسة لاختيار هذا الموضوع:
أولا: رغبة كامنة في نفسي للتعرف على النواحي العلمية المتنوعة لشخصية الإمام الحافظ ابن حزم، فقد كنت في بدء دراستي الجامعية الأولى أطالع بعض كتبه الفقهية وغيرها، فشدني ما فيها من طول نفس في استعراض الآراء ومناقشتها والاستدلال لكل فريق منهم بما لم ألحظه في كتب علماء آخرين، وماله من فكر نزاع إلى التفرد، جوهره الثورة على التقليد والدعوة إلى الاجتهاد.
ثانيا: قلة اهتمام الباحثين بما يتميز به الإمام ابن حزم من سعة حفظ، وكثرة اطلاع، ووفرة تأليف، وما عرف به خصوصا في الميدان الجدلي، وما خلفه في الثقافة الإسلامية عموما وتاريخ الغرب الإسلامي على وجه الخصوص.
ثالثا:تركيز أغلب الدراسات التي تناولت فكر الإمام ابن حزم على أحد وجهيه، ذلك المتعلق بالشرعيات خصوصا الفقه وأصوله وعلم الكلام، والذي يتسم بالتمسك بظاهر الألفاظ، ورفض القياس والرأي والاستحسان، وغالبا ما كانت الأحكام التي انتهت إليها الدراسات مبنية على هذا الجانب وحده: جانب مناصرة المنقول، والذب عنه من خلال المناداة بضرورة فهم النص، وقد ترتب عن التركيز على الوجه الأول للظاهرية الحزمية ­المتمثل في جانبها الفقهي والأصولي والشرعي والكلامي­ أن أغفل وجهها الثاني الذي يعكسه مناصرتها للعقل والمعقول، ودفاعا عن الفلسفة وعلوم الأوائل.
وكانت مصادر هذا البحث عديدة ومتنوعة، ومتشعبة بين قديم وحديث، كما تجد ذلك في ثبت المراجع والمصادر، وهي مزيج من كتب التراجم والأعلام والطبقات والفهارس الأندلسية منها والمغربية والمشرقية، وقد اعتمدت ­في المقام الأول في دراستي هذه­ على تراث الحافظ ابن حزم الأدبي والفكري ذاته.
ففي مجال الأدب، ومقدرته على التحليل النفسي كان “طوق الحمامة” مصدرا أساسيا، إذ تتجلى فيه براعة الإمام ابن حزم في الغوص في أعماق النفس الإنسانية.
وأما في مجال العلم، وتعدد جوانب المعرفة عنده، فقد اعتمدت: “رسائله” و”المحلى” و”الأحكام في أصول الأحكام”، وهي مصنفات تعالج موضوعات مختلفة نستشف من خلالها إدراكه الواسع للمعرفة، ومراتب العلوم، وتجاربه العلمية الدقيقة التي ساعدته على وضع منهاج تعليمي متكامل.
وفيما يتعلق بدراسة الأديان والمذاهب الإسلامية فقد كان كتابه “الفصل في الملل والأهواء والنحل”، مصدرا متميزا لا يباريه غيره، حيث تضمن مناقشته لليهود والنصارى ومجادلتهم ومقارعتهم بالحجج الدامغة، مما يعكس اطلاعه العميق على التوراة والإنجيل من جهة، وكرس جزءا من هذا الكتاب في دراسة تعاليم باقي الوثنيات، بالإضافة إلى الفرق الإسلامية الأخرى من جهة أخرى، مما أكسبه في الغرب الإسلامي لقب “مؤسس علم الأديان المقارن”.
وقد أفدت إفادة كبيرة من سائر الكتب التي تناولت الإمام ابن حزم بالدراسة: كتب الحديث بمختلف دروبها، وأمهات كتب الفقه المقارن التي تعتمد الحجة والرد على المخالفين، إضافة إلى بعض الرسائل أو أطاريح جامعية، علاوة على مصادر أخرى أفادتني منها: كتب اللغة والنحو.
ولقد اعتمدت في بحثي هذا منهج الجمع والترتيب، ثم الاستقراء والسرد التاريخي، وحرصت فيه على تحري الجدة والنفع والإعراض عما خلا منهما.
كما اجتهدت في إخراج هذا العمل على مقتضيات البحث العلمي، فعزوت الآيات، وخرجت الأحاديث مع التزامي بالصحيح قدر الإمكان، ووثقت الآثار حتى يكون متكاملا بإذن الله.
خطة البحث
     وقد اقتضتني طبيعة الكتابة في هذا الموضوع أن أقسمه إلى مقدمة، حيث تضمنت بيان أهمية الموضوع ودواعي اختياره، وأوجزت القول عن طبيعة مظانه ومصادره، وصعوباته، وطريقة عرضه، ثم فصل تمهيدي، احتوى على تصور سريع موجز لعلم الجدل، والتعريف به، وشرح المصطلحات التي تضمنها عنوان البحث.
     وجوهر بحثي، جعلته للمنهج العلمي عند الإمام ابن حزم مع أهل الكتاب والفكر الوثني والفلاسفة وقد بدأته بالحديث عن الإمام ابن حزم والثقافة اليهودية، متضمنا الجوانب التي بحثها، كما تعرضت لظاهرة النقد عنده باعتبار هذا الفن الأدبي ثمرة للفكر، أو لنقل مستوى من مستويات الفكر، ويقصد به كشف الحق وبيانه من خلال تتبع مواطن الخلل، وبؤر الخطأ، وجمع المعطيات لصياغة الحل وإعادة المشروعية للحقائق من خلال نماذج عنونتها بـ: “نقد الإمام ابن حزم لأسفار التوراة، ونقده لمفهوم الألوهية مبينا منهجه الجدلي الظاهري فيها”.
     ثم انتقلت للإمام ابن حزم، والثقافة النصرانية متمما سلسلة النقد الحزمي، غير أنني وجهت هذا الأخير إلى: “عقيدة التثليث” باعتبارها جوهر العقائد المسيحية التي يدندن حولها كبار رُهبانهم، إضافة إلى نقده لدعوى صلب المسيح، الذي لا تقل عنها شأنا في نفوس الثكلى من الناس، كما عرفت بكتب النصارى، وبينت ما فيها من تحريفات وتناقضات ينأى عنها العقل السليم، وأتيت بنماذج من طوامهم وأراجيفهم.
     ولم أجد بدا من الحديث عن الإمام ابن حزم مع الفكر الوثني، وأوجزت القول غالبا فيمن اشتهر منهم، مكتفيا بالمقصود من هذا الفصل؛ وهو بيان منهجه الجدلي الظاهري معهم، سالكا في ذلك المنهج الوصفي.
    كما عرفت القارئ بموقف الإمام الحافظ أبي محمد من السفسطائية مبطلي الحقائق، وقضية قدم العالم، ورده على الفيلسوف الكندي الذي أخذ عليه محاولته دمج الفلسفة في الدين، واعتماد مناهجها في دعم حقائقه، وضم الدين للفلسفة وهذا أمر لا يصح عند الإمام ابن حزم.
     وأصول المنهج الجدلي الظاهري عند الإمام أخضعها لضوابطه وأصوله العلمية، مكونا منهجا فكريا له نسقه المتكامل، ومشروعه الشامل القائم على سعة التصور وعقلانية المنهج، والتي تمكن من تسويغ المعتقدات الضرورية الواجبة، والمتمثلة في سلسلة من المقدمات المنطقية كالأوائل الحسية والعقلية والتجريبية، والمقدمات الإخبارية النصية والشفوية، ومن أصول منهجه الجدلي “سلطان العقل”، حيث اعتمد عليه في كل القضايا العقلية التي ناقشها مع أهل الكتاب وغيرهم.
     ولم يكتف الإمام في مناقشته لأهل الكتاب وغيرهم على العقل المجرد والبدهيات، بل دفعته ضرورة الجدل إلى استعمال “النص” باعتباره أداة من أدوات إقناع الخصم ودحض حجته وبرهانه، وتعرضت لهذا موضحا وجود النص التوراتي ومنهج الإمام ابن حزم الظاهري فيه، والنص الإنجيلي ومنهجه الظاهري فيه، والنص القرآني ومنهجه الظاهري فيه، والنص الحديثي ومنهجه الظاهري فيه.
     ثم بينت منهج الإمام ابن حزم الجدلي الظاهري مع الفرق الإسلامية، ومن الضروري ­وأنا أدرس منهج الإمام ابن حزم في دراسة العقائد والفرق الإسلامية­ أن أعطي صورة مقربة عن طبيعة هذه الفرق في الأندلس، والتي أثرت في تناول الإمام ابن حزم لموضوع الجدل، وهي: المعتزلة، المسرية، الشيعة، الخوارج، المرجئة، والأشاعرة الذين جعلهم الإمام ضمن فرق المرجئة، وبينت كيفية تقسيمه لهذه الفرق وقضايا الخلاف بينها، ثم أثبتت منهجه الجدلي الظاهري في دراسته للفرق الذي يعتمد أيضا على العقل ومقتضياته خاصة مع الفرق الكلامية.
     وختمت بخلاصة تضمنت أهم نتائج البحث، هذا وقد لمست أثناء تعاملي مع الموضوع صعوبة تتمثل أساسا في:
ـ قلة وندرة محتوى الموضوع ومادته سواء من خلال كتب أهل الظاهر، أو من خلال كتب المذاهب الأخرى وآثارها، إذ أن الملحوظ عند تناول هذه الكتب “للمنهج الجدلي”، يتضح أنه جاء مقتضبا وموجزا، إلى درجة يكاد معها يكون الإحجام عن الخوض فيه درءا للمشقة العظمى، وانعدام الجدوى والتحمس لإنجازه وإكماله، بخلاف اتساع وضخامة المادة التي تمكن الدارس من دور أكبر، وصناعة مريحة سواء على مستوى جمع المعلومات وتبويبها، أو على مستوى التحكم فيها بالتوليد والاستثمار والتفصيل أو بالاقتضاب والاختزال والتعميم.
ـ صعوبات تتمثل في طبيعة البحث الذي يفرض ­بعد جمع المادة­ دقة الاستقراء العلمي، ومحاولة استنباط المنهج الذي يسلكه، والركائز التي اعتمد عليها للبرهنة على سلامة منطقه وقوة حجته.
     وها أنذا أقدم لك هذا البحث الذي بذلت فيه جهدا لا أدعي كماله، بل هو جهد مقل، وبضاعة مزجاة، فليجُد عليه المحب الصادق النصوح بتكميل، أو توجيه، أو تسديد، ولا أدعي أنني أصبت ووفيت ووفقت وكملت، لكنني ­والحمد لله­ بذلت واجتهدت حتى إنني ­أحيانا­ أرجع في فصل واحد إلى عدة مصادر ومراجع.
     ولا أقول إن عملي منبث عن عمل من سبقني في هذا المجال، أو أدعي أنني قد أتيت بما لم يأت به السابقون، لا بل أنا المستفيد مما كتبه علماؤنا الأجلاء، هذا وأذكر بقول الأول:
                             وإنْ تَجِدِْ عيباً فَسُدّ الخَللا         فَجَلّ مَنْ لا عيب فيه وعلا[1]
    وأتمثل فيكم قول العلامة ابن القيم رحمه الله: «فيا أيها الناظر فيه لك غنمه، وعلى مؤلفه غرمه، ولك صفوه، وعليه كدره، وهذه بضاعته المزجاة تعرض عليك، وبنات أفكاره تزف إليك، فإن صادفت كفئا كريما، لم تعدم منه إمساكا بمعروف، أو تسريحا بإحسان، إن كان غيره، فالله المستعان، وعليه التكلان، وقد رضي من مهرها بدعوة خالصة إن وافقت قبولا واستحسانا، وبرد جميل إن كان حظها احتقارا واستهجانا، والمنصف يهب خطأ المخطئ لإصابته، وسيئاته لحسناته، فهذه سنة الله في عباده جزاء وثوابا، ومن ذا الذي يكون قوله كله سديدا وعمله كله صوابا؟ وهل ذلك إلا المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى، ونطقه وحي يوحى»[2]؟
توضيحات
     إن الادعاءات التي تحصر نشوء الجدل بأمة دون أخرى هو ضرب من الخبال، حيث أن من يستعرض تواريخ الأمم يرى أن نزعة الجدل وجدت عبر مختلف العصور والحضارات، لذلك لا يمكننا ربط بدء الجدل بأمة دون أخرى، كما لا يمكننا أن نوافق من يدعي أن الجدل بدأ يونانيا للأسباب التالية[3]:
1ـ ليست الأمة اليونانية أقدم الأمم، حيث يجمع المؤرخون استنادا إلى نصوص الكتب المقدسة والمكتشفات الأثرية، على أن منطقة الشرق الأوسط هي مهد للحضارات كما أنها مهد الإنسان الأول، وهي أرض الرسالات السماوية ومهد الأديان.
2ـ إن الحضارة اليونانية بنيت على أساس الحضارات الشرق أوسطية، فمن الجدير بالذكر أن اللغة الآرامية أصبحت لغة سوريا والعراق منذ أيام الملك الآشوري سنحاريب (705­681 ق.م) ومن ثم أصبحت الآرامية اللغة الدولية Linguafranca للعالم الأسيوي الغربي، واللغة الرسمية لعالم يمتد من الهند شرقا إلى الحبشة غربا، حيث تخطت حدودها الجغرافية والقومية، فأخذ العبرانيون أبجديتهم عن الأبجدية الآرامية، وكان لعرب الشمال ­وهم الأنباط­ أبجدية تتشابه والأبجدية الآرامية، لكننا لا نملك دليلا يفيدنا أيهما أخذ عن الثاني، ويرى صاحب الإيضاح أن الآراميين نقلوا أبجديتهم معهم من موطنهم الأول شبه جزيرة العرب ثم طوروها فيما بعد[4].
3ـ لقد جرى الغربيون على إنكار الكثير مما أبدعه علماء الشرق الأوسط ونسبوه – عن علم أو عن جهل- إلى علماء غربيين بدوافع أنانية غير علمية، لقد نسبوا للرياضي اليوناني إقليدس (بداية ق: الثالث ق.م) النظرية الهندسية القائلة: «بمبدأ تشابه المثلثات القائمة الزاوية المتشابهة المحدثة من إنزال عمود من الزاوية القائمة في مثلث قائم الزاوية على وتر».
     والاكتشافات الأثرية قد كذبت ما نسب لإقليدس حيث اكتشفت في: “تل حرمل” في العراق، مجموعة من الألواح الرياضية تتضمن هذه النظرية وغيرها، ويعود تاريخ هذه الألواح إلى ما قبل عصر إقليدس بمئات السنين.
    وفي عام 1962 اكتشفت في العراق لائحة تتضمن ما يسمى اليوم “خطا” بنظرية “فيثاغورس” التي تنص على أن: «مساحة المربع المنشأ على الضلع المقابل للزاوية القائمة في المثلث القائم الزاوية يساوي مجموع مساحتي المربعين المنشأين على الضلعين الآخرين»، ويعود تاريخ اللوح المكتشف في العراق إلى 500 سنة قبل عهد “فيثاغورس اليوناني”[5].
     ولقد أثبت المسلمون كروية الأرض، وقد برهن على ذلك “أبو الريحان البيروني” بقوله: «إن القائم في محل منكشف الأفق فيه شيء يمنع النظر إلى جميع الجهات، يرى الأرض دائما على صفة مستو مستدير الحدود، فمن المعلوم أن الكرة هي الجسم الوحيد الذي يرى على شكل مستدير من أي وجهة نظر إليه»[6]. ومع ذلك يدعي الغربيون أن “كوبر نيكوس” هو مكتشف كروية الأرض، ورغم تأخره عن زمن البيروني، شاعت مفاهيم مغلوطة بين المثقفين حول الكثير من العلوم والمكتشفات، التي أثبتت الوثائق خطأها، ولكن البعض ما زال مصرا على ركوب طريق الغلط ونسبة الحق إلى غير أهله.
4ـ إن المنطقة العربية هي مهد الديانات السماوية كافة، وقد دأب الأنبياء على إقناع الكفار بالرسالات السماوية وجادلهم الكفار بغية الإصرار على كفرهم، وهذا يؤكد أن الجدل موجود في المنطقة العربية منذ ما قبل وجود الأمة اليونانية ذاتها، إذا سلمنا بأنها وجدت بعد الطوفان، حيث إن الجدل الذي دار بين النبي نوح وابنه، سابق على وجود الأمة اليونانية ذاتها، ومـصداق ذلك قوله تعالى:”{وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَابُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ (42) قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ } [هود: 42، 43]، فلا غرو في أن نسبة الجدل إلى اليونانيين ادعاء واه لا يستند إلى أدلة صحيحة ولا إلى أحداث تاريخية منقحة[7].
     ورأيت من تمام الفائدة، ونافل القول أن أمهد هذا البحث بشرح بعض ألفاظ عنوانه، كشفا للبس وإيضاحا للغموض، وقد علمت أن العنوان الذي استقر عليه الأمر هو: “المنهج الجدلي الديني عند الحافظ ابن حزم الظاهري، فأول لفظ يصادفنا هو لفظ “المنهج” فما المراد به؟.
المنهج: لغـة: النهج، والمنهج، والمنهاج: الطريق الواضح، واستنهج الطريق صار نهجا، ونهجت الطريق أبنته وأوضحته، ونهجت الطريق سلكته، والنهج الطريق المستقيم[8]، أما في الاصطلاح العلمي فهو: «الطريق المؤدي إلى الكشف عن الحقيقة في العلوم بواسطة طائفة من القواعد العامة على سير العقل، وتحدد عملياته حتى يصل إلى نتيجة معلومة»[9]، وهو أيضا: «مجموعة العمليات العقلية الاستدلالية تستخدم في حل مشكلات العلم وبناء العلم نفسه في مرحلة ما من تاريخه»[10]، هو أيضا: نسق من القواعد والضوابط التي تركب البحث العلمي وتنظمه أي أن المنهج منظومة من القواعد والضوابط التي تركب وتنظم العمل الذي يهدف إلى حل مشكلة معرفية باستقراء جميع مكوناتها التي يظن أنها أساس الإشكال[11].
الجــدل أو المجادلــة: لغــة: المجادلة: مصدر جادل: وهو مقابلة الحجة بالحجة ذكره ابن الأثير[12]، وقال الراغب الأصفهاني: «الجدال: المفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة وأصله من جدلت الحبل أي أحكمت فتله»[13]. وله بهذا الاشتقاق معنيان:
أحدهما: أن يكون استعمالك إياه ­في محافل النظر­ سببا لفتل خصمك إلى موافقتك بتوجيه أدلته وإبطال شبهه.
الثانـي: أن يكون سمي بذلك، لكونه محكما للأدلة، والأمثلة، والأجوبة، مبرما لمنتشدها بقوانينه المعتبرة[14].
وقال ابن فارس: «الجيم والدال واللام أصل واحد وهو من باب استحكام الشيء في استرسال يكون فيه، وامتداد الخصومة ومراجعة الكلام»[15]. وقد ذهب عموم اللغويين إلى المعنى الذي ذكرته[16].
اصطلاحا: لقد حدث اختلاف في حد الجدل اصطلاحا من بيئة ثقافية إلى أخرى، بل من عصر إلى عصر.
الجدل الأروربي: الجدل عند سقراط: «مناقشة تقوم على سؤال وجواب»[17]، وعند أفلاطون: «منهج في التحليل المنطقي يقوم على قسمة الأشياء إلى أجناس وأنواع، بحيث يصبح علم المبادئ الأولى والحقائق الأزلية، والجدل عنده صاعد وهابط»[18]، وعند أرسطو: «قياس مؤلف من مشهورات ومسلمات أي أن موضوع الجدل هو الاستدلال المبني على الآراء الراجحة أو المحتملة، فهو وسط بين الأقاويل البرهانية والأقاويل الخطابية»[19].
وعند هيجل: «انتقال الذهن من قضية ونقيضها إلى قضية ناتجة عنهما ثم متابعة ذلك حتى نصل إلى المطلق»[20].
الجـــدل العربــي:
     لقد عرف الجدل منذ قديم الأزل، ودليل ذلك وجود الجذر اللغوي لكلمة “جدل” في اللغة العربية، بالإضافة إلى مرادفات أخرى تؤدي معنى الجدل بصورة نسبية مثل كلمات محاورة، تحاور، مناظرة، مجاراة، محاكاة، معاندة، منازعة، مخاطبة، مجادلة.
والملاحظ أن جمهور المتخصصين في هذا النوع “الجدل” يقدمون لنا تعريفات غامضة، “فالشيرازي” الذي يرجح أنه كان مبدع هذا النوع لا يذكره بكلمة واحدة في كتابه “المعونة في الجدل”[21]، ونفس الأمر يقال على ابن عقيل في كتابه “الجدل”، والباجي لم يكن أكثر وضوحا من سابقيه في التعريف بالجدل في مقدمته للمنهاج على الرغم من أنه خصه ببحث مطول[22].
قال ابن سينا: «أما المجادلة فهي مخالفة تبغي إلزام الخصم بطريق مقبول محمود بين الجمهور… والمجادلة منازعة فإنه إذا لم تكن منازعة لم يحسن أن يقال جدل»[23].
وقال الجرجاني: «الجدال عبارة عن مراء يتعلق بإظهار المذاهب وتقريرها»[24].
وقال حاجي خليفة: «الجدل هو علم يبحث عن الطرق يقتدر بها على إبرام ونقض»[25]، وقد عرفه البحاثة المؤرخ ابن خلدون بـ: «الجدال هو معرفة آداب المناظرة التي تجري بين أهل المذاهب الفقهية وغيرهم… معرفة بالقواعد من الحدود والآداب في الاستدلال التي يتوصل بها إلى حفظ رأي وهدمه سواء كان ذلك الرأي من الفقه أو غيره»[26].
فالجدال حوار كلامي يتفهم فيه كل طرف من الفريقين المتحاورين وجهة نظر الطرف الآخر، ويعرض فيه كل طرف منهما أدلته التي رجحت لديه استمساكه بوجهة نظره، ثم يأخذ بتبصر الحقيقة من خلال الانتقادات التي يوجهها الطرف الآخر على أدلته، أو من خلال الأدلة التي ينير له بها بعض النقاط التي كانت غامضة عليه[27].
والجدل في الشرع جاء على معنيين:
أحدهما: محمود وهو ما كان في تقرير الحق وباستعمال الأدب، {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125]
الثاني: مذموم وهو ما كان بسوء أدب أو بجهل أو في نصرة باطل قال تعالى: {وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ} [غافر: 5].
قال النووي: «الجدل والجدال والمجادلة مقابلة الحجة بالحجة وتكون بحق وباطل وأصله الخصومة الشديدة، ويسمى جدلا لأن كل واحد منهما يحكم خصومته وحجته إحكاما بليغا على قدر طاقته، تشبها بجدل الحبل وهو إحكام فتله، يقال جادله يجادله وجدالا…»[28].
وجرى استعمال الجدل في اصطلاح أهل المناظرة على معنى إلزام الخصم سواء كان بحق أو باطل[29]، وبعض أهل العلم أطلق الجدل وأراد به آداب الاستدلال والمعارضة كابن خلدون حيث قال: «إنه معرفة بالقواعد من الحدود والآداب في الاستدلال التي يتوصل بها إلى حفظ رأي أو هدمه، كان ذلك الرأي من الفقه أو غيره»[30].
كما أنه يرد كثيـرا في اصطلاح السلـف استعمـال “الجدل” على معنى خاص لا سيما بعد تعريب كتب اليونان واختلاط الفلسفة بالعلوم الشرعية ويراد به شبه المتكلمين.
قال ابن عقيل الحنبلي: «القوم كانوا ينهون عن الجدال، والجدال شُبَهُ المتكلمين»[31]، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: «يقولون: فلان صاحب كلام، ومتكلم إذا كان قد يتكلم بلا علم، ولهذا ذم السلف أهل الكلام، وكذلك الجدل إذا لم يكن الكلام بحجة صحيحة، لم يك إلا جدلا محضا»[32].
المنــاظــرة: المناظرة لغة مشتقة من النظر، ومن الانتظار، ومن النظر بالبصيرة، ومن النظير[33]، والنظر نوعان: طلبي واستدلالي.
قال ابن تيمية: «النظر تجريد العقل عن الغفلات، وقيل هو تحديق العقل نحو المرئي، والأول: هو النظر الطلبي، وهو طلب ما يدله على الحق، والثاني: هو النظر الاستدلالي، وهو النظر من الدليل الذي يوصله إلى الحق، وهذا الثاني هو الذي يوجب العلم»[34].
والمناظرة تكون ذاتية، وذلك بتوجه قلب الناظر نحو الأشياء ابتغاء العلم، وبإيراد ما يعارض اعتقاده بنفسه، مما يرد عليه من المعارضات التي ترد على ذهنه، ثم يقوم بردها وإبطالها وذلك كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما قبل الحجر الأسود قال: «أما إني أعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استلمك ما استلمتك، فاستلمه، ثم قال: شيء صنعه النبي صلى الله عليه وسلم فلا نحب أن نتركه»[35].
وتكون المناظرة مع الغير وذلك بالتوجه بينهما إظهارا للصواب[36]، وتطلق المناظرة أحيانا على المِراء على معنى استخراج مذهب وأدلة المخالف، قال ابن الأثير الجزري: «ويقال للمناظرة مماراة لأن كل واحد منهما يستخرج ما عند صاحبه، ويمتريه كما يمتري الحالب اللبن من الضرع»[37].
وتأتي المناظرة بمعنى المجادلة المحمودة وهو استخراج الصواب، قال العلامة صديق حسن خان: «ولا يبعد أن يقال أن علم الجدل هو علم المناظرة لأن المآل منهما واحد»[38]، وهناك فروق بين المجادلة بنوعيها المحمود والمذموم وبين المناظرة منها: أن الجدل احتجاج باللسان، أما النظر فقد يكون بالفكر، وبالقلب، والعقل[39]، وهناك فرق آخر وهو أنه يصح النظر من طرف واحد، أما الجدل فلا يصح إلا بين اثنين، قال الخطيب البغدادي: «ولا يصح الجدل إلا من اثنين، ويصح النظر من واحد»[40]، وهناك فرق ثالث وهو باعتبار القصد والنية، فالمقصود من المناظرة هو ظهور الحق في المطلوب، أما مقصود المجادلة المذمومة فهو رجوع الخصم إلى قول المجادل[41].
الخصـومـــة: لغـة: قال ابن فارس: «خصم الخاء والصاد والميم أصلان أحدهما: المنازعة والثاني: جانب وعاء»[42]. والاختصام في الاصطلاح: هو الجدل والاختلاف بالقول[43].
والخصومة في الشرع: نوعان: محمودة كما جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يتهجد، قال: «اللهـم لك أسلمت وبك آمنت وعليـك توكلت وإليك أنبـت وبـك خاصمت
وإليك حاكمت»[44]. ومذمومة كما في قوله تعالى: “وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إلَّا جَدَلًا بَل ْهُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ”[45].
وفي لسان السلف: تطلق الخصومة على الجدال بطريقة المتكلمين وهؤلاء يسمون بأهل: “الخصومات”.
اللـجـــاج: قال ابن فارس: «لج: اللام والجيم أصل صحيح يدل على تردد الشيء بعضه على بعض وترديد الشيء ومن ذلك اللجاج… واللجاج الذي يلجلج في كلامه لا يعرف»[46].وقال ابن حزم: «اللجاج هو ما كان على الباطل، أو ما فعله الفاعل نصرا لما نشب فيه، وقد لاح له فساده أو لم يلح له صوابه ولا فساده»[47].
وقال المناوي: «اللجاج التمادي في العناد، تعاطي الفعل المزجور عنه، ومنه لجة البحر: تردد أمواجه»[48].
 فالحاصل من كلام هؤلاء الأئمة أن اللجاج يحمل معاني مذمومة وهو يدل على عناد وإصرار على باطل، وجهل مع رفع الصوت والخروج عن حد الاعتدال.
الــــــمــــــراء: قال ابن فارس: «المراء مما يتمارى فيه الرجلان من هذا، لأنه كلام فيه بعض الشدة ويقال: ماراه مراء ومماراة… ومما شد منهما المريـة: الشك»[49]، وورد المراء في
الشرع على معنى المراجعة ومن ذلك قوله تعالى: {فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا} [الكهف: 22]، وورد المراء في الشرع على معنى الجدال بالظنون الكاذبة والتخرصات الباطلة قال تعالى{ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ} [مريم: 34] ،  وقال ابن مفلح: «المراء استخراج غضب المجادل»[50]، وقال ابن الوزير: «المراء وهو ما يغلب على الظن أنه يهيج الشر ولا يقصد به صاحبه إلا حظ نفسه في غلبة الخصوم»[51]، والمجادلة والمناظرة، والمخاصمة تأتي بمعنى واحد في بعض كلام أهل العلم، يقول ابن الأثير: «والمجادلة: المناظرة والمخاصمة»[52]، وعند الفيروز آبادي: الخصومة لا تجامع المجادلة في المعنى، إلا إذا كانت المجادلة شديدة، يقول: «الجدل ­محركة­ اللدد في الخصومة»[53]، فتكون أعم من المجادلة فكل مجادلة يصح أن يطلق عليها مخاصمة وليس العكس.
وذهب بعض أهل العلم إلى أن الجدال يتعلق بإظهار المذاهب وتقريرها، وأما الخصومة: فلجاج في الكلام ليستوفي به المقصود من مال أو غيره[54].
الحافظ: لغة: اسم فاعل من “حفظ” وهو من يحفظ عددا عظيما من الحديث.
وفي تعريفه عند المحدثين ثلاثة أقوال:
الأول: هو من أحاط علمه بمائة ألف حديث[55].
الثاني: أرفع درجة من المحدث[56].
الثالث: مرادف للمحدث عند كثير من السلف[57].
وعرفه الشيخ فتح الدين ابن سيد الناس بقوله: «من اشتغل بالحديث رواية ودراية وجمع بين رواته، واطلع على كثير من الرواة والروايات في عصره، وتميز في ذلك حتى عرف فيه حظه، واشتهر فيه ضبطه، فإن توسع في ذلك حتى عرف شيوخه وشيخ شيوخه طبقة بعد طبقة، بحيث يكون ما يعرفه من كل طبقة أكثر مما يجهله»[58].
و”الحافظ” أعلى من “المفيد” في العرف كما أن الحجة في الثقة[59]، والحافظ وهو أعلى مرتبة من المفيد، ولا يستحق أحد أن ينعت بهذا اللقب حتى يجمع عددا من الأحاديث، قال بعضهم: هي مائة ألف، وقال آخرون: غير هذا، ولكن المعول في هذا حكم العلماء له بهذا اللقب، ومن تم ألفت في التراجم كتب كثيرة، فيصفون كلا منها بما يستحق، ويرى القاضي التهانوي صاحب “كشاف فنون اصطلاح الفنون”: «أن الحافظ هو الذي أحاط علمه بمائة ألف حديث متنا وسندا، وأحوال الرواة جرحا وتعديلا وتاريخيا، ثم الحجة وهو الذي أحاط علمه بثلاثمائة ألف حديث، قلت: والذي يظهر من كلام العلماء أن مرتبة الحافظ لا تنحصر في حفظ عدد معين بل تختلف حسب العصر، وقال المزي: لما سأله السبكي عن حد الحفظ الذي إذا انتهى إليه الرجل جاز أن يطلق عليه الحافظ؟ قال: يرجع إلى أهل العرف»[60]، ونحوه قال الإمام الذهبي في ترجمة الحافظ بهاء الدين القاسم بن الحافظ بن عساكر الشهير صاحب “تاريخ دمشق”: «ذكر محدث أنه اجتمع بالمدينة بهاء الدين القاسم فسأله أن يحدثه، فروى له حفظه أحاديث كثيرة، ثم ذكر أنه قابل تلك الأحاديث بأصلها فوافقت»، فعقب على هذا الإمام الذهبي بقوله: «وبمثل هذا يوصف المحدث في زماننا بالحفظ»[61].
إذن، فالمعول عليه في هذا هو شهادة العلماء للمحدث بالحفظ لاسيما منهم ذووا التمكن، فمن وصفه هؤلاء بالحافظ فهم شهود، بصرف النظر عما كان يحفظ…[62]
الظاهري: الظاهر في اللغة: الواضح والمنكشف البارز، والظواهر أشراف الأرض[63].
الظاهر في اصطلاح الأصوليين: فهو اسم لكل كلام ظهر المراد منه للسامع بنفس صيغته من غير تأمل كقوله تعالى: “وأحل الله البيع”، “فانكحوا ما طاب لكم”، وضده الخفي: وهو ما لا ينال المراد منه إلا بالطلب كقوله تعالى: «وحرم الربا»[64].
أما الظاهر عند الإمام ابن حزم فهو من أخفى المصطلحات في كتبه، وأكثرها إشكالا وذلك راجع إلى أن أبا محمد لم يحرر قصده من الظاهر تحريرا جيدا لوضوحه في ذهنه، لأنه عماد مذهبه[65].
وإذا كان جمهور الأصوليين بعد الإمام الشافعي رحمه الله قد درجوا على التفريق بين الظاهر والنص[66] واشتهر ذلك عنهم، فإن الإمام ابن حزم يعدهما اسمين لمسمى واحد، فالظاهر عنده مرادف للنص، يقول في تعريفهما في الباب الخامس الذي أفرده للتعريف بالألفاظ الدائرة بين أهل النظر في كتابه “الأحكام”: «والنص: هو اللفظ الوارد في القرآن أو السنة المستدل به على حكم الأشياء وهو الظاهر نفسه»[67].
وعليه فالظاهر عند ابن حزم هو النص نفسه وليس مرتبة أقل يقينا منه.
والقول بالظاهر خاصية جلية من أهم خاصيات المدرسة الظاهرية، لذلك يحمل جميع أتباع وأصحاب هذه المدرسة اسم “الظاهرية”، أهل الظاهر، أو ما شابه ذلك، للدلالة على اتصافهم بصفة التعامل مع ظواهر النصوص والألفاظ.
ابن حزم
     إن في تاريخ العظماء لخبرا، وإن في سير العلماء لعبرا، وإن في أحوال النبلاء لمذكرا، وأمتنا الإسلامية أمة أمجاد وحضارة وتاريخ وأصالة، وقد ازدان سجلها الحافل عبر مختلف العصور بكوكبة من الأئمة العظام والعلماء الأفذاذ العظام، يمثلون دري كوكبها، وعقد جيدها، وتاج رأسها، كانوا في الفضل شموسا ساطعة، وفي العلم نجوما لامعة، فعدوا بحق مصابيح دجى، وأنوار هدى، وشموعا تضيء بمنهجها المتلألئ، وعلمها المشرق الوضاء غياهب الظلم، وسراديب الجهل تبددها أنوار العلوم والحكم. في تاريخ الإسلام علماء ربانيون وأئمة مهديون، هم من منة الله على هذه الأمة، قاموا بالإسلام وللإسلام يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصرون به أهل العمى، ويرشدون من ضل منهم إلى الهدى، يقتبسون من نور الوحي، ويسيرون على مشكاة النبوة عقيدة وعلما وعملا ومنهجا ودعوة، فكم نفع الله بهم من البلاد، وكم هدى بهم من العباد، وكان من أجل هؤلاء الأئمة وأفضل هؤلاء العلماء، عالم لا كالعلماء، بدر أتم، وجبل أشم، وحبر بحر، وطود شامخ، يعد إمام القرن الخامس الهجري فريد عصره، نادرة دهره، قل إن يجود الزمان بمثله، إنه أمة في رجل وأئمة في شخص إمام، إنه الإمام الفذ، والعالم الجهبذ، الإمام الفاضل الحافظ المبجل: أبو محمد علي بن سعيد بن حزم القرطبي.
قال عنه الذهبي: «كان إليه المنتهى في الذكاء والحفظ وسعة الدائرة في العلوم… فيه دين وتورع وتزهد وتحر للصدق»[68]،وعنه قال صاعد ابن أحمد: «كان ابن حزم أجمع أهل الأندلس قاطبة لعلوم الإسلام وأوسعهم معرفة»[69]، إنه إمام المدرسة الظاهرية بالغرب الإسلامي، وقطب رحاها ولسانها المنافح عنها، لولا أن الله قيضه لها على رأس المائة الخامسة لكانت نسيا منسيا، ومذهبا مطرحا، فهو الذي أحيى رسومها وأبرز معالمها وأصولها، وملأ الدنيا وشغل الناس بها[70]، وإذا كان من الواجب عند دراسة المفكر، أن نرد آراءه ومناحي تفكيره إلى عناصرها الأولى، وينابيعها التي نهل منها، فمن الملازم أن نبين عند الكلام عنه، نسبه مولده أسرته، والبيئة التي ترعرع في ظلها، وشذا في جوها، ونما تحت سلطانها، وأن نبين أعماله وثقافته ومنزلته العلمية
اسم الإمام ابن حزم، نسبه، مولده [71]
هو علي بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب بن صالح بن خلف بن معدان بن سفيان بن يزيد الفارسي الأصل[72]، ثم اليزيدي، مولى الأمير يزيد بن أبي سفيان بن حرب الأموي، المعروف بيزيد الخير نائب أمير المؤمنين أبي حفص عمر علي دمشق الأندلسي، فكان جده يزيد مولى للأمير يزيد أخي معاوية، وكان جده خلف بن معدان هو أول من دخل الأندلس في صحبة ملك الأندلس عبد الرحمن بن معاوية بن هشام المعروف بالداخل، وقد كتب ابن حزم نفسه عن مولده بخط يده لتلميذه أبي القاسم صاعد، أنه ولد بعد سلام الإمام من صلاة الصبـح وقبـل طلوع الشـمس آخر يوم من شهر رمضان ليلة الأربعاء من سـنة أربع وثمانيـن وثلاثمائة، الموافق ليوم السابع من نوفمبر سنة 994م.
وهذا ما رجحه الحميدي[73] ونقله عنه الضبي[74] وابن بشكوال[75]، فقد ذكروا أن ولادته كانت ليلة عيد الفطر سنة 384هـ في الجانب الشرقي بربض منية المغيرة، بقصر أبيه من مدينة المنصور ابن أبي عامر الزاهرة[76] التي خص بها نفسه[77].
نشأتــه وطلبـــه للعلـــم
نشأ ابن حزم في بيت عز مكين مال وجاه عريض، في أسرة كريمة المحتد، شريفة الأرومة، نبيلة الأصل، عرف فيها العلم والفضل، وعلمت فيها الرياسة والريادة، كان يعتز ببيته وبطلب العلم الذي لا يبغي منه مالا ولا جاها بل يبغي به النـور، ويروي في هذا أنـه ناظر الباجي، فقال هذا الأخير: «أنا أعظم منك همة في طلب العلم، لأنك طلبته وأنت معان عليه، فتسهر بمشكاة الذهب، وطلبته وأنا أسهر بقنديل نائب السوق»[78]، فقال له ابن حزم: «هذا الكلام عليك لا لك، لأنك إنما طلبت العلم وأنت في هذا الحال رجاء تبديلها بمثل حالي، وأنا طلبته في حال ما تعلمه، وما ذكرته فلم أرج به إلا علو القدر العلمي في الدنيا والآخرة»[79].
نشأ ابن حزم ربيب النعمة، فاستحفظ القرآن، وأخبرنا أنه حفظه في بيته، وحفظه إياه النساء من الجواري والقريبات إذ يقول: «لقد شاهدت النساء وعلمت من أسرارهن ما لا يكاد يعلمه غيري، لأني ربيت في حجورهن، ونشأت بين أيديهن، ولم أعرف غيرهن، ولا جالست الرجال إلا وأنا في حد الشباب، وحين تبقل[80] وجهي، وهن علمنني القرآن، وروينني كثيرا من الأشعار، ودربنني في الخط، ولم يكن وكدي وإعمال ذهني مذ أول فهمي، وأنا في سن الطفولة جدا إلا تعرف أسبابهن، والبحث عن أخبارهن وتحصيل ذلك، وأنا لا أنسى شيئا مما أراه منهن، وأصل ذلك غيرة شديدة طبعت عليها، وسوء ظن في جهتهن فطرت به، فأشرفت من أسبابهن على غير قليل»[81]، ويعلم من هذا النص أن ابن حزم تعلم في حياته الأولى ما يتعلمه أبناء الأكابر من كبار الدولة من حفظ القرآن والخط والكتابة[82]، وقد شدا طرفا في العربية والشعر والبصر بهما وتعلق بأذيال العلم على الجملة، وصار للغلام ذوق في العربية، وحسن بصر بالأدب، فقد حدث عن نفسه أنه لما كان في الثانية عشرة من عمره أدخله والده على المظفر بن أبي عامر قال: «وهو أول يوم وصلت فيه إلى حضرة المظفر»[83]، وفي مجلس المظفر سمع قصيدة أبي العلاء صاعد اللغوي[84] التي يمدح فيها الأمير ويستهلها بقوله:
إليك حدوت ناجية الركاب      محملة أمانــي كالهضــاب
فاستحسنها، «فكتبها له أبو العلاء بخطه وأنفذها إليه»[85]، وأثر تذوق الأدب في حس الغلام، وصار له في قول الشعر ملكة قوية، وفي قرضه طبع مرهف، وفي طوق الحمامة من شعر ابن حزم ­الغلام­ الذي لم يبلغ الحلم قصيدة واحدة ومقطعتان وبيتان من الشعر[86].
واعتنى الوالد الوزير بتهذيب أخلاق ولده الناشئ، فجعل له رجلا تقيا وقورا حصورا يقوم على سياسته بالتأذيب، وتربيته بالتقويم والتسديد، وفي هذا يقول ابن حزم «كان السبب فيما ذكرته، أني كنت وقت تأجج نار الصبا وشرة الحداثة، وتمكن غرارة الفتوة، محظرا علي بين رقباء ورقائب»[87].
كانت بداية التحصيل العلمي في حياة ابن حزم قبل الأربعمائة[88]، إذ سمع الحديث عن أحمد بن الجسور[89] قبل أن يبلغ السابعة عشرة، وإن سياق حياته كلها تدل على ذلك، فقد كان يذهب مع مربيه أبي الحسن*، وإذا كان الحديث والفقه أخوين متلازمين، لا يمكن أن يطلب الحديث إلا مع الفقه أو على الأقل المعارف الأولى في الفقه، فلا بد أن نقول أن ابن حزم قد ابتدأ يتلقى الفقه في سنيه الأولى، وليس من المعقول أن يكون أبوه الذي عني بتربيته تلك العناية، يهمله ويتركه من غير أن يعلم المعارف الأولى في الفقه، كالصلاة فرائضها ونوافلها، هذا هو المعقول في ذاته وهو الذي يتفق مع السياق التاريخي[90].
طلب ابن حزم العلم قبل السياسة، وانصرف إليه انصرافا كاملا، وإن كانت حياته إبان ذلك غير قارة ولا ثابتة، فهو ينتقل من قرطبة للتخريب الذي أصابها إلى ألمرية، ثم يقبض عليه ويسجن ثم ينتقل إلى بلنسية ثم إلى القيروان، وهكذا يعيش في ترحال غير مستقر، لا يقضي وقته في بلد إلا في الدرس والاطـلاع والبحث والتنقيب، والظاهر أنه لـم ينصرف انصرافا كليا إلى الفقه في صدر حياته العلمية، بل كان يدرس الحديث والأدب والأخبار وبعض العلوم العقلية والفلسفية، ومع ذلك كان يناظر ويجادل، ولقد قال الذهبي عن بعض معاصريه: «بينما نحن عند أبي ببلنسية وهو يدرس المذهب، إذ بأبي محمد بن حزم يسمعنا ويتعجب ثم سأل الحاضرين عن شيء من الفقه، جوب عليه، فاعترض فيه فقال له بعض الحضار: هذا العلم ليس من منتحلاتك، فقام وقعد ودخل منزله فعكف، ووكف منه وابل فما كف، وما كان بعد أشهر قريبة حتى قصدنا إلى ذلك الموضع فناظر أحسن مناظرة قال فيها: «أنا أتبع الحق وأجتهد ولا أتقيد بمذهب»[91].
إن أول ما اتجه إليه الفقه المالكي، فقد كان هو المذهب السائد في الأندلس، ناهيك أنه المذهب الرسمي للدولة، فكان من مقتضى المنطق أن يتجه ابن حزم إلى مذهب مالك، بل كان المنطق أن يوجه إليه، وأنه قرأ الموطأ على عبد الله بن دحون وعلى غيره من العلماء، وكان ابن حزم قد أطلع على نقد محمد بن ادريس الشافعي لمذهب الإمام مالك وإن كان شيخه، فقد روى عنه أنه قال مقالة أرسطو في أفلاطون: «أحب مالكا ولكن محبتي للحق أكثر من محبتي لمالك»، لا بد أنه قرأ كتاب اختلاف مالك، الذي جاء فيه أن مالكا جعل الفرع أصلا والأصل فرعا، ولا بد أنه علم أن الشافعي تردد في نقد مالك، حتى علم أن بعض أهل الأندلس يستسقون بقلنسوة مالك، فاستخار الله وكتب نقده، ليبين للناس أن مالكا بشر من البشر.
انتقل ابن حزم من المذهب إلى المذهب الشافعي، هذا الانتقال يرضي نزعته الفكرية ورغبته الشديدة في الانتقال الفكري والمتحرر من كل القيود، إلا ما كان من صاحب الشريعة محمد صلى الله عليه وسلم، ومن طريق دراسته المذهب الشافعي أطل على مذهب العراقيين، ثم درس الفقه المأثور وغيره، لكن روحه لا ترضى بأن تبقى في إطار مذهبي لا تعدوه، لم ترض أن تبقى ساكنة تحت سلطان المذهب الشافعي، وما جعله معجبا بهذا المذهب شدة تمسكه بالنصوص، واعتباره الفقه نصا أو حملا على النص[92]، وهكذا عني ابن حزم بالدرس والاطلاع والقراءة في صدر حياته، حتى تكَون له منهاج فقهي قائم بذاته لم يكن لغيره من المعاصرين، ولم يتجه إلى إعلان آرائه ودرسها إلا بعد أن اعتزل السياسة، وانصرف بكليته إلى العلم ونشره، وتصدى للدفاع عن الإسلام مجادلا لليهود والنصارى، والعلماء دفاعا عن آرائه.
 ثقافــة الإمام ابـن حـزم
لا ضير في حرص هذا الإمام على تلقي العلوم والاغتراف من معينها الصافي، والورود من عذْبها الزلال، فقد تجشم المشاق ليأخذ عن شيوخ عظام من الأندلس ومن المغرب والمشرق، وتلقى ابن حزم العلم على يد عدد كبير من العلماء، لا يمكن أن أدرسهم دراسة مستفيضة، ولكنني سأشير إلى أسمائهم مركزا على ما اشتهروا به من علم، وما أخذه ابن حزم عنهم بالأخص.
ـ ابراهيم بن قاسم الأطرابلسي وهو من الوافدين إلى الأندلس، ذكر الحميدي أن ابن حزم روى عنه ولم يشر إلى نوع هذه الرواية[93].
ـ أحمد بن عبد الوارث كان من أهل الأدب والفضل قال عنه ابن حزم: «إنه كان معلمه»[94].
ـ أحمد بن عمر بن أنس العذري، أبو العباس ت.478، اشتهر برواية الحديث وطلبه، وأخذ عنه ابن حزم الشيء الكثير من هذا العلم وروى عنه صحيح البخاري[95].
ـ أحمد بن القاسم بن محمد بن قاسم بن أصبغ البياني أبو عمر ت 430هـ، وهو محدث من عائلة اشتهرت بهذا العلم، أخذ عنه ابن حزم شيئا من الحديث[96].
ـ أحمد بن محمد بن أحمد المعروف بابن الجسور ت.401ه المحدث الحافظ اشتهر بالحديث والرأي وعلم الرجال، وهو أول شيخ سمع منه ابن حزم، أخذ عنه تاريخ الطبري[97].
ـ أحمد بن محمد بن عبد الله الطلمنكي أبو عمر ت.429هـ الفقيه الحافظ المحدث، كان إماما في القراءات، أكثر الناسُ رواية الحديث عنه ومنهم ابن حزم[98].
ـ البراء بن عبد الملك الباجي أبو عمر، كان من أهل الأدب والفضل، روى عنه ابن حزم ولم تذكر المصادر نوع الرواية[99].
ـ ثابت بن محمد الجرجاني أبو الفتوح ت.431هـ، أخذ عنه ابن حزم المنطق، لكن ابن حزم عندما يذكره في الفصل* يصفه بالملحد[100].
ـ جعفر بن يوسف الكاتب القرطبي، كان مهتما برواية الأخبار والأشعار روى عنه ابن حزم[101].
ـ حسان بن مالك بن أبي عبدة الوزير ت.416هـ، هو من الأئمة في اللغة والآداب[102]، قال عنه ابن حزم: «أنه شيخه في اللغة»[103].
ـ حمام بن أحمد بن عبد الله الأطروش أبو بكر ت.421هـ، وهو محدث قرطبي، اشتهر بعنايته بالبلاغة وفي سعة الرواية، وقد أخذ عنه ابن حزم الحديث[104].
ـ خلف مولى الحاجب جعفر الفتى الجعفري أبو سعيد ت.425هـ، كان من أهل العلم والقرآن[105]، أخذ منه ابن حزم الحديث وبعض الأشعار.
أخلاقــه وصفاتـــه
أوتي ابن حزم من محاسن الأخلاق، وجميل الصفات حظا عظيما، أنزله منازل العلماء، ورقي به درجات النبلاء، فمما كان عليه من الصفات النفسية والخلقية:
الحفظ القوي والذاكرة القوية: رزق الحافظة الواعية، والذهن السيال، وذلك ظهر على لسانه وقلمه، فما هو إلا أن يتكلم أو يكتب حتى يكون كالبحر الذي لا تكف غواربه، ولقد نوه غير واحد من العلماء بهذه الصفة، قال اليسع بن حزم الغافقي: «أما محفوظ أبي محمد فبحر عجاج، وماء ثجاج، يخرج من بحره مرجان الحكم، وينبت بثجاجه ألفاف النعم، في رياض الهمم، لقد حفظ علوم المسلمين، وأربى على أهل كل دين»[106]، وقال ابن بسام: «كان كالبحر لا تكف غواربه، ولا يروى شاربه، وكالبدر لا تجحد دلائله، ولا يمَكن نائله»[107].
وكان ابن حزم أشد الناس اتصافا بالوفاء، وأصدقهم معاشرة لكل من يداخله ولو ساعة، إذ يقول: «لا أقول قولي هذا ممتدحا، ولكن آخذا بأدب الله عز وجل: «وأما بنعمة ربك فحدث»، لقد منحني الله عز وجل من الوفاء لكل من يمت إلي بلقية واحدة، ووهبني من المحافظة لمن يتذمم مني، ولو بمحادثته ساعة حظا أنا له شاكر وحامد، ومنه مستمد ومستزيد، وما شيء أثقل علي من الغدر، ولعمري ما سمحت نفسي قط في الفكرة في إضرار من بيني وبينه أقل ذمام، وإن عظمت جريرته وكثرت إلي ذنوبه، ولقد دهمني من هذا غير قليل، فما جزيت على السوء إلا بالحسنى…»[108].
لقد رزق ابن حزم من صحة الدين، وسلامة اليقين، وشدة الورع، حظا عظيما، صده عن مواقعة الإثم، ومقارفة المعصية، فلقد عاش في أول حياته عيشة تنعم ورفاهية، يحوطه الرزق الواسع، وتحفه مباهج الحياة، فما عرفت له صبوة، ولا حفظت له نبوة، وهو الذي نشأ في حجور النساء، وكتب في الصبابة كتابا وصف فيه من أحوال الحب ومراتبه وعلله وأدوائه[109].
وقد أوتي الرجل ­مع ما تقدم­ اعتزازا بالنفس وترفعا بها، وثبتت نفسه على ذلك في حال الرخاء والبأس، يقول منوها بهذه الصفة: «وعني أخبرك أني جبلت على طبيعتين:… وهما: وفاء لا يشوبه تلون… وعزة نفس لا تقر على ضيم، مهتمة لأقل ما يرد عليها من تغير المعارف، مؤثرة للموت عليه، فكل واحدة من هاتين السجيتين تدعو إلى نفسها… وفي ذلك أقول قطعة منها:
لي خلّتان أذاقاني الأسى جرَعاً        ونغّصا عيشتي واستهلكا جلَدي
كلتاهما تطّبيني نحو جبلتها           كالصيد ينشب بين الذئب والأسد
وفاء صدق فما فارقتُ ذا مقّةٍ         فزال حزني عليه آخرَ الأبد،
وعزةٌ لا يحلّ الضيمُ ساحتها          صرّامةٌ منه بالأموال والولـد»[110]
مكانــة الإمام ابن حزم العلمية وآثـــاره
امتاز ابن حزم بكثرة إنتاجه، وتنوع مؤلفاته التي أثرت الفكر الإنساني، ونهل منها كثير من طلاب العلم، وعد ثالث ثلاثة من عرفوا بكثرة التصانيف ووفرة التآليف[111]: قال القاضي صاعد: «وأخبرني ابنه الفضل المكنى أبا رافع، أن مبلغ تآليفه في الفقه والحديث والأصول والنحل والملل وغير ذلك من التاريخ والنسب، وكتب الأدب والرد على المعارضين نحو أربعمائة مجلد تشتمل على قريب من ثمانين ألف ورقة»[112]، وإذا كان أبو الفضل يروي عن أبيه “علي ابن حزم”، أن مبلغ تآليف والده في العلوم المختلفة يشتمل على قريب من ثماني ألف ورقة، فأين ذهب هذا الإنتاج؟.
إن التاريخ ليذكر ­على استحياء­ ما آلت إليه هذه الكتب، وما وجده هذا الإنتاج من عنت واضطهاد، سواء من الحاقدين أو المنافسين، الذين سعوا لدى الخليفة المعتضد بن عباد حاكم اشبيلية، حتى مزق تلك الكتب وأشعل فيها النيران، وقد أشار ابن حيان إلى تلك الحادثة عندما قال: «…ولا يدع المثابرة على العلم، والمواظبة على التأليف، والإكثار من التصنيف، حتى كمل من مصنفاته في فنون العلم وقر بعير… لم يَعْدُ أكثرها عتبة بابه لتزهيد الفقهاء طلاب العلم فيها، حتى أحرق بعضها بإشبيلية، ومزقت علانية»[113]، وهذا الموقف المتعنت زاد ابن حزم إصرارا على مواصلة السير، وكثرة التأليف وراح يقول:
فإن تحرقوا القرطاس لا تحرقوا الذي        تضمنه القرطاس بل هو في صدري
يسير معي حيث استقلت ركائبي          وينزل أن أنزل ويدفن في قبري
دعوني من إحراق رقٍ وكاغدٍ                 وقولوا بعلم كي يعلم الناس من يدري[114]
وقد تحدث ابن حزم بما أنعم الله عليه من كثرة التصانيف وسعة التآليف فقال: «ولنا فيما تحققنا به تآليف جمة منها ما قد تم، ومنها ما شارف التمام، ومنها ما قد مضى منها صدر، ويعين الله على باقيه، لم نقصد به قصد مباهاة فنذكرها، ولا أردنا السمعة فنسميها والمراد بها ربنا جل وجهه، وهو ولي العون فيها، والملي بالمجازة عليها، وما كان لله فسيبدو حسبنا الله ونعم الوكيل»[115].
وقد اهتم المؤرخون القدامى بمؤلفات ابن حزم، وضمنوا ترجمته قوائم عديدة تدل على سعة هذه المؤلفات واختلاف موضوعاتها، ومن أهم هذه القوائم:
ـ قائمة الذهبي التي أوردها في ترجمة ابن حزم في كتاب “سير أعلام النبلاء”، حيث احتوت على سبع وسبعين مؤلفا ما بين كتاب ورسالة[116]، وهي بوابة الباحثين للتعرف على نتاج ابن حزم.
ـ قائمة الفيروزأبادي (ت.817هـ) والتي احتوت على سبع وخمسين عنوانا، وردت إلينا في كتابه: «البلغة في تراجم أئمة اللغة»[117]، وأورد لنا ابن حيان[118] أسماء تسعة عناوين أعادها الحموي في: “معجم الأدباء” نقلا عنه[119]، بينما احتوت قائمة الحميدي[120] وابن خلكان[121] على ثمانية مؤلفات.
والملاحظ على قوائم هؤلاء المؤرخين تكرار بعض المؤلفات مع تغيير في نص عنوانها، مما يولد نوعا من الخلط وعدم التفريق بينها، كما أن عدم وضوح بعض العناوين يخلق تساؤلات عن مضمون هذه المؤلفات ومحتواها.
ـ قائمة عبد الكريم خليفة واحتوت على أربع وخمسين عنوانا أوردها في كتابه “ابن حزم الأندلسي”[122].
ـ قائمة إحسان عباس وأبي عبد الرحمان بن عقيل الظاهري، وهي اهتمت بإيراد مؤلفات ابن حزم، واشترك في إعدادها كلا الباحثين، وكثيرا ما اعتمدت على قائمة الذهبي في سير أعلام النبلاء، احتوت على ثلاثة وثمانين مؤلفا[123].
ـ قائمة محمود علي حماية، اهتم بإحصاء تراث ابن حزم الموجود كلا أو بعضا، ورتبه على حروف المعجم، واحتوت قائمته على ستة وأربعين عنوانا[124]، ثم أردف إنتاجه المفقود[125].
ـ قائمة عبد الحليم عويس، واهتمت هذه القائمة بإيراد مؤلفات ابن حزم المفقوده، وضمت خمسا وثمانين مؤلفا[126].
ولا غرو أن مؤلفات ابن حزم تدل على عبقرية هذا الإمام الفذ، ويمكن أن نوجز الدلالات التي تعطيها لنا تلك المؤلفات في النقاط التالية:
ـ تعدد مجالات المعرفة التي طرقها ابن حزم، حتى إن كتبه لتنتظم أكثر المعارف المتصلة بالعلوم الإنسانية، ومع هذا التعدد في المجالات التي طرقها، فإن من يقرأ له في أي مجال يظن أنه لا يحسن غير هذا العلم لمهارته فيه، فإذا هو كذلك يحسن كل علم تقريبا، فهو نابغة في الحديث، وفي علم الكلام، وفي التاريخ، وفي أصول الفقه، وقد ألف في ذلك تأليفات قيمة حتى في المنطق والفلسفة[127].
ـ ابتكار ابن حزم لموضوعات جديدة في المعرفة.
ـ كثرة مصنفاته.
تمتاز مؤلفاته باستقلال فكري كبير في نطاق النص القرآني والحديث النبوي الثابث وإجماع الصحابة[128]، كما تدلنا هذه المؤلفات على مقدورة عقلية عجيبة في الفهم الدقيق الشامل، وفي الاستنباط والاستنتاج، وفي نقد آراء الآخرين ومجادلتهم ومناظرتهم، وهي خاصية عقلية لا تفارقه، وهو حاضر العقل، يقظ الذهن، ناقد بصير، فهو بهذا مرجع من المراجع العظيمة في تعليم الأسلوب العلمي في التفكير والتقدير، ووزن الأمور وتربية الملكة النقدية[129].
منزلتــه العلميـــة
لم يعرف التاريخ قبل ابن حزم عالما جمع بين ضروب العلم المختلفة ما جمعه ابن حزم، فهو الكاتب الأديب، وله خوض في علوم الفلسفة والمنطق، وكان جريئا فيها كما كان في غيرها، فهو يخطئ أرسطو في منطقه، وينهج في المنطق منهاجا يخالفه، ويتقصى التاريخ ويدونه متحريا الحقيقة، وهو بذلك المؤرخ العميق النظرة، ويكتب في أدق أجزاء التاريخ وهو الأنساب، ويخرج من كل ذلك العالم المحقق المستوعب، وهو مع كل هذا المحدث العظيم، المعروف بعظم حفظه وإحاطته، ومعرفته لأخبار الرجال وأحوالهم، وهو الفقيه الذي أحيا علم الكتاب والسنة، وبين عمومها وشمولها لأحكام الأحداث، التي تجري بين الناس مهما يتغير الزمان، وإذا كان قد اختار المنهاج الظاهري منهاجا فذلك لم يكن تقليدا، بل لأنـه المنهـاج الوحيد الذي يتمكن به من بيان أحكام القرآن والسنة، سائغة للواردين بينة للقاصدين، من غير أن يرفقها في زعمه قياس أو تأويل عقل بأمر غريب عنها ليس منها كما يقرر هو، وإنه ما دام يطلب علم الكتاب والسنة وحدهما من غير حمل عليهما، فلا مناص له من أن يختار الرأي الظاهري منهاجا له، وهو فوق ذلك العالم بالملل والنحل في غير الإسلام، والعليم بالفرق الإسلامية وأهل النجاة منها، والعليم بوجود الرد على غير المسلمين، والعليم بالفرق الإسلامية وأهل النجاة منها، والعليم بوجود الرد على غير المسلمين، والعليم بالفرق بين الفرق معرفة دقيقة[130].
وهكذا لا نجد مجالا من مجالات العلم الإسلامي، إلا خاض فيه ابن حزم خوض العارف بمراميه، المدرك بمغازيه، فيقبل الحق الذي يعتقده حقا، ويرد في عنف ما يراه باطلا، ويرد المسببات إلى أسبابها، والنتائج إلى مقدماتها، والأقوال إلى غايتها في قلم مبين مصـور، وعبـارة صريحة واضحة نيرة، وبهذا وذاك تبوأ ابن حزم مكانة علمية عالية سواء أكان ذلك من علماء المغرب أم المشرق، واعترف بفضله وتفوقه في كثير من الفنون القاصي والداني، والمحب والمبغض، حتى صار في عصره وبعده كثير الذكر في مجالس العلماء، يسجل قوله بين الآراء في سائر علوم الإسلام وغيرها، من أجل ذلك عرَّف به كثير من العلماء المسلمين منهم والمستشرقين وكتبوا حوله الأبحاث والدراسات العلمية، يقول ابن حيان مؤرخ الأندلس في عصره: «كان ابن حزم حامل فنون من حديث وفقه وجدل ونسب وما يتعلق بأذيال الأدب، مع المشاركة في أنواع التعاليم القديمة، ومن المنطق والفلسفة… إلى أن يُحرَّك بالسؤال فينفجر منه بحر علم لا تكدره الدلاء»[131].
وقال صاعد أحمد: «كان ابن حزم أجمع أهل الأندلس قاطبة لعلوم الإسلام، وأوسعهم معرفة مع توسعه في علوم اللسان، ووفور حظه من البلاغة والشعر، والمعرفة بالسير والأخبار»[132].
وقال الحميدي: «كان حافظا عالما بعلوم الحديث، وفقهه مستنبطا للأحكام من الكتاب والسنة، متفننا في علوم جمة، عاملا بعلمه، زاهدا في الدنيا بعد الرياسة التي كانت له ولأبيه من قبله في الوزارة، وتدبير الممالك، متواضعا ذا فضائل جمة… وما رأينا مثله رحمه الله فيما اجتمع له من الذكاء، وسرعة الحفظ، وكرم النفس والتدين…»[133].
وقال اليسع بن حزم الغافقي: «أما محفوظه فبحر عجاج، وماء ثجاج يخرج من بحره مرجان الحكم، وينبت بثجاجه ألفاف النعم في رياض الهمم، ولقد حفظ علوم المسلمين، وأربى على كل أهل دين وألف الملل والنحل، وكان في صباه يلبس الحرير، ولا يرضى من المكانة إلا بالسرير»[134].
قال الحافظ ابن القطان الفاسي: «أبو محمد الحافظ الفقيه على مذهب أهل الظاهر، برع في الفقه والحديث والتاريخ والأدب»[135].
قال الذهبي: «الإمام الأوحد، البحر، ذو الفنون والمعارف، الفقيه، الحافظ، المتكلم والأديب، الوزير الظاهري، صاحب التصانيف… نشأ في تنعم ورفاهية، ورزق ذكاء مفرطا، وذهنا سيالا، وكتبا نفيسة كثيرة… مهر في الأدب والأخبار والشعر وفي المنطق وأجزاء الفلسفة… فإنه رأس في علوم الإسلام متبحر في النقل…»[136]، وقال أيضا: «الإمام العلامة الحافظ الفقيه المجتهد كان إليه المنتهى في الذكاء والحفظ وسعة الدائرة في العلوم»[137]. وقال الحافظ ابن كثير: «الإمام الحافظ العلامة… اشتغل بالعلوم النافعة الشرعية وبرز فيها، وفاق أهل زمانه، وصنف الكتب المشهورة»[138].
وقال الحافظ ابن حجر: «الفقيه الحافظ الظاهري، صاحب التصانيف، وكان واسع الحفظ جدا»[139].
وقال الإمام السيوطي: «ابن حزم الإمام العلامة الفقيه… أجمع أهل الأندلس قاطبة، وأوسعهم معرفة مع توسعه في علوم الإنسان والبلاغة والشعر والسير»[140].
أما في العصر الحديث فأكتفي بقول الأستاذ المؤرخ محمد كرد علي، الذي يقول: «وإنك لتقرأ أسفاره في الشريعة، فتدهش لما ترى من إحاطة بأطراف كل موضوع خاض عبابه، كأن مسائل الدين صفحة واحدة ماثلة أمام عينيه استظهرها في الصغر، واستخرج أيام نضج عقله وعلمه، كل ما فيها من دقائق الحقائق، فكان بهذا حقا من أعظم علماء الإسلام، لم يجيء في بابه بضعة رجال من عياره، ابن حزم إمام في كل شيء: في الدين والحكمة، والأخلاق والأدب والتاريخ، وفي كل ما اتفق من علم وتمثل، وألف فيه…»[141].
وحسبنا من تظافر كل هذه الروايات والأخبار، التي حفظها التاريخ، أنها تكشف عن عظم منزلة ابن حزم العلمية، التي تبوأها بين فطاحل العلماء، وأساطين فنون المعرفة المنقولة منها والمعقولة.
وفـاتــه:
وقد أمضى ابن حزم في قريته “منت ليشم” سنواته الأخيرة التي تقترب من عقدين، «يبث علمه فيمن ينتابه بباديته تلك من عامة المقتبسين منه من أصاغر الطلبة، الذين لا يخشون فيه الملامة، يحدثهم ويفقههم ويدارسهم، ولا يدع المثابرة على العلم، والمواظبة على التأليف، والإكثار من التصنيف، حتى كمل في مصنفاته في فنون العلم وقر بعير»[142].
وفي آخر نهار الأحد لليلتين بقيتا من شعبان سنة ست وخمسين وأربعمائة، وبعد حياة حافلة بالإنتاج العلمي، والجدال في الحق، والصدق في الإيمان، توفي ابن حزم بعد عمر يبلغ اثنتين وسبعين سنة[143]، وكأنما كان رحمه الله يرثى نفسه حين قال:
كأنك بالزوار لي قد تبادروا          وقيل لها أودي علي بن أحمد
فيا رب محزونٍ هناك وضاحكٍ       وكم أدمعٍ تدرى وخد مخدد
عفا اللَه عني يوم أرحل ظاعناً      عن الأهل محمولاً إلى بطن ملحد
وأترك ما قد كنت مغتبطاً به         وألقى الذي آنست منه بمرصد
فوا راحتي إن كان زادي مقدماً     ويا نصيبي الذي أن كنت لم أتــزود[144]
ونقل أبو بكر محمد بن طرخان التركي عن أبي محمد عبد الله بن العربي، أن ابن حزم توفي في جمادى الأولى سنة سبع وخمسين وأربعمائة[145].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1]­أبو القاسم الحريري: المقامات والبيت في خاتمة منظومته: “ملحة الأعراب”، ص: 58.
[2]­ ابن القيم الجوزي: حادي الأرواح، ص: 33­34.
[3] ­ابن الجوزي: الإيضاح لقوانين الاصطلاح في الجدل والمناظرة، ص: 59.
[4]­ نفسه ص60.
[5] ­الإيضاح، ص61.
[6] ­البيروني: القانون المسعودي، (1/49).
[7] ­الإيضاح، ص: 64.
[8]­ ابن منظور: لسان العرب، (2/382­383) ­ مادة نهج، والفيروزابادي: القاموس المحيط مادة نهج.
[9]­ عبد الرحمان بدوي: مناهج البحث العلمي، ص: 5.
[10]­قاسم عبده قاسم: تطور مناهج البحث في الدراسات التاريخية، ص: 169.
[11]­فريد الأنصاري: أبجديات البحث في العلوم الشرعية، ص: 46.
[12]­النهاية في غريب الحديث، (1/247).
[13]­المفردات في غريب القرآن، ص: 123.
[14]­الإيضاح لقوانين الاصطلاح في الجدل والمناظرة، ص: 100.
[15]­معجم مقاييس اللغة، (1/433).
[16]­لسان العرب، (11/105)، الزمخشري: أساس البلاغة، (1/111)، القاموس المحيط، (3/347).
[17]­جورج طرابشي: معجم الفلاسفة، ص: 643.
[18]­ الإيضاح لقوانين الاصطلاح، ص: 67.
[19]­ نفسه، ص:67.
[20]­ المعجم الفلسفي، ص: 643.
[21]­ عندما يعلن في مقدمته أنه لما كان قد لاحظ الحاجة الملحة التي يجدها دارس الفقه لمعرفة الأدلة المتعارضة كما يعرف الاعتراضات التي يطلبون الإجابة عنها… المعونة، ص: 3.
­[22]المنهاج الفقرات، (1/13).
­[23]الشفاء كتاب الجدل، (1/23).
[24]­التعريفات، ص: 66.
[25]­كشف الظنون، (1/579).
[26]­ مقدمة ابن خلدون، ص: 457.
[27]­عبد الرحمن حنبكة الميداني: ضوابط المعرفة وأصول الاستدلال والمناظرة، ص: 361.
[28]­تهذيب الأسماء واللغات، (3/48).
[29]­أحمد بن ثابت البغدادي: الفقيه والمتفقه، (1/30) محمد التهانوي: كشاف اصطلاحات الفنون، ص: 21­23.
[30]­المقدمة، ص: 362.
[31]­ الآداب الشرعية، ص: 41.
[32]­منهاج السنة، (3/58).
[33]­البحر المحيط، (1/42) ومجموع الفتاوى، (2/430).
[34]­ابن تيمية:كتاب النبوات، (2/657).
[35]­رواه البخاري في كتاب الحج: باب الرمل في الحج والعمرة رقم الحديث 1605، ورواه مسلم في كتاب الحج: باب استحباب تقبيل الحجر الأسود. رقم الحديث 249 دون كلامه في الرمل.
[36]­ابن القيم: مفتاح السعادة، (1/280) محمد ابن أبي بكر المرعشي: ترتيب العلوم، ص:141، علي بن محمد الجرجاني: التعريفات، ص:298.
[37]­النهاية في غريب الحديث، (4/422).
[38]­أبجد العلوم، (2/208).
[39]­البحر المحيط في أصول الفقه، (1/43).
[40]­الفقيه والمتفقه، (1/230).
[41]­أبي المظفر السمعاني: تفسير القرآن، (2/425).
[42]­معجم مقاييس اللغة، (2/187).
[43]­محمد الطاهر بن عاشور: التحرير والتنوير، (17/228).
[44]­ رواه البخاري في كتاب التهجد ­ باب التهجد بالليل رقم الحديث: 1120، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها: باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه رقم الحديث، ص: 769 من حديث ابن عباس.
[45]­سورة الزخرف، الآية: 58.
[46]­معجم مقاييس اللغة، (5/201­202).
[47]­مداواة النفوس وتهذيب الأخلاق والزهد ضمن رسائل ابن حزم، (1/490).
[48]­التوقيف على مهمات التعاريف، (617­618).
[49]­معجم مقاييس اللغة، (5/314).
[50]­أصول الفقه، (3/116).
[51]­العواصم والقواصم، (3/338).
[52]­النهاية، (1/248).
[53]­القاموس المحيط، (3/347).
[54]­إحياء علوم الدين، (3/118).
[55]­محمد بن المبارك: الناقد الحديث في علوم الحديث، ص: 123.
[56]­ الدكتور محمود الطحان: تسيير مصطلح الحديث، ص: 16.
[57]­تدريب الراوي، (1/45)، قواعد التحديث، ص: 77.
[58]­قواعد التحديث، ص: 79.
[59]­الإمام الذهبي: تذكرة الحفاظ، (3/379).
[60]­كشاف اصطلاح الفنون، (3/379).
[61]­الإمام السيوطي: تدريب الراوي، ص: 28.
[62]­الإمام الذهبي: سير أعلام النبلاء، (20/408).
[63]­التهانوي: كشاف اصطلاحات الفنون، (2/929) مادة الظاهر.
[64]­الجرجاني: التعريفات، ص: 143، وكشاف اصطلاحات الفنون، (2/930)، مادة الظاهر.
[65]­ الدكتور توفيق الغلبزوري: المدرسة الظاهرية بالمغرب والأندلس، نشأتها، أعلامها، أصولها، وأثرها، ص: 549.
[66]­ النص عندهم: هو الذي لا يقبل احتمالا فيما يدل عليه، والظاهر هو الذي يقبل احتمالا فيما يدل عليه، فإذا تعارضا قدم في العمل عليه. الغزالي: المستصفى، (1/48)، أبو عبد الله التلمساني: مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول، ص: 55.
[67]­ الإحكام في أصول الأحكام، (1/42)، وقد أشار الدكتور توفيق الغلبزوري في هامش أطروحته إلى أن ابن حزم خلا مصطلحي: “الظاهر”، “القطع” المبهمين في كتبه، كان دقيقا في وضع مصطلحاته الأصولية، والتعريف بها. وقد أفرد لهذا الغرض الباب الخامس من كتابه “الإحكام” ونبه أن كثيرا من الخلافات سببها اختلاف لفظي واصطلاحي. المدرسة الظاهرية بالمغرب والأندلس، ص: 550.
[68]­ تذكرة الحفاظ، (3/1146).
[69]­نفسه، (3/1147).
[70]­المدرسة الظاهرية بالمغرب والأندلس، ص:463.
[71]­ طبقات الأمم رقم 86، ص: 102، الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة، (ق 1 ج 1/167­175)، المعجب في تلخيص أخبار المغرب، ص: 32، تذكرة الحفاظ، (3/1146)، القفطي: تاريخ الحكماء 232­233، معجم الأدباء، (12/235)، ابن دحية الكلبي المطرب، ص: 92، ابن الخطيب: الإحاطة في أخبار غرناطة، (4/111)، ابن حجر: اللسان، (4/198)، السيوطي: طبقات الحفاظ، ص: 436، حاجي خليفة: كشف الظنون، ص:21، أبو عبد الرحمن بن عقيل الظاهري: ابن حزم خلال ألف عام الجزء الأول والثاني.
[72]­ ذهب إلى أنه فارسي الأصل جميع من ترجم له من الأقدمين من عاصره وممن بعدهم منهم: الحميدي وصاعد وابن بشكوال والضبي وابن خلكان، (3/325)، والذهبي وابن حجر والسيوطي والمقري وابن العماد، (3/299)، ومن المحدثين الزركلي وإحسان عباس وعبد الحليم عويس وابن عقيل الظاهري وغيرهم باستثناء معاصره المؤرخ ابن حيان الذي أرجع أصله إلى “عجم لبلة”، (وهي قرية من غرب الأندلس من اشبيلية: الحميري، ص: 508­509 وهامشه)، وهو تفرد، (أي شدود) تبعه عليه جماعة من المستشرقين أمثال: دوزيونيكلسون وجولد تسهير­ نقلا عن عويس، ص: 53، وبعض الباحثين العرب مثل: طه الحاجري وأحمد هيكل ويعقوب زكي، وقد بين خطأ ابن حيان فيما ذهب إليه كثير من الباحثين منهم د: عبدالحليم عويس الذي يرى أن ابن حيان لم يكن يخلو من عداء لابن حزم، وإن حاول التظاهر بالإنصاف، ولعل كتابات ابن حيان دليل على ميله إلى السب والقدح، والغريب أنه لم يخف دهشته من نسبة ابن حزم نفسه لفارس.
[73]­جذوة المقتبس، ص: 309.
[74]­بغية الملتمس، ص: 416.
[75]­الصلة، ص: 417.
[76]­مدينة متصلة بقرطبة من بلاد الأندلس الحميدي، ص: 283­284.
[77]­ابن حزم حياته وعصره وآراؤه وفقهه، ص: 57.
­[78]آجر أبو الوليد الباجي نفسه ببغداد لحراسة درب، وكان يقرأ على الفانوس ولما رجع الأندلس كان يضرب ورق الذهب للغزل، ويعقد الوثائق، تكرة الحفاظ، ص3/1179، الديباج المذهب، ص: 197.
[79]­نفح الطيب، (6/202).
[80]­عند الصيرفي: تفيل وتابعه مكي على ذلك، وتبقل، بقل وجه الغلام خرج شعره، القاموس مادة بقل، ص: 1250.
[81]­طوق الحمامة ضن رسائل ابن حزم، (1/180).
[82]­شيوخ ابن حزم في مقروءاته ومروياته، ص: 243.
[83]­جذوة المقتبس، ص: 212.
[84]­ هو صاعد بن الحسن الربعي اللغوي أبو العلاء أصله من ديار الموصل، وورد الأندلس فأقام بها وكان عالما باللغة العربية والأدب والأخبار، سريع الجواب من تآليفه: “الفصوص”، توفي سنة 415 هـ جذوة المقتبس، ص: 211.
[85]­جذوة المقتبس، ص: 212.
[86]­ طوق الحمامة ضمن الرسائل، ص:(1/ 179­180­250­251).
[87]­نفسه، ص (1/273).
[88]­جذوة المقتبس، ص: 227 بغية الملتمس، ص: 415، الصلة، (2/395)، وفيات الأعيان:(3/325)، سير أعلام النبلاء، (18/185).
[89]­ رواية ابن حزم لحديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله من طريق ابن الجسور في طوق الحمامة، (1/299).
*­ الفارسي ويحضر مجالس العلماء.
[90]­ابن حزم حياته وعصره وآراؤه وفقهه، ص: 34.
[91]­ تذكرة الحفاظ، (3/1016).
[92]­ابن حزم حياته وعصره وآراؤه وفقهه، ص: 40.
[93]­ الجذوة، (1/243)، الصلة، (1/167)، البغية، (1/273).
[94]­ الجذوة، (1/172)، الصلة، (1/46)، البغية، (1/197).
[95]­ الجذوة، (1/213)، الصلة، (1/166)، البغية، (1/242).
[96]­ الجذوة، (1/222)، الصلة، (1/88)، البغية، (1/249).
[97]­ الفصل، (1/54­221)، الجذوة، (1/172)، الصلة، (1/54­55)، البغية، (1/197).
[98]­ الجذوة، (1/181)، الصلة، (1/84­85)، ترتيب المدارك، (4/729).
[99]­ ابن ماكولا علي بن نصر بن هبة الله: الإكمال، (1/467)، الجذوة، (1/211)، الصلة، (1/199).
* كتاب الفصل في الملل والأهواء والنحل.
[100]­الفصل، (1/61).
[101]­ الجذوة، (1/288­289)، الصلة، (1/210)، البغية، (1/314).
[102]­ الجذوة، (1/303)، الصلة، (1/250)، البغية، (1/133).
[103]­الإحكام في أصول الأحكام، (1/400).
[104]­ الجذوة، (1/312)، الصلة، (1/250­251)، البغية، (1/342).
­[105]الصلة، (1/266­267)، الفصل، (1/218)، الأحكام، (2/610)، الرسائل، (1/194).
[106]­تذكرة الحفاظ، (3/1148)، سير أعلام النبلاء، (18/186).
[107]­ الذخيرة، (ق 1/ج 1/140).
[108]­طوق الحمامة ضمن الرسائل، (1/210).
[109]­نفسه، (1/272).
[110]­طوق الحمامة ضمن الرسائل، (1/256).
[111]­عرف في تاريخ العلماء من هؤلاء المكثرين في التصنيف: الإمام الطبري وابن الجوزي.
[112]­ طبقات الأمم، ص: 76، وقال صاعد تعليقا على ما نقله عن أبي رافع: “وهذا شيء ما علمناه لأحد ممن كان في دولة الإسلام قبله إلا لأبي جعفر محمد بن جرير بن يزيد الطبري، فإنه أكثر أهل الإسلام تصنيفا”، المعجب في تلخيص أخبار المغرب، ص: 51.
[113]­معجم الأدباء، (ج 12/248­249)،الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة، (ق1/ج1/ص: 142).
[114]­الذخيرة، (ق 1/1/176).
[115]­ رسالة فضل الأندلس ضمن رسائل ابن حزم، (2/185­186).
[116]­سير أعلام النبلاء، (ج:17 /27، 32، 36، 40) وبتحقق شعيب الأرناؤوط ومحمد نعيم العرقسوسي، (17/195).
[117]­البلغة في تراجم أئمة اللغة، ص: 146­147.
[118]­نقلها لنا ابن بسام، الدخيرة، (1/1/170­171).
[119]­معجم الأدباء، (ج: 12/251­252).
[120]­الجذوة، (2/290)، وفيات الأعيان، (3/325­226).
[121]­الجذوة، (2/290)، وفيات الأعيان، (3/325­226).
[122]­ابن حزم الأندلسي، ص: 129­134.
[123]­مقدمة رسائل ابن حزم، (ج 1/6­15).
[124]­ابن حزم ومنهجه في دراسة الأديان، ص: 70­84.
[125]­نفسه، ص: 74­92.
[126]­ابن حزم الأندلسي وجهوده في البحث التاريخي والحضاري، ص: 110­117.
[127]­أحمد أمين: ظهر الإسلام، (3/53).
[128]­ابن حزم ومنهجه في تاريخ الأديان، ص: 92­94.
[129]­طه الحاجري: ابن حزم صورة أندلسية، ص: 10­11.
[130]­ابن حزم: حياته وعصره آراؤه وفقهه، ص: 67.
[131]­الذخيرة، (1/168­169)، تذكرة الحفاظ، (3/1151)، السير، (18/200) اللسان، (4/231).
[132]­وفيات الأعيان، (3/326)، التذكرة، (3/1147)، نفح الطيب، (2/78).
[133] ­الجذوة، (2/308­309)، التذكرة، (3/1147).
[134] ­التذكرة، (3/1148) والسير، (18/190).
[135]­ نقلا عن عبد الرحمان بن عقيل الظاهري: ابن حزم خلال ألف عام، (2/57).
[136] ­السير، ص: 18، 184، 186، 187 و201­202.
[137]­ التذكرة، (3/1151).
[138] ­البداية والنهاية، (12/91­92).
[139] ­لسان الميزان، (4/229).
[140]­ طبقات الحفاظ، ص: 436­437.
[141]­ كنوز الأجداد، رقم 29، ص: 238­233.
[142]­ الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة، (ق 1/ج 1/142) ومعجم الأدباء، (12/248­249).
[143]­ طبقات الأمم، ص:183، الصلة، (2/396)، المعجب، ص:83، وفيات الأعيان، (3/327).
[144]­ معجم الأدباء، (12/248­249).
[145]­ تذكرة الحفاظ، (3/1154).
أهم المصادر والمراجع
– الإحكام في أصول الأحكام للإمام ابن حزم، دار الكتب العلمية بيروت لبنان الطبعة الأولى
– ابن حزم حياته وعصره، آراؤه وفقهه لمحمد أبي زهرة القاهرة 1954.
– ابن حزم خلال ألف عام لابن عبد الرحمان بن عقيل الظاهري الطبعة الأولى 1982.
– ابن حزم والفكر الفلسفي بالمغرب والأندلس: سالم يفوت المركز الثقافي العربي الدار البيضاء المغرب الطبعة الأولى 1985.
– إحكام الأصول في أحكام الأصول للإمام أبي الوليد الباجي، دار الغرب الإسلامي، بيروت الطبعة الأولى 1986.
– ابن حزم ومنهجه في دراسة الأديان لمحمد علي حماية: دار المعارف القاهرة الطبعة الأولى 1983.
– آداب البحث والمناظرة لمحمد أمين الشنقيطي، مكتبة ابن تيمية القاهرة
– آداب التخاطب: لأبي عبد الله مصطغى العدوي، مكتبة الهدى الطبعة الأولى 1999م
– أصول الجدل والمناظرة في الكتاب والسنة: للدكتور حمد بن إبراهيم العثمان، دار ابن حزم بيروت الطبعة الثانية 2004م.
– الإنصاح لقوانين الاصطلاح في الجدل والمناظرة لابن الجوزي، الطبعة الأولى 1995.
– تاريخ الجدل والمناظرة للإمام زكي صفوة، مطبعة العلوم، القاهرة 1352.
– تاريخ الجدل للإمام أبي زهرة، دار الفكر العربي، القاهرة 1934
– تنبيه الرجل العاقل على تمويه الجدل الباطل لابن تيمية.
– الجدل الديني بين المسلمين وأهل الكتاب لعبد الحليم عبد الرحيم السيوطي.
– الجدل على طريقة الفقهاء لابن عقيل الحنبلي، مكتبة التوبة الرياض الطبعة الأولى 1418هـ
– الرد على المنطقيين لابن تيمية، الطبعة الرابعة 1402هـ.
– روضة الناظر وجنة المناظر في أصول الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل لابن قدامة المقدسي، الطبعة السلفية بمصر 1344.
– الشفاء (كتاب الجدل) لابن سينا: تحقيق محمد فؤاد الأهواني، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، القاهرة 1358.
– عيون المناظرات لأبي علي عمر السكوني، منشورات الجامعة التونسية 1976م.
– الكافية في الجدل لإمام الحرمين الجويني، مكتبة الكليات الزهرية، القاهرة 1349هـ.
– كشاف اصطلاحات الفنون لمحمد بن علي التهانوي، مكتبة بيروت لبنان، الطبعة الآولى 1416.
– المعونة في الجدل لأبي إسحاق الشيرازي، الطبعة الأولى 1988م.
– المنهاج في ترتيب الحجاج لأبي الوليد الباجي، الطبعة الأولى 1406هـ

Print Friendly, PDF & Email

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى