العلاقات الزوجية في الأسرة العربية بين الثابت والمتحول من خلال كتاب: “حالة الزواج في العالم العربي”
الدكتور محمد إكيج
مقدمة: وتغطي الدراسة كل الدول العربية (22 دولة)؛ مما يدل على غنى الدراسة وثرائها، وتوفير مادة علمية دسمة للتحليل والمقارنة، والتعرف على مختلف التحولات التي مست مؤسسة الزواج في الوطن العربي، مع إمكانية استثمار ذلك في المخططات الاستراتيجية، والسياسات العمومية لكل بلد على حدة. وقد تم إنجاز فصول الدراسة المختلفة من طرف باحثين أكاديميين محليين، (من نفس الدولة) أو إقليميين (من نفس المنطقة الجغرافية: المشرق العربي – المغرب العربي –الخليج العربي….) الشيء الذي يساعد في توفير فهم دقيق لمؤسسة الزواج، من حيث البنية والأعراف والتقاليد المصاحبة والمفاهيم المتداولة، وهو ما أشار إليه التقرير في تقديمه، حيث جاء فيه: “أن كل تقرير يتسم ببصمة لغوية مميزة سواء كانت مشارقية أو خليجية أو مغاربية أو يغلب عليها الطابع المحلي…” (ص 21). واعتمدت الدراسة في مقاربتها لهذا الموضوع – بالإضافة إلى القواسم المشتركة الثقافية والحضارية والدينية واللغوية والاجتماعية للدول العربية- ما يرتبط بالاختلافات القائمة بين هذه الدول، على مستوى البنى السياسية القائمة، ومعدلات التنمية الاقتصادية المتباينة، والمواقع الجغرافية المتقاربة والمتباعدة، وما لها من آثار في تحول أو ثبات مؤسسة الزواج في مختلف الأقطار العربية.. ولقد فتحت الدراسة أعين الباحثين والدارسين، على أنماط متعددة من الزيجات خارج نطاق ما هو قانوني، وخارج حتى ما هو شائع ومتداول مثل الزواج العرفي، حيث أصبحنا أمام علاقات زوجية مستحدثة، ففي الخليج العربي نجد مثلا: زواج المسيار (أو زواج الزيارة) – زواج المسفار. وفي بلدان المغرب العربي نجد: الزواج السري (مجتمع البيضان الموريتاني) – الزواج التبادلي (ليبيا) – وقد أغفل البحث ذكر أنواع أخرى مستحدثة خاصة في المغرب (مثل زواج الكونطرا – والزواج الأبيض والمساكنة الحرة concubinage) وفي دول المشرق العربي نجد: الزواج المؤقت أو المنقطع (لبنان والعراق) – زواج الفصيلة (الزواج لمنع الثأر) – زواج الخطيفة (اختطاف/ هروب المرأة للزواج بها رغما عن أهلها) – الزواج الإلكتروني – الزواج المدني (لبنان) (الحر/ غير شرعي) – وفي اليمن: زواج البدل (أقرب إلى زواج الشغار) – والزواجالسياحي (أثرياء الخليج…)… وعلى الرغم من هذه الإيجابيات التي تسجل عن هذه الدراسة، إلا أنه يلاحظ عليها أنها لم تقم بأبحاث ميدانية مباشرة، وإنما اعتمدت على دراسات وسيطة، أُنجزت من طرف باحثين آخرين، وبالتالي فالنتائج التي انتهت إليها الدراسة لا تمثل وجهة نظر المركز، وإنما تعبر عن رأي أولئك الباحثين بكل ما تحمله من عناصر الموضوعية العلمية، ولكن أيضا لا تخلو من حمولات الذاتية والتحيز… كما لم يتم تتبع نفس القضايا المتعلقة بمؤسسة الزواج، بشكل منسجم بخصوص كل المناطق الجغرافية العربية موضوع الدراسة، (مثلا في موضوع العلاقات الزوجية، وإن كان القاسم المشترك في هذا المحور هو التركيز على موضوع العنف الأسري، إلا أنه تباينت الموضوعات الأخرى في هذا المحور بين موضوعات: التوافق الزواجي، والرضا الزواجي، والطلاق، والأدوار النوعية الجنسية، وتوزيع الأدوار في الأسرة…) وقس على ذلك باقي المحاور، مما يحول دون تكوين رؤية موحدة حول نفس الموضوع، وكيفية تمثله أو حضوره في مجموع الأسر العربية المدروسة. كما يسجل على مكتبة الدراسة، قلة الدراسات باللغة العربية المعتمدة فيها بخصوص الزواج في المغرب، حيث لا تتعدى 9 مراجع (6 منها عبارة عن تقارير إحصائية لوزارة العدل والأسرة والتضامن، والمندوبية السامية للتخطيط) مقابل 11 مرجعا باللغة الفرنسية… مع أن الجامعات المغربية غنية ببحوث الماستر والدكتوراه في هذا الجانب، في مختلف التخصصات الشرعية والقانونية والاجتماعية والنفسية… بالإضافة إلى أن هناك تكرار لبعض المراجع، مع أنها تتعلق بنفس المضمون والجهة التي أنجزتها؛ (مثلا المرجع رقم 21: عشر سنوات على تطبيق مدونة الأسرة: أي تغييرات في تمثلات ومواقف وممارسات المواطنين والمواطنات، تقرير 2016. هو نفسه المشار إليه في المرجع رقم 44: وزارة التضامن والمرأة والأسرة…: عشر سنوات…)، وأيضا الشيء نفسه يقال عن المرجع رقم 35 و36 (المندوبية السامية للتخطيط: البحث الوطني حول انتشار ظاهرة العنف ضد النساء، 2011.) الفرق هو زيادة: 9/2011. وهذا يدل على أن هناك نوعا من التسرع في إنجاز الدراسة، وضعف الضبط والتدقيق في بعض جوانبها.. العلاقات الزوجية في الأسرة العربية من خلال الدراسة: يقصد عموما بموضوع العلاقات الزوجية: ذلك التفاعل الإيجابي أو السلبي الذي يكون بين أفراد الأسرة الواحدة، سواء على المستوى الأفقي (بين الزوجين وعموم أفراد الأسرة من أقارب وأصهار وأبناء…) أو على المستوى العمودي أي بين الزوج والزوجة. وهو مجال لمعرفة مدى تمثل الزوجين لأسس الميثاق الغليظ (المودة والرحمة والمعاشرة بالمعروف والإفضاء النفسي والمادي…)، أو ابتعادهما عن هذه المعاني بسبب التقاليد الموروثة أو القيم الوافدة. أو بعبارة أخرى هي مجال لمعرفة مدى وفاء وقيام الزوجين بالحقوق والواجبات، المتبادلة بينهما داخل مؤسسة الأسرة، أو إجحافهما في حق بعضهما البعض… فهي مرآة عاكسة لمدى استقرار الأسرة أو اضطرابها أو تصدعها وانهيارها؟ كيف تناولت الدراسة موضوع العلاقات الزوجية في الأسرة العربية؟ أفردت الدراسة بابا خاصا لموضوع “العلاقات الزوجية“، وبحثت فيه عدة موضوعات متنوعة ومهمة، وهي كما يلي: 1 – التوافق الزواجي في الأسرة الخليجية (ص 77 إلى ص 82)، وقد أظهرت الدراسات الخليجية التي اعتمدتها الدراسة أن “الأسر الأكثر توافقا هي تلك التي مضى على فترة زواجها أقل من سنة، والأسر التي لا يوجد لديها أطفال، وتلك التي لا تتجاوز فيها فترة عمل المرأة سنة واحدة، والأسرة التي يكون فيها الزوجان من البيئة نفسها، والأزواج الذين تم زواجهم عن طريق الأصدقاء، ثم الاختيار الشخصي، ثم الاختيار عن طريق العائلة، والأسر التي يتميز فيها كلا الزوجين بالنضج الانفعالي، والأسر الأكثر تدينا، والأسر المتميزة بالتوافق الاجتماعي والثقافي في العادات، وبتقارب المستوى التعليمي بين الزوجين…” (ص 83). أما بخصوص العوامل التي تعرقل أو تضعف التوافق الزواجي ووفقا للدراسات الخليجية المعتمدة “فتتمثل في ضعف تديّن الزوج، والخلفية الثقافية التقليدية للزوج، والتفاوت في مستوى الالتزام الخلقي، وإدمان المخدرات، وانحراف الزوج، وكثرة طلبات الزوجة… وانخفاض الوعي الثقافي الأسري لدى الأزواج، وظهور علاقات عاطفية جديدة في حياة أحد الزوجين…” (ص 84). 2 -الرضا الزواجي في الأسرة المغاربية: (من ص 179 إلى ص 181) وقد سجّل التقرير أن مسألة الرضا الزواجي (التراضي) على المستوى المغاربي، أصبحت أمرا شائعا ومسلما به بفعل القوانين الأسرية المعمول بها حاليا حيث “إن نسبة 96% من النساء (المغربيات) عبّرن عن الرضا بخصوص العلاقات الزواجية الحالية، التي تأثرت بالمقتضيات القانونية” (ص180)، إلا أن هذا الرضى يغيب نسبيا مع الفتيات القاصرات حيث إن “حرية اختيار الزوج بالمعنى الكامل للكلمة، لا يعني سوى أقلية صغيرة لا تتجاوز نسبة 30%، أما الأكثرية فيعبّرن عن “رضاهن” تجاه قرار أو مبادرة الآباء” (ص 181). 3 -الرضا العاطفي بين الأزواج في الأسرة اليمنية (ص 511 إلى ص 514). ويقصد به الإشباع العاطفي للرجل والمرأة والتعبير الإيجابي عنه، ووعي المرأة به باعتباره متغيّرا رئيسيا لاستقرار الزواج ومساراته السليمة… وكلما كان طرفا الزواج متفهمين لهذه المسألة ويقدّران أهميتها، انعكس ذلك إيجابا على علاقاتهما بتعزيز استقرارها (ص 512). وتلاحظ الدراسة أن هيمنة القيم التقليدية السلبية في المجتمع اليمني، تجعل الرجل “يرى في المرأة كائنا سلبيا لا تتفاعل عاطفيا إلا عندما يطلب منها، وقد لا تستجيب بالشكل المطلوب لرغباته فتبدأ المشكلات بينهما” (ص 512) وأظهرت دراسات أن “الأزواج اليمنيين لا يهتمون لرغبات زوجاتهم الحميمية.. بل ويلجأون إلى إكراه زوجاتهم على المعاشرة الجنسية” نظرا لافتقارهم للمعرفة الكافية عن الصحة الإنجابية، حيث بلغت النسبة المائوية لجاهليها (92%) (ص 513) كما ربطت بعض الدراسات بين الطلاق والرضا العاطفي في العلاقة الزوجية، حيث أكدت أن ضعف هذا الرضا أو غيابه يسبب في غالب الأحيان “طلاقا فعليا أو طلاقا نفسيا“. وسجلت الدراسة أن هناك توجه ثقافي في المجتمع اليمني، يمثله فقهاء ومتخصصين في المجال النفسي ومدافعين عن حقوق النساء، يحاول إثارة هذا الموضوع في العديد من المنابر الإعلامية من أجل تجاوز الطابوهات التي تحيط بهذا الموضوع في المجتمع اليمني التقليدي. (ص 514). 4- الأدوار النوعية للجنسية داخل الأسرة (ص 389) وتوزيع الأدوار في الأسرة (ص 435)؛ فقد أكدت الدراسة أن الأدوار النوعية في الأسرة العربية، ما تزال تهيمن عليها “السلطة الذكورية”، حيث “ينظر إلى الزوج على أنه ربّ الأسرة والمسؤول الرئيسي عن إعالة الأسرة وتوفير الدخل. كما يتحمل مسؤولية معظم مهام اتخاذ القرار داخل نطاق أسرته. بينما تسند إلى الزوجة مهام الأعمال المنزلية وتربية الأبناء” (ص 390). وترجع الدراسة هذا الوضع القائم في الأسرة العربية إلى “الأدوار الجندرية المحددة” والتي تقوم على أساس “تقسيم الأدوار في الأسرة حسب الجنس”، وأن التنشئة الاجتماعية –خاصة في مرحلة الطفولة- تلعب دورا كبيرا في تكريس هذا التقسيم حيث “تبدأ الأمهات والآباء في معاملة الأولاد والفتيات بطريقة مختلفة، ويشترون لهم ملابس بألوان محددة، ويتوقعون منهم تصرفات معينة، تعكس جنسهم” (ص 437). 5 – العنف الأسري: استأثر هذا الموضوع بحيز كبير من الدراسة (30 صفحة من أصل 50 صفحة المخصصة لمحور العلاقات الزواجية)، حيث تناوله الباحثون باستفاضة، في كل العلاقات الزواجية داخل الأسرة العربية، حيث لاحظوا أن العنف الأسري يحضر بكل أشكاله ومنها: ـ العنف الجسدي (ضرب وجرح متعمد وركل وصفع) ـ العنف اللفظي (شتم – صراخ – استهزاء…) ـ العنف النفسي (الإهانة والحط من الكرامة والإشعار بالدونية والنقص = انطواء – اكتئاب – إحباط – انتحار…) ـ العنف السلطوي (عزل الشريك عن محيطه العائلي وأصدقائه – تشديد الرقابة والترصد – المنع من المساعدة – الحرمان من التعليم – الحرمان من المشاركة في القرارات الأسرية…) ـ العنف الاقتصادي (الحرمان من النفقة – الاستحواذ على الأجر الوظيفي –الاستحواذ على أموال الزوجة – تبديد الممتلكات الأسرية…) ـ العنف الجنسي (الإكراه على الممارسة الجنسية – الإتيان من المناطق المحرمة شرعا – ختان البنات – الزواج القسري -الاغتصاب…) وتوقفت الدراسة عند الأسباب الكامنة وراء استشراء هذه الظاهرة في الأسر العربية، وعزتها إلى عدة أسباب منها: ـ ما هو ديني (سوء فهم النص الشرعي، الذي يقر حق الزوج في تأديب زوجته). ـ ما هو اجتماعي (الإعلاء من شأن الذكورة في المجتمعات العربية) ـ ما هو أعراف وتقاليد متوارثة (ختان النساء والفتيات (40 إلى 65% من النساء في السودان ومصر وبلغت في موريتانيا 71% وتصل في الصومال ما بين 80 إلى 90% وفي جيبوتي 93%) – جرائم الشرف وغسل العار) ـ ما هو مادي اقتصادي (البطالة – الفقر – الهشاشة…) ـ ما هو سياسي (حيث تتعرض الكثير من النساء في جزر القمر، لأشكال من سوء المعاملة والعنف من الأزواج أو أقاربهم، عندما ينخرطن في العمل السياسي دون موافقة أزواجهن (ص327). ـ ما هو تعليمي وثقافي (الأمية الأبجدية – الجهل بالحقوق الشرعية والقانونية- التأثر بقيم الحداثة والتحرر خاصة من طرف النساء، يؤدي إلى الصدام مع العقليات المحافظة…) وإذا كان هذا العنف، لأي سبب من الأسباب المذكورة، غير مبرر في البلدان المغاربية عموما (67.8% من المغاربيين يرفضون تبرير العنف ضد الزوجة)؛ فإن عينات معتبرة من الأسر المشرقية، وخاصة من النساء يقبلن بذلك ويعتبرنه مبررا؛ ففي العراق مثلا أشارت 58% من عينة النساء بعمر 15-49 سنة “بأن لأزواجهن الحق في أن يضربوهن مرة واحدة أو عدة مرات متكررة لسبب واحد أو مجموعة أسباب” (ص 265). كما أن في الأردن “هناك ثقافة عامة بين النساء بقبول العنف من الرجال، حيث أشارت 70% من النساء أنهن يوافقن على تبرير عنف الزوج ضد زوجته إن هي أقامت علاقة مع رجل آخر، أو إذا سبّته، أو إذا لم تُطْعمه، أو تُهمل الأطفال”، و”أشارت ثلث النساء الأردنيات المتزوجات أنهن تعرضن للعنف بدءا من عمر 15 سنة” (ص 266). وتصل نسبة تبرير العنف الممارس ضد الزوج في مصر إلى 37% خاصة من نساء المناطق الريفية (ص 392). ولا ترى 79.1% من المتزوجات اليمنيات العنف الجسدي ولا العنف النفسي كالشتم والاحتقار من قبل الزوج إساءة. وتشير إحصاءات رسمية يمنية إلى أن العديد من النساء يجدن أن الضرب مبرّرٌ في حالات معينة كالخروج دون علم الزوج، ورفض معاشرته جنسيا، وحرق الطعام، ومجادلة الزوج… وأن 37% من الرجال اليمنيين يتفقون في الرأي بأن العنف ضد المرأة مبرّر في حال رفضها لأوامر زوجها (ص 517). ما هو الثابت والمتحول في العلاقات الزوجية داخل الأسرة العربية من خلال هذه الدراسة؟ من خلال قراءة محاور هذا الباب يتبين أن ثمة عدة أمور ماتزال ثابتة وصامدة في بنية العلاقات الزوجية داخل الأسر العربية ومنها على الخصوص: ـ ثبات في اعتبار التدين والالتزام الأخلاقي عاملا مهما في استقرار ونجاح العلاقات الزوجية… ـ ثبات في تقسيم الأدوار في الأسرة العربية القائم على أساس النوع الاجتماعي؛ حيث يتم إسناد الأدوار الخارجية للزوج، وكل الأدوار المنزلية للزوجة، وإن كانت لها أدوار مجتمعية خارج البيت، إذ لا يزال الرجل العربي ينظر إلى الأعمال المنزلية بانتقاص ودونية… ـ ثبات في ممارسة العنف داخل الأسرة العربية على المرأة سواء كانت زوجة أو بنتا أو أختا أو قريبة من القريبات… لكن المفاجئ في الدراسة هو تبرير ممارسة هذا العنف في معظم البلدان العربية –باستثناء المغاربية منها-والصادم أن هذا التبرير صادر من النساء أنفسهن بنسب جد معتبرة!! مما يدل على هيمنة الأعراف والتقاليد المكرسة لهذا السلوك المشين، بالإضافة إلى غياب قوانين تجرّم العنف ضدّ النساء في معظم بلدان الوطن العربي… ـ هيمنة الثقافة التقليدية داخل الأسرة العربية فيما يتعلق بالعلاقات الحميمية بين الزوجين، حيث لا يزال الرجل العربي –عموما- لا يعبّر عن مشاعره العاطفية نحو زوجته، لأنه يرى أو يظنّ أن إظهار تلك العواطف يعد ضعفا أو يقلل من قيمته أمام زوجته!! إلا أنه في مقابل هذه الثوابت اليسيرة، فإن تحولات عميقة ودالة في هذه العلاقات أصبحت واقعا معيشا، ولعل أبرزها يكمن في الآتي: ـ تحول على مستوى اختيار شريك الحياة؛ حيث أصبح يطغى عليه “الاختيار الفردي” بدل “الاختيار العائلي” الذي كان سائدا في عموم البلاد العربية إلى حدود تسعينيات القرن الماضي، مما يدل على تنامي الاستقلالية والفردانية لدى الإنسان العربي عموما ذكرا كان أم أنثى. ـ تحول على مستوى نمط الأسرة المفضل؛ حيث أصبحت الأسرة النووية هي الأصل والأسرة الممتدة استثناء، وهذا راجع إلى ارتفاع نسب التمدن في الوطن العربي وما تطرحه من تحديات بخصوص السكن والمتطلبات المعيشية اليومية… ـ ولوج المرأة لسوق الشغل والعمل أثر نسبيا على استقرار كثير من الأسر العربية خاصة فيما يتعلق بالمسائل المالية للأسرة، وقد صاحب ذلك ظهور عدة مشاكل ترتبط براتب الزوجة واستقلاليتها المالية (الطمع في راتبها – استغلال الراتب – امتناع الزوجة عن الإسهام في نفقات الأسرة…) والتي تفضي في الغالب إلى وقوع الطلاق والتطليق بين الأزواج.. ـ تنامي النزعة الاستهلاكية وازدياد الطلبات المادية للزوجة والأبناء، خاصة فيما له علاقة بالكماليات، وقد كان لهذا المعطى تأثير واضح في استقرار العلاقات الزوجية في بعض الأسر العربية (مثلا في الخليج العربي والدول المغاربية وفي لبنان والأردن ومصر…) ـ تحول فيما يتعلق بعدد الأبناء داخل الأسرة، حيث أصبحت كثير من الأسر العربية تعتبر كثرة عدد الأبناء عاملا سلبيا في نجاح العلاقات الزوجية (تفضيل عدد قليل لا يزيد على 3 أبناء)؛ خلافا لما مضى حيث كان ينظر إلى كثرة الأبناء على أنه مصدر للتفاخر العائلي، أو عامل لزيادة الثروة العائلية… وهذا يدل على أن معدلات الخصوبة في الوطن العربي تتجه نحو الانخفاض تدريجيا وبالتالي تنامي مستويات شيخوخة المجتمعات العربية. ـ التعديلات التي عرفتها بعض قوانين الأسرة العربية –خاصة في البلدان المغاربية-أسهمت بشكل واضح في إعادة صياغة العلاقات الزوجية؛ حيث مكّنت هذه القوانين لمفاهيم المساواة بين الزوجين، والرعاية المشتركة للأسرة، والتشاور في اتخاذ القرارات المصيرية للأبناء، والتوافق على تدبير الخلافات الزوجية، والتراضي لإنهاء العلاقة الزوجية… وعموما فإن العلاقات الزوجية في الأسرة العربية عرفت تغييرات بارزة سواء في مستوياتها الأفقية أو العمودية، وهي مرشحة لمزيد من التحولات كنتيجة مباشرة لتفاعل المجتمعات العربية مع واقع العولمة وتداعياتها على الكثير من البُنى الداخلية التقليدية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية؛ مما يستلزم ضرورة مواكبة هذه التحولات خاصة في جوانبها السلبية المؤثرة على استقرار تلك العلاقات وإيجاد حلول مناسبة لتجاوزها من خلال عمليات التشريعات القانونية المناسبة لها التي من شأنها تحقيق أعلى درجات العدل والإنصاف لكل أطراف تلك العلاقات؛ ولكن أيضا من خلال عمليات التأطير الاستباقية النفسية والاجتماعية بدءا بتأهيل المقبلين والمقبلات على الزواج وتعليمهم الأساليب الكفيلة بالمحافظة على الاستقرار الأسري في إطار مبادئ المودة والرحمة والمعاشرة بالمعروف؛ ومرورا بمصاحبة الأسر الجديدة الناشئة أو حتى الأسر الطويلة أو المتوسطة في أعمارها التي تقع في أزمات عاطفية أو مالية أو نفسية أو سلوكية وتجد صعوبات لتجاوزها أو في كيفية تدبيرها والتعايش معها دون الوصول إلى حافة الانهيار التام؛ وانتهاء بتدبير علاقات أطرافها في حالة فشلها أو انهيارها الكامل وخاصة في حال وجود أبناء يحتاجون للرعاية الوالدية المتكاملة بعد وقوع الفراق بين الزوجين.
قراءة فاحصة و عين مدققة للدكتور محمد إكيج بارك الله فيك، كإضافة لهذا الملخص المميز، يمكن القول بأن الطابع الحقوقي أو الإيديولوجي -بمعناه الواسع- يطغى شيئا ما على منهجية التحليل في الكتاب، بحيث يمكن ملاحظة بعض أحكام القيمة والتي لا تراعي الخصوصية الثقافية والاجتماعية للمجال المدروس،وكمثال على ذلك، يعد انتقاد النِّسب التي أشارت الى أن 70% من النساء يوافقن على تبرير عنف الزوج ضد زوجته إن هي أقامت علاقة مع رجل آخر، أو إذا سبّته، أو إذا لم تُطْعمه، أو تُهمل الأطفال، يفهم منه الدعوة الى خلاف ما تم التوصل إليه من نتائج، وهو ما يصطلح عليه في المجتمعات العربية والإسلامية ب “الديوتية” إذ كيف يمكن لزوج يضبط زوجته في حالة الخيانة العظمى ولا يحرك ساكنا؟؟!!! وغيرها من الأحكام التي قد تتصادم مع التشريع الإسلامي الصريح….
قراءة فاحصة و عين مدققة للدكتور محمد إكيج بارك الله فيك، كإضافة لهذا الملخص المميز، يمكن القول بأن الطابع الحقوقي أو الإيديولوجي -بمعناه الواسع- يطغى شيئا ما على منهجية التحليل في الكتاب، بحيث يمكن ملاحظة بعض أحكام القيمة والتي لا تراعي الخصوصية الثقافية والاجتماعية للمجال المدروس،وكمثال على ذلك، يعد انتقاد النِّسب التي أشارت الى أن 70% من النساء يوافقن على تبرير عنف الزوج ضد زوجته إن هي أقامت علاقة مع رجل آخر، أو إذا سبّته، أو إذا لم تُطْعمه، أو تُهمل الأطفال، يفهم منه الدعوة الى خلاف ما تم التوصل إليه من نتائج، وهو ما يصطلح عليه في المجتمعات العربية والإسلامية ب “الديوتية” إذ كيف يمكن لزوج يضبط زوجته في حالة الخيانة العظمى ولا يحرك ساكنا؟؟!!! وغيرها من الأحكام التي قد تتصادم مع التشريع الإسلامي الصريح….