الغش في الامتحانات خيانة للأمانات ـ مقاربة شرعية تربوية ـ
الدكتور . حفيظ غياط
مقدمـة:
ولا يمكننا الحديث عن ظاهرة الغش في الامتحانات بمعزل عن سياقها الاجتماعي الذي تخلقت في رحمه، ذلك أن الغش صار ظاهرة عامة تشمل كل مجالات الحياة الانسانية، حتى صار النزيه شاذا وسط مجتمع الغشاشين، يلام على نزاهته، ويُعير بسبب نظافته وطهارته، فانقلبت القيم والمفاهيم وبُدلت، ولقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك عند حديثه عن قوم لوط – الذين كانوا يمارسون الفاحشة جهارا في ناديهم، ويعتبرون لوطا ومن معه من الأتقياء الشرفاء مارقين شاذين عن القاعدة التي اخترعوها من وحي أهوائهم، قال سبحانه: ﴿ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آَلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ [النمل: 56]، لقد صارت العفة والاستقامة هي جريمتَهم وجنايتهم في عرف مجتمع الفساد. ولعل من أهم الأسباب الداعية لطرق هذا الموضوع هو انتشار مظاهر الظلم والفساد في مختلف مجالات الحياة الانسانية، واختلال معايير الاستحقاق، فلم تعد الكفاءة هي مقياس النجاح وإنما المحسوبية والعلاقات القائمة على المصالح الدنيوية. من هنا يسعى هذا المقال إلى تسليط الأضواء على هذه الظاهرة “الغش في الامتحانات” باعتبارها مظهرا واضحا من مظاهر خيانة الأمانة، ومؤشرا خطيرا على خلل تربوي كبير، يهدد منظومة القيم التربوية في الحال والمآل، وسببا لوهن الشعوب وذهابها، وفي ذلك قال الشاعر[2]: إنما الأمم الأخلاق ما بقيت***فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا ولمقاربة هذا الموضوع -مقاربة تربوية شرعية- نحتاج إلى الإجابة عن جملة من الأسئلة، نركزها في المطالب التالية: المطلب الأول ـ الغش في الامتحان: مفهومه، وحكمه الشرعي: المطلب الثاني ـ آثار الغش ونتائجه على الفرد والمجتمع المطلب الثالث ـ أسباب الغش في الامتحان ودوافع الإقدام عليه المطلب الرابع ـ سبل الوقاية والعلاج: مقترحات حلول المطلب الأول ـ الغش في الامتحان: مفهومه، وحكمه الشرعي: أولا : حقيقة الغش ومعناه: الغش ـ بصفة عامةـ سلوك غير مَرْضي بل مَرَضي، سلوك منحرف وغير أخلاقي، يقصد إلى تزييف الحقائق وقلبها لتحقيق غرض عاجل مادي أو معنوي، بدون وجه حق، فهو يتأسس على الكذب والخداع والخيانة والتزوير والتدليس، وقد جاء في بعض معاجم اللغة في باب ” الغين” مادة ” غَشَّ “: غَشَّ صَدْرُهُ: انطوى على الحِقد والضغينة، وغش صاحِبَهُ غَشًّا وغِشا: زين له غير المصلحة وأظهر له غيرَ ما يُضمِر… وغش الطالبُ في الامتحان فهو غاشٌّ، و(المغشوش) غير الخالص، يقال لبنٌ مغشوش وذهب مغشوش[3]. والغش في الشرع: ما يخلط من الرديء بالجيد[4]. وقد عرضت الدكتورة فضيلة عرفات السبعاوي مجموعة من التعاريف التي عرف بها الغش في الامتحانات المدرسية منها تعريف (فينكس 1965):” الغش في الاختبارات المدرسية شكل من أشكال الخيانة” ثم قدمت تعريفها الخاص لهذا المفهوم فقالت:” هو استخدام وسائل غير مشروعة للحصول على إجابات صحيحة ينقلها الطالب أو الطالبة من دون وجه حق فهو ضرب من السرقة والادعاء بل هو ضرب من الظلم والتزييف، وهو إهدار لقيمة التكافؤ الفرص، وهو عدوان صارخ على الأمانة والصدق والمجتمع كله، وهو مرض تربوي يجب مقاومته بالقوانين المنظمة، لكن الأهم هو السعي الجاد لتعديل المنظومة التربوية لطلبة يحاولون الغش للحصول على مجموع كبير أو تقدير كبير”[5] فالغش إذن من الناحية التربوية عملية تزييف وتزوير لنتائج التقويم التي يراد من خلالها قياس مستوى المتعلم ومدى اكتسابه وتحصيله لعدد من المعارف والمهارات التي يرسمها المنهاج التعليمي ويهدف إلى تحقيقها، ولذلك يعد الغش سببا مانعا من تحصيل هذا المقصود التربوي، ومِعْولاً هادما لمشروع البناء السليم للناشئة، ومن ثم المساهمة في وجود مجتمع مريض يستمرئ الفساد، ويرفض النزاهة والجدية. فهو يشمل كل السبل والأساليب غير المشروعة – القديمة أو الحديثة – للحصول على نتائج مزيفة كاذبة مخالفة للواقع، تكرس الظلم وضياع الحقوق، للوصول إلى مناصب ووظائف وامتيازات، بعيدا عن مبدأ الكفاءة والاستحقاق[6] ثانيا: حكم الغش في الامتحان: أما حكمُ الغش في الامتحانات فلا يخرج عن الحكم العام للغش، لأن الإسلام قد حرم الغش والخداع والتدليس والتزوير بكل صوره وأشكاله، سواء في البيع والشراء أو في غيرها من أنواع المعاملات الإنسانية الأخرى، لما ينتج عن ذلك من آثار سلبية ومفاسد مهلكة، كالظلم وأكل أموال الناس بالباطل…، لكن الغشَّ في الامتحان يبقى أعظمَ خطَرًا وجُرمًا من الغش في المُعَامَلات الأخرى؛ لأنه يؤدِّي إلى إفساد العنصر البشري الذي يعتبر اللبنة الأساس لبناء الأمم ونهضتها، أو تخلفها وسقوطها، ومن هنا كان الاهتمام الجيد ببناء الفرد الصادق الأمين والمسؤول ـ منذ البداية ـ أساسا لبناء مجتمع متين راسخ الأركان. قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ [الرعد:11]. ثالثا: الأدلة الشرعية على تحريم الغش بكل أنواعه: إن المتدبر لنصوص القرآن والسنة يلحظ بوضوح موقف الإسلام الحاسم في قضية الغش والتدليس، فقد نصت كثير من آي القرآن الكريم على حرمة الغش باعتباره ظلما وأكلا للحرام، وسعيا للإفساد في الأرض، وكذلك حذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته مِنه أشد التحذير. 1ـ من نصوص القرآن الكريم: أـ قوله عز وجل: ﴿وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ ﴾ [الرحمن: 9]. وهذا نهي صريح وتحذير واضح من الظلم المخالف للقسط والحق، والمتمثل في النقص من الميزان. ب ـ وعيد الله للمطففين المعتدين في الكيل والوزن، كما في قوله سبحانه: ﴿ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ. الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ. وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ. أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ. لِيَوْمٍ عَظِيمٍ. يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [المطففين: 11 – 66]. جاء في التفسير: “(وَيْلٌ)[7] كلمة عذاب ووعيد ( لِلْمُطَفِّفِينَ) وفسر الله المطففين بقوله: (الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ ) أي: أخذوا منهم… (يَسْتَوْفُونَ) يستوفونه كاملا من غير نقص. (وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ) أي: إذا أعطوا الناس حقهم، الذي للناس عليهم بكيل أو وزن، (يُخْسِرُونَ) أي: ينقصونهم ذلك، إما بمكيال وميزان ناقصين، أو بعدم ملء المكيال والميزان، أو نحو ذلك. فهذا سرقة لأموال الناس، وعدم إنصاف منهم”[8]” ثم توعد تعالى المطففين، وتعجب من حالهم وإقامتهم على ما هم عليه، فقال: ﴿ َلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ أ فالذي جرأهم على التطفيف عدم إيمانهم باليوم الآخر، وإلا فلو آمنوا به، وعرفوا أنهم يقومون بين يدي الله، يحاسبهم على القليل والكثير، لأقلعوا عن ذلك وتابوا منه”[9]. والاستدلال بهذه الآية على تحريم الغش في الامتحان واضح الصلة، فهي ” وإن كانت متعلِّقة بالتطفيف في جانِبِه المادي كما يدلُّ عليه سياقها، إلا أنَّ لفظَها لا يمنع من الاستدلال به لبيان الخلل الذي يُصِيب المجتمع جرَّاء اختِلال الميزان الشرعي فيه، فإنَّ هناك سننًا اجتماعيَّة لا بُدَّ من اعتبارها عند توافُقِها مع الشريعة؛ حيث يُبنَى المجتمع على قواعد شرعية وأخلاقية تُحافِظ عليه، مرجِع هذه القواعد قاعدةٌ كبرى هي: قاعدة العدل وحفظ الحقوق، فإذا اختلَّتْ هذه القاعدة، فهذا معناه سيادةُ وانتِشار الظلم بين الناس”[10] ج- قوله تعالى عند عرض قصة نبي الله شعيب مع قومه: ﴿ وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [الأعراف: 85]. قال القرطبي في قوله تعالى: (وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ) البخس النقص. وهو يكون في السلعة بالتعييب والتزهيد فيها، أو المخادعة عن القيمة، والاحتيال في التزيد في الكيل والنقصان منه. وكل ذلك من أكل المال بالباطل، وذلك منهي عنه في الأمم المتقدمة والسالفة على ألسنة الرسل صلوات الله وسلامه على جميعهم”[11] وإن من الدروس والعبر التي نستفيدها من مدرسة نبي الله شعيب عليه السلام[12]: ـ انعكاس أضواء مدرسة شعيب عليه السلام على التعامل الاقتصادي بين الناس، حيث استفحل في مجتمع مدين مرض الغش والتطفيف، وبخس الناس أشياءهم حتى أدت تلك الأمراض إلى فساد للعلاقات الاقتصادية، إذ صار الطمع والجشع دافعا للغش والتطفيف، وصار الإنسان يجمع الأموال بغض النظر عن الطرق المشروعة والوسائل الشريفة. ـ نزول أول سورة في المدينة تضع قانون التعامل الاقتصادي في دولة الإسلام، وهي سورة المطففين. فقد زرعت هذه الآيات مراقبة الله في نفس المسلم، إذ ربطت بين الاستقامة في المعاملة والإيمان باليوم الآخر، وفي هذا الإطار حذر أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه من الغش بما أثر عنه في هذا السياق. ـ إن شيوع الغش والتطفيف في التعامل الاقتصادي إنما هو نتيجة لهجران المسلم لتعاليم دينه الحنيف وغفلته عن الآخرة والحساب. 2ـ من نصوص السنة النبوية المشرفة: يقف المطالع لسنة النبي صلى الله عليه وسلم على تحذيره الشديد، وترهيبه المتكرر من آفة الغش – بكل أنواعها وصورها- وآثارها المدمرة للفرد والمجتمع، ومن ذلك: أـ ما رواه مسلمٌ[13]عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على صُبْرة[14] طعامٍ، فأدخل يده فيها، فنالت أصابعُه بللًا فقال: « ما هذا يا صاحب الطعام؟» قال: أصابته السماء[15] يا رسول الله، قال: «أفلا جعلتَه فوق الطعام كي يراه الناس؟ مَن غشَّ فليس مني[16]»؛ وهذا تبرؤ واضح من كل ممارس للغش في أي مجال من مجالات المعاملات الإنسانية، لأنه عنصر ضار وفاسد مفسد، يجب أخذ الحيطة والحذر منه، وكشف حاله بين الناس. ب ـ وعن معقِل بن يسارٍ المزني قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من عبدٍ يسترعيه الله رعيةً، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته، إلا حرم الله عليه الجنة»[17]؛ قال النووي: “معناه: بَيِّن في التحذير من غشِّ المسلِمين لِمَن قلَّده الله – تعالى – شيئًا من أمرهم، واسترعاه عليهم، ونصبه لمصلحتهم في دينهم أو دنياهم، فإذا خانَ فيما اؤتُمِن عليه فلم ينصح فيما قلَّده، اما بتضييعه تعريفهم ما يلزمهم من دينهم وأخذهم به، وإما بالقيام بما يتعين عليه من حفظ شرائعهم والذب عنها،…، أو تضييع حقوقهم، أو ترك حماية حوزتهم ومجاهدة عدوهم، أو ترك سيرة العدل فيهم فقد غشهم…وقد نبَّه النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – على أنَّ ذلك من الكبائر الموبقة المبعدة من الجنة”[18] ج ـ وعن حكيم بن حزامٍ رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «البيِّعان بالخيار ما لم يتفرَّقا، فإن صدَقا وبيَّنا بورك لهما في بيعهما، وإن كذَبا وكتَما مُحِقَتْ بركةُ بيعهما»[19]؛ فبين عليه الصلاة والسلام بأن هذه المعاملة بين البائع والمشتري ينبغي أن تقوم على أساس الصدق والأمانة، ببيان كل منهما ما يحتاج إلى بيان من عيب ونحوه، لأن ذلك جالب للبركة والنفع للمتبايعين معا، كما حذر عليه السلام بالمقابل من الغش والكذب المتمثل في كتمان العيوب بقصد التدليس والكسب غير المشروع، مخوفا من آثاره في محق البركة لما فيه من الخيانة والخديعة. نستنتج من خلال عرضنا لهذه النصوص الشرعية من القرآن والسنة خطورة الغش – بكل أنواعه وأشكاله- على مستقبل الإنسانية أفرادا ومجتمعات، لما ينطوي عليه من المفاسد والظلم والخيانة، وأكل لأموال الناس بالباطل، وضياع للمصالح التي يقوم عليها كل بناء راشد أو نهضة حضارية. وقد تعبدنا الله تعالى بشرعه الحكيم الرحيم إقامة للعدل ومحاربة للظلم، وجعل إقامة العدل من أعظم مقاصد بعثة الأنبياء والمرسلين، قال تعالى: ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ [الحديد:25]. من هنا كانت كل ممارسة تقوم على الغش – في أي مجال من مجلات الحياة الإنسانية -ظلما وعدوانا، وأكلا لأموال الناس بالباطل، وسعيا للإفساد في الأرض بعد إصلاحها، ومخالفة معلنة لمنهج الله تعالى، وتحديا سافرا لإرادة الله عز وجل. المطلب الثاني: آثار الغش ونتائجه على الفرد والمجتمع إن الحكم على الأمور ووصفها بأنها مصلحة أو مفسدة مرتبط أشد الارتباط بما يترتب عليها من النتائج والآثار في الحال والمآل، وإذا نظرنا إلى ظاهرة الغش بناء على هذا الأساس، استطعنا إدراك علة تحريم الغش وسبب الترهيب منه، وذلك لما يترتب عليه من مفاسد عظيمة، تورث الآلام، وتدمر الإنسان والعمران. فما حرم الشارع الحكيم أمرا أو نهى عنه إلا لمفسدة يُفضي إليها في العاجل أو الآجل، لأن الشرائع إنما نزلت لحفظ مصالح العباد وحمايتها، ومن ذلك ما سماه العلماء “مقاصد الشريعة ومصالحها الكبرى” التي تدور حولها معظم أحكامها أو كلها، وسموها “الضرورات الخمس” أو “الكليات الخمس”، يقول الإمام الغزالي رحمه الله: ” ومقصود الشرع من الخلق خمسة: وهو أن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم، فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يُفوِت هذه الأصول فهو مفسدة ودفعها مصلحة”[20]، والغش في الامتحان عواقبه وخيمة، وآثاره قبيحة على الفرد والمجتمع جميعا، ومن هذه الآثار: أولا:الغش سبيل إلى التخلف العلمي والسقوط الحضاري: يعتبر الغش من أكبر أسباب التخلف العلمي، والجمود الثقافي، والسقوط الحضاري للأمة، وبسببه يقتل الحس الإبداعي لدى المجدين، وتحبط العزائم المتوقدة والفعالة بسبب ضرب مبدأ الكفاءة والاستحقاق بعرض الحائط. فالأمم القوية لا تتقدم إلا بالبناء العلمي المتين لعقول أبنائها، وأي تساهل أو تقصير في تنزيل برامج التكوين وخطط التقويم يعني الحكم على مستقبل أجيالها بالفشل والوهن والفراغ الثقافي، فلا تتعجب بعد ذلك من كثرة الجريجين وحملة الشواهد (المزورة) بلا فائدة ولا عائد ينفع صاحبه وأمته، فكيف تنتج أمة خيرا نافعا، بعقول فارغة من العلم، فاقدة لخلق الأمانة والمسؤولية. ثانيا:الغش سبب لانتشار الظلم وضياع الحقوق: الغش من أعظم أسباب انتشار الظلم، والحقد الاجتماعي، وعدم تكافؤ الفرص، لأنه ممارسة ظالمة تقلب الحقائق وتزيفها، وتوغر القلوب، وتسهم في تنامي الاحتقان لدى المستحقين والجادين الذين تُهدَر حقوقهم بسبب الغشاشين ومن يدعمهم، فيصبح الغش طريقا ممهدا لكل أنواع الفساد المنتشرة بين الناس، بسبب إسناد المسؤوليات لغير الأكفاء، ولذلك رد الرسول عليه الصلاة السلام على الأَعْرَابِيّ الذي سأله عن السَّاعَةِ بقوله: «إِذَا ضُيِّعَت الْأَمَانَةُ فَانْتَظِر السَّاعَةَ، قَالَ: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا؟ قَالَ: إِذَا وُسِّدَ الْأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ»[21] ثالثا: انتشار الغش يفضي إلى تردي منظومة القيم التربوية في المجتمع أن انتشار الغش بين الناس، وعدم إنكارهم له، ومحاربتهم لأهله ودعاته، يؤدي إلى تردي منظومة القيم التربوية في المجتمع، فتتغير المفاهيم باتخاذها لبوسا مزورا خادعا، حيث يصير المعروف منكرا والمنكر معروفا. رابعا: الغش سبب لانتشار التشاؤم واليأس والإحباط وهجرة الكفاءات لأوطانها فقدان الثقة وطغيان التشاؤم من المستقبل، لأن الموازين قُلِبت، وأهلَت غير المستحق، وأبدلت مبدأ الجودة والإحسان بمعايير شكلية قائمة على التزوير والشفاعة السيئة لفلان أو علان تَرْضيةً لأبيه أو أمه، أو لصلة قرابة بمسؤول ما، أو عائلة عريقة، أو…عندئذ يطغى اليأس والإحباط على نفسية المجد العصامي المستقيم، لأن حقوقه تُهدر في مجتمع عم فيه الفساد وطم، فيُفضي ذلك إلى العزلة والانطواء والنقمة على هذا الوضع غير السوي بوجه عام، كما يؤدي في كثير من الأحيان إلى هجرة العقول المبدعة لأوطانها لأنها لم تظفر بالمكان المناسب لكفاءتها ومؤهلاتها. فما أعظمها من خسارة عندما تهجُر العقول المبدعة بلدانها لتستغلها بلدان أخرى عرفت قدرها، فيُحرَم المجتمع من خدماتها وعطاءاتها، بسبب الفوضى وسيطرة قيم فاسدة خيطها الناظم اتباع الأهواء. خامسا:الغش يقضيإلى قتل روح المنافسة الشريفة إن انتشار الغش في الامتحانات يفضي إلى قتل روح المنافسة الشريفة بين المتعلمين، وتستبدل بمعايير جائرة تقوم على العلاقات والمصالح الضيقة. سادسا: الغش سبب لضياع الأمانة والمسؤولية يساهم انتشار الغش في تخريج أفواج ضعيفة ناقصة في كفاءتها العلمية، وفي قدرتها على تحمل الأمانة والمسؤولية المنوطة بها. فكيف تُعَول أمة في نهضتها ورقيها على أفراد فاقدين لأهم شروط الاستحقاق التي يتحقق بها الإتقان والإحسان والتنمية والتمكين، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الشروط، فذكر على لسان إحدى ابنتي نبي الله شعيب عليه السلام أنها قَالَتْ: ﴿ يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾ [القصص:26]، فذكرت قوته وقدرته الدالة على كفاءته، وأمانته الدالة على استقامته ونبل أخلاقه. وكذلك في قصة نبي الله يوسف عليه السلام عندما رشح نفسه لمهمة التدبير الاقتصادي والمالي لأزمة اجتماعية كانت وشيكة الوقوع بشعب مصر ومن حولها، ﴿ قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾[يوسف:55]، مشيرا إلى الأمانة والعلم كشرطين لازمين لمن سيكلف بإدارة هذه المسؤولية الجسيمة. سابعا: الغش سرطان يعجل بموت المجتمع إذا لم يعالج ان سرطان الغش يمتد إلى كل قطاعات المجتمع فينخر عظامها بقوة، مما يعجل بموت هذا الجسد المريض، لأن الموظفين والحرفيين والتجار وأصحاب الصناعات الذين اعتادوا الغش خلال فترات تعلمهم، كانوا يحملون معهم هذه الأمراض الخبيثة، فسَهُل عليهم استباحة الأمانات، واستحلال الكسب غير المشروع، فقبلوا الرشوة مقابل التزوير والتدليس فيما ائتمنوا عليه. فما هي الأسباب التي تدفع إلى الغش في الامتحان؟ المطلب الثالث: أسباب الغش في الامتحان ودوافع الإقدام عليه لاشك أن الحد من تفاقم هذه الظاهرة المَرَضية وعلاج آثارها الخطيرة والمدمرة، يتوقف ضرورة على معرفة أهم الأسباب التي تدفع المتعلم إلى ممارسة الغش في الامتحانات بشتى أنواعه. ويمكننا التنبيه -في هذا السياق- على أن إلقاء اللوم على جهة معينة كالمتعلم أو الأسرة أو الوسط المدرسي…وتحميلها مسؤولية ما يقع من انحراف أمر مجانب للصواب، وتقزيم للظاهرة، إذ لابد من النظر إلى الموضوع نظرا شموليا يستحضر كل العوامل المتسببة في الأزمة، ويمكن إرجاع أسباب الإقدام على ممارسة الغش في الامتحانات إلى عدة عوامل، منها ما يتعلق بالوسط المدرسي، ومنها ما يرجع إلى أسباب أخرى من خارجه تساهم بدورها في تكريس ظاهرة الغش، ومن ذلك[22]: أولا: طبيعة المنهج التعليمي: ـ وهنا يمكن الحديث عن طرائق التدريس التي تركز على التلقين دون إشراك المتعلم في بناء الدرس والمساهمة فيه. ـ تكليف المتعلم بكثرة الواجبات المرهقة التي تستنزف جهده ووقته، بسبب تغليب مقاربة الكم على الكيف. ـ اكتظاظ الفصول الدراسية، وطول المقرر الدراسي الذي يجعل المدرس يركز على الإلقاء والإملاء دون إشراك المتعلم في بناء عملية التعلم وفق منهج تفاعلي، وإهمال التعلم الذاتي، كل ذلك يجعل المقرر الدراسي عبئا وهَماً شاغلا. ثانيا: طبيعة نظام التقويم التربوي: فأساليب التقويم التقليدية لم تعد ناجعة وفعالة، لأنها غالبا ما تقيس نوعا محددا من الذكاء عند المتعلم، حيث تركز على اختبار المتعلم في الجانب المعرفي (كمطالبته باسترجاع المحفوظ من النصوص والمعارف…)، وإغفال مستويات مهمة من التفكير (كالقدرة على التحليل والتطبيق والتفكير الناقد، التركيب وجوانب أخرى من التفكير…). وبسبب كل ذلك يصبح الامتحان هاجسا مؤرقا للمتعلمين وأسرهم على حد سواء، وسببا من أسباب الخوف والرعب والفشل…لأن فعل التعلم يفتقد إلى التنويع والتجديد، وتغيب فيه المتعة والحافز، مما يدفع المتعلم إلى الغش للحصول على نتائج حسنة إرضاء للوالدين ولو بطرق غير مشروعة. وبهذا يستوي المتعلم الغشاش مع المتعلم قوي الذاكرة، ويرسب المتعلم الذكي الذي لم تسعفه ذاكرته‼ وفي ذلك ما فيه من الظلم وعدم تكافؤ الفرص. ثالثا: تساهل بعض المراقبين لعملية الامتحان في القيام بمسؤوليتهم: ويمكن إرجاع سبب ذلك إلى عوامل عدة منها: ـ ما يرجع إلى خلل تربوي في تصورات بعض العاملين في الحقل التربوي، فمثلا بعض المؤسسات وفي إطار رغبتها في الحصول على شهادة التميز التربوي وجودة التعليم من طرف الوزارة الوصية، تخطط للرفع من عدد الناجحين عن طريق التساهل في المراقبة، فتتجنب الصرامة مما يجعل عملية التقويم تحيد عن هدفها ومقصدها التربوي. ـ ما يرجع إلى البعد الأمني، ففي كثير من الأحيان يتعرض بعض الأساتذة المراقبين لعملية الحراسة للتهديد والتعنيف من قبل التلاميذ أو ذويهم، وتقصير الجهات المسؤولة في التكفل بحمايتهم، يجعلهم لا يعيرون أي اهتمام للمراقبة. ـ ما يرجع إلى مساهمة بعض المسؤولين الإداريين في تمييع عملية المراقبة للامتحان أو مرورها في أجواء نزيهة، فيرون أن الصرامة في المراقبة وإتمام الإجراءات الإدارية في حالة تسجيل “عملية غش” من شأنه أن يمس بسمعة المؤسسة، أو يجعلها عرضة للفحص الإداري من طرف لجان المراقبة؛ مما يدفعهم إلى التواطؤ على إقرار المنكر، وكان الأولى بهم أن يفضحوه بتطبيق القوانين من باب الأمانة والمسؤولية التي أنيطت بهم. رابعا: ضعف الإجراءات القانونية أو شكليتها: فرغم صدور قوانين زاجرة للغش في الامتحانات[23]، إلا أن تفعيلها وتنزيلها على الواقع بقي ضعيفا ونسبيا، وكان الأولى تفعيل هذه الإجراءات الرادعة حتى تتحقق الغاية من وراء تشريعها، وتكون وسيلة ناجعة للحد من هذه الظاهرة. ولعل التهاون في تطبيق هذه العقوبات هو الذي يفسر الجرأة الكبيرة للغشاشين على ممارسة الغش رغم التذكير الدائم بهذه القوانين والعقوبات، كما يفسر إصرارهم على هذا السلوك المشين بلا أدنى شعور بالذنب أو الحرج، تلمس ذلك من خلال جرأة الكثير منهم على التصريح بالغش – عند استجوابهم من طرف بعض المنابر الإعلامية إبان تغطيتها لفترة الامتحانات – وسبهم لمن يقوم بدوره في المراقبة من الأساتذة، بل سب والديه كذلك، معتبرين ذلك حقا مشروعا، وطبيعيا لا معنى لمصادرته أو التهويل من أمره. خامسا: ضعف التوجيه والتحسيس التربوي: فغياب التوجيه التربوي وفق خطط مضبوطة، والقيام بحملات تحسيسية داخل المؤسسات التعليمية بإشراك كل الفاعلين التربويين كجمعيات آباء وأولياء التلاميذ، وجمعيات المجتمع المدني، وتشجيع الاجتهاد والاعتماد على النفس والإبداع عند المتعلم من خلال التحفيز المادي والمعنوي، كل ذلك يسهم في إعداد جيل مجتهد نزيه ينفُر من الغش والتدليس والانتهازية. سادسا: التنشئة الأسرية السلبية: إذ يعتبر نوع التربية التي يتلقاها الأولاد داخل الأسرة – منذ الصغر- عاملا مؤثرا وحاسما في مسارهم التربوي مستقبلا، فالبيئة الأسرية التي تغيب فيها التربية على القيم الإسلامية، والتي تتساهل كثيرا في توجيه أفرادها صوب الأخلاق الحسنة، أو تشجعهم على الغش والتزوير، مُغَلبة المصالح العاجلة، والعقلية النفعية بكل وسيلة كانت، كل ذلك يعزز عند الأولاد قناعات سلبية راسخة بأن الغش هو الطريق المختصر والسهل لتحصيل النجاح، وبلوغ الغايات تحت شعار:”الغاية تبرر الوسيلة” و”من نقل انتقل ومن اعتمد على نفسه بقي في قسمه” أو توظيف بعض القواعد المقاصدية في غير محلها كقاعدة:” الضرورات تبيح المحظورات” وغيرها من الشعارات الغريبة التي لا سند لها. من هنا ندرك بأن ممارسة الغش في الامتحانات لدى المتعلمين ما هو إلا ثمرة مرة الطعم لمُدخَلات سابقة، تلقاها أصحابها في مرحلة مبكرة من حياتهم، خلت من التوجيه التربوي القائم على قيم الأمانة والمسؤولية، وفقه المراقبة، والخشية من الله تعالى الذي حرم الغش باعتباره ظلما وأكلا للحرام. سابعا: التوظيف السلبي لوسائل الإعلام والتكنولوجيات الحديثة: إن مؤسسات الإعلام بكل أنواعها من أشد وسائل التربية خطرا وأبلغها أثرا على الأفراد والمجتمعات، فالإعلام سلاح ذو حدين: إما أن يساهم في القيام برسالته التربوية النبيلة في بناء الأجيال بناء متينا قويا، من خلال ترسيخ قيم الأمانة والنزاهة والكفاءة كمعايير للاستحقاق. وإما أن يتخلف عن صيانة هذه الأمانة فيخونها عن طريق إشاعة الفاحشة، وثقافة الرداءة والمكر والخداع، وشهادة الزور والكذب وتزييف الحقائق، على أساس أنها النموذج المثالي الذي يحقق السعادة والرفاهية للناس. كما تساهم الكثير من وسائل التواصل الاجتماعي ـ في عصرنا ـ في فتح أعين المتعلمين على أحدث وسائل الغش وفنونه وتقنياته[24]. حيث تُوظف هذه الوسائل بقصد سيء في تجنيد عصابات إجرامية ـ تفتقد إلى الضمير الحي والحس التربوي ـ للإجابة على أسئلة الامتحانات مباشرة بعد التوصل بها مصورة بالهاتف، ثم بعثها للطالب الممتحن، وهذا مفهوم خاطئ للتعاون، لأنه إعانة للطالب الكسول الخامل على الباطل، وتشويه للحقائق، وظلم للطالب المجد المثابر. والله تعالى يقول: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [المائدة:2]. وفي هذا السياق نورد كلاما نفيسا للعلامة أبي الحسن الندوي رحمه الله، فعند حديثه عن أهمية التربية والتعليم في حياة الأمم والشعوب لم يغفل رحمه الله ذكر أهمية المؤسسات المشاركة في بناء سلوك الأفراد وتنشئتهم، حيث قال: “… وأشد من ذلك خطرا هو سياسة التربية والإعلام التي لا أداة أقوى تأثيرا أو فعالية منها في صياغة الجيل الصاعد، وتكوين عقليته، ومشاعره، وأخلاقه ومُثُله، فهي المرضعة والحاضنة، وهي المعلمة والمربية، وهي التي تستطيع أن تتخذ من أمة ذات عقائد ومبادئ ومثل أمة جديدة…”[25] ثامنا: اتخاذ الغشاشين قدوة ونموذجا: إن نجاح بعض الغشاشين في الحصول على معدلات عالية بلا استحقاق، يدفع أقرانهم إلى الاقتداء بهذه التجربة الفاشلة لما فيها من نجاح سهل لا جهد فيه ولا مشقة، وإن كان ذلك أمرا شاذا عن المبدأ ومجانبا للصواب. إن كل ما يقال عن الغش في الوسط التعليمي المدرسي أو الجامعي يقال أيضا حول مباريات الترقية المهنية، أو مباريات الاستحقاق للمناصب التي تعلن عنها الدولة بمختلف وزاراتها بقصد التوظيف. فالمبدأ واحد، والنهي عام في كل أنواع الغش والتزوير والتدليس، فكلها طرق غير مشروعة، تهدف إلى تغيير الحقائق وإعطاء صورة غير صادقة ومخالفة للواقع. تاسعا: الدور السلبي الذي تقوم به بعض المكتبات:[26] تساهم الكثير من هذه المكتبات للأسف في انتشار ظاهرة الغش وتفشيها طلبا للربح الحرام، وذلك من خلال قبولها نَسْخَ الدروس للتلاميذ بأشكال صغيرة تساعدهم على ممارسة الغش مع علمها بذلك، وهي آثمة بهذا الفعل، ومساهمة في نشر المنكر الذي أمرنا بتغييره، لقوله صلى الله عليه وسلم: «مَن رَأَى مِنكم مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِع فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِع فَبِقلبه وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ»[27] المطلب الرابع: سبل الوقاية والعلاج: مقترحات حلول ونصل في نهاية هذا المقال ـ بعدما تعرفنا على خطورة هذه الظاهرة على عموم الأمة في الحال والمآل ـ إلى طرح السؤال الملح: ما السبيل إلى علاج ظاهرة الغش في الامتحان؟ وما هي الإجراءات الوقائية الواجب القيام بها حماية للأفراد والمجتمع من آثار الغش المدمرة؟ أولا: التربية الإيمانية: بتربية الناشئة على تقوى الله والخوف منه، وتنمية فقه المراقبة الذاتية لديهم، فإن من أسماء الله تعالى “الرقيب، السميع، البصير، العليم، الخبير…” وكلها دالة على علم الله المحيط بأفعال العباد وما تضمره نفوسهم، وأنه تعالى أحق أن نخافه ونخشاه، وأن نستحيي منه، لأن الموعود بلقاء الله وحسابه يوم القيامة لا يجرؤ على الغش أو التدليس أو المكر، فهو جدير بمحاسبة نفسه على كل أعماله قبل أن يحاسب، وبالتفكر في مآلات وعواقب ما قدمت يداه من خير أو شر، قال سبحانه: ﴿ يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا ﴾ [النبأ:40]، وقال جل جلاله: ﴿ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى*وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى*ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى ﴾ [النجم:39-41]. ولقوة أثر هذه العقيدة في النفس والسلوك فقد أوصى بها لقمان ابنه في سياق تربيته، فقال تعالى على لسانه: ﴿ يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ﴾ [لقمان:16]، فالذي نشأ على هذا النمط من التربية لا يمكنه أن يغش، فهو مستغن عمن يراقبه أو يحرسه لأن مراقبته لذاته أقوى وأشد. بمثل هذا الاحتياط ليوم الحساب ينجو الإنسان ويفلح، وتستقيم أموره كلها، فيسعد في الدنيا بتوفيق الله له، وفي الآخرة بمغفرة الذنوب ودخول الجنة، قال سبحانه: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾[النحل:97]. ثانيا: ضرورة التربية على الأمانة والمسؤولية: وذلك بتذكير الناشئة ـ منذ الصغر ـ بأن ما يقع في هذه الحياة الدنيا إنما هو من صنع أيدينا خيرا كان أو شرا، وأننا مسؤولون عنه لقوله تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الروم:41]، فأعمالنا مهما صغُرَت فإن لها أثرا في حياتنا، وإننا سنجني ثمار مازرعنا من جنسه، فأي بناء للحضارة الإنسانية سنبشر به العالمين في غياب بناء الإنسان الرسالي المسؤول والمدرك لوظيفته الاستخلافية في الوجود. وإنما يقوم بناء هذا النموذج الإنساني الفريد على أساس صلاح قلبه أولا، باعتبار القلب هو المسؤول عن صلاح الإنسان وفساده كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: «أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ »[28]، فالقلب مستودع المسؤولية والمتحمل لها. “ولذا فكل العمليات التربوية التي تروم بناء الإنسان يلزم أن ترتكز على إصلاح الباطن، فتنطلق من النفس الإنسانية لتبصرها بمسؤولياتها، تجاه الله وتجاه ذاتها، وتجاه الناس، وما يترتب عن النجاح أو الإخفاق في ذلك، من سعادة أو شقاء دنيا وأخرى، ثم بعد ذلك تحشد جميع الوسائل التي تؤهلها لحمل المسؤوليات وإبراء الذمة من الواجبات والتبعات”[29] إن هذه الرقابة الداخلية هي الباعث الحقيقي على الاستقامة والإحسان في السلوك “ذلك لأن السلوك البشري السوي الذي ينبني عليه صلاح الفرد والجماعة إذا لم تتلقاه النفس على أنه واجب، ستحاسب عليه حسابا شديدا في العاجل والآجل، فإنها سرعان ما تتهاون في القيام به أو تتملص منه مع أول فرصة سانحة”[30]. فمحاربة الغش بكل أنواعه ـ باعتباره فسادا ـ يقتضي منا تربية أجيالنا على تقدير المسؤوليات، وصون الأمانات بإصلاح نفوس الأفراد أولاً كشرط ضروري لدرء الفساد المستشري داخل المجتمع، قال تعالى في كتابه العزيز: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد:11]. ثالثا: تحسيس التلاميذ وأولياء أمورهم بأهمية عملية التقويم وأهدافها التربوية: والمتمثلة في قياس مستوى المتعلمين على صورته الحقيقية، بغية الوقوف على مدى تحقق الغايات التعليمية المسطرة، ثم التمكن من القيام بالدعم المناسب للمتعثرين من المتعلمين بعد تشخيص الأسباب. رابعا: مساعدة المتعلمين المقبلين على الامتحانبالتركيز على دعمهم نفسيا ومنهجيا: وذلك عن طريق تعليمهم كيفية التعامل مع أسئلة الامتحان، من خلال التدريب الجماعي على إنجاز امتحانات إشهادية سابقة بقصد طمأنتهم، وكذلك الاعتناء الشديد بالجانب النفسي للتلاميذ من خلال تشجيعهم وتعزيز ثقتهم بأنفسهم، وطرد الخوف والرعب الذي ينتابهم خلال فترة الاستعداد أو خلال فترة الامتحان، حتى لا يؤدي ذلك إلى الانهيار والفشل أو التفكير في تجريب أسلوب الغش. خامسا: مراجعة نظام التقويم: وذلك من خلال إعادة النظر في أساليب التقويم السائدة، بالتجديد والابتكار، وتجنب الأسئلة التقليدية التي تركز على الحفظ والاسترجاع للمعارف، والاعتماد بالمقابل على الأسئلة التي تقيس مستويات التفكير الأخرى: كالفهم والتحليل والتطبيق والتركيب والاستنتاج وإبداء الموقف مع التعليل… فلا بد من فسح المجال أمام الطالب لتوظيف ما تعلمه من خلال الإجابة عن أسئلة متنوعة تجعل المجال أمامه واسعا، لأن الأسئلة المباشرة التي تطالب بالجزئيات والمعلومات الدقيقة من شأنها أن تُضيق الأمر على الطالب، مما يدفع إلى التفكير في الغش كسبيل للخلاص. إضافة إلى أن بعض الأنواع من الأسئلة تسهل على الطلاب ممارسة الغش في الاختبارات كمطالبة المتعلم بأن يجيب بنعم أو لا، أو يختار الإجابة الصحيحة، أو يصل بسهم… مما يفتح الباب واسعا أمام الصدفة والمقامرة خصوصا إذا لم يطالب بتعليل جوابه. سادسا: الاجتهاد في ربط التقويم بواقع المتعلم: وذلك من خلال صياغة وضعيات تقويمية قريبة من واقعه اليومي، تسهل على الطالب الممتحن التفاعل والانسجام معها، وتجعله قادرا على المشاركة في إيجاد الحل المناسب، وإبداء رأيه حول المشكل المطروح، موظفا ما تعلمه خلال السنة الدراسية بطريقة لا يشعر معها بضغط أو توتر نفسي، لأن الاختبار في حقيقته وسيلة للقياس وليس غاية في ذاته. لكن للأسف نجد أن التقويم في كثير من الأحيان يخرج عن وظيفته ليصير أداة تتسبب في الخوف والرعب للطالب وأسرته على حد سواء، لتركيزه على “رد البضاعة إلى أهلها ” بلا زيادة أو نقصان، ويعتبر هذا الأسلوب في التقويم أسلوبا مدمرا يقتل الابداع والابتكار، ويعيد إنتاج آلات نسخ جديدة تضاف إلى ما هو موجود في الأسوق. فلا فرق يميز بين طالب يتقن الغش وآخر يتقن الحفظ والاسترجاع ولو بدون فهم. إننا اليوم في أمس الحاجة إلى إعادة نخلِ مناهجنا التعليمية من جذورها، ومساءلتها بقوة عن مخرجاتها وثمارها المشتملة على الكثير من العاهات والإعاقات التي جعلت تعليمنا في ذيل الترتيب العالمي. لابد من مناهج تراعي الفروق بين المتعلمين، وتبني نفسيتهم بناء متينا باحترام عقولهم، واكتشاف قدراتهم الابداعية الكامنة فيهم، وقياس أنواع متعددة من الذكاء لديهم[31]، بمثل هذا الصنيع نستطيع أن نحقق إقلاعا علميا ونهضة حضارية لأمتنا بواسطة أفراد أكفاء مبدعين، اعتادوا منذ صغرهم الاعتماد على أنفسهم، واستشعروا تقدير الجميع لقدراتهم. سابعا: تفعيل التواصل بين الأسرة والمدرسة وجمعية آباء وأولياء التلاميذ: من أجل التعاون على تعزيز القيم التربوية النبيلة عند الأبناء، والتنسيق مع كل الجهات الفاعلة والغيورة داخل المجتمع من أجل محاصرة كل الانحرافات والأخطاء التي تظهر في سلوكهم ومن بينها ظاهرة الغش. ثامنا: تظافر جهود مختلف المؤسسات التربوية المؤثرة في بناء شخصية الأولاد[32]: وذلك عن طريق توحيد خطابها التربوي المؤسس على تعاليم الإسلام ومبادئه العظيمة، بما يشعرهم بحبها لهم، وخوفها على مستقبلهم التربوي والمهني. تاسعا: اعتماد مقاربة الكيف عوض الكم في بناء التعلمات: حتى لا يتسبب ذلك في كره المتعلم للدراسة لكثرة ما يطلب منه، لأن إثقال كاهله بالواجبات يدفعه إلى ممارسة كل طريقة لإلقاء الواجب عنه ولو بطلب النجدة من الآخرين، وهذا كما لا يخفى يخالف ويصادم المقصود التربوي المراد تحصيله من العملية التعليمية، هذه الممارسة التربوية التي يفترض فيها أن تكون ممتعة وجذابة في أساليبها وطرائقها. عاشرا: مشاركة وسائل الإعلام في مساعدة الطلبة خلال عملية الإعداد: عن طريق البرامج الإذاعية والتلفزية[33] التي تعمل على توجيه التلاميذ والإجابة عن استفساراتهم المختلفة معرفيا ومنهجيا، كل ذلك يساهم في تذليل الصعوبات والرفع من جاهزيتهم لاجتياز الاختبارات بنفسية جيدة يغلب عليها التفاؤل وتوقع أحسن النتائج. احدى عشر: جعل اختبارات المراقبة المستمرة على شاكلة الامتحانات الإشهادية: حيث يجب أن تقدم فروض المراقبة المستمرة كصورة مصغرة شبيهة بالاختبارات الرسمية الجهوية والوطنية، حتى يستأنس التلاميذ بأجوائها وظروفها فلا يفاجؤون يوم الاختبار النهائي بصيغة غريبة للتقويم لا عهد لهم بها. اثنا عشر: تشجيع الدراسات والأبحاث التربوية الجادة والمجددة: وذلك بتحفيز المدرسين والباحثين في الحقل التربوي ماديا ومعنويا، وحثهم على التطوير المستمر للمناهج التعليمية بما يتلاءم وحاجيات المتعلمين وواقعهم المتجدد محلا ودوليا، وتنمية الحس الإبداعي/ الابتكاري لديهم سواء على مستوى الممارسة الصفية أو أساليب التقويم والقياس. ثلاثة عشر: توفر الإرادة الصادقة للإصلاح والتغيير لدى جميع المتدخلين في العملية التربوية: باعتبارها شرطا لازما وضروريا لتحقيق المقاصد المرجوة، لأن غياب هذه الإرادة يجعل كل المخططات مهما بلغت تكلفتها المادية والجهود المبذولة فيها حبرا على ورق، وجسدا بلا روح، فالقيم الأخلاقية أساس لكل فلاح ونهضة حضارية. إذا تمكنا من تحقيق هذه المقترحات بإرادة صادقة وعزيمة قوية، استطعنا بلوغ أهدافنا ما دامت سعيا في الخيرات، فلم يبق بعد ذلك إلا تفعيل الإجراءات التنظيمية التأديبية زجرا لكل مستهتر معتد، ومعاد للمنهج المستقيم، ساع إلى نشر الفساد وفتنة العباد، من خلال إصراره على ممارسة الغش وقلب الموازين بكل سبيل، سواء كان طالبا أو مراقبا متساهلا أو إداريا متغاضيا عن منكر أو متورطا في حصوله، ويدخل في الإجراءات التنظيمية كل الأساليب التي تنهجها الإدارة التربوية للتحكم في عملية المراقبة، ضمانا لشروط النزاهة والشفافية، وتحقيقا لتكافؤ الفرص بين المرشحين. خاتمــــــــــة: ـ مكافحة ظاهرة الغش مسؤولية مشتركة بين جميع مكونات المجتمع: إن آفة الغش التي نلمس آثارها الخطيرة والمدمرة في كل مناحي الحياة الانسانية تدفعنا إلى تحمل المسؤولية المشتركة لمعالجة هذه الظاهرة المجتمعية، فمن غير المعقول تحميل طرف معين المسؤولية الكاملة فيما يقع من فساد، لأن المنكرات لا تنتشر وتسود إلا عندما يحصل التواطؤ عليها، ولو بالسكوت عن النهي والإنكار على المفسدين والغشاشين عموما، فالكل مسؤول ومحاسب، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: « أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالْإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ وَعَبْدُ الرَّجُلِ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ»[34]. وإن بناء المجتمع الفاضل المتماسك يتوقف على قوة أجزائه أولا، ثم إحكام بناء هذه الأجزاء في انسجام وتناسق تام. وهذه سمة المجتمع المسلم المؤسس على المبادئ والقيم الإنسانية الرفيعة التي تحفز على كل ما ينتمي إلى دائرة الخير طلبا للفلاح في الدنيا والآخرة. ـ تحقيق التنمية الشاملة وبناء المجتمع الراشد يتوقف ضرورة على بناء الإنسان المستخلف المسؤول: إن بناء العمران وتحقيق التقدم والرقي في كل مجالات الحياة، رهين في التصور الإسلامي ببناء الإنسان المستخلف الذي يدرك جيدا رسالته ومهمته في الوجود، فعندما تستطيع مشاريعنا التربوية تحقيق هذا النموذج المسؤول الأمين عندئذ تحصل البركة في كل سعينا، ونستحق نيل وسام الشهادة على الناس، قال سبحانه: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [ آل عمران:110]. ـ من مقومات النجاح وتحقيق التغيير المنشود تحقيق العدل ومدافعة الظلم: فأي قضية من قضايا الفساد تشكل عائقا في طريق التنمية، وتنتج ظلما بين الناس، تحتاج منا إلى معالجة شمولية تستحضر كل الأبعاد المرتبطة بها، وتستدعي كل السياقات المؤثرة فيها حتى يكون منهجنا في التغيير والإصلاح منصفا وعادلا، عندئذ فقط يُمَكن الله لنا في الأرض، ويحقق لنا السعادة الحقيقية كما وعدنا، قال عز وجل: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا﴾ [النور:55]. وإن من أهم مقومات هذا التمكين وشروطه توطين النفس على الاستقامة على منهج الله تعالى بجلب المصالح وتكثيرها، ودرء المفاسد وتقليلها، صيانة لعهد الإيمان، وتحقيقا لمقام الإحسان. ومن بين التوصيات: ـ على مستوى الأسر: ضرورة تحمل الأسر مسؤوليتها في تربية أبنائها على قيم الأمانة، وغرس مراقبة الله في نفوسهم منذ الصغر، وتحسيسهم المستمر بعاقبة التلبس بالغش في الدنيا والآخرة. ـ على مستوى الجهات الرسمية: ونقصد بذلك قيام كل المسؤولين والقائمين على إعداد القوانين الزاجرة للغشاشين بدورهم المنوط بهم بكل أمانة وإخلاص. ـ على مستوى مؤسسات المجتمع المختلفة: ضرورة تظافر جهود كل مؤسسات المجتمع على اختلاف اهتماماتها كالمسجد والمؤسسات التعليمية ووسائل الإعلام المختلفة… في محاربة هذه الظاهرة المهددة لسلامة المجتمع وتقدمه. وليكن ختام كلامنا رجاء من العلي القدير بأن يسعد قلوبنا بطاعته، وحسن عبادته، ودخول جنته، قال تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل:97]. المصادر والمراجع: ـ القرآن الكريم ـ الطبري محمد بن جرير: جامع البيان في تأويل القرآن، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة الطبعة،1 السنة: 1420 هـ – 2000 م. ـ القرطبي أبو عبد الله: الجامع لأحكام القرآن، تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، دار الكتب المصرية – القاهرة الطبعة 2، السنة: 1384هـ – 1964 م ـ السعدي عبد الرحمن بن ناصر: تفسير السعدي، المسمى: “تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان” تحقيق: عبد الرحمن بن معلا اللويحق، مؤسسة الرسالة الطبعة 1، سنة 1420هـ -2000 م ـ البخاري محمد بن إسماعيل: صحيح البخاري، تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر، دار طوق النجاة الطبعة: 1، السنة 1422هـ ـ مسلم أبو الحسين بن الحجاج بن مسلم: صحيح مسلم، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت ـ النووي أبو زكريا يحيى بن شرف: شرح النووي على مسلم، دار إحياء التراث العربي – بيروت الطبعة: 2، السنة 1972م ـ مجموعة من المؤلفين: المعجم الوسيط، إصدار مجمع اللغة العربية بالقاهرة – دار الدعوة ـ المناوي عبد الرؤوف: التوقيف على مهمات التعاريف، عالم الكتب -القاهرة الطبعة: 1، السنة 1410هـ-1990م ـ الغزالي أبو حامد: المستصفى، دار الكتب العلمية، سنة النشر: 1993م، ط1 ـ الزين محمد بسام رشدي: مدرسة الأنبياء عبر وأضواء، دار الفكر دمشق، سنة 2000م ـ الدكتور محب الدين أحمد أبو صالح: التربية الإسلامية عند العلامة أبي الحسن الندوي، ط1 – دمشق- دار ابن كثير، 2002م. ـ الأحمر عبد السلام: المسؤولية أساس التربية الإسلامية محاولة في التأصيل، سلسلة كتاب تربيتنا العدد 4.الرباط: مطبعة طوب بريس، 1428/2007. ـ د. الكندري لطيفة حسني: دراسة بعنوان: ظاهرة الغش في الاختبارات أسبابها وأشكالها من منظور طلبة كلية التربية الأساسية في دولة الكويت، سنة2010م. ـ السبعاوي فضيلة عرفات: مقال: ” ظاهرة الغش في الامتحانات المدرسية لدى طلبة المرحلة الإعدادية أسبابها وأساليبها وطرق علاجها ” مجلة التربية والعلم، السنة: 2007 المجلد: 14 العدد: 22. ـ د. العزاوي فارس: مقال: “ظاهرة الغش في التعليم: رؤية شرعية”، على الرابط: http://www.alukah.net/sharia/0/22709 ـ الزركوشي نبيل ابراهيم: مقال:” ظاهرة الغش المدرسي: أسبابه وأنواعه ودوافعه”، الحوار المتمدن-العدد: 3995. ـ د. البرجاوي مولاي المصطفى: مقال:” الغش وانحراف التعليم” مجلة الوعي الإسلامي: عدد603. ـ د. عبد المقصود سالم جعفر: مقال:” الذكاءات المتعددة وإسهاماتها في تطوير منهج التربية ” على الرابط التالي http://www.new-educ.com ـ المذكرة الوزارية عدد 16/106 في شأن زجر الغش في الامتحانات المدرسية بقطاع التربية الوطنية: فقد عدد6501 الصادر بالجريدة الرسمية بتاريخ 19 شتنبر 2016م ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ [1]– تجدر الإشارة هنا إلى أن حديثنا حول آفة الغش وإن كان منطلقا في الغالب مما راكمناه من ملاحظات حول هذه الظاهرة في السياق المغربي، بحكم الاشتغال بحقل التربية والتعليم، فإنه يبقى قابلا للتعميم –في الغالب- نظرا للتشابه الكبير في أنظمة التربية والتعليم بالعالم العربي والإسلامي. [2]– من أقوال الشاعر أحمد شوقي [3] – أنظر “المعجم الوسيط“: من إصدارات مجمع اللغة العربية بالقاهرة، دار الدعوة، 2/653. [4] – عبد الرؤوف المناوي: التوقيف على مهمات التعاريف، عالم الكتب -القاهرة، الطبعةالأولى، 1410هـ-1990م، ص 252. [5] – فضيلة عرفات السبعاوي “ظاهرة الغش في الامتحانات المدرسية لدى طلبة المرحلة الإعدادية أسبابها وأساليبها وطرق علاجها“ مجلة التربية والعلم، السنة: 2007 المجلد: 14 العدد: 22 ص 277-278. [6] – لم أقف طويلا عند أشكال وصور الغش في الامتحانات لأن ذلك مما بات معروفا لدى الجميع اليوم، وفصلت فيه الكثير من الدراسات، ولأن مقصودنا من هذا المقال بالدرجة الأولى هو التنبيه على خطورة هذه الآفة على مستقبل الأفراد والمجتمعات على وجه الإجمال. [7]– الويل: الوادي الذي يسيل من صديد أهل جهنم: أنظر: الطبري، جامع البيان في تأويل القرآن، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة الطبعة1 السنة: 1420 هـ – 2000 م، 24/277 [8]– عبد الرحمن بن ناصر السعدي، تفسير السعدي: والمسمى: ” تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان “، تحقيق: عبد الرحمن بن معلا اللويحق، مؤسسة الرسالة الطبعة 1، سنة 1420هـ -2000 م، ص 915 [9] – نفس المصدر والصفحة. [10] – د. فارس العزاوي:”ظاهرة الغش في التعليم: رؤية شرعية “، على الرابط: http://www.alukah.net/sharia/0/22709 [11] – القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، دار الكتب المصرية -القاهرة، الطبعة2، السنة: 1384هـ-1964م، 7/ 248. [12] – محمد بسام رشدي الزين ” مدرسة الأنبياء عبر وأضواء“، دار الفكر دمشق، سنة 2000، ص162 بتصرف. [13] – رواه مسلم في باب: قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا. تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت [14] – صُبرة: أي: الكومة المجموعة من الطعام [15] – أصابته السماء: أي المطر [16] – فليس مني: أي: ليس هو على سنَّتي وطريقتي [17] – رواه مسلم في بَاب: باب فضيلة الإمام العادل، وعقوبة الجائر، والحث على الرفق بالرعية، والنهي عن إدخال المشقة عليهم. [18] – شرح النووي على مسلم، دار إحياء التراث العربي – بيروت الطبعة: 2، السنة 1392هـ -1972م، 2/166 [19] – رواه مسلم في باب: الصِّدْقِ فِي الْبَيْعِ وَالْبَيَانِ [20] – الغزالي أبو حامد: المستصفى، دار الكتب العلمية، سنة النشر: 1993م، ط1، ص:174. [21] – رواه البخاري في باب: مَنْ سُئِلَ عِلْمًا وَهُوَ مُشْتَغِلٌ فِي حَدِيثِهِ فَأَتَمَّ الْحَدِيثَ ثُمَّ أَجَابَ السَّائِلَ. تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر، دار طوق النجاة، الطبعة: 1، السنة 1422هـ [22]– راجع بعض المقالات التي توقفت عند بيان أسباب الغش في الامتحان انطلاقا مما توصلت إليها بعض البحوث والدراسات مثلا: – نبيل ابراهيم الزركوشي: مقال: “ظاهرة الغش المدرسي: أسبابه وأنواعه ودوافعه“، الحوار المتمدن-العدد: 3995 “. – د. مولاي المصطفى البرجاوي: مقال: “الغش وانحراف التعليم“ مجلة الوعي الإسلامي: عدد603 ص70-73. [23] – انظر المذكرة الوزارية عدد 16/106 في شأن زجر الغش في الامتحانات المدرسية بقطاع التربية الوطنية: فقد صدر بالجريدة الرسمية عدد6501 بتاريخ 19 شتنبر 2016 القانون رقم 02.13 المتعلق بزجر الغش في الامتحانات المدرسية، والذي يندرج في إطار ترسيخ الأحكام الدستورية المتعلقة بالمساواة وتكافؤ الفرص والاستحقاق والانصاف من جهة، وتخليق الحياة المدرسية، ومحاربة الممارسات اللامدنية وتكريس النزاهة والشفافية والمصداقية في مجال الامتحانات المدرسية، وكذا تعزيز آليات التصدي للغش من جهة أخرى. [24] – أشارت كثير من الدراسات حول الغش في الامتحانات إلى مجموعة من أساليب الغش وأشكاله والوسائل التي يعتمدها الطلبة في ذلك، ومن بين هذه الدراسات، أنظر: – د. لطيفة حسني الكندري: “ظاهرة الغش في الاختبارات أسبابها وأشكالها من منظور طلبة كلية التربية الأساسية في دولة الكويت“، راجع نتائج الاستبانة المتعلقة بالسؤال الثاني من أسئلة الدراسة، المفصلة في الجدول الرابع، ما أشكال الغش الشائعة بين الطلبة؟ ص22 وما بعدها. سنة2010م [25] – أبو الحسن الندوي: “أسبوعان في المغرب الأقصى” –ط 1- بيروت- مؤسسة الرسالة- 1973م. ص151، نقلا عن كتاب التربية الإسلامية عند العلامة أبي الحسن الندوي، إعداد الدكتور محب الدين أحمد أبو صالح، ط1 – دمشق- دار ابن كثير، 2002م. ص6-7. [26] – تسمى الوراقة: وتقوم ببيع كل ما يتعلق بالكتب والأوراق والأدوات المدرسية وتحترف استنساخ الكتب والدروس للطلبة. [27] – رواه مسلم في صحيحه، باب: بَيَانِ كَوْنِ النَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ مِنْ الْإِيمَانِ وَأَنَّ الْإِيمَانَ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ وَأَنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَاجِبَانِ [28] – رواه البخاري في صحيحه، في كتاب الإيمان، بَابُ فَضْلِ مَنْ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ [29] – الأحمر عبد السلام: “المسؤولية أساس التربية الإسلامية محاولة في التأصيل”،[سلسلة كتاب تربيتنا العدد 4] ص 20. [30] – نفس المرجع والصفحة [31] – نظرية الذكاءات المتعددة: لقد ساهمت هذه النظرية في التخلص من الآثار السلبية للاختبارات التحصيلية، والتي تقوم على أساس استرجاع المعارف في أوراق الاختبارات عبر تقدير حصاد كمي للمعرفة المكتسبة. والانتقال إلى طريقة نوعية تُركز على كيفية اكتساب المعرفة وتوظيفها، وتنمية قدرات المتعلم على تقييم تعلمه (Self Assessment) ذاتيًا باستخدام حقيبة النشاط (Portfolio) على سبيل المثال. وبالإضافة إلى ما سبق؛ فإن نظرية الذكاءات المتعددة تُعد من النظريات التي استجابت لأنواع التقويم الثلاثة: المبدئي الذي ينصب على تحديد المستوى وتقدير الاحتياجات (Initial Assessment)، والمستمر الذي يصاحب العملية التعليمية (Formative Assessment)، والنهائي الذي يُحدد النتيجة النهائية للمتعلم (Summative Assessment)[ راجع في هذا الصدد مقالا للدكتور عبد المقصود سالم جعفر تحت عنوان:” الذكاءات المتعددة وإسهاماتها في تطوير منهج التربية ” على الرابط التالي: http://www.new-educ.com ]. [32] – وعلى رأس هذه المؤسسات: المدرسة والمسجد ومؤسسات الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني بكل تخصصاتها. [33] – كالقناة التلفزية المغربية الرابعة المتخصصة في عرض البرامج التعليمية المدرسية لدعم التلاميذ، وغيرها من المبادرات الجادة في هذا السياق. [34]– رواه البخاري في صحيحه، في بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ).
موضوع نحن في أمس الحاجة إليه خصوصا في هذه الآونة. وقد وفق الدكتور في معالجته له بين ماهو شرعي وقانوني واجتماعي