عنوان أطروحة دكتوراه من إعداد الدكتور سعيد بن الهاشمي لعريض في جامعة محمد الخامس/ الرباط. وتمت المناقشة بتاريخ: الجمعة 23 محرم 1447هـ موافق 18 يوليوز 2025 وتكونت لجنتها على النحو التالي: الرئيس: الدكتورة بثينة الغلبزوري المشرف الأول: الدكتور خالد الصمدي المشرف الثاني: الدكتور سعيد هلاوي المقرر: الدكتور محمد ناصيري المقرر: الدكتورة: بشرى العلام. وكان قرار اللجنة في نهاية المناقشة: منح الباحث درجة الدكتوراه بميزة مشرف جدا مع التوصية بالطبع وتنويه اللجنة. ملخص البحث تسعى الدراسة بالدرجة الأولى إلى اقتراح تصور عملي في بناء المناهج والبرامج؛ باعتماد مداخل جديدة موضوعية قادرة على الاستمداد من القرآن الكريم والسنة النبوية كأصلين رئيسين للسيرة النبوية، وبقية المصادر التبعية الإسلامية والإنسانية، بما يحقق إمدادات البناء الحضاري، والاستخلاف العمراني للمسلمين، ويؤسس لخطاب المشترك الإنساني، يكون عونا على سيادة قيم التعاون والعدل بين المجتمع العربي والمسلم، والمجتمع الغربي، وقادرا على تجديد الوعي بأهمية السيرة النبوية في إحداث تغيير في البنية الفكرية والمعرفية والاجتماعية للمسلمين، وإحداث قطيعة مع النظرة السلبية التي تنظر إليها على أنها مجرد أحداث ومغازي وغزوات، وليست شمائل وأخلاق وقيم قادرة على تأسيس وعي حضاري إنساني مبني على السلم والتعايش، يحترم الخصوصية الثقافية والهوية الحضارية لكل مجتمع. ولتحقيق هذا الوعي فالأمر يتطلب مقاربات تجديدية في عملية بناء المناهج، تعتمد التكامل المعرفي سواء في اختيار المدخل القيمي الحضاري، أو في عملية تجديد مقاصد السيرة النبوية وغاياتها الكبرى، وكفاياتها النوعية، يستجيب لحاجات المتعلم المعرفية والمنهجية والقيمية، آخذة بعين الاعتبار فقه النص وفقه الواقع ليكون التنزيل سليما. كما تسعى الرسالة إلى جعل السيرة النبوية محورية في العملية التعليمية؛ بإفرادها بمنهاج خاص، باعتبارها علما مستقلا كبقية العلوم الشرعية، وليست فرعا من فروع مناهج التربية الإسلامية يجري تصريفها في حصة زمنية بشكل مختزل غير مترابط الحلقات، مما يفوت مقصديتها في التأسي والاقتداء بشخص الرسول صلى الله عليه وسلم، و في صقل شخصية المتعلم لتتوافق مع نهجه عليه السلام، وتسير بهديه وتعاليمه، مما يتيح للمتعلم فرصا ملائمة لنموه نموا متكاملا في جميع نواحي الحياة، فيستطيع نقل القيم القرآنية إلى سلوكات واقعية منضبطة بالهدي القرآني، ومن تمة التكيف مع البيئة الحياتية والمجتمعية التي يعيش فيها، ويسهم في إعادة الدورة الحضارية المفقودة، وفي البناء الحضاري المنشود. والسيرة النبوية في المناهج التعليمية من الموضوعات البكر التي تحتاج إلى مزيد من المدارسة والتأليف، وإلى تخصيصها بمنهاج يبرز دورها في إعادة بناء وعي حضاري، يساهم في تحقيق خيرية الأمة المسلمة، ويزيل عنها النظرة الاختزالية في كثير من جوانبها، التي تصورها في شكل أحداث ووقائع، بعيدة عن تسديدات الوحي، وهي التي تزخر بكثير من العطاءات الربانية، القادرة على تأسيس منظومة كونية، هي المشترك بين بني البشر. وتلك الاختزالية لأحداثها جعلت الخطاب التربوي فيها متعلقا بالجانب التاريخي؛ الذي يؤرخ لحياة النبي عليه السلام من ولادته وخلال ظروف نشأته إلى وفاته عليه أفضل الصلاة والسلام، فغلب التاريخ على السيرة، وغاب فيها شخص رسول الله عليه السلام كبشر﴿قُلِ اِنَّمَا أَنَا بَشَر مِّثْلُكُمْ﴾ [سورة الكهف: 105]، وباعتبار النبي عليه السلام كان ـ ولايزال ـ الأنموذج العملي، والقدوة الحسنة: فهو الرحمة المهداة صلى الله عليه وسلم للعالم كله: ﴿لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِے رَسُولِ اِللَّهِ إِسْوَةٌ حَسَنَة لِّمَن كَانَ يَرْجُواْ اُللَّهَ وَالْيَوْمَ اَلَاخِرَ وَذَكَرَ اَللَّهَ كَثِيرا﴾ [سورة الأحزاب: 21]. والتعريف بمنهج النبي عليه الصلاة والسلام في الحرب والسلم يقتضي بناءَ منهجِ سيري متكامل، يتضمن حياته متسلسلة مترابطة الحلقات، يجري تنزيلها في كتاب خاص بها، لتحقيق مقصِدِيتها في التربية والتهذيب، والتأسي والاقتداء، باعتبار السيرة النبوية هي علمٌ قائمُ الذات، موضوعُها ذات النبي الشريفة عليه الصلاة والسلام ، وليس مادة دراسية تعليمية ضمن بقية المواد الأخرى، التي تنتهي بانتهاء حصصها الزمنية المخصص لها؛ تُروى أحداثها لتُنسى، وتُحكى قصصها لتُطوى، بل علما خاصا كبقية العلوم الشرعية، لها موضوعها ومنهجها وثمرتها المرجوة التي هي الاتساء والاتباع، وهو ما سعينا إلى إبرازه من خلال إخضاع المناهج التعليمية للبلدان الإسلامية موضوع الدراسة الأنموذج: (المملكة المغربية-المملكة العربية السعودية-دولة قطر)، لعملية الفحص والتقويم، مستشرفين منهاجا سيريا تعليميا بديلا، يتغيا تجاوز تلك النظرة الاختزالية للسيرة النبوية، وحصرها في دائرة ضيقة لا تحقق المقاصد المنتظرة منها، مقترحين في ذلك المدخل الموضوعاتي الذي يدمج الثالوث البيداغوجي: المعرفة والمهارة والقيم؛ الذي من شأنه أن يبرز تلك الجوانب الجمالية والإنسانية في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم. من هنا جاء الاهتمام بهذا الموضوع لتحرير تلك النظرة، التي تُبنى عليها بعض المناهج التعليمية في البلاد الإسلامية؛ والتي تختزل السيرة النبوية في جانب الغزوات والوقائع بالرغم من أنها لا تحتل من مساحتها إلا الربع (25%)، في حين الجوانب القيمية الإشراقية، والبلاغات الربانية، والعطايا الإلهية تغطي الحيز الأكبر منها. إن مدة الفترة الدعوية النبوية كانت ثلاثا وعشرين سنة؛ منها ثلاث عشرة في مكة وهي مرحلة البناء العقدي والفكري والنفسي والاجتماعي، حيث كانت التنشئةُ والتزكيةُ والتكوينُ عاملا أساسيا في التربية على القيم الإسلامية النبيلة، التي هي عنوان رسالة الإسلام، وسبيل نفاذه للعقول قبل القلوب، فكانت بذلك مرحلة دعوة وجهاد النفس والتأسيس لركائز الإسلام؛ حيث كان القرآن الكريم دعوة توجيهية تعليمية، والرسول عليه السلام دعوة تطبيقية عملية. في حين شكلت الفترة المدنية مرحلة بناء الدولة الإسلامية، امتزجت فيها الدعوة بالجهاد والمنهج الحركي في تثبيت أركانه، وقد استمرت عشر سنين كان فيها اكتمال الدين الإسلامي. وقد اعتمدت المناهج التعليمية هذا التقسيم الزمني في عرض مرويات السيرة النبوية، بشكل مختزل وتجزيئي لها، ومن غير تحديد مقاصد استدعاء أحداث السيرة، ولا بيان ترابطها ووحدتها النسقية. ويهدف هذا البحث إلى وضع رؤية تصورية، لتجديد بناء المناهج التعليمية للسيرة النبوية وتطويرها وذلك من خلال: 1ـ التعريف بالسيرة النبوية، وبمقاصدها التربوية، والقيمية، والحضارية. 2ـ بيان خصوصية السيرة النبوية ضمن سيرورة الرسالة المحمدية في الشهود الحضاري للأمة المسلمة. 3ـ الوقوف على واقع تدريسية السيرة النبوية من خلال إنجاز دراسة مقارنة للمناهج التعليمية المدرسية لبعض البلدان الإسلامية، من حيث ربط مفاهيم السيرة النبوية وقيمها بالعقيدة الإسلامية، وتنزيلها على واقع المتعلمين ومعرفة المحددات المنهجية والمعرفية لبناء المناهج التعليمية في هذه البلدان. وبيان تعدد المقاربات الإدماجية للسيرة النبوية في هذه المناهج التعليمية، مع تقييمها وتقويمها والخروج بخلاصات في الموضوع. 4ـ اقتراح تصور علمي وبيداغوجي لبناء المناهج التعليمية في عرضها للسيرة النبوية يستجيب لحاجيات المتعلم السيكولوجية والمعرفية، ويساهم في تجديد الخطاب التربوي بما يوافق متطلبات حياته وواقع مجتمعه. 5ـ التمييز بين التأليف في السيرة النبوية للمسلم ولغيره بما يحقق المشترك الإنساني. 6ـ اعتماد مدخل نظرية التكامل المعرفي للسيرة النبوية مع بقية العلوم الشرعية الأخرى، والعلوم الإنسانية في عملية بناء المناهج التعليمية. 7ـ استشراف بديل حضاري للسيرة النبوية في المناهج التعليمية بدمج المعارف والمهارات والقيم مما يحقق الشهود الحضوري للأمة المسلمة.