المنهل الأصفى في شرح ما تمس الحاجة إليه من ألفاظ الشفا

لمحمد بن علي بن أبي الشَّرَف التلمساني المتوفى سنة (921هـ)

من الفصل الخامس عشر من الباب الرابع إلى آخر الكتاب
تقديم وتحقيق
إعداد الطالبة: عائشة أبو عطاء الله

     وهي أطروحة دكتوراه إشراف الدكتور: محمد بوطربوش، بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة ابن طفيل، تاريخ المناقشة: 20 يونيو2022م، الموافق 21 ذو القعدة 1443ه، وتكونت لجنة المناقشة من السادة الأساتذة: الدكتور الحسن العلمي ـ الدكتور سعيد شبارـ الدكتور مولاي عبد الصمد الكلموسي
مقدمة:
     الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخليله وصفوته من خلقه، نبّينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين.
السادة الأساتذة العلماء، أعضاء لجنة المناقشة، الطلبة الباحثون، الحضور الكريم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أما بعد
    يسعدني أن أقف أمامكم، بكل احترام وتقدير لأقدم بين أيديكم تقريرا مركزا عن بحث الدكتوراه في موضوع: المنهل الأصفى في شرح ما تمس الحاجة إليه من ألفاظ الشفا لمحمد بن علي بن أبي الشَّرَف التلمساني المتوفى سنة تسعمائة وواحد وعشرين (921هـ) من الفصل الخامس عشر من الباب الرابع إلى آخر الكتاب -تقديم وتحقيق- تحت إشراف الأستاذ الدكتور سيدي محمد بوطربوش.
    إن من أجمع وأَجلِّ المصنفات التي بحثت في حقوق المصطفى r كتاب الشفا، ولا عجب في ذلك فمصنِّفُه من كبار علماء المغرب وإمَام في عصره، جمع الله  له العلوم ووطأها له؛ فقد برع في الحديث وعلومه، وفي النحو واللغة وأخبار العرب وأيامهم وأنسابهم، حتى قيل: “لولا عِيَاضُ ما ذُكِر المغرب”[1].
     ولما كان هذا الكتاب الفريد والزاد الثمين الذي لا يستغني عنه السائرون على هدي النبي الكريم من النفائس التي تستوجب الملازمة والمدارسة، فقد اشتغل به أهل العلم والطُّلَّاب، تفسيرا وتقريبا للأذهان حتى يصير في متناوَل المقبلين على رياض السيرة العَطِرة والباحثين عن الارتواء من معينها الذي لا ينضب. وعلى هذا السبيلِ سرت، يدفعني شغفي بكتاب الشفا، لعَلِّي أَظفَر منه بنصيب المُقِلَّة، فانطلقت في البحث والتنقيب عن شرح من شروحه يكون مخطوطا، من العُمَد والجوامع يدلني على مشكاة سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، فوقع في يدي إبَّانَ مرحلة البحث والتنقيب في الخزانات الخاصة والعامةِ شرح لابن أبي الشَّرف التِّلِمْساني الموسوم ب”المَنْهَل الأصفى في شرح ما تَمَس الحاجة إليه من ألفاظ الشفا” فقلت في نفسي لعل هذه المخطوطة هي بغيتِي ومناي، فتجشمْت عناء السفر لإحضارها من الخزانة العياشية.
وسأجمل في هذا التقرير المختصر تجربتي في تحقيق هذا العمل والاشتغال عليه لمدة خمس سنوات من خلال النقاط التالية:
أولا: أسباب اختيار الموضوع:
كان الباعث على اختيار الموضوع أموراً أجملها فيما يلي:
أولها: أهمية كتاب الشّفا ومكانته في دراسة سيرة المصطفى r، وتبعا لذلك هذا الشرح موضوع التحقيق؛
ثانيها: ثناء العلماء على هذا الشرح كما ذكر في البحث؛
ثالثها: كونه من أقدم الشروح، فقد أتمّه مُؤَلِّفُه سنة تسعمائة وسبعة عشر917 هجرية؛
رابعها: جمع فيه مؤَلِّفُه العديد مِن الشروحِ السابقة التي لا تزال مخطوطة إلى الآن، بل ومنها المفقود أيضا، ما عدا شرح الشُّمُنِّي ولم يستدل به إلا قليلا؛
خامسها: كونه من أكثر شروح الشفا مادة، وأوسعها مناقشة للقضايا اللغوية والتاريخية والفقهية؛
سادسها: كون الشروح المتأخرة عن هذا الشرح قد طبعت، ولم يُكتَب لهذا الشرحِ، رغم قدمه ونفاسته، أن يحقق ويطبع؛
سابعها: إثراء المكتبة المغربية بإخراج هذا الكتاب؛
لهذه الأسباب والبواعث كلها، ولأهميةِ كتاب ابن أبي الشرف التِّلِمساني رحمه الله، فقد عزمت على تحقيق هذا المخطوط وجعله موضوعا لأطروحتي.
ثانيا: خطة البحث
وقد اقتضى الحال أن تكون خطة هذا التحقيق على النحو التالي:
أولا: المقدمة
ثانيا: قسم التقديم
ثالثا: قسم التحقيق
فأما المقدمة فقد ذكرت فيها أهمية الموضوع وأسباب اختياره، وخطة البحث، وجعلت القسمَ الأول للتقديم ثم خصصت القسم الثاني للنص المحقق.
وللمزيد من التفصيلِ لخطة البحث:
      فقد قمت بتجزيء قسمِ التقديمِ إلى أربعةِ فصولِ: فخصصت الفصل الأول لترجمة المؤلِّف، وجعلته في ستة مباحث: بينت فيها اسمه ونسبه وكنيته، وترجمت لشيوخه، وللإشارة فإني لم أعثر على ذكر لتلاميذِه في كتب التراجم، ثم كشفت عن منزلته العلمية وثناء العلماء عليه، وذكرت مؤلفاته، والاختلاف في سنة وفاته والراجح من تلك الأقوال.
وأما الفصل الثاني: فعرَّفت فيه بالكتابِ موضوع الأطروحة، وجعلته مبحثين: حققت في المبحث الأول اسم الكتاب ونسبته إلى مؤلفه، وفي المبحث الثاني تحدثت عن أهمية الكتاب.
وأما الفصل الثالث: فذكرت فيه المصادر التي اعتمدها المؤلف في شرحه، والمنهج الذي سلكه الشارح ـ رحمه الله ـ في هذا الشرح.
وأما الفصل الرابع: فبينت فيه منهج التحقيق الذي اعتمدته، ووصفت فيه نسخه الخطية المعتمدة.
وأما القسم الثاني: وهو قسم التحقيق، وهو الغاية والمقصد وقد بذلت فيه قصارى جهدي من أجل تقديمه على صورة قريبة من الصورة التي وضعه عليها مؤلفه رحمه الله.
ثالثا: القيمة العلمية للكتاب
وأما قيمته العلمية فيمكن إجمالها في ثلاثة أمور:
أولا ـ أنه شرح لكتاب الشفا للقاضي عياض الذي صار أصلا ومصدرا لمن جاء بعده مِمّن ألَّف في الحقوق النبوية؛
ثانياـ أنه جمع في هذا الشرح بين أربعة شروح لا تزال كُلُّها مخطوطة، وهي “إيضاح اللَّبْس والخفاء في الكشف عن غوامض الشفاء” للإمام عبد اللهِ بنِ أَحْمدَ بنِ سعيدٍ بنٍ يحيى الزموري، و”الغنية الكبرى والوسطى والصغرى” لابن مخلوفٍ الراشدي، و”بَرْحُ الخفا في شرح الشفا” لابن مرزوق.  
ثالثاـ كثرة النقول عنه ممن جاء بعده، سواء من شارحي كتاب الشفا أو من غيرهم؛
رابعاـ ثناء العلماء على هذا الشرح: ومن ذلك ما ذكره مخلوف في “شجرة النور الزكية” قال : “شرحَ الشفا شرحا جيدا أسماه: المنهل الأصفى”[2].
رابعا: المنهج المتبع في تحقيق المخطوط:
 اتبعت الخطوات التالية:
ـ كتابة النص المحقق ومقابلة نسخه، وتخريج أحاديثه وعزو الأقوال والتعريف بالأعلام الواردين في الكتاب، وشرح الألفاظ الغريبة والتعليق ثم الفهارس، وهذا كله على ثلاث مراحل:
1ـ مرحلة كتابة النص المحقق:
ـ حصلت بعد جهد جهيد وأسفار مضنية على أربع نسخ من مخطوطة “المَنْهَلِ الأَصْفَى”، ومع الاستشارة مع المشرف جزاه الله خيرا تبين لي أن أجودها ثلاث وهي التي اعتمدت في هذا التحقيق وأعرضت عن واحدة منها لرداءتها، وهذه النسخ هي كما يلي:
النسخة الأولى: وهي نسخة خزانة الزاوية العياشية، وقد رمزت لها بالحرف (أ)، وهي النسخة الأقدم حيث كتبت سنة إحدى وسبعين وتسعمائة، ولذلك اعتمدتها أصلا، وهي نسخة مُقَابَلَة على أصل منقول من مُسْوَدّة المؤلف، وناسخها من شيوخ المالكية في عصره.
والنسخة الثانية: وهي نسخة الخزانة الحسنية، رمزت لها بالحرف (ب).
والنسخة الثالثة: نسخة المسجد النبوي، ورمزت لها بحرف (د).
ـ كتبت النص من النسخة الأقدم والتي رمزت لها بحرف (أ) وفقا لقواعد الرسم الإملائي الحديث وقمت بضبطه وترقيمه قدر المستطاع، وأدخلت تصحيحات الناسخ التي على الحواشي في صلب المتن.
كما أنني قمت بوضع كلماتِ وعباراتِ متن الشفا في أول السطر مع توضيحه باللون الأسود الداكن وتشكيلِها، وهذا كله إنما هو محاولة مني لإخراج النص كما وضعه صاحبه دون تغيير أو تبديل.
2ـ مرحلة مقابلة النُّسَخ:
ـ قمت بمقابلة النسخ الخطية المعتمدة بعضِها ببعض، سالكة مسلك التلفيق بينها، باعتماد الصواب من أي النُّسَخ كان، فإذا كان ما في الأصل صحيحا أثبته في المتن، وأضع ما يخالفه في الهوامش، مع ذكر النُّسَخ التي ورد فيها خلاف ذلك، وفي بعض الأحيان أجد ما ورد في النسخة الأصل خطأ، فأصححه من النسخ الأخرى، وهذا قليل جدا، وأضع ما دون ذلك في الهامش.
أما في حالة السقط فأتبع الخطوات التالية: إذا كان السقط في الأصل أثبته من النسخ الأخرى وأشير في الهامش إلى ذلك، أما إذا كان من النسخ الأخرى فإن كان كلمة واحدة وضعت فوقه رقما، وأشرت في الهامش إلى النسخة التي حصل فيها السَّقط، أما إذا كان عبارات أو فقرات أو جملا، فأضع الكلام الذي سقط بين قوسين، وأنبه عليه في الهامش وأحدد النسخة التي حصل فيها ذلك السقط.
3ـ مرحلة التحقيق والتوثيق:
وبعد الانتهاء من مقابلة النُّسَخ شرعت في التحقيق والتوثيق، متبعة المَنْهجَ الآتي:
أولا ـ كتبت الآيات بالرسم العثماني معتمدة رواية ورش عن نافعٍ، وبينت محلها من السور مع ذكر رقم الآية؛
ثانياـ خرجت الأحاديث والآثار، فما كان في الصحيحين أو في أحدهما اكتفيت بالعزو إليه، وإن لم يكن فيهما أو في أحدهما، طلبتُه في مظانه، مع بيان درجته صحَة وضَعْفاَ ما أمكنني ذلك، معتمدة في ذلك أقوال العلماء من غير إطالة؛
ثالثاـ إذا كان الحديث في الكتب الستة خرجته بذكر الكتاب والباب ورقم الحديث، فإن كان في غيرهم فأذكر رقم الجزء والصفحة ورقم الحديث إن وجد؛
رابعاـ خصصت ترجمة موجزة لكل علم من الأئمة الأعلام ورواة الأحاديث المذكورين، وهذه الترجمة تشتمل على اسمِ العلم، وكنيته، وتاريخ وفاته بالسنة الهجرية؛
خامساـ اكتفيت بالترجمة للعَلَم عند ذكره أول مرة، وعدم الإشارة إليه مرة أخرى؛
سادساـ نسبت الأبيات الشعرية الواردة في المتن إلى أصحابها مع الإشارة إلى المصدر أو الديوان الشعري، وبيان مناسبة البيت إن أمكن ذلك، مع ذكر نوع البحر الشعري؛
سابعاـ قمت بضبط الأحاديثِ والأبيات الشعرية بالشكل لإزالة أي لبس فيها؛
ثامناـ شرحتُ الكلمات الغريبة بالرجوع إلى مصنفات الغريب، ومعاجم اللغة؛
تاسعا ـ أحيل إلى كتب اللغة بذكر المادة؛
عاشراـ عرفت بالأماكن الواردة في الكتاب ما استطعت إلى ذلك سبيلا؛
إحدى عشرـ قمت بالتعليق على بعض الاختيارات اللغوية للمؤلف من غير إطالة؛
اثنا عشرـ وضعت حاصرتين على الكلام المضافِ من المصادر التي نقل عنها المؤلف، سواء كان سقطا أو تصويبا أو بياضا، ونبهت عليه في الهامش؛
ثلاثة عشرـ وثقت الأقوال والنقول الواردةَ في النص من مصادرها الأصلية بقدر الإمكان، أو بالواسطة عند التعذر.
وأخيراـ وضعت فهارس عامة للكتاب اشتملت على:
1ـ فهرس الآيات؛
2ـ فهرس الأحاديث؛
3ـ فهرس الأماكن والبلدان؛
4ـ فهرس الأشعار؛
5ـ فهرس المصادر والمراجع؛
6ـ فهرس الموضوعات.
خامسا: عوائق وصعوبات البحث
يمكن إجمالها فيما يلي:
أولا ـ قلة المصادرِ التي ترجمت لابن أبي الشرف التلمساني؛
ثانياـ شح الأخبار التي أوردها الذين ترجموا له؛
ثالثاـ اضطررت للسفر مرتين إلى الخزانة العياشية بإقليم ميدلت نظرا لمنعهم التصوير بتقنية الماسح الضوئي، مما جعل كثيرا من الصور التي أخذتها بهاتفي غير واضحة وغير مقروءة، فتجشمت عناء السفر مرة أخرى لتصويرها، ولا يخفى عليكم طول المسافة بين الرباط وهذه الخزانة، بغض النظر عن صعوبات ولوج الخزانات الخاصة وما يصاحبه من إجراءات مشددة؛
رابعاـ وجود نسخ من المخطوط في مكتبات متفرقة خارج المغرب مما اضطرني إلى مراسلة هذه المكتبات مرارا وتكرارا للحصول على نسخ المخطوط، فمنهم من استجاب لمراسلتي فجزاهم الله عني وعن العلم خير الجزاء، ومنهم من لم يجبني إلى حد الآن؛
خامسا ـ وجدت عنتا ومشقة في الحصول على بعض الكتب التي اعتمدها المؤلف، فكنت أراسل محققيها للحصول على بعض المعلومات منها، خصوصا وأنها لا تتوفر في الخزانات العامة في المغرب، هذه الأخيرةَ التي كانت مغلقةً بسبب وباء كرونا ولم تفتحْ أبوابها إلا في الشهور الأخيرة من إنجاز هذا البحث، وحتى في المكتبات الخاصة، وفي بعض الأحيان كنت أراسل دور النشر خارج المغرب قصد الحصول على نسخة من كتاب معين؛
سادسا ـ تشابه بعض الأعلام، خاصة عندما يذكر المؤلف النسبة فقط أو اسم العلم مجردا، فكان يتطلب مني هذا التدقيق والتمحيص وإمعان النظر؛
وأخيراـ ندرة التراجم لبعض الأعلام الذين ذكرهم ابن أبي الشرف التلمساني رحمه الله.
     هذا وأحمد الله وأشكره إذ كان منه العون على إتمام هذه الرسالة وتسهيل صعوباتها وتذليل معوِّقاتها إلى أن أَينعت ثمارها، فإن كنت قد رزقت شيئا من التوفيق والقبول فذلك من فضل الله وله الحمد من قبل ومن بعد، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب، ولا أَدَّعِي الكمال في بحثي وإنما أتمثل قول الشاعر:
وإنْ تَجِدْ عَيْباً فَسُدَّ الخَلَلَا *** جَلَّ مَنْ لَا عَيْبَ فِيهِ وعَلَا
هذا وأستغفر الله من كل خطأ وزلل، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] – ينظر فهرس الفهارس (2/800).
[2] – شجرة النور الزكية (1/400).

Print Friendly, PDF & Email

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى