أولا: مفهوم القصة القرآنية، والفرق بينها وبين الحديث والمَثَل 1 ـ مفهوم القصة لغة: القصة مشتقة من مادة (ق ص ص)، وهي ترجع إلى أصل جامع هو: (تَتَبُّعُ الشيء) كما قال الأزهري وابن فارس وأبو هلال العسكري وغيرهم من أئمة اللغة. تقول العرب: قصَّ الشعرَ يقصُّه قصًّا، لأنه يتتبعه عند قصه؛ وقصَّ الأثرَ يقصُّه قصًّا وقَصَصاً ـ بالإدغام وبفكه ـ أي: تَتَبَّعَه، ومنه قولُه تعالى في قصة موسى وأمه وأخته: (وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ) [الْقَصَص:11] أَي: اتبعِي أَثرَه. وَقَولُه سبحانه في قصة موسى وفتاه: (فَارْتَدَّا عَلَىءَاثَارِهِمَا قَصَصًا) (الْكَهْف: 64)، أَي: رَجعا مِنَ الطَّرِيق الَّذِي سَلكاه يقصّان الْأَثرَ ليجدا الخَضِرَ. وتقول العرب أيضا: قصَّ الخبرَ والقِصّةَ يقصُّها قصًّا وقصَصاً أيضا، فالقَصصُ بفتح القاف مصدرٌ في الأصل قاله الجوهري، ثم استعمل في اسم المصدر حتى غلب عليه، وليس هو جمعَ قِصّةٍ كما يتوهّمُ بعض الناس، إنما جمعها قِصص بكسر القاف كما هي قاعدة اللغة القياسية المعروفة. والقصّةُ يتجلى فيها تتبعُ الأحداث في سرْدها من أشخاص في سياق زماني ومكاني لذا سميتْ قصةً، واسم حَكْيها على المصدرية القَصصُ بفتح القاف، وهو الوارد في قوله تعالى: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ) [يُوسُف: 3]، وبه سميت سورة القَصص، وجمع القِصّة قِصص بكسر القاف ولم يرد هذا الجمع في القرآن قط[1]. 2 ـ مفهوم القصة القرآنية: وبناء على ذلك يمكن تعريف القصة القرآنية بأنها: كلامٌ رباني مسوقٌ بأسلوب سردي عن أحداث وأشخاص في زمان ومكان، من أجل العبرة بها في الابتلاء بثلاثية الفعل البشري: استخلافا وعمرانا وتعبدا لله تعالى. 3 ـ الفرق بين القصة وبين الحديث والمثَل: والفرقُ بين (القصة والحديث) أن القصة تتميز بثلاثة عناصر: أنها خاصة بمن مضوا، وتكون طويلة، ومتتابعة الأحداث، قال تعالى: (كذلك نقصُّ عليك من اَنباءِ ما قدْ سبق) [طه: 99]، بخلاف الحديث فيكون عن مَنْ مضوا وعن مَنْ ما زالوا على قيد الحياة، ويكون طويلا وقصيرا، متتابعا وغير متتابع، فهو إذنْ أعمُّ مطلقا والقصةُ أخص مطلقا، وبناء عليه فكل قصةٍ حديثٌ وليس كلُّ حديثٍ قصةً. وفي هذا يقول أبو هلال العسكري: “الْفرق بَين الْقَصَص والْحَدِيث، أَن الْقَصَص مَا كَانَ طَويلا من الْأَحَادِيث متحدثا بِهِ عَن سلف وَمِنْه قَوْله تَعَالَى (نَحن نقص عَلَيْك أحسن الْقَصَص) [يوسف:3]، وَقَالَ:(وكُلاًّ نقصُّ عَلَيْك من أنباء الرُّسُل) [هود:120] (…)؛ والْحَدِيث يكون عَمَّن سلف وَعَمن حضر، وَيكون طَويلا وقصيرا، وَيجوز أَن يُقَال الْقَصَص هُوَ الْخَبَر عَن الْأُمُور الَّتِي يَتْلُو بَعْضهَا بَعْضًا، والْحَدِيث يكون عَن ذَلِك وَعَن غَيره”[2] . ولم أقف على من بيَّنَ العلاقةَ بيْنَ القصة والمثَل، وبالتأمل المبني على الدليل أقول: إن بينهما عموما وخصوصا مطلقاً، وبيانه: أنه يصح أن يُضرب المثلُ بالقصة كما في قصة أهل مكة لما كفروا ودعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم بالسنين: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) [النحل: 112]، فهو ضرْبُ مثَلٍ بقصة حقيقية[3]. وأيضا قصة صاحب الجنتين في قوله تعالى: (واضربْ لهم مَثَلا رجُلين جعلنا لأحدهما جنتيْنِ) [الكهف:32] فهي قصة حقيقية ضُرِبَ بها المثل في رأي كثير من المفسرين[4]، فهذا يدل على أن كل قصة يصح ضرْبُ المثَل بها؛ ولكنْ ليس كلُّ ما ضُرِبَ به المثَلُ يصح أن يكون قصةً في الواقع كما في قوله تعالى على سبيل المثال: (ضربَ الله عبدا مملوكا لا يَقْدِر على شيء) [النحل: 75] فهو لا يشير إلى قصة بعينها وإنما إلى حقيقة واقعية كان يعرفها الناس وقتئذ، وكثير من أمْثَال القرآن ليستْ من القَصَصِ بدليل التتبع والاستقراء، وبهذا نستنتج أنَّ كل قصة يصح أن تكون مثَلا وليس كلُّ مثَلٍ يصح أن يكون قصةً، فالقصة أعم مطلقا والمثل أخص مطلقا، عكسُ ما سبق في علاقة القصة بالحديث. ثانيا: خصائص القصة القرآنية: للقصة القرآنية خصائص تميزها عن القصة البشرية التي يُعبِّر عنها البشر، نجملها في ثلاث خصائص كبرى: 1ـ أنها وحيٌ من الله تعالى تكلمَّ به المولى جل جلاله لأنها بعض القرآن وهو كلامه. حتى نقل بدر الدين الزركشي (ت 794 ه) عن أبي المعالي عزيزيِّ بنِ عبد الملك (ت 494ه): أنَّ قوله تعالى: (أحْسَنَ القًصَصِ) [يوسف:3] اسمٌ من أسماء القرآن الكريم[5]. فالقصةُ لما تكلَّم بها الله عز وجل تجردتْ من تاريخانيتها الزمكانية والحدثانية من حيث صيرورتُها إلى وجودٍ كلامِيٍّ وحْيِيٍّ، وإن كانت تحكمها النسبيةُ من حيث هي وجودُ عيني أو خارجي زمكاني، (فلا بد من التفريق هنا بين وجود الأعيان ووجود اللسان أي الكلام القرآني للقصة) كما هو عند الفلاسفة الإسلاميين وعلى رأسهم الغزالي[6]. فالأول نسبي ماض مضى وسبق، ولذلك قال فيه تعالى: (كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق) [طه: 99]، وأما الثاني المتعلق بالكلام المعبَّرِ به عنه الذي هو كلام الله جل وعلا فقد جَعَلَ القصة مطلقة ممتدة لم تمض ولم تنقطع أبدا، بل هي باقيةٌ في وجودها القرآني الخاصِّ، وكذلك باقيةٌ في تأثيرها، وهو ما جعلها تتميز بالخصائص التالية والوظائف المذكورة بعدها عن القصة ذات المصدر البشري. 2 ـ أنها حقٌّ تتسمُ بالصّدق التّامِّ، والموثوقيةِ المطلقة المطابقة للواقع، كما تدل عليه آياتٌ عدة منها: (نحن نقصُّ عليك نبأهم بالحق) [الكهف:13]، (واتْلُ عليهم نبأ ابني آدم بالحق) [المائدة:27]، (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الالباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه) [يوسف: 111]، لأنها من كلام الله الموصوفِ بقوله: (وتمتْ كلماتُ ربِّكَ صدْقاً وعدْلا) [الأنعام:115]. 3 ـ أنها تتسم بجمالية الأسلوب والعرض بما يشمل كل الخصائص الفنية والبلاغيةِ لبناء القصة في صورة منقطعة النظير (ابتداءً بالتمهيد للقصة الذي يثير تشويق القارئ، إلى التركيز على أهم الأحداث الأساسية الملهمة للعبرة، والتخلي عن الأحداث الثانوية، مرورا بحسن السرد وانسيابية الحكْي بحبكة بديعة معجزة، إلى أن تصل لذروة العقدة المشكلة، ثم تختتم بحل لها مما يكشف النقابَ أخيرا عن الغرض الكلي منها ترشيدا للابتلاء بثلاثية الفعل البشري: استخلافا وعمرانا وتعبدا لله تعالى)؛ إضافة إلى تكرار القصة الواحدة في القرآن ـ ما عدا سورة يوسف التي جاءت في مساق واحد ـ بأساليب مختلفة متفاوتة حسب ما يقتضيه المقام، وذلك أبلغ في البلاغة والقدرة على التصرف في الكلام، وإفحام العرب بله العجم أن يأتوا بمثل القرآن أو بعشر سور منه مفتريات، أو بسورة من مثله، أو حديث منه على ذلك النمط العالي المعجز الفريد المتفرّد في البلاغة والفصاحة في تقديم القصة. ويشهد لهذا أقوى شهادةً واقعُ القصة القرآنية في القرآن لمن تأملَ حُسنها بحس أدبي فني راقٍ، وتملَّى جمالها بذوق لغوي عالٍ في الشكل والمضمون سواءً، ومما يشير إلى تميز القصة القرآنية بالصدقِ وجمالية الأسلوب على القصص البشريِّ الذي يعتريه الكذب بالزيادة والنقصِ وركاكة الأسلوب ـ قولُه تعالى تمهيدا لقصة يوسف: (نحن نقصُّ عليك أحسنَ القصصِ)[ يوسف:3]، هكذا باسم التفضيل (أحسن القصص) والأصل في كلام العرب أن اسم التفضيل مثلَ هذا يحتاج إلى تمييز منصوبٍ يُفسِّر وجه الأحسنية ويحددها، لكنه حذف هنا ـ والله أعلم ـ لقصد العموم الشامل لأوجه عدة نالت القصةُ القرآنية فيها الأحسنيةَ على غيرها: كالصدق وجمالية الأسلوب، وما تفيده من مقاصد سامية تتمثل في وظائفها المتعددة والمتفردة. ثالثا: المقاصد الوظيفية للقصة القرآنية: للقصة في القرآن الكريم مقاصد سامية كلية مشتركة بين جميع قصصه، تُدرَك بإنْعَامِ التدبر وإمْعَان التأمل مع إتقان لسان العرب؛ وسموُّ هذه المقاصد إنما هو بما للقصة القرآنية من وظائف تربوية فريدة تصب في هداية الإنسان ومنفعته من خلال تجارب بشرية سابقة إيجابية وسلبية، وكل قصة لها أيضا مقاصد جزئية خاصة بها إلى جانب تلك المقاصد الكلية المشتركة، ولأجل سموِّ مقاصد القصة القرآنية ودَّ النبي صلى الله عليه وسلم وتمنَّى أنْ لو صبر موسى مع الخضر فطالت قصته لتكثر فوائدها ومقاصدُها، فقال بعدما ذكرها مفصلةً إلى أن فارق الخضر موسى لعدم صبره على السؤال: (يرحم الله مُوسَى لوَدِدْتُ أَنَّه كَانَ صَبَرَ حتى يَقُصَّ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ أخَبَارِهِمَا)[7]. ويجب التنبيه إلى أن تلك المقاصد في جزئياتها وكلياتها ترجع جميعا إلى المقصد العام الشامل وهو الاعتبار الإيجابي والاستفادة من تجارب بشرية سابقة في قانون (الابتلاء بثلاثية الفعل البشري)، وهي: الاستخلاف السلطوي، والعمران المادي، وتأطيرهما بالتعبد لله تعالى[8]؛ ففي القصص القرآني يظهر الناجحون والخاسرون في هذا الابتلاء بثلاثية الفعل البشري، مقروناً كل فريق بجزائه المناسب لطبيعة فعله ثوابا أو عقابا، مما يشكل مثالا للاقتداء والاحتذاء، أو مثالا للتحذير والانتباه. ومن مقاصد القصة القرآنية ما يلي: 1ـ تثبيت الصالحين والدعاة المصلحين على طريق الدعوة مهما وقع في سبيلها من الأذى، هذه الدعوة التي أساسها بيان قانون الابتلاء بثلاثية الفعل البشري: استخلافا وعمرانا وتعبدا لله، قال تعالى: (وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نُثَبِّتُ به فؤادَك) [هود:120]. وتثبيت الفؤاد للداعي إلى الله تعالى والربْطُ على قلبه هو أساس قدرته على بيان ذلك القانون للناس وترشيد أفعالهم في التعاطي معه بُغيةَ نجاحهم فيه وعدمِ خسرانهم. 2 ـ تقوية الفكر في مآلات أفعال النفس والمجتمع تاريخيا وآنيا، مما يوفر إنذارا مبكرا للفشل المتوقع قبل وقوعه، والاحتياط باتخاذ أسباب تفاديه قبل نزوله، قال تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون) [الأعراف:175 و 176]، فهذا التفكر يُسهم في إعداد الناس لتحمُّلِ أعباء الابتلاء بثلاثية الفعل البشري: استخلافا وعمرانا وتعبدا لله تعالى، لإحراز النجاح فيه باتباع التوجيه الرباني، وتفادي الإخفاق والخسرانِ بمخالفة الهوى والنَّزْغِ الشيطاني. 3 ـ الشهادة بصدق نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بطريق منطقي حاسِمٍ، ولذلك كثيرا ما يعقبُ الله تعالى القَصصَ ويُذَيِّلُها بما يفيد أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن حاضرا أحداثَ ذلك القصص وأنّ هذا القصص بالنسبة إليه من الغيب، ومن ذلك قولُه تعالى بعد قصة مريم:( ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَوما كنتَ لديهم إذ يُلقُونَ أقلامَهم أيُّهم يكفُل مريم، وما كنتَ لديهم إذ يختصمون) [آل عمران:44]، وقولُه سبحانه بعد قصة نوح وقومه: (تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ [هود:49]، وتعقيبُه جل وعلا قصةَ يوسف بقوله:( ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وما كنتَ لديهم إذ أجمعوا أمرَهم وهم يمكرون) [يوسف:102]، وتذييلُه سبحانه وتعالى قصةَ موسى وفرعونَ بقوله:(وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ).[القصص: 44-45]. فكيف يقصُّها إذنْ من عندية نفسه وهو أميٌّ، ولم يعش في أزمنة أصحاب ذلك القَصص، ولم يحضر أحداثَهم؟ إذن فلم يبق إلا طريقُ الوحي الإلهي، وهو استدلالٌ منطقي يستخدمه القرآن هنا وهو المسمى بالسبر والتقسيم المنحصر عند الأصوليين، وبالقياس الاستثنائي المنفصل عن الفلاسفة والمنطقيين، ونظمُه الصِّناعي هو: إما أن يكون القرآن من عند محمد، وإما أن يكون وحيا من الله، ولا يصح أن يكون من عند محمد لأنه تحدثَ عن الغيب كما في قصص الغابرين وغيره، والإنسان لا يدري الغيب، إذن فالقرآن وحي من الله ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي هذا التصديق بالرسول صلى الله عليه وسلم من خلال القصص فرصةٌ ثمينةٌ لاتباعه، ومن ثم النجاحُ في الابتلاء بثلاثية الفعل البشري: تعبدا واستخلافا وعُمرانا. 4 ـ الاعتبار بالسابقين وقياسُ حال النفس والمجتمع على حالهم بالتشابهِ في النتائج إن تشابهت المقدمات، وتباينِها إن تباينتْ، كقوله تعالى عقب قصة بني النضير: (فاعتبروا يا أولي الابصار) [الحشر:2]، وقولِه في نهاية سورة يوسف: (لقد كان في قصصهم عبرةٌ لأولي الاَلباب) [يوسف:111]، فهو أمرٌ بالعبور الذهني التأمُّلي من الغير الماضي إلى الأنا الحاضرة على سبيل المقايسة، ومن هنا استدل الأصوليون بالآية الأولى على حُجيّة القياس الفقهي[9]، واستدل بها أيضا ابن رشد الفيلسوف على حُجِّيَّة القياس المنطقي[10]. ولأجل ذلك سمى الله تعالى العقوباتِ التي أنزلها بالأقوام المكذبة الفاسقة (بالمثُلاتِ) في قوله تعالى: (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ) [الرعد:6]. لأنها مثالٌ دالٌ على أنَّ مَن فعَلَ مثْلَ الفعلِ الذي استوجبها لحقَه مثلُها، كما أنها زاجرةٌ للعقلاء المعتبِريِن عن مثل الفعل الذي استوجبها[11]. ففي هذا إذنْ دعوةٌ للاعتبار التأملي بأنواع من الممارسات السابقة لثلاثية الفعل البشري الابتلائي: استخلافا وعمرانا وتعبّدا لله تعالى، وذلك باتخاذ الصالح منها قدوةً وبشارةً بالمثوبات، والطالحِ منها تحذيرا ونِذارةً بالعقوبات والمثُلَات. 5 ـ الاتعاظُ وكفُّ النفس عن الرعونات والمعاصي التي عوقبت بسببها الأمم السابقة، والتزامُ حدود الشريعة بعدم اعتدائها، قال تعالى عقب قصة بني إسرائيل: (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ فجعلناها نكالاً لما بين يديها وما خلفها وموعظةً للمتقين) [البقرة:65 ـ 66]، وفي هذا الاتعاظِ رُقيٌّ بالنفسِ إلى مقامِ التحمُّل الحقِّ لأمانة الحدودِ بعدم انتهاكها في سياق محاولة النجاح في الابتلاءِ بثلاثية الفعل البشري: استخلافا وعُمرانا وتعبدا لله تعالى. 6 ـ تطويرُ الحسِّ الفني والذوق الأدبي الرفيع، وتعزيز الملكة القصصية في تصوير الأحداث وإعادة إنتاجها إنتاجا متميزا بالصدق والموثوقية، وبجمالية العرض الساحرة وفنية الأسلوب الآسرة، لتمرير ما يرقى بالفكر والوجدان والسلوك، وتطوير ذلك الحس الفني يمتد إلى ضروب من الفن الهادف كالمسرح والمسلسلات والأفلام بشروطها الشرعية ومن جهاتها المرعية، بغيةَ تسخير هذه الإمكانيات الفنية لخدمة المعاني الاستخلافية والعمرانية والتعبدية بما يحقق المستوى العالي من النجاح في الابتلاء بها وتجنب الإخفاق والفشل. 7 ـ اتخاذُها مصدرا للتشريع واستنباط الأحكام، قال تعالى عقب قصة بني النضير (فاعتبروا يا أولي الابصار) [الحشر:2]، وهو عبورٌ منها إلينا بالاستنباط للأحكام الشرعية بناء على أنَّ شرْعَ مَن قبلنا شرعٌ لنا ما لم يُنسخ، وقال سبحانه وتعالى عقِبَ سرْدِ قصة إبراهيم وذكْرِ ثلة من الأنبياء بعده عليهم الصلاة والسلام: (أولئك الذين هدى اللهُ فبهداهُمُ اقْتَدِهْ)[الأنعام:90]، وبهذه الآية استدل ابن عباس رضي الله عنهما على إثبات مشروعية سجدة التلاوة في سورة (ص) من قصة داود عند قوله تعالى:(فاستغفر ربه وخرَّ راكعاً وأناب) [ص:24][12]، وبهذه الآية أيضا وأضرابها استدل جمهورُ الأصوليين ومنهم المالكيةُ على حُجِّيَّةِ شرْع من قلبنا وأنه شرعٌ لنا ما لم ينسخْهُ ناسخ[13]؛ وبناء على كل ذلك وغيرِه جاء الإمامُ عز الدين ابن عبد السلام الفقيهُ الشافعي (ت660ه) بكتابه الفريد في بابه المسمى (الإمام في بيان أدلة الأحكام) وبيَّن بإسهابٍ أن القرآن كلَّه آياتُ أحكامٍ، بما فيها آياتُ القصص والعقيدة ِوالآمثال، وأيده على ذلك الأئمة النُّظَّار مثلُ: القرافيِّ وابنِ العربي والشاطبي والزركشي والشوكاني وغيرِهم[14]؛ فكل فِعْل في القصة القرآنية جاء في سياق المدح فهو مشروع بدرجة من درجات المشروعية الثلاثة: إما واجب أو مندوب أو مباح وذلك حسب درجة المصلحة المترتبة عليه؛ وكل فعل جاء في سياق الذم فهو ممنوع بدرجة من درجات الممنوعية الثلاثة: إما محرم أو مكروه أو خلاف الأولى وذلك حسب المفسدة التي يفضي إليها[15]. 8 ـ اتخاذُها مصدرا للفقه السُّنَنِي، وهو بيان سنة الله تعالى الكونية القدرية في الواقع الاستخلافي والعمراني حسب الفعل التعبدي البشري استقامة وانحرافا، وذلك من خلال القصص، وهي سنن ماضية لا تتبدل ولا تتحول، قال تعالى:( سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا) [الأحزاب:38]، وقال جل وعلا: (سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا) [الأحزاب:62] ومن تلك السنن: أـ سُنّة حتمية تغيير ما بالواقع الاستخلافي والعمراني انتصارا أو انكسارا بسبب تغيير ما بالنفس طاعة أو معصية: قال تعالى: ( إن الله لا يغير ما بقومحتى يغيروا ما بأنفسهم) [الرعد:11]، وقال سبحانه🙁 ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهِمْ) [الأنفال:53]، وقال تعالى في مثال قصة سبأ: (لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ) [سبأ:15 ـ 17]، وقال في قصة أهل مكة لما كفروا ودعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم بالسنين[16]: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) [النحل: 112]. ب ـ سُنّة الاستبدال (استبدال المتخلفين عن الجهاد والإنفاق عليه بغيرهم ممن يستطيعون القيام بهذه الفريضة حماية لمكتسبات الأمة في الاستخلاف والعمران والتعبّد لله من غزو الأعداء)، قال تعالى في قصة بني إسرائيل: (فبدَّلَ الذين ظلموا قولاً غيرَ الذي قيل لهم فأنزلْنا على الذين ظلموا رجْزاً من السماء بما كانوا يفسقُون) [البقرة:59] هؤلاء الذين حكى عنهم القرآن قولهم: (قَالُوا يَامُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ) [المائدة:24 ـ25 ]. وقال تعالى لهذه الأمة المحمدية زيادةً على استلهامها سنةَ الاستبدال من قصص السابقين: (فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) [محمد:35 ـ 38]، وقال سبحانه: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌإِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [التوبة:38 ـ 39]، فلا يسع من تدبر تلك القصص وهذه الآيات الموجهة للأمة إلا أن يقول صادقا: اللهم استعمِلْنا ولا تستبدلْنا! ج ـ سُنّة التدمير الاستخلافي والعمراني بسبب الانهيار الإيماني والسلوكي، قال جل وعلا: (وإذا أردْنَا أنْ نُهلِكَ قريةً أمَرْنَا مُتْرَفِيها ففسقُوا فيها فحق عليها القول فدمَّرناها تدميرا وكم اهلكنا من القرونِ من بعْدِ نوح) [الإسراء:16]. فالترفُ دالٌّ على عمرانهم، وقراءة (أمَّرْنا) بتشديد الراء من الإمارة والسلطة دالةٌ على استخلافهم[17]، وقال تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَافَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا) [الفرقان/35 و 36]. د ـ سنة التكوين قبل التمكين أي: الابتلاء بالفعل التعبدي قبل الابتلاء بالفعلين: الاستخلافي والعمراني، يظهر ذلك جليا في قصة يوسف عليه الصلاة والسلام، بل في قصص جميع الأنبياء تظهر السُّنة الربانيةُ نفسُها. ه ـ سنة الإهلاك بسبب الكفر والفسق العام مع انعدام المصلحين، قال تعالى: (وما كان ربُّك ليهلك القُرَى بظلمٍ وأهلها مصلحون) [هود:117]. 6 ـ أن الاستخلاف داخل في دائرة ثلاثية الفعل البشري الذي هو محل للابتلاء الرباني، وهي: الاستخلاف والعمران والتعبد لله، قال تعالى حكاية عن بني إسرائيل وتوجيه موسى عليه السلام لهم: (قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) [الأعراف:129]. 7 ـ في القصص القرآني بيانٌ لشروط الاستخلافِ الرشيدِ، والتحكُّمِ في العمرانِ العتيدِ، والانتصار فيهما على الأعداء بإحراز زمام القيادة، وهي شروط على تفصيلها ترجع إلى التعبد لله تعالى الجامعِ بين فرع الصلاح وأصلِ التوحيد، قال تعالى: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَاعِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) [الأنبياء:105]، وقال سبحانه: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًاوَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ) [النور:55]، وقال تعالى في مثال لقصة طالوت وداود مع جالوت: (فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) [لبقرة:249 ـ 251] فالنصر على الأعداء من قبل المؤمنين في الاستخلاف والعمران يتحقق ولو كانوا قلة طال ما حققوا شرط التعبد لله تعالى. وفي القصص القرآني أيضا بيانٌ لشروط الاستخلاف الجزئي في الوظائف وهي: الأمانة والعلم والقدرة، ففي قصة يوسف ذكر استحقاقه للاستخلاف على بيت المال: (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) [يوسف:55]، وفي قصة ابنة الرجل الصالح متحدثة عن استحقاق موسى للاستخلاف في الإجارة: (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) [القصص:26]،وفي قصة طالوت واستحقاقه للاستخلاف على قيادة الجند: (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [البقرة:247]، فكلها قصص توضح شروط الاستخلاف الجزئي: أمانةَ وقوةً وعلماً. 8 ـ وفي القصص القرآني بيانٌ لموانع الاستخلاف الرشيد والعمران العتيد، وتنصيصٌ على هوادمِهما الراجعة أساسا إلى الإخلال بشرط التعبد لله تعالى؛ ومن تلك الهوادم المدمرة للاستخلاف والعمران: الظلمُ والتَّرفُ قال تعالى: (وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ قَالُوا يَاوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ) [الأنبياء:11ـ15]، ومنها: البَطَرُ والأشَرُ أي: الطغيان بالنعمة، قال تعالى: (وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍبَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ)[القصص:58]، ومنها الفسْقُ، قال تعالى: (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمَّرْنَامُتْرفيهاففسقوا فيها فحق عليها القول فدمَّرْناها تدميراً) [الإسراء:16] فالتدمير بسبب فسقهم مُنْصَبٌّ على عُمرانهم المترَف، واستخلافهم التأميري السلطوي بناء على قراءة (أمَّرْنا) بتشديد الميم من الإمارة[18]، كما دمِّرَ قوم لوط بفسق الشذوذ الجنسي وتكذيب لوط، وقومُ صالح بعقْر الناقة وتكذيب صالح، وقوم شعيبٍ بالفسق الاقتصادي والشرك، وغيرُهم من الأمم المدمّرة في التاريخ بسبب الفسق، قال تعالى: (فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [العنكبوت:40]. هذا وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أفضل التالين والمتدبرين والفاقهين للقرآن الكريم، كان يوظف القصة القرآنية وغيرها من القصص في مجالات عدة، لتتحق مقاصدها الكلية والجزئية التي تخدم كلها ترشيد الابتلاء بثلاثية الفعل البشري: استخلافا وعمرانا وتعبدا لله تعالى، بغيةَ اقتداء أمته به لتحافظ على مكانتها الابتلائية المرموقة في ثلاثية فعلها المذكور آنفا، حتى تظل عزيزة كريمة لها القيادة والسيادة والريادة بدلا من التدمير الداخلي والانكسار والاستخذاء أمام الاعداء كما هو الحال اليوم. رابعا: هدي النبي صلى الله عليه وسلام في توظيف القصة القرآنية وغيرها: 1 ـ وظفها صلى الله عليه وسلم في الأحوال الإيمانية: عن عبد الله بن السائب، قال: (قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح بـ “المؤمنون“، [أي بسورة المؤمنون] فلما أتى على ذكْرِ عيسى، أصابتْه شَرْقةٌ فركعَ)[19]. قال الإمام قاسم السرقسطي (ت 302 ه) تعليقاً على هذا الحديث: “الشَّرَقُ: كَالْغَصَصِ، وَكَأَنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَنَقَتْهُ الْعَبْرَةُ عِنْدَمَا قَصَّ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنْ ذِكْرِ عِيسَى وَأُمِّهِ، وَالْمُسْتَعْبِرُ أَحْيَانًا مُنْقَطِعٌ بِهِ عَنِ الْكَلَامِ كَانْقَطَاعِ الْخَنْقِ، وَقَالَ ذُو الرِّمَّةِ: لَعَمْرُكَ إِنِّي يَوْمَ جَرْعَاءِ مَالِكٍ … لَذُو عَبْرَةٍ كُلاًّ تَفِيضُ وتَخْنُقُ”[20]. فبناء على هذا التفسير يكون قد وظف الاعتبارَ بالقصة لزيادة الإيمان بدلالة البكاء خشوعا لله. 2 ـ وظفها صلى الله عليه وسلم في الأمور التعبدية المحضة: عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: (أَحَبُّ الصَّلاَةِ إِلَى اللَّهِ صَلاَةُ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، وَأَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُدَ، وَكَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ، وَيَنَامُ سُدُسَهُ، وَيَصُومُ يَوْمًا، وَيُفْطِرُ يَوْمًا)[21]. فقد قص قصة داود في جانبها التعبدي، ووظفها للاقتداء بها استجابةً لأمر الله تعالى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) [الأنعام:90]. 3 ـ وظفها صلى الله عليه وسلم في العدالة القضائية: عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِسْمَةً، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: وَاللَّهِ مَا أَرَادَ مُحَمَّدٌ بِهَذَا وَجْهَ اللَّهِ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَتَمَعَّرَ وَجْهُهُ، وَقَالَ: (رَحِمَ اللَّهُ مُوسَى، لَقَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ)[22]. وفي لفظ آخر للبخاري أيضا فَقَالَ: (فَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ يَعْدِلِ اللَّهُ وَرَسُولُهُ؟ رَحِمَ اللَّهُ مُوسَى قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ). فقد عالج النبي صلى الله عليه وسلم فهما خاطئا لمسألة قضائية بقصة موسى عليه السلام في جانب الإيذاء والصبر عليه. وفي حديث المخزومية التي سرقت، وأراد أسامة بن زيد أن يشفع لها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، عسى ألا يقيم عليها حد السرقة لأنها شريفة في قومها، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم حتى احمرت وجنتاه، وقص عليهم قصة في عواقب ترْك العدل في تطبيق قوانين القضاء، فعن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ المَرْأَةِ المَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ، فَقَالُوا: وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ، ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ، أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ، وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا )[23]. 4 ـ وظفها صلى الله عليه وسلم أسريا واجتماعيا: عندما قصَّ النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قصص النساء الإحدى عشْرَةَ، وكان أفضلُها قصةَ آل زرع قال لعائشة: (كنتُ لكِ كأبي زرْعٍ لأم زرْعٍ)[24]. 5 ـ وظفها صلى الله عليه وسلم دعويا: وذلك في قصص كثير كقصة جريج، وقصة صاحب المسحاة الواردة في صحيح مسلم، وقصة من كانوا يواخذون الضعيف دون الشريف في سياق الشفاعة للمخزومية الشريفة لما سرقت؛ وقصة صاحب وصية حرق جثته عند وفاته، وقصة من قتل تسعة وتسعين نفسا الخ وكلها قصص صِحاح مِلاحٌ وظّفها النبي صلى الله عليه وسلم في تهذيب السلوك وتربية الجمهور على مسلك التقوى، وحملهم بها على ترك المعصية والهوى باعتبار هذا هو شرط النجاح في الابتلاء بثلاثية الفعل البشري الذي من أجله أوجده الله تعالى. وفي الختام أقول: ليستفيد الناس من مقاصد القصة القرآنية، ويُحرزوا هذه الوظائف منها، فلا بد لهم من واجبٍ يقومون به وهو: تلاوة هذا القصص وتدبره، بعد تحصيل الحد الضروري من لسان العرب، لأن ذلك هو المدخل الوحيد فقط لاستثمار مقاصده الكلية والجزئية في ترشيد الابتلاء بثلاثية الفعل البشري المتجلي في: الاستخلاف السياسي، والعمران المادي، والتعبد العمودي والأفقي[25] عسى أن يعود للأمة مجدها وتستأنف حركة الإقلاع من جديد، ولذا قال تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ) [يونس:71]، (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ) [الشعراء:69]،(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ) [ المائدة:27]، (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا) [الأعراف:175] إلخ، والأمر بالتلاوة للقصة عليهم أمرٌ مطلق، فيفيد الوجوبَ الكفائيَّ في الدعوة، والعينيَّ في الاتباع. لأن التلاوة فيها معنى البلاغ ومعنى الاتباع، هذا وبالرغم من واقعنا اليوم فإننا لعلى يقين أن المستقبل لهذا الدين، (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) [آل عمران:140]، (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [يوسف:21]، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ [1]التهذيب مادة (ق ص ص) (8/210 ـ 211)؛ ومعجم ديوان الأدب لأبي إبراهيم الفارابي خال الجوهري (3/41)؛ والصحاح مادة (ق ص ص) (3/1051 ـ 1052)؛ والمقاييس (5/11)؛ انظر: تاج العروس (18/98 و100). [2] ـ الفروق اللغوية ص (42). [3] ) انظر: تفسير الطبري (17/309). [4] ) انظر: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية (3/515). [5] ـ انظر: البرهان في علوم القرآن للزركشي (1/276)، ومثله في: الإتقان في علوم القرآن للسيوطي (1/181). [6] ـ انظر: المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى، لحجة الإسلام أبي حامد الغزالي ص (25). [7] صحيح البخاري، كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: حديث الخضر مع موسى عليهما السلام رقم: (3401). وصحيح مسلم، كتاب: الفضائل، باب: فضائل الخضر عليه السلام، رقم: (2380). [8] ـ وقد أشار إليها العلامة اللغوي الحكيم الراغب الأصفهاني (ت 502 هـ) في كتابه (الذريعة إلى مكارم الشريعة) ص (82 ـ 83): “ما لأجله أوجد الإنسان. (…)الفعل المختص بالإنسان ثلاثة أشياء: 1 –عمارة الأرض المذكورة في قوله تعالى: (وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا)، وذلك تحصيل ما به تزجية المعاش لنفسه ولغيره.2 – وعبادته المذكورة في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وذلك هو الامتثال للباري – عز وجل – في أوامره ونواهيه، 3 – وخلافته المذكورة في قوله تعالى: (وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) وغيرها من الآيات، وذلك هو الاقتداء بالباري سبحانه على قدر طاقة البشر في السياسة باستعمال مكارم الشريعة” اهـ. [9] ) انظر: تقويم الأدلة في أصول الفقه للدبوسي ص (263)؛ والمعتمد لأبي الحسين البصري (2/224)؛ والمستصفى للغزالي ص (293)؛ وميزان الأصول للسمرقندي (1/561). [10] ) انظر: فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال ص (36). [11] ـ قال ابن فارس: “وقولهم: مثَّلَ به، إذا نكَّل، لأن المعنى فيه أنه إذا نكل به جعل ذلك مثالا لكل من صنع ذلك الصنيع أو أراد صنعه (…)، والمثُلاتُ من هذا أيضا، قال الله تعالى: {وقد خلت من قبلهم المثلات} [الرعد: 6]، أي العقوبات التي تزجر عن مثل ما وقعت لأجله، وواحدها مثلة كسمرة وصدقة. ويحتمل أنها التي تنزل بالإنسان فتجعل مثالا ينزجر به ويرتدع غيره” مقاييس اللغة مادة (م ث ل) (5/296 ـ 297). [12]) عن مُجَاهِدٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ: أَفِي ص سَجْدَةٌ؟ فَقَالَ: «نَعَمْ»، ثُمَّ تَلاَ: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} [الأنعام: 84] إِلَى قَوْلِهِ {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: 90]، ثُمَّ قَالَ: «هُوَ مِنْهُمْ»، زَادَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، وَسَهْلُ بْنُ يُوسُفَ، عَنِ العَوَّامِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: «نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّنْ أُمِرَ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِمْ». صحيح البخاري، ك: تفسير القرآن، ب: أوليك الذين هدى الله فبهداهم اقتده، ر: (4632). [13] ) انظر: الفصول في الأصول للجصاص الحنفي (3/22)؛ والعدة في أصول الفقه للقاضي أبي يعلى (3/757)؛ والإشارة في أصول الفقه للباجي ص (42)؛ وإيضاح المحصول من برهان الأصول للإمام المازري ص (372). [14] ) انظر: شرح تنقيح الفصول ص (437). وانظر له كلاما أوسع من هذا اقتبس فيه كلاما لشيخه لابن عبد السلام في نفائس الأصول في شرح المحصول (9/9331 ـ 9332)؛ وانظر: شرح مختصر الروضة للطوفي (3/577 ـ 578)؛ والبحر المحيط في أصول الفقه للزركشي (4/490). وإجابة السائل شرح بغية الآمل للصنعاني ص (384)؛ وإرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول (2/716 ـ 717). [15] انظر: الإمام في بيان أدلة الأحكام ص (87 ـ 125). [16] ) انظر: تفسير الطبري (17/309). [17] ) انظر: المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات لابن جني (2/17)، والسبعة في القراءات لابن مجاهد ص (379)، والحجة في القراءات السبع لابن خالويه ص (214)، ومفاتيح الأغاني في القراءات والمعاني لأبي العلاء الحنفي ص (246). [18] ) انظر: المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات لابن جني (2/17)، والسبعة في القراءات لابن مجاهد ص (379)، والحجة في القراءات السبع لابن خالويه ص (214)، ومفاتيح الأغاني في القراءات والمعاني لأبي العلاء الحنفي ص (246). ([19] أخرجه ابن ماجه في سننه أبواب إقامة الصلوات، ب: القراءة في صلاة الفجر، ر: (820)، وأخرجه الحميدي في مسنده ر(821)، وأخرجه مسلم في صحيحه، ك: الصلاة ب: القراءة في الصبح ر: (455)، والبخاري في صحيحه تعليقا، ك: مواقيت الصلاة، ب: الجمع بين السورتين في الركعة ؛ وأبو داود في سننه، ك، الصلاة، ب: الصلاة في النعل، ر: (649).وهو أيضا في “مسند أحمد” (15394)، و”صحيح ابن حبان” (1815) وهؤلاء جميعا ما عدا ابن ما جه بلفظ فأخذته (سعلة) وأيضا في أكثرها تردد الراوي ابن عباد في كون القصة هي قصة موسى وهارون أو قصة عيسى. [20]) الدلائل في غريب الحديث للسرقسطي (1/150). وذكر السرقسطي في معنى كلامه مع تصرف في التفصيل: أن (كلا) في بيت ذي الرمة مفعول به منصوب بفعل محذوف تقديره: لذو عبرة تفعلُ كلاًّ: ثم فسر هذا الكلَّ بقوله: تفيض وتخنق. [21]) صحيح البخاري، ك: التهجد، ب: من نام عند السحر، ر: (1131). [22]) صحيح البخاري، ك: الأدب، ب: من أخبر صاحبه بما يقال فيه، ر: (6059). [23]) صحيح البخاري، ك أحاديث الأنبياء، ب حديث الغار، ر (3475)؛ ومسلم في صحيحه، ك: الحدود، ب: قطع يد السارق الشريف وغيره، ر: (1688). [24]) صحيح البخاري، ك: النكاح، ب: حسن المعاشرة مع الأهل، ر: (5189). [25] ) التعبد العمودي هو المتعلق بتنظيم العلاقة بين العبد وربه ويسمى عند الفقهاء بالتعبد المحض أو حق الله تعالى المحض؛ ويقابله التعبد الأفقي المتعلق بنظيم العلاقة بين الإنسان وأخيه الإنسان وبينه وبين الكون كله ويسمى عند الفقهاء بالمعاملات أو حقوق العباد المحضة.
لائحة المصادر: 1 ـ القرآن الكريم برواية ورش عن نافع من طريق الأزرق. 2 ـ صحيح الإمام البخاري. 3 ـ صحيح الإمام مسلم بن الحجاج 4 ـ الدلائل في غريب الحديث للسرقسطي 5 ـ مسند الإمام أحمد 6 ـ مسند الإمام الحميدي 7 ـ سنن الإمام أبي داود 8 ـ سنن الإمام بن ماجه 10 ـ المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات لابن جني 11 ـ السبعة في القراءات لابن مجاهد 12 ـ الحجة في القراءات السبع لابن خالويه 13 ـ مفاتيح الأغاني في القراءات والمعاني لأبي العلاء الحنفي 14 ـ تقويم الأدلة في أصول الفقه للدبوسي 15 ـ المعتمد لأبي الحسين البصري 16 ـ المستصفى من علم الصول للغزالي 17 ـ ميزان الأصول في نتائج العقول للسمرقندي 18 ـ فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال لابن رشد الحفيد. 19 ـ الإمام في بيان أدلة الأحكام لعز الدين بن عبد السلام. 20 ـ تفسير الإمام الطبري 21 ـ الفصول في الأصول للجصاص الحنفي 22 ـ العدة في أصول الفقه للقاضي أبي يعلى 23 ـ الإشارة في أصول الفقه للباجي 24 ـ إيضاح المحصول من برهان الأصول للإمام المازري 25 ـ شرح تنقيح الفصول للقرافي 26 ـ نفائس الأصول في شرح المحصول للقرافي 27 ـ شرح مختصر الروضة للطوفي 28 ـ البحر المحيط في أصول الفقه للزركشي 29 ـ إجابة السائل شرح بغية الآمل للصنعاني 30 ـ إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول 31 ـ مقاييس اللغة لابن فارس. 32 ـ الذريعة إلى مكارم الشريعة للراغب الأصبهاني 33 ـ المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى، لحجة الإسلام أبي حامد الغزالي 34ـ المحرر الوجير في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 35 ـ البرهان في علوم القرآن للزركشي 36 ـ الإتقان في علوم القرآن للسيوطي 37 ـ التهذيب في اللغة للأزهري 38 ـ معجم ديوان الأدب لأبي إبراهيم الفارابي خال الجوهري 39 ـ الصحاح للجوهري 40 ـ مقاييس اللغة لابن فارس 41 ـ تاج العروس لمرتضى الزبيدي. 42 ـ الفروق اللغوية لأبي هلال العسكري.