الخلاف الفقهي وطرق تدبيره
أولا: تقديم المحاضرة الأستاذعبد السلام محمد الأحمر
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على النبي الكريم، وعلى آله وصحبه الميامين.
بداية أرحب بمن يتابعنا عن قرب وعن بعد، ونسعد الليلة بهذه المحاضرة، التي تبحث موضوعا عظيم الفائدة، وهو موضوع الخلاف، والذي لا تخفى أهميته في مجال الفقه على وجه الخصوص، وفي مجال الفكر والعلم على وجه العموم، بل لا نعدو الحقيقة إذا قلنا بأن الاختلاف سنة كونية، تنتظم جميع ما في الكون من كائنات ومخلوقات مختلفة.
ويبدو ان الله تعالى عندما جعل الاختلاف سنة مطردة، تمتد من مجال المخلوقات لتشمل مجال المعلومات والمعارف، اقتضت حكمته سبحانه أن يكون أساسا للخلاف الملاحظ بين الناس في الفهم والمعرفة والفقه، والذي صار أصلا في الاختلاف أيضا بين الناس في السلوك والتصور والمواقف، مما يجعل الاختلاف المعاين في واقع الحياة، مجالا واسعا لابتلاء الإنسان بممارسة الخلاف مع غيره في النظر والتفكير، فيصيب أحيانا و يخطئ أحيانا، وقد يسعى في طلب الحق أو يميل مع الهوى، بما يعني أن الخلاف بين البشر عموما يعد من صميم ممارسة الاستخلاف في الأرض، وتحمل أمانة التفكير والتقدير والعدل، ومقاربة الحقيقة والترجيح والتسديد.
وقد قرر الله هذه السنة الإلهية العامة من خلال آيات القرآن الكريم، منها قوله تعالى:
1ـ {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [البقرة: 213].
2ـ {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} [هود: 118، 119].
فكلام الوحي بطبعه مميز للنفوس، ومثير للاختلاف بين من تطلب الحق وتحرص على معرفته، لالتزام بمقتضياته العملية والتخلقية، ومن ترفضه وتعترض عليه وتنساق وراء الباطل وتفتتن به.
وأهل الحق أنفسهم قد يظهر بينهم خلاف تنوع وتكامل، أكثر من خلاف تضاد وتنازع. ويرجع السبب في هذا النوع من الخلاف، إلى الاختلاف في العقول والمدارك والقدرات والمواهب، التي فطر الله عليها النفوس بأقدار متفاوتة، بحيث تقارب كل نفس الحقيقة بخلاف ما تقاربها به نفوس غيرها. وكل نفس في أحوال كثيرة تكون معذورة فيما وصلت إليه من الفهم والإدراك، ولا تأثم إلا عندما تقصر في طلب الحق، أو تتعرف عليه فتحيد عنه بغيا وعنادا.
إن الحق واحد لكن مقارباته من العقول المتعددة تكون في الغالب متعددة ومتفاوتة في درجات الصواب، وليس كل من يستفرغ الوسع ويبذل الجهد المضني في تحصيل العلوم والمعارف النافعة، سيوصله ذلك إلى الحق المطلق في كل دقائقه وتفاصيله، وإنما يوصله إلى إحدى درجاته التي ينتفع بها على المستوى الفردي، ويساهم بها مع غيره ممن له همة مماثلة، في بناء الصواب وتكثيره، وتقليل الخطإ وتهوينه.
ولتنويرنا في هذا الموضوع المثير للجدل قديما وحديثا، استدعينا أحد فرسان هذا الميدان؛ وهو فضيلة الأستاذ الدكتور محمد بلحسان، الذي مارس فيه التكوين والتأطير والتأليف لما يقارب عقدين من الزمن، كما هو واضح من سيرته الذاتية التالية:
العمل والشواهد العلمية:
ـ أستاذ التعليم العالي في الدراسات الإسلامية، بجامعة ابن طفيل من سنة 1414/ 1994
ـ حاصل على شهادة الإجازة من كلية الشريعة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة سنة 1409/ 1989.
ـ وحاصل على دبلوم الدراسات العليا (الماجستير) ودكتوراه الدولة في الفقه الإسلامي من جامعة محمد الخامس بالرباط سنة 1423/2003.
ـ مؤسس ومنسق ماستر الاختلاف في العلوم الشرعية سابقا
ـ رئيس شعبة الدراسات الإسلامية سابقا
ـ عضو بمجلس الكلية وعضو بمجلس الجامعة سابقا.
له عدة مؤلفات:
ـ فقه الإيمان وتزكية النفوس
ـ دراسة وتحقيق لكتاب التنبيه على مبادئ التوجيه لابن بشير [ قسم العبادات]
ـ معالم في البحث والتأليف
ـ الخلاف الفقهي قواعد دراسته وطرق تدبيره
ـ تعارض النصوص وأثره في اختلاف الفقهاء
ـ ومضات الرجاء والبعث المنشود
ـ من الجهاد والكفاح إلى البناء والإصلاح سيرة الأستاذ المصلح الحاج محمد بن الحسن
أما فيما يخص الأنشطة الموازية:
ـ رئيس جمعية المعهد المغربي للدراسات والتنمية
ـ خبير محكم لدى عدة هيئات علمية ومجلات وطنية ودولية
ـ مشارك ومنظم لعدة تظاهرات علمية وطنية ودولية.
ـ عضو هيأة الاستشارة والتحكيم، بموقع مركز الأمانة للأبحاث والدراسات العلمية في مجال الفقه.
ثانيا: نص المحاضرة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وإمام المرسلين
وبعد، فإن الخلاف بين الناس عموما في آرائهم وأفكارهم وتقديراتهم واجتهاداتهم أمر جبلي تقتضيه الطبيعة البشرية، فالناس مختلفون في قدراتهم العقلية، وطبائعهم التربوية، وتكويناتهم العلمية، فمن الطبيعي أن ينتج عن هذا اختلافهم في الآراء، والتصورات، والتقديرات، وغيرها.
والفقه لم يشذ عن هذه السنة الكونية، فقد وقع فيه الخلاف للأسباب السالفة الذكر، ولأسباب ذاتية خاصة به، كالاختلاف في بعض الأدلة الكلية، مثل: القياس، والاستحسان، والمصالح المرسلة، وشرع من قبلنا… والاختلاف كذلك في فهم بعض النصوص الشرعية التي تستنبط منها الأحكام؛ وذلك لتضمنها بعض الألفاظ المشتركة بين معان متعددة، وألفاظ مجملة، أو عامة، أو خاصة، أو مطلقة، أو مقيدة، إلى غير ذلك من الأسباب المبسوطة في كتب أسباب اختلاف الفقهاء.
لأجل ذلك ظهر الاختلاف الفقهي في الصدر الأول للإسلام، فقد اختلف الصحابة رضي الله عنهم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يرفع خلافهم بالرجوع إليه صلى الله عليه وسلم، وبعد وفاته عليه السلام، تشعب الاختلاف، فتعددت الآراء الفقهية، وتنوعت المناهج الاجتهادية في عهد الصحابة والتابعين.
وكان لاختلاف الصحابة ومن بعدهم الأثر في تأسيس مدارس فقهية، كانت هذه المدارس النواة الأولى للمذاهب الفقهية.
وقد تعددت هذه المذاهب، وتناسلت، وتباينت مناهجها، واختلفت أصولها، وقواعدها، فضلا عن فروعها، وجزئيات مسائلها، ثم ما لبثت هذه المذهب أن دب إليها الخلاف، فصار في كل مذهب مدارس، لكل مدرسة خصوصياتها العلمية، ورجالها وأعلامها، ومناهجها في الاختيار والترجيح والتخريج، فأصبحنا نجد في المذهب الواحد أقوالا كثيرة في المسألة الواحدة، وأصبح لدينا نوعان من الخلاف، خلاف بين المذاهب، اصطلح على تسميته بـ:«الخلاف العالي، أو: الخلاف الكبير»، وخلاف داخل المذاهب، اصطلح على تسميته بـ:«الخلاف النازل، أو: الخلاف الصغير».
وقد كان هذا الخلاف كفيلا بالقضاء على الفقه الإسلامي، وإصابة الحضارة الإسلامية عموما بمقاتلها، لكن، بحمد الله، لم تصب الأمة ولا فقهها بأذى من ذلك، وقد استطاع الفقه الإسلامي أن يستمر حيا نابضا مهيمنا على الحياة، ضابطا لأفعال المكلفين، جالبا للسعادة في الدارين، يوجه ويؤطر الواقع المعيش، والظروف المحتفة به، سواء على مستوى الأفراد والأسر، أو الجماعات والدول، أو المؤسسات، والشركات، كل يجد فيه ما يصلح حاله، ويحفظ مآله.
تحاكم إليه المسلمون عند النزاع، فرفع خلافَهم، وفض خصامهم، ورجعوا إليه في معضلاتهم وشدائدهم، فوجدوا فيه الهدى، والرشاد، والحكمة، والسداد.
وكل هذا يدل على أن الخلاف الفقهي لم يكن يوما ما عائقا، ولا مانعا من استمرار هذا العلم في أداء دوره المنوط به.
وما كان للفقه الإسلامي أن يصل لهذا المستوى من النضج والكمال والقدرة على أداء هذا الدور الأساسي والمحوري في سياسة الأمة وتنظيمها ـ رغم الخلاف الذي وقع فيه ـ لو لم تكن له قواعد وأصول ترفع الخلاف أو تقلله، وتبين ما به الفتوى والعمل، وتميز القول المعتبر من غيره، فيختار الفقيه على ضوء تلك القواعد القول الأصلح والأنسب للنازلة، فلا تختلط عليه الأقوال، ولا تلتبس عليه المسائل.
وبذلك انقلب «الخلاف الفقهي» من عائق يكبح تقدم الأمة ويعرقل ازْدِهَارها ورقيها، إلى محفز على النمو والرفعة، وتحول من عبء على كاهل الفقيه، إلى ثراء وغنى يجد فيه الفقيه فسحة وسعة في الأقوال ومرونة في الأحكام.
أولا: أهمية تدبير الخلاف الفقهي:
ومما يزيد من أهمية الحديث عن تدبير الخلاف ومشروعية التنقيب فيه ما نراه من صراع وتطاحن يطفو من حين لآخر على السطح نتيجة عدم الإلمام بطبيعة الخلاف الفقهي، وسر وجوده، وقواعد تدبيره، وأدب الخوض فيه، فيقع التفسيق والتبديع، والحكم على تصرف أو عبادة المخالف بالبطلان، فتنشأ الخصومات والنزاعات، وتدب الشحناء بين العوام وأشباههم بسب الطريقة المعوجة للتعامل مع الخلاف، ولو أننا ارتقينا قليلا إلى مستوى الأئمة الكبار، والجهابذة الأعلام، المدركين لحقيقة الخلاف، ما وصلنا إلى ما وصلنا إليه.
فالإمام أحمد بن حنبل رحمه الله يرى الوضوء من الرٌعاف والحجامة، فقيل له: فإن كان الإمام قد خرج منه الدم، ولم يتوضأ، هل يصلى خلفه؟ فقال: «كيف لا أصلي خلف الإمام مالك، وسعيد بن المسيب»[1]
والإمام الشافعي رحمه الله يرى القنوت في صلاة الصبح من السنن المؤكدة، فلما صلى في مسجد أبي حنيفة ببغداد لم يقنت، فلما سئل عن ذلك، قال: أدبا مع صاحب هذا القبر، وكان القبر قريبا من المسجد، وفي رواية: «أخالفه وأنا في حضرته»؟[2]
هذا وغيره يعطي المشروعية للحديث عن تدبير الخلاف، بل يجعله من الأمور المهمة.
ثانيا: تعريف: تدبير الاختلاف في الاصطلاح الفقهي العام
هذا المصطلح بهذا التركيب لم يعرفه الأقدمون، وقد يكون عرفه بعض المعاصرين لكن لم أقف على تعاريفهم، لذلك اجتهدت في وضع تعريف له ينسجم مع ما أقصده في هذه الكلمة، فقلت:
هو «اجتهاد من فقيه غايته تسوية الخلاف الفقهي برفعه، أو تقليله، جلبا للمصالح، ودفعا للمفاسد، والوصول إلى الائتلاف، والاتفاق، وتقليل النزاع».
ثالثا: أقسام تدبير الخلاف الفقهي:
والمتأمل فيه يجد أنه ينقسم إلى قسمين: تدبير كلي، وتدبير جزئي، فنشتغل إن شاء الله على التدبير الفقهي وفق هذه القسمة، ولنبدأ بالتدبير الكلي:
1-تعريف التدبير الكلي:
التدبير الكلي: هو التزام منهج علمي يحل به جل الخلاف الفقهي المعتبر، ويُفض به النزاع، أو يُقلل.
أقسام التدبير الكلي
ينقسم التدبير الكلي إلى قسمين: تدبير كلي تلقائي، وتدبير كلي اختياري.
أ ـ التدبير الكلي التلقائي: «اشتهار وانتشار المذاهب الأربعة، وأفول غيرها»
لقد ظهر الخلاف الفقهي زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يرفع بالرجوع إليه، وبعد وفاته صلى الله عليه وسلم كثر الخلاف بين الصحابة، ثم ازداد كثرة زمن التابعين، وما أن بلغت الأمة زمن تابعي التابعين حتى أصبح لدينا عشرات المجتهدين، لكل واحد منهم آراؤه وتلامذته وأتباعه، يعملون بأقواله، وينشرونها بين الناس، فتكونت لدينا مادة فقهية غزيرة، وتراكمت أقوال فقهية كثيرة، أسهمت في توسع الخلاف وتضخمه، فأصبح من العسير ضبط الفقه واستحضار فروعه، فضلا عن الإحاطة به، فكان لا بد من مخرج ينقذ الفقه من هذا التضخم المعيق للاستفادة منه، فوجد المخرج بطريقة عفوية وتلقائية، وبدون تخطيط مسبق، ولا تدخل من أحد، فقد رشحت المذاهب الأربعة المعروفة، وطفت في الساحة العلمية، واكتسحت العالم الإسلامي، وأصبح الناس يدورون في فلكها، وكل ذلك حصل بسلاسة وعفوية.
وأقصد بـ:«العفوية والتلقائية»، أنه لم يقرر أحد ما إبقاء هذه المذاهب الأربعة، وإقصاء غيرها، وإنما حصل ذلك بدون إلزام، ولا إكراه.
ومما يدل على ذاتية انقراض بعض المذاهب واستمرار بعضها، ما روي عن رفض الإمام مالك لمحاولة أبي جعفر المنصور التدخل في هذا المجال بفرض الموطأ على كافة البلدان، ويؤكد هذا كذلك فشل دولة الموحدين ببلاد المغرب في فرض المذهب الظاهري، والرقي به إلى مصاف المذاهب العامة، فرغم إقدامهم على فعل ذلك، فقد فشلوا في إلزام الناس به، لعدم امتلاك المذهب الظاهري مقومات القابلية للتطبيق والاستمرار.
ب ـ التدبير الكلي الاختياري
بعدما استتب الوضع واستقر لصالح المذاهب الأربعة، واتضحت مناهجها، واكتمل بناء قواعدها وأصولها، وانتزعت الاعتراف الرسمي من مؤسسات الدولة، وأصبح القضاء والإفتاء والحسبة والعبادات الجماعية تؤدى على منهجها ووفق هديها، وصارت لها مدارس وأوقاف… أصبح الخلاف محصورا بينها، ومقصورا عليها، وما سواها من المذاهب منضو تحتها، فصار الناس لا يخرجون في اختيارهم عن المذاهب الأربعة، ينتسبون إلى واحد منها، يلتزمون باتباعه والتقيد بأحكامه، والتفقه على منهجه، ووفق منظومته الفكرية والعلمية.
وبهذا لم يعد من التزم بمذهب معين ملزما بأقوال غير مذهبه في الجملة، ولم يعد الخلاف الفقهي يعكر أو يكدر عليه صفاء المحجة البيضاء التي تركنا عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يزيغ عنها إلا هالك…
فباختيار المسلم لمذهب من هذه المذاهب الأربعة السنية المنبثقة من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تبرأ ذمته، ويتخلص من الأقوال المخالفة لمذهبه إلا في النادر القليل جدا.
وهكذا يتم تدبير آلاف المسائل الفقهية دفعة واحدة، فالانتساب إلى مذهب معين يحرر صاحبه من أقوال غيره؛ لأجل ذلك سميناه تدبيرا كليا.
والفرق بينه وبين سابقه، هو: أن الشخص هنا تدخل واختار مذهبا معينا، وتحرر من الباقي، أما التدبير الأول فكان تلقائيا وعفويا.
فالالتزام بمنهج علمي، وتبني مدرسة فقهية، والتقيد بأصولها وقواعدها يفض النزاع، ويقلل الخلاف، ويوصل في كثير من الأحيان إلى الائتلاف والاتفاق بين أصحاب ذلك المذهب، وهذا جوهر وهدف تدبير الخلاف.
ولا بد من الإشارة هنا إلى أنه بالالتزام المذهبي تحققت نقلة نوعية في تاريخ الفقه الإسلامي، حيث ترقى الناس من اتباع وتقليد الرجال إلى اتباع وتقليد المناهج، فصارت المفاضلة بين المناهج بدل المفاضلة بين الأشخاص، وأصبح التحاكم إلى المناهج بدل التحاكم إلى الرجال، وكل هذا بسبب نضج المنهج العلمي المتبع في التعامل مع الأقوال والآراء المختلفة، مما جعل الأمة تتجاوز اتباع وتقليد الرجال لترتقي إلى اتباع المناهج.
2-التدبير الفقهي الجزئي
إذا كان التدبير الفقهي الكلي يُحل به الخلاف في مسائل فقهية كثيرة دفعة واحدة، فإن التدبير الفقهي الجزئي يُحل به الخلاف في مسألة واحدة فقط، تعد استثناء في نسقها ونسيجها العام، ولكي يتضح الأمر أكثر أرى من اللازم توضيح ما أقصد بالتدبير الفقهي الجزئي.
تعريف التدبير الفقهي الجزئي
أقصد بالتدبير الفقهي الجزئي: إمعان الفقيه النظر في مسألة فقهية داخلة في الخلاف الفقهي المعتبر، لها خصوصية تستوجب حكما خاصا يصلح به الحال والمآل، ويُفض به النزاع أو يقلل.
قلنا بأن المسلم لما يتبنى مذهبا فقهيا يتحرر من الخلاف من حيث الجملة، ويتخلص من أقوال المذاهب الأخرى، إلا في بعض المسائل النادرة التي يكون فيها قول المذهب المنتسب إليه ضعيفا جدا، لكن هناك مسائل فقهية لها خصوصيات وظروف واعتبارات تحتاج حلا خاصا يحقق المصلحة التي جاء من أجلها الإسلام… ذلك أن هذه المسائل قد تحف بها عوارض وظروف تجعلها استثناء تستدعي تطبيق قواعد وآليات فقهية من أجل الخروج من الخلاف وحله، ولو اقتضى الأمر العدول عن الحكم الأصلي القوي الدليل إلى حكم استثنائي لسبب شرعي وجيه؛ دفعا لحرج مرفوض، وجلبا لمصلحة مقصودة.
لأجل ذلك لا بد من الحديث عن أحوال وصور بعض المسائل الفقهية، وكيفية التعامل معها، فأحوال النوازل وصورها وما يحف بها من مؤثرات تجعل الأحكام في صور وأشكال وأحوال مختلفة، من ذلك:
1ـ عجز الفقيه عن الترجيح فيختار التوقف
في بعض الأحيان تستعصي المسائل الخلافية، وتتكافأ الأدلة في نظر الفقيه، فيصعب عليه الترجيح، أو يتعذر، وهذا أمر واقع مشاهد، فهناك كثير من المسائل توفق كبار الفقهاء عن الترجيح فيها، فقد ثبت عن الإمام أحمد أنه توقف في ثمانين مسألة، ولم ينقل عنه فيها سوى القول بالتوقف( ).
وهذا الصنعاني، وهو من رافعي لواء الاجتهاد والترجيح، توقف في مسائل عديدة منها: الجمع بين الجلد والرجم في زنا الثيب، فقال: «ولا يخفى قوة دلالة حديث عبادة على إثبات جلد الثيب، ثُم رجمه، ولا يخفى ظهور أَنه صلى اللَّه عليه وسلّم لم يجلد من رجمه، فأنا أَتوقف في الحكم حتى يفتح الله، وهو خير الفاتحين، وكنت قد جزمت في: منحة الغفار، بقوة القول بالجمع بين الجلد والرجم، ثم حصل لي التوقف هنا»[3]
وهذا الشوكاني، وهو من نفس مدرسة الصنعاني، يقول في الماء القليل تقع فيه النجاسة، ولم تغير أحد أوصافه: «وهذا المقام من المضايق التي لا يهتدي إلى ما هو الصواب فيها إلا الأفراد»[4]
كما أنه توقف عن الترجيح في أداء تحية المسجد في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها، فقال: «وبهذا التقرير يعلم أن فعل تحية المسجد في الأوقات المكروهة وتركها لا يخلو عند القائل بوجوبها من إشكال، والمقام عندي من المضايق، والأولى للمتورع ترك دخول المساجد في أوقات الكراهة»[5]
2ـ معرفة الراجح مع صعوبة تنزيله
قد يترجح عند الفقيه رأي، ولكنه لا يستطيع تطبيقه على الوقائع والمسائل لاعتبارات متعددة، من ذلك:
ـ الخوف على العرض، وعدم القدرة على مواجهة المخالف الذي يشهر بالإنسان، فله أن يعمل بالمرجوح، كما قال ابن دقيق العيد: “رفع اليدين عند الركوع وعند الرفع منه، قد ثبت ثبوتا لا مرد له، فلا وجه للعدول عنه، إلا أن في بلادنا هذه يستحسن للعالم تركه؛ لأن إن فعله نسب إلى البدعة، وتأذى في عرضه، وربما تعدت الأذية إلى بدنه، فوقاية العرض بترك سنة واجبٌ في الدين”[6] لعله يقصد: التشهير بالمتمسك بالسنة، واتهامه في عرضه ودينه، فصونا لنفسه من ذلك، له ترك الراجح والأخذ بالمرجوح من الأقوال إلى أن تتهيأ ظروف تطبيقها.
ومثله: الهروب من التهمة بإتباع الشهوة، يوضح هذا ما نقل خليل عن ابن الحاجب من أن المازري لا يخرج عن المذهب، ولو كان مرجوحا، قال: «ووجه المازري ما ذكره المصنف: بأنه لو حكم بغير مذهبه تطرقت إليه التهمة بالحيف، والقضاء بالشهوة، فأمر باتباع مذهبه للسياسة، لا لمقتضى أصول الشرع؛ لأن أصول الشرع مبنية على أن المفتي والقاضي يؤمران باتباع الحق حيثما ظهر لهما»([7] ).
3ـ معارضة المصلحة القوية للقول الراجح
ولها صور منها:
أـ مصلحة التعليم والبيان
في بعض الأحيان يعرف الفقيه الراجح، لكن المقام يقتضي العمل بالمرجوح لأجل التعليم والبيان، فقد ثبت عن الصحابة رضوان الله عليهم أنهم كانوا يفعلون الشيء من أجل التعليم، فهذا ابن عباس رضي الله عنهما صلى على جنازة، فقرأ بأم القرآن جهرا، وذكر أنه فعل ذلك ليعلم الناس أنها سنة، والصلاة في الجنازة سرية، كما هو معلوم.
وعن حذيفة بن أسيد الغفاري، قال: «أدركت أبا بكر، أو رأيت أبا بكر وعمر لاَ يضحيان»، في بعض حديثهم: كراهية أن يقتدى بهما([8])، قال الشافعي: «يعني: فيظن من رآهما أنها واجبة»([9]).
وعن أبي مسعود الأنصاري، قال: «إني لأدع الأضحى، وإني لموسر؛ مخافة أن يرى جيراني أنه حتم علي»([10]).
قال ابن تيمية: «وكذلك لو فعل خلاف الأفضل لأجل بيان السنة وتعليمها لمن لم يعلمها كان حسنا، مثل: أن يجهر بالاستفتاح، أو التعوذ، أو البسملة؛ ليعرف الناس أن فعل ذلك حسن مشروع في الصلاة..»([11]).
فهذه كلها أدلة على أنه قد تقتضي مصلحة التعليم ترك السنة، أو الراجح؛ لتعليم الجاهل.
ب ـ مصلحة جمع الشمل وتوحيد الصف
بالنسبة لفعل المرجوح جمعا للشمل فهو كثير كذلك، من ذلك: إتمام ابن مسعود وعبد الله ابن عمر الصلاة خلف عثمان رضي الله عنهم أجمعين في الحج، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في عرفة الظهر والعصر قصرا، ويصلي خلفه جميع الحجاج من أهل مكة وغيرهم قصرا وجمعا، ويقصر كذلك في منى، وهذا صنيعه عليه الصلاة والسلام في حجته، وهو صنيع أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ثم لما جاء عثمان رضي الله عنه أتم الصلاة، متأولا في ذلك أنه هو ولي الأمر، والبلدان جميعها تابعة له، فهو في بلده أينما حل، ولكن هذا الاستدلال، أو هذا المأخذ فيه ضعف؛ لأنه ليس بأولى بذلك من النبي عليه الصلاة والسلام، وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وعلى كل حال فقول عثمان رضي الله عنه مرجوح، ولذا قال ابن مسعود رضي الله عنه بعد أن وافقه: «الخلاف شر»([12])، مع أنه لا يرى هذا الرأي، وكان ابن عمر إذا انفرد صلى ركعتين([13]).
ومما يذكر في هذا السياق ما أورده ابن عبد البر في الاستذكار، قال: «كان أبو إبراهيم إسحاق بن إبراهيم شيخنا يرفع يديه كلما خفض ورفع على حديث بن عمر في الموطأ، وكان أفضل من رأيت وأفقههم وأصحهم علما، فقلت لأبي عمر: لم لا ترفع، فنقتدي بك؟ قال: لا أخالف رواية بن القاسم؛ لأن الجماعة عندنا اليوم عليها، ومخالفة الجماعة فيما أبيح لنا ليست من شيم الأئمة»([14]).
وكان أبو بكر ابن العربي رحمه الله يرى السجود في قوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ} [الانشقاق: 21]؛ لما ثبت عند البخاري أن أبا هريرة رضي الله عنه قرأ: إذا السماء انشقت فسجد فيها، وأخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله، وهي عند مالك ليست من عزائم السجود، فلما ولي ابن العربي الإمامة بالناس، كان لا يقرأ بها في صلاته، قال: «لأني إن سجدت أنكروه، وإن تركت كان تقصيرا مني، فاجتنبتها إلا إذا صليت وحدي»([15]).
ج ـ مصلحة تأليف القلوب وتقريبها
في بعض الأحيان يجهل العامة بعض السنن، فإذا فعلها أمامهم شخص ما قد يسيئون الظن به، فيضطر لترك تلك السنة، من ذلك ترك الإمام أحمد الركعتين قبل المغرب؛ لإنكار الناس لها، قال: رأيت الناس لا يعرفونه([16]).
قال ابن تيمية: «ولذلك استحب الأئمة أحمد وغيره أن يدع الإمام ما هو عنده أفضل، إذا كان فيه تأليف المأمومين، مثل أن يكون عنده فصل الوتر أفضل، بأن يسلم في الشفع، ثم يصلي ركعة الوتر، وهو يؤم قوما لا يرون إلا وصل الوتر، فإذا لم يمكنه أن يتقدم إلى الأفضل، كانت المصلحة الحاصلة بموافقته لهم بوصل الوتر أرجح من مصلحة فصله مع كراهتهم للصلاة خلفه.
وكذلك لو كان ممن يرى المخافتة بالبسملة أفضل، أو الجهر بها، وكان المأمومون على خلاف رأيه، ففعل المفضول عنده لمصلحة الموافقة والتأليف التي هي راجحة على مصلحة تلك الفضيلة، كان جائزا حسنا»([17]).
وقال كذلك: «ولو كان الإمام يرى استحباب شيء، والمأمومون لا يستحبونه، فتركَه لأجل الاتفاق والائتلاف كان قد أحسن، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة: (لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية لنقضت الكعبة ولألصقتها بالأرض، ولجعلت لها بابين، بابا يدخل الناس منه، وبابا يخرجون منه)، فترك الأفضل عنده: لئلا ينفر الناس.
يقول الزيلعي من الأحناف: «ويسوغ للإنسان أن يترك الأفضل لأجل تأليف القلوب واجتماع الكلمة، خوفا من التنفير، كما ترك النبي صلى الله عليه وسلم بناء البيت على قواعد إبراهيم؛ لكون قريش كانوا حدثي عهد بالجاهلية، وخشي تنفيرهم بذلك، ورأى تقديم مصلحة الاجتماع على ذلك، ولما أنكر الربيع على ابن مسعود إكماله الصلاة خلف عثمان، قال: الخلاف شر، وقد نص أحمد وغيره على ذلك في البسملة، وفي وصل الوتر، وغير ذلك، مما فيه العدول عن الأفضل إلى الجائز المفضول، مراعاة لائتلاف المأمومين، أو لتعريفهم السنة، وأمثال ذلك، وهذا أصل كبير في سد الذرائع»([18]).
ونقل المواق عن الشاطبي قوله: «الأولى عندي في كل نازلة يكون لعلماء المذهب فيها قولان، فيعمل الناس على موافقة أحدهما ـ وإن كان مرجوحا في النظر ـ ألا يعرض لهم، وأن يجروا على أنهم قلدوه في الزمن الأول، وجرى به العمل، فإنهم إن حملوا على غير ذلك كان في ذلك تشويش على العامة، وفتح لأبواب الخصام، وربما يخالفني في ذلك غيري، وذلك لا يصدني عن القول به، ولي في ذلك أسوة»([19]).
د ـ مصلحة الرفق من أجل التثبيت على الشرع
في بعض الأحيان نعرف الراجح أيضا، لكن مصلحة الرفق من أجل التثبيت على الشرع تقتضي العمل بالمرجوح؛ رفقا بالمستفتي، وتخليصا له بأيسر الطرق، مخافة تماديه في حاله ووقوعه في الحرام المحض؛ لضعف إيمانه، وعدم قدرته على العزيمة والقول الراجح، فيرى الفقيه أن مصلحة بقاء هذا الإنسان في دائرة المرجوح أفضل من خروجه إلى الحرام المحض.
يقول أبو بكر ابن العربي: «ينبغي للفقيه المجتهد، لا للحافظ للمسائل المقلد، إذا جاء من وقع في أنشوطة من يمين أن يخلصه بمسألة ظاهرة بين الصحابة والتابعين، إذا رأى أنه إن لم يخلصه بها وقع في أشد منها، وهو أن يستهين بالمسألة، ويفتح فيها ما لا يجوز، فالأفضل للمفتي أن يفتح له بابا، ويمشي به على طريق، فإنه إن سدّ عليه باب الشرع، فتح هو إلى الحنث بابا يقتحمه، وأخذ في طريق من المعصية يسلكه، ورأى أنه قد وقع في ورطة لا يبالي ما صنع بعد ذلك، وهذه سيرة العلماء المتقدمين وطريقة الأحبار الراسخين.»([20]).
وقال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله تعالى: «ويلاحظ أيضا في هذه الأوقات التسهيل، ومجاراة الأحوال، إذا لم تخالف نصّا شرعيا؛ لأنّ أكثر الناس لا يستفتون، ولا يبالون، وكثير ممن يستفتي إذا أفتي بخلاف رغبته وهواه تركه، ولم يلتزمه، فالتسهيل عند تكافؤ الأقوال، يخفف الشر، ويوجب أن يتماسك الناس بعض التماسك؛ لضعف الإيمان، وعدم الرغبة في الخير.
كما يلاحظ أيضا: أن العرف عند الناس أن الدين الإسلامي لا يقف حاجزا دون المصالح الخالصة، أو الراجحة، بل يجاري الأحوال والأزمان، ويتتبع المنافع والمصالح الكلية والجزئية، فإن الملحدين يموهون على الجهال أن الدين الإسلامي لا يصلح لمجاراة الأحوال والتطورات الحديثة، وهم في ذلك مفترون، فإن الدين الإسلامي به الصلاح المطلق من كل وجه الكلي والجزئي، وهو حلال لكل مشكلة خاصة أو عامة، وغير قاصر من جميع الوجوه»([21]).
بهذا يتبين بأنه ليس من السهل الترجيح، وإن رجحنا فقد لا نتفق عليه، وإن اتفقنا عليه فقد يصعب تنزيله في واقع الناس، وإن أمكن تنزيله فقد تعارضه مصلحة راجحة من تعليم، أو تأليف للقلوب، أو غير ذلك.
إذا فما الحل الأمثل في مثل هذه المواقف؟ وما السبيل الذي سلكه السلف للتعامل مع هذا النوع من الخلاف؟ وكيف حافظوا على استمرارية وسلاسة تطبيق الأحكام، ولم يعقهم الخلاف أو يمنعهم من ذلك؟ أسئلة نجيب عنها فيما يلي:
وسع الشارع على المفتي وأعطاه خيارات متعددة ومسالك متنوعة
المسلك الأول: العمل بالراجح، وهذا هو المسلك الطبيعي الذي سار عليه الفقه عموما، والذي قلنا عنه في القاعد العشرين بأنه انعقد الإجماع على أنه لا يجوز العدول عنه إلا لداع شرعي معتبر.
المسلك الثاني: العمل بالمرجوح، والمقصود القول الداخل في الخلاف المعتبر، فيجوز العمل به لأسباب شرعية سبق الحديث عنها، وسنذكر أدلتها في الصفحات الموالية.
المسلك الثالث: العمل بالأيسر، قد تكون المصلحة في اختيار القول الأيسر والأرفق لدواعي شرعية متعددة، تحدثنا عن بعضها لما تكلمنا عن مصلحة الرفق من أجل التثبيت على الشرع.
المسلك الرابع: العمل بالأحوط، والمقصود به: «ترك ما لا بأس به حذرا مما به بأس»، وقد تحدثنا عنه في القاعدة السادسة المتعلقة بالخروج من الخلاف، وأنه مستحب.
المسلك الخامس: العمل بالبديل، قد يكون الأمر فيه سعة، وتكون فيه خيارات وبدائل كلها شرعية، كالواجب المخير، أي واحد فعلته يجزئك، أو الواجب الموسع، في أوي وقت امتثلت تبرأ ذمتك.
فقد يختار الفقيه القول الذي تبرأ به الذمة، ولا يخالفه فيه أحد، كما فعل ابن العربي مع الخلاف في السجود في سورة الانشقاق، فقد ترجح له مشروعية السجود هناك، وبما أنه غير معمول به في بلده كان يتجنب قراءتها، وهو إمام، ويقرأ غيرها، قال: ثبت في أن أبا هريرة قرأ: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق: 1]، فسجد فيها، فلما انصرف أخبرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد فيها([22])، وقد قال مالك: إنها ليست من عزائم السجود، والصحيح أنها منه، وهي رواية المدنيين عنه، وقد اعتضد فيها القرآن والسنة[23].
قال ابن العربي: لما أممت بالناس تركت قراءتها؛ لأني إن سجدت أنكروه، وإن تركتها كان تقصيرا مني، فاجتنبتها إلا إذا صليت وحدي»([24]).
المسلك السادس: العمل بالأشق والأشد، وهذا يحتاج للتوضيح؛ لأني لم أتكلم عليه من قبل، ولكن قبل ذلك أشير إلى أنني لست بصدد الحديث عن المسألة التي تناولها الأصوليون بالدرس، والمتعلقة بالمستفتي الذي استفتى عدة مفتين، واختلفوا في الجواب، فبأي رأي يأخذ؟
ولكن أقصد هنا: اختيار المفتي بين الأقوال المختلفة أشدها؛ لأنه هو الأنسب للشخص المستفتي، وهو ما يسمى بالفتوى الزاجرة، فقد أجاز بعضهم للمفتي أن يتشدّد في الفتوى على سبيل السّياسة لمن هو مقدم على المعاصي متساهل فيها، وأن يبحث عن التّيسير والتّسهيل على ما تقتضيه الأدلّة لمن هو مشدّد على نفسه، أو غيره؛ ليكون مآل الفتوى أن يعود المستفتي إلى الطّريق الوسط.
وهذا من جنس السياسة الشرعية، التي يتعاطاها المفتي بحسب حال السائلين، لطفا، أو عنفا، وقد أشرت من قبل بأن تدبير الخلاف والإفتاء عموما تؤطره المصلحة التي أمر الله بجلبها، والمفسدة التي أمر الله بدفعها، ومما يستشهد به في هذا الباب قول أبي القاسم الصيمري الشافعي (ت386هـ): «إذا رأى المفتي المصلحة أن يفتيَ العامي بما فيه تغليظٌ، وهو مما لا يعتقد ظاهره، وله فيه تأويلٌ، جاز ذلك زجرا له، كما رُوي عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه سئل عن توبة القاتل، فقال: لا توبة له، وسأله آخر فقال: له توبة، ثم قال: أما الأول فرأيت في عينه إرادة القتل، فمنعته، وأما الثاني فجاء مستكينا، قد قتل، فلم أقنطه»([25]).
وفي مثل هذا قال عمر بن عبد العزيز: «تحدث للناس أقضية بقدر ما يحدثون من الفجور»([26])، وقد استحسن الإمام مالكٌ منه هذه القاعدة، وكانَ بها حفيا([27])، فهذا الخليفة الراشد قد جوّزَ كما ترى إحداثَ الأقضية واختراعها على قدر اختراع الفُجّار للفجور، وإن لم يكن لتلك المحدثاتِ أصلٌ.
ولئن جازَ تصرُّف الفقيه على هذا النمط في القضاء والحكم، فإن جوازه في الفتيا من باب أولى، فإنهما يشتركان في أنهما إخبارٌ بالحكم الشرعي، وينفرد القضاء بكونه ملزما([28]).
المسلك السابع: التوقف، والمقصود به: الكف عن ترجيح أحد القولين، أَو الأقوال؛ لتعارض الأدلة وتساويها عند الفقيه، أو لعدم العلم بالدليل، وقد ذكر الفقهاء في آداب الفتوى: أنه ينبغي للمفتي أن يتأمل في المسألة تأملا شافيا، وإذا لم يعرف حكمها يتوقف. وقد تحدثنا عن هذه المسألة من قبل.
مشروعية اختيار المرجوح لمصلحة معتبرة
قبل الحديث عن أدلة ذلك، لا بد من الإشارة إلى أنه لا أحد من العلماء يقول: بمساواة الراجح بالمرجوح، ولا أحد يقول: بأن المكلف مخير بينهما، يختار ما يشاء منهما على سبيل التشهي، بل الكل متفق على أن الأصل، هو: العمل بالراجح، ولا يترك إلى غيره، إلا لدواع شرعية، ومصالح معتبرة، وذك مهيع فسيح، وطريق واسع، بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنته، فقد عقد البخاري لذلك بابا في صحيحه تحت عنوان: «باب من ترك بعض الاختيار مخافة أن يقصر فهم بعض الناس عنه، فيقعوا في أشد منه»،[29] وساق فيه حديث الأسود بن يزيد النخعي، أن ابن الزبير قال له: كانت عائشة تسر إليك كثيرا، فما حدثتك في الكعبة؟
قلت: قالت لي: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا عائشة لولا قومك حديث عهدهم، قال ابن الزبير: بكفر، لنقضت الكعبة، فجعلت لها بابين، باب يدخل الناس، وباب يخرجون»، ففعله ابن الزبير([30]).
قال ابن حجر: «يستفاد منه ترك المصلحة لأمن الوقوع في المفسدة، ومنه ترك إنكار المنكر خشية الوقوع في أنكر منه، وأن الإمام يسوس رعيته بما فيه إصلاحهم، ولو كان مفضولا ما لم يكن محرما»([31]).
والعمل بالمرجوح في مثل هذه الحالات يذكره كثير من العلماء تحت باب الضرورة والحاجة، فيجيزونه للضرورة والحاجة، والذي يظهر أنه لا ترابط بينهما، فمسألتنا تؤطرها المصلحة، والاستحسان، والحاجة الخفيفة.
أما الضرورة والحاجة التي تنزل منزلتها، فلها أحكامها الخاصة المتفق عليها، فهي تبيح لصاحبها الحرام المحض المنصوص على تحريمه، ألا ترى أن المضطر يجوز له أكل الميتة، ويجوز له النطق بالكفر… فالمضطر إذا له أن يخرج من كل الأقوال الراجحة والمرجوحة وغيرها.
بينما كلامنا يدور حول الاختيار بين ما غلب الظن على رجحانه، وما غلب الظن على ضعفه، أو البديل، أو التوقف، وهذا لم يصل إلى درجة الضرورة، وإنما يريد جلب منفعة، أو دفع مضرة، وهذا جوهر المصلحة.
فإذن تكون أدلة التدبير بالمعنى الذي نقصد هي نفسها أدلة المصلحة، فمن اعتبر المصلحة دليلا شرعيا، له أن يعمل بالتدبير الذي بينا، ومن لم ير ذلك لا شك أنه سيبحث عن مسلك آخر، أو يبقى في الحرج…
وبما أن جمهور العلماء قالوا بالمصلحة، فإنهم صاروا على المنهج الذي نسير فيه، وهذه أقوالهم الدالة على ذلك:
ـ يقول ابن تيمية: «قد يكون فعل المرجوح أرجح للمصلحة الراجحة، كما يكون ترك الراجح أرجح أحيانا لمصلحة راجحة»([32]).
ـ ونُقِل نفس المعنى عن السبكي: «إذا قصد المفتي الأخذ بالقول المرجوح مصلحة دينية جاز»([33]).
يقول ابن رجب: «… وقد يترك القولُ الراجح المُجتهَد فيه إلى غيره من الأقوال المرجوحة إذا كان في الإفتاء بالقول الراجح مفسدة، وقرأت بخط القاضي([34]) مما كتبه من خط أبي حفص: أن ابن بطة كان يفتي أن الرهن أمانة، فقيل له: إن ناسا يعتمدون على ذلك، ويجحدون الرهون، فأفتى بعد ذلك بأنه مضمون…»([35]).
ـ يقول ابن عَرْضُون (ت992هـ): «لم يزل أهل الفتوى والقضاء يختارون الفتوى بقول شاذ، ويحكمون به لدليل ظهر لهم في ترجيحه، وقد خالف أهل الأندلس مالكا في مسائل، ومسائل كثيرة جرى فيها العمل بخلاف المشهور… »([36]).
ـ يقول ابن عاشور: «وقد يقع الإغضاء عن خلل يسير ترجيحا لمصلحة تقرير العقود، كالبيوع الفاسدة إذا طرأ عليها بعض المفوِّتات المقررة في الفقه، وقد كان الأستاذ أبو سعيد بن لب، مفتي حضرة غرناطة في القرن الثامن، يفتي بتقرير المعاملات التي جرى فيها عرف الناس على وجه غير صحيح في مذهب مالك إذا كان لها وجه ولو ضعيفا من أقوال العلماء. وهذا فيه اعتبار مصلحة استقرار العقود والمعاملات»([37]).
هذه أقول بعض العلماء التي صرحوا فيها بجواز العمل بالمرجوح للمصلحة، أما أقوالهم التي عبروا فيها عن جواز العمل بالمرجوح للضرورة فهي كثيرة جدا، وكما قلت فالغالب أنهم يقصدون المصلحة؛ لأن الضرورة تجيز ارتكاب الحرام المنصوص على تحريمه صراحة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] القول السديد في بعض مسائل الاجتهاد والتقليد، ص: 142.
[2] انظر: رد المحتار على الدر المختار 1/55.
[3] سبل السلام، المؤلف: محمد بن إسماعيل بن صلاح بن محمد الحسني، الكحلاني ثم الصنعاني، 2/409.
[4] نيل الأوطار 1/46.
[5] نيل الأوطار 3/85.
[6] إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام 1/237.
[7] التوضيح شرح مختصر ابن الحاجب 7/391.
[8] السنن الصغرى 2/42.
[9] المصدر السابق.
[10] المصدر السابق.
[11] مجموع الفتاوى 24/196.
[12] سنن أبو داود كتاب المناسك، باب الصلاة بمنى، رقم: 1960.
[13] مسند الشافعي، ترتيب السندي 1/189.
[14] الاستذكار 1/409.
[15] أحكام القرآن 4/369.
[16] «الفروع وتصحيح الفروع» (3/ 192)
[17] مجموع الفتاوى 24/196.
[18] نصب الراية 1/328.
[19] سنن المهتدين في مقامات الدين، ص: 110.
[20] العواصم من القواصم، ص: 373.
[21] الفتاوى السعدية، ص: 189
[22] رواه البخاري، كتاب الجمعة، باب من قرأ السجدة في الصلاة فسجد بها، رقم: 1078، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب سجود التلاوة، رقم: 578.
[23] ينظر البيان والتحصيل لابن رشد، 18/106.
[24] أحكام القرآن لابن العربي 4/369، ط العلمية.
[25] المجموع 1/50.
[26] الذخيرة للقرافي 8/206.
[27] الشرح الكبير للدردير 4/174.
[28] انظر: فتوى أصحاب القنوات الفضائية، د. خالد بن عبد الله المزيني.
[29] صحيح البخاري 1/37.
[30] صحيح البخاري، كتاب العلم، رقم: 126.
[31] فتح الباري لابن حجر 1/225.
[32] مجموع الفتاوى 24/198.
[33] فتاوى السبكي 1/148.
[34] إذا أطلق القاضي عند الحنابلة، فهو: محمد بن الحسين الفراء، القاضي أبو يعلى البغدادي الحنبلي، المعروف بابن الفراء. أحد فقهاء الحنابلة في العصر العباسي الثاني، ولد سنة (380هـ)، وتوفي سنة (458هـ).
[35] كتاب الاستخراج لأحكام الخراج لابن رجب الحنبلي، ص: 89.
[36] انظر: نوازل الشريف العلمي 1/38ط ح.
[37] مقاصد الشريعة، ص: 3/490.
لائحة المصادر والمراجع:
1ـ إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام، المؤلف: ابن دقيق العيد، الناشر: مطبعة السنة المحمدية، الطبعة: بدون طبعة وبدون تاريخ.
2ـ أحكام القرآن، المؤلف: القاضي محمد بن عبد الله أبو بكر بن العربي المعافري الاشبيلي المالكي (المتوفى: 543هـ)، راجع أصوله وخرج أحاديثه وعلَّق عليه: محمد عبد القادر عطا، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، الطبعة: الثالثة، 1424 هـ – 2003 م.
3ـ الاستخراج لأحكام الخراج، المؤلف: أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي (المتوفى: 795هـ)، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، الطبعة: الأولى، 1405 هـ – 1985 م.
4ـ الاستذكار، المؤلف: أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي (المتوفى: 463هـ)، تحقيق: سالم محمد عطا، محمد علي معوض، الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت، الطبعة: الأولى، 1421 – 2000م.
5ـ البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجةن المؤلف: أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي (المتوفى: 520هـ)، حققه: د محمد حجي وآخرون، الناشر: دار الغرب الإسلامي، بيروت – لبنان، الطبعة: الثانية، 1408 هـ – 1988 م.
6ـ التوضيح في شرح المختصر الفرعي لابن الحاجب، المؤلف: خليل بن إسحاق بن موسى، ضياء الدين الجندي المالكي المصري (المتوفى: 776هـ)، المحقق: د. أحمد بن عبد الكريم نجيب، الناشر: مركز نجيبويه للمخطوطات وخدمة التراث، الطبعة: الأولى، 1429هـ – 2008م.
7ـ الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه = صحيح البخاري، المؤلف: محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري الجعفي، المحقق: محمد زهير بن ناصر الناصر، الناشر: دار طوق النجاة (مصورة عن السلطانية بإضافة ترقيم ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي)، الطبعة: الأولى، 1422هـ.
8ـ حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، المؤلف: محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي المالكي (المتوفى: 1230هـ)، الناشر: دار الفكر، الطبعة: بدون طبعة وبدون تاريخ.
9ـ الذخيرة، المؤلف: أبو العباس شهاب الدين أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن المالكي الشهير بالقرافي (المتوفى: 684هـ)
10ـ رد المحتار على الدر المختار، المؤلف: ابن عابدين، محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقي الحنفي (المتوفى: 1252هـ)، الناشر: دار الفكر-بيروت، الطبعة: الثانية، 1412هـ – 1992م.
11ـ سبل السلام، المؤلف: محمد بن إسماعيل بن صلاح بن محمد الحسني، الكحلاني ثم الصنعاني، أبو إبراهيم، عز الدين، المعروف كأسلافه بالأمير (المتوفى: 1182هـ)، الناشر: دار الحديث، الطبعة: بدون طبعة وبدون تاريخ.
12ـ سنن أبي داود، المؤلف: أبو داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد بن عمرو الأزدي السَِّجِسْتاني (المتوفى: 275هـ)، المحقق: محمد محيي الدين عبد الحميد، الناشر: المكتبة العصرية، صيدا – بيروت.
13ـ السنن الصغير للبيهقي، المؤلف: أحمد بن الحسين بن علي بن موسى الخُسْرَوْجِردي الخراساني، أبو بكر البيهقي (المتوفى: 458هـ)، المحقق: عبد المعطي أمين قلعجي، دار النشر: جامعة الدراسات الإسلامية، كراتشي ـ باكستان، الطبعة: الأولى، 1410هـ – 1989م.
14ـ العواصم من القواصم في تحقيق مواقف الصحابة بعد وفاة النبي ﷺ، المؤلف: القاضي محمد بن عبد الله أبو بكر بن العربي المعافري الإشبيلي المالكي (المتوفى: 543هـ)، المحقق: محب الدين الخطيب – ومحمود مهدي الاستانبولي، الناشر: دار الجيل بيروت – لبنان، الطبعة: الثانية، 1407هـ – 1987م.
15ـ فتاوى السبكي، المؤلف: تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي (المتوفى: 756هـ)، الناشر: دار المعارف.
16ـ فتح الباري شرح صحيح البخاري، المؤلف: أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي، الناشر: دار المعرفة – بيروت، 1379، رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي، قام بإخراجه وصححه وأشرف على طبعه: محب الدين الخطيب، عليه تعليقات العلامة: عبد العزيز بن عبد الله بن باز.
17ـ القول السديد في بعض مسائل الاجتهاد والتقليد، المؤلف: محمد بن عبد العظيم المكي الرومي الموروي الحنفي الملقب بابن مُلّا فَرُّوخ (المتوفى: 1061هـ)، المحقق: جاسم مهلهل الياسين، عدنان سالم الرومي، الناشر: دار الدعوة – الكويت، الطبعة: الأولى، 1988م.
18ـ كتاب الفروع ومعه تصحيح الفروع لعلاء الدين علي بن سليمان المرداوي، المؤلف: محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج، أبو عبد الله، شمس الدين المقدسي الرامينى ثم الصالحي الحنبلي (المتوفى: 763هـ)، المحقق: عبد الله بن عبد المحسن التركي، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة: الأولى 1424 هـ – 2003مـ.
19ـ مجموع الفتاوى، المؤلف: تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني (المتوفى: 728هـ)، المحقق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، الناشر: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة النبوية، المملكة العربية السعودية، عام النشر: 1416هـ/1995م.
20ـ المجموع شرح المهذب ((مع تكملة السبكي والمطيعي))، المؤلف: أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي (المتوفى: 676هـ)، الناشر: دار الفكر.
21ـ المحقق: محمد حجي، سعيد أعراب، محمد بو خبزة، الناشر: دار الغرب الإسلامي- بيروت، الطبعة: الأولى، 1994 م.
22ـ مسند الإمام الشافعي، المؤلف: الشافعي أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن عبد المطلب بن عبد مناف المطلبي القرشي المكي (المتوفى: 204هـ)، رتبه على الأبواب الفقهية: محمد عابد السندي، عرف للكتاب وترجم، للمؤلف: محمد زاهد بن الحسن الكوثري، تولى نشره وتصحيحه ومراجعة أصوله السيد يوسف علي الزواوي، السيد عزت العطار الحسيني، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، عام النشر: 1370 هـ – 1951 م.
23ـ مقاصد الشريعة الإسلامية، المؤلف: محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي (المتوفى: 1393هـ)، المحقق: محمد الحبيب ابن الخوجة، الناشر: وزارة الأوقاف، قطر، عام النشر: 1425 هـ – 2004 م.
24ـ نصب الراية لأحاديث الهداية مع حاشيته بغية الألمعي في تخريج الزيلعين المؤلف: جمال الدين أبو محمد عبد الله بن يوسف بن محمد الزيلعي (المتوفى: 762هـ)، قدم للكتاب: محمد يوسف البَنُوري، صححه ووضع الحاشية: عبد العزيز الديوبندي الفنجاني، إلى كتاب الحج، ثم أكملها محمد يوسف الكاملفوري، المحقق: محمد عوامة، الناشر: مؤسسة الريان للطباعة والنشر – بيروت -لبنان/ دار القبلة للثقافة الإسلامية- جدة – السعودية، الطبعة: الأولى، 1418هـ/1997م.
25ـ نيل الأوطار، المؤلف: محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني اليمني (المتوفى: 1250هـ)، تحقيق: عصام الدين الصبابطي، الناشر: دار الحديث، مصر، الطبعة: الأولى، 1413هـ – 1993م.