رؤية الإعلام الغربي للشخصية المسلمة: دراسة حالة الصحافة الفرنسية المكتوبة خلال الفترة 2001-2004

الباحث الدكتور محجوب بنسعيد أعد الأطروحة الجامعية أعلاه تحت إشراف الأستاذ الدكتور عبد الدائم عمر الحسن عميد الإعلام لنيل شهادة الدكتوراه من جامعة أم درمان الإسلامية في الخرطوم، ونوقشت يوم 13 ديسمبر 2007 حيث قررت اللجنة إجازة الأطروحة بدرجة ممتاز مع توصية بالطبع، وقد قام الباحث لاحقا بإصدار الأطروحة في كتاب بعنوان: (الإسلام والإعلاموفوبيا: الإعلام الغربي والإسلام، تشويه وتخويف) عن دار الفكر في دمشق عام 2013.
        وفيما يلي ملخص عن هذه الأطروحة: تتعرض صورة العالم الإسلامي لكثير من التشويه والتحريف والتضليل في أغلب وسائل الإعلام الغربية، التي تروج صورا نمطية عن الإسلام والمسلمين تثير الشك والريبة والخوف، وتخلق أسباب النفور من كل ما له صلة بالدين الإسلامي.
       ويواجه الإسلام اليوم جملة من التحديات تختلف عن كل الأشكال الأخرى من التحديات التي عرضت له في تاريخه، فهي تضع المسلمين أمام اختيار عسير يمس هويتهم وصورتهم ومكانتهم بين الأمم، ويهدد مستقبلهم ويعوق تحقيق أهداف رسالة دينهم ذات الأبعاد الكونية والحضارية، ومن بين أخطر هذه التحديات انتشار ظاهرة التشويه الإعلامي لصورة الإسلام والمسلمين في العديد من وسائل الإعلام الغربية، مما أدى إلى تحريف الحقائق وتضليل الرأي العام الغربي وتأليبه ضد المسلمين في كل مكان، بمن فيهم المسلمون الذين يعيشون في المجتمعات الغربية، والمسلمون الذين هم من الأبناء الأصليين لهذه المجتمعات.
        إن محاولة رصد الملامح العامة لصورة الإسلام في الوعي الثقافي الغربي، تتسم إجمالا بالضبابية والارتباك، إذ أن غشاء سميكا من الأحكام القبلية، يحول دون إدراك حقيقة الإسلام وجوهره ومقاصده النبيلة، ولذلك تنامى الوعي على صعيد العالم الإسلامي بضرورة النظر إلى مسألة الصورة المشوهة للإسلام في الإعلام الغربي، بجدية تامة وعدم اعتبارها قضية هامشية لا قيمة لها.
        وتبلور هذا الاهتمام على صعيد المنظمات الإقليمية، كمنظمة التعاون الإسلامي ومنظمة الإيسيسكو، حيث تم تخصيص العديد من الندوات والدراسات، لتسليط الضوء على خصائص ظاهرة التشويه الإعلامي الغربي للإسلام والمسلمين، والبحث عن سبل مواجهته.
        كما نبه كثير من الباحثين والمختصين في العالم الإسلامي والغربي، إلى خطورة هذه الظاهرة وتأثيراتها السلبية على العقل الغربي، وسلوك ومواقف المواطنين في المجتمعات الغربية، وعلى الأمن والسلم والتعايش بين شعوب العالم.
        ومن خلال استيعاب مختلف القضايا والموضوعات، التي انصبت عليها حملات التشويه الإعلامي الغربي للإسلام وحضارته، ومن منطلق الوعي بطبيعة المهام الملقاة على عاتق الجهات المسؤولة عن الرد على حملات التشويه الإعلامي للإسلام وللحضارة الإسلامية، فإن “الإطار العام لبرنامج الرد على حملات التشويه الإعلامي للإسلام وللحضارة الإسلامية”، الذي أعدته الإيسيسكو وصادق عليه المؤتمر الإسلامي الرابع لوزراء الثقافة (الجزائر ديسمبر 2004) حدد مجالات العمل التي ينبغي أن تتوجه إليها الجهود وتفرغ فيها الطاقات، ويتعلق الأمر بالمجال الإعلامي، والمجال الثقافي، والمجال التربوي، ومجال الدعوة الإسلامية، والمجال العلمي، والمجال الأكاديمي.
        ويندرج هذا البحث حول رؤية الإعلام الغربي للشخصية المسلمة في المجال الأكاديمي، الذي لا يقل أهمية عن غيره من المجالات، ذات الصلة بتنفيذ برنامج الرد على حملات التشويه الإعلامي للإسلام ولحضارته، فإذا وضعنا في الاعتبار أن الصور النمطية المسيئة للإسلام، ازدادت انتشارا على الصعيد العالمي، بواسطة وسائل الإعلام المختلفة، فقد أكد برنامج الرد على حملات التشويه الإعلامي للإسلام وللحضارة الإسلامية، على أهمية وضرورة إنجاز دراسات تحليلية حول ما تنشره وسائل الإعلام الغربية من مغالطات حول الإسلام وحضارته، سواء من طرف الباحثين في إطار الجامعات والمعاهد المتخصصة، أو من طرف المؤسسات العلمية في إطار مراكز للبحث تحت إشراف منظمة المؤتمر الإسلامي والمنظمات المتخصصة المتفرعة عنها.
        في ضوء هذه الاعتبارات، ومن موقع عملنا الوظيفي في الإيسيسكو، استشعرنا مسؤولية المساهمة، عن طريق بحث أكاديمي جامعي، في الجهود المبذولة على صعيد العالم الإسلامي لمواجهة حملات التشويه الإعلامي للإسلام وحضارته، وذلك من خلال تشخيص جانب من الصور النمطية عن الشخصية المسلمة في الصحافة المكتوبة بفرنسا، وقد كان هدفنا من هذه المساهمة توظيف البحث العلمي من أجل تعرية النوايا السيئة والاتجاهات المغرضة للإعلام الفرنسي اتجاه الإسلام والمسلمين.
        ولهذه الغاية، اخترنا دراسة مكونات وخصوصيات ومصادر الرؤية الإعلامية للشخصية المسلمة، التي روجتها الصحافة الفرنسية المكتوبة، خلال فترة زمنية امتدت من سنة 2001 إلى 2004 والتي كانت حافلة بأحداث دولية كبرى شدت أنفاس العالم.
        ولمعالجة الأبعاد المختلفة لهذه الرؤية، استعملنا منهج تحليل المضمون كأداة رئيسة لدراسة المواد الإعلامية ذات الصلة بالإسلام والمسلمين، التي نشرتها مجلتان واسعتا الانتشار في فرنسا هما مجلتا الاكسبرس (L’Express) ولو نوفيل اوبسرفاتور (Le Nouvel Observateurكما وظفنا تقنية الاستبيان كأداة تكميلية، لاستجلاء آراء عينة من القيادات والكفاءات المسلمة، النشيطة في المجالات السياسية والاجتماعية، والدعوية والأكاديمية بفرنسا من مشكلة البحث، ومواقف هذه القيادات والكفاءات من المواضيع التي نشرتها مجلتا (الاكسبرس) و(لو نوفيل اوبسرفاتور) خلال الفترة 2001-2004.
        ولمقاربة الموضوع قسمنا البحث إلى قسمين، شمل الأول منهما أربعة فصول تناولت مشكلة البحث ومنهجه، والغرب والعالم الإسلامي، والمسلمون في فرنسا، والنظام السياسي والمشهد الإعلامي في فرنسا، وتضمنت هذه الفصول الأربعة تسعة مباحث تناولت صورة الشخصية المسلمة في الغرب، والإسلام والغرب وتفاعل الحضارات، وصورة الإسلام في الإعلام الغربي، وظاهرة الخوف من الإسلام، والوجود الإسلامي في فرنسا، والعمل الثقافي والتربوي الإسلامي في فرنسا، والمؤسسات الإسلامية في فرنسا، والنظام السياسي في فرنسا، والمشهد الإعلامي في فرنسا.
        أما القسم الثاني من هذا البحث، فيتكون من ثلاثة فصول تم تخصيصها للدراسة التحليلية، وعرض نتائج الدراسة، وتحليل وتفسير نتائج الدراسة ومناقشتها، واشتملت هذه الفصول الثلاثة على تسعة مباحث تم خلالها التطرق إلى الخطوات المنهجية، ووحدات وفئات التحليل، وعرض مضمون المادة الإعلامية المنشورة في مجلتي العينة (الاكسبرس) و(لو نوفيل اوبسرفاتور)، وعرض شكل المادة الإعلامية المنشورة في مجلتي العينة، وعرض نتائج الاستبيان حول آراء ومواقف القيادات والكفاءات المسلمة في فرنسا، وتحليل وتفسير نتائج دراسة مضمون المادة الإعلامية في مجلتي العينة، وتحليل وتفسير نتائج دراسة شكل المادة الإعلامية في مجلتي العينة، وتحليل وتفسير نتائج الاستبيان حول آراء ومواقف القيادات والكفاءات المسلمة في فرنسا، ثم أخيرا مناقشة النتائج مع الإجابة على أسئلة الدراسة وفرضياتها.
        ويرجع اختيار الباحث لموضوع هذه الدراسة إلى نوعين من الدوافع: الأول ذاتي والثاني موضوعي؛ فالدافع الذاتي يتمثل في انتماء الباحث إلى الأمة الإسلامية واعتزازه بحضارتها، وغيرته على دينه ومعتقداته وثقافته، ثم اطلاعه عن قرب على الظروف الصعبة، التي يواجهها أفراد الجاليات والأقليات المسلمة في فرنسا، سواء بواسطة زيارته المتكررة لبعض أفراد عائلته، من المهاجرين إلى هذا البلد منذ السبعينيات من القرن الماضي، أو من خلال عمله الوظيفي كخبير في الاتصال والحوار الثقافي.
        أما الدافع الموضوعي، الذي كان وراء اختيار الباحث لموضوع هذه الدراسة، فإنه يرتبط بالمتغيرات الدولية التي شهدها العالم بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، وما خلفته من تداعيات سلبية على الإسلام وأوضاع المسلمين، حيث تنافست وسائل الإعلام الغربية في شن حملات عدائية شرسة على المسلمين في فرنسا، سواء المواطنين منهم أو المهاجرين، فازدهرت تجارة معاداة الإسلام، وأمعنت الصحافة المكتوبة في فرنسا في نشر عناوين، تتعمد الخلط بين الإسلام والإرهاب و العنف.
        لقد شهدت فرنسا بعد تفجيرات الحادي عشر من سبتمر، صدور مئات المجلات الأسبوعية والشهرية، التي خصصت أعدادا تضمنت ملفات حول “الإرهاب الإسلامي” أو “القرآن والعنف” أو “الإسلام والسيف”.
        وهدفت الدراسة إلى تعزيز المساهمات الأكاديمية، التي بدأت تتنامى في العالم العربي والإسلامي، والهادفة إلى تعميق المعرفة في ميدان صورة الآخر (الغرب)، وتمثله للإسلام والحضارة الإسلامية، بقصد إنجاز تراكم معرفي علمي، قائم على تشخيص مواقف الآخر من التراث الحضاري والثقافي للإسلام والمسلمين، انطلاقا من الوعي النظري والمنهجي، بأن القيام بهذا التشخيص أجدى وأنفع من الهجوم اللفظي والعاطفي على الآخر، بواسطة بيانات التنديد أو من خلال أعمال العنف والتطرف، والتي لا تزيد إلا من تشويه صورة الإسلام والمسلمين، وتتيح الفرص على طبق من ذهب للرأي العام الدولي، لكي تترسخ في ذهنه الأحكام المضللة، والصور النمطية المشوهة عن الإسلام وحضارته.
       وعلى هذا الأساس سعت الدراسة إلى رصد وتشخيص مواقف واتجاهات الصحافة الفرنسية المكتوبة من الشخصية المسلمة في مظاهرها المتنوعة والمختلفة، والقيام بعملية الرصد والتشخيص من خلال تحليل مضمون المواد الإعلامية المنشورة في الصحافة الفرنسية المكتوبة (مجلتا الاكسبرس l’Express ولو نوفيل أوبسرفاتور le nouvel Observateur خلال الفترة الممتدة من ما بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 إلى نهاية شهر ديسمبر 2004.
      كما هدفت الدراسة إلى تحليل مضمون المواد الإعلامية للمجلتين المذكورتين، بقصد التوصل لمجموعة من الاستنتاجات والخلاصات والتوصيات، تساعد المؤسسات الرسمية في العالم الإسلامي (وزارات الخارجية للدول الإسلامية وسفاراتها المعتمدة في فرنسا) والمعاهد والجامعات، والمنظمات الإسلامية والعربية (منظمة التعاون الإسلامي والإيسيسكو ــ جامعة الدول العربية ــ المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، الألسكو) في تفعيل برامجها وخطوات عملها ذات الصلة بتصحيح صورة الإسلام والحضارة الإسلامية في الغرب، وتمكين الجهات الرسمية والأكاديمية والمنظمات المعنية من توجيه جهودها نحو أنجع السبل، للتعامل العقلاني والعلمي مع الصور النمطية حول الإسلام والمسلمين، التي ينشرها الإعلام الغربي بصفة عامة، والصحافة الفرنسية على وجه الخصوص.
        إضافة إلى محاولة معرفة مدى الارتباط بين تحليلات الصحافة الفرنسية ومواقفها واتجاهاتها من الشخصية المسلمة في أبعادها المختلفة والمتنوعة، وما تتبناه المواقف الرسمية للحكومة الفرنسية اتجاه الإسلام كدين وحضارة وثقافة، والمسلمين داخل فرنسا وخارجها في الشرق الأوسط وباقي أنحاء العالم.
       لقد تمت بلورة الملامح الرئيسية لمشكلة البحث، في الفقرتين المتعلقتين بدوافع اختيار موضوع البحث وأهدافه، ويمكن ترجمة هذه المشكلة إجمالا إلى الأسئلة التالية:
ــ ما هي المواضيع الأساسية والفرعية ذات الصلة بالشخصية المسلمة المقدمة من طرف مجلتي (الاكسبرس) و) لو نوفيل أوبسرفاتور)؟
ــ هل تستند مواقف واتجاهات مجلتي (الاكسبرس) و(لو نوفيل أوبسرفاتور) من الإسلام والمسلمين إلى الواقع الفعلي للإسلام والمسلمين داخل فرنسا، أم تتأثر تلك المواقف والاتجاهات بالأحداث السياسية والثقافية التي يشهدها العالم الإسلامي؟
ــ ما هي خصوصيات الخطاب الإعلامي حول الإسلام والمسلمين بمجلتي (الاكسبرس) و(لو نوفيل أوبسرفاتور)، مقارنة مع المواقف الرسمية والشعبية في فرنسا حول الموضوع نفسه؟
ــ هل يتسم الإعلام الفرنسي المكتوب بالنقص والتحيز في التغطية الصحفية لقضايا المسلمين داخل فرنسا وخارجها؟
ــ ما هي الأجناس الصحفية الأكثر توظيفا في مجلتي (الاكسبرس) و(لو نوفيل أوبسرفاتور) لنشر المواد الإعلامية حول الإسلام والمسلمين، وما هي دلالات ومقاصد هذا التوظيف؟
ــ ما هي المصادر التي أعدت المواد الإعلامية المنشورة حول الإسلام والمسلمين في مجلتي (الاكسبرس) و) لو نوفيل أوبسرفاتور)؟
ــ هل تحتل قضايا المسلمين المواقع الأساسية في صفحات المجلتين؟ وما دلالة ذلك على مستوى الشكل والمضمون؟
ــ هل ساهمت مجلتا (الاكسبرس) و) لو نوفيل أوبسرفاتور) في نشر ثقافة الخوف من الإسلام والمسلمين بين أوساط الرأي العام الفرنسي؟
ــ ما هي مواقف القيادات والكفاءات المسلمة في فرنسا، من مضمون المواد الإعلامية ذات الصلة بالإسلام والمسلمين، المنشورة بمجلتي (الاكسبرس) و) لو نوفيل أوبسرفاتور)؟
ــ ما هي أبرز سمات الشخصية المسلمة المتداولة في الخطاب الإعلامي لمجلتي (الاكسبرس) و) لو نوفيل أوبسرفاتور)؟
        ولمعالجة مشكلة الدراسة والإجابة على تساؤلاتها واختبار فرضياتها، اختار الباحث المنهج الوصفي التحليلي، أخذا بعين الاعتبار انتماء البحث إلى الدراسات الوصفة المسحية. ولذلك وظف الباحث تقنية تحليل المضمون لأنها الأنسب لرصد اتجاه مجلتي العينة (الإكسبرس( و)لو نوفيل أوبسرفاتور( ومواقفهما من الإسلام والمسلمين داخل فرنسا وخارجها. ووظف الباحث أسلوب تحليل المضمون في جوانبه الكمية والكيفية بهدف قياس مختلف الجوانب المرتبطة بمضمون المادة الإعلامية وشكلها في مجلتي العينة. وتوخى الباحث من تقنية تحليل المضمون استجلاء العلاقات الفكرية الظاهرة وغير الظاهرة، والكشف عنها بأسلوب يعتمد الإحصائيات والجداول، والنسب المئوية والرسوم البيانية.
       بالإضافة إلى ذلك وظف الباحث الاستبيان، كوسيلة مساعدة في تحديد اتجاهات ومواقف عينة من القيادات والكفاءات المسلمة في فرنسا، من القضايا والمواضيع التي تناولتها مجلتا ) الاكسبرس( و)لونوفيل أوبسرفاتور( خلال فترة الدراسة الممتدة من 2001 إلى 2004.
وبعد تحليل مكونات رؤية الإعلام الفرنسي للشخصية المسلمة، استنتج الباحث وجود ثلاث عوامل رئيسة، تقف وراء الصورة السلبية للشخصية المسلمة في الصحافة المكتوبة في فرنسا:
العامل الأول: ويتعلق بالتراكمات السلبية المرتبطة بالإطار التاريخي والفكري لرؤية الإعلام الغربي للإسلام والمسلمين، حيث كانت الرؤية متصلة اتصالا وثيقا بثلاثة أمور هي:
ــ سيرورة تطور رؤية الغرب للإسلام: وكانت هذه الرؤية في بدايتها رؤية كنسية (نسبة إلى الكنيسة في القرون الوسطى) قائمة على العداء والريبة، ثم انتقلت في عصر النهضة الأوربيبة إلى رؤية رومانسية، للأدباء والشعراء والفنانين الأوربيين نحو مظاهر الحضارة والفن الإسلاميين. وأصبحت فيما بعد رؤية حضارية من طرف فلاسفة عصر الأنوار. ومع بداية القرن الواحد والعشرين، تحولت إلى رؤية نمطية مضللة واستعلائية تتهم الإسلام بالتطرف والإرهاب.
ــ سيرورة تطور الرؤية الاستشراقية للإسلام، وكانت هذه الرؤية ذات طابع أكاديمي، تستند إلى الدراسات الاستشراقية، التي واكبت الحملات الاستعمارية الإمبريالية للدول الغربية في العالم الإسلامي. لقد اعتبرت تلك الدراسات العرب والمسلمين شعوبا متخلفة ذهنيا وغير متحضرة، وخاملة تتحكم بها عيوب قطرية تمنعها من التطلع.
ــ سيرورة تطور مضامين الكتب والمقررات الدراسية في فرنسا نحو الإسلام: لقد شملت مضامين هذه الكتب صورا نمطية عن الإسلام والعرب، كانت في مجملها امتدادا للصورة التاريخية التراكمية السلبية للإسلام وحضارته.
العامل الثاني: ويرتبط بالآثار النفسية لظاهرة التخويف من الإسلام (الإسلاموفوبيا)، التي جاءت كرد فعل للانتشار المتزايد للصحوة الإسلامية، وارتفاع أعداد المسلمين في فرنسا، في وقت انهارت فيه الإيديولوجية الشيوعية، واتسع النقاش حول أطروحة صدام الحضارات، واستفحل انتشار مقولة “إن الإسلام هو العدو البديل”.
العامل الثالث: ويتمثل في نوعية وكيفية معالجة مجلتي الاكسبرس ولو نوفيل أوبسرفاتور للمواضيع ذات الصلة بالشخصية المسلمة. ذلك أن طبيعة المضامين ودرجة الاتجاهات والمواقف، ونوعية مصادر المواد الإعلامية واختيار الأجناس الصحفية ومواقع نشر المواد الإعلامية، وتوظيف الصور ورسوم الكاريكاتور، كلها عوامل لعبت دورا مهما في بناء صورة سلبية عن الشخصية المسلمة في الإعلام الفرنسي.
كما توصل الباحث إلى الاستنتاجات التالية:
ــ التركيز المقصود على نوع معين من المواضيع، التي تحيل القارئ إلى تمثلات ذهنية وتثير لديه مشاعر وأحاسيس ذات توجه سلبي أصلا مثل: اندماج المسلمين في المجتمع الفرنسي، التعصب الديني، الحجاب، الحركات الإسلامية، الأصولية والتطرف والإرهاب، الخوف من الإسلام، أموال المسلمين في فرنسا، صراع الحضارات خطر الانتشار الإسلامي في أوربا.
ــ ترويج صورة سلبية وسيئة ومشوهة عن الإسلام والمسلمين، مما أدى إلى اتساع فجوة سوء الفهم والتفاهم بين المجتمع الفرنسي والجاليات المسلمة، كما أن ذلك أسبغ الشرعية على مطالب التيارات السياسية اليمينية المتطرفة، الداعية إلى طرد كل المسلمين والعرب من فرنسا.
ــ الاعتماد على مصادر يصطلح على تسميتها ب “خبراء الإسلام” أو “المثقفون الإعلاميون” وهي مصادر غير متخصصة في الشؤون الدينية والحضارية والتاريخية ذات الصلة بالإسلام والمسلمين. إنهم مجموعة من المحللين تتهافت عليهم القنوات التلفزية والصحف والمجلات في فرنسا لأنهم يحسنون الضرب على وتر مشاعر وأحاسيس المشاهد والقارئ..
ــ الاعتداء على الهوية الثقافية للمسلمين من خلال نشر مضامين وصور وتمثلات سلبية، والتي تتحول إلى مادة استهلاكية مرجعية لدى الكبار والصغار في المجتمع الفرنسي.
ــ مساهمة الصور السلبية حول المسلمين في انتشار العنصرية وكراهية الأجانب في فرنسا، الشيء الذي يؤثر سلبا على الاندماج الاجتماعي والمهني للجاليات والأقليات المسلمة، وعلى المسار التربوي والتعليمي لأبنائهم.
ــ تجريم المسلمين وإضفاء البعد الإثني على الانحراف والإجرام، وذلك بتفسير ارتفاع الأعمال الإجرامية في المجتمع الفرنسي بأسباب ذات الصلة بالهجرة، وربطها بالوجود الإسلامي المتنامي في فرنسا.
ــ تناقض الخطاب السياسي في فرنسا أثناء التعامل مع قضايا الإسلام والمسلمين، حيث يتعايش الخطاب المعتز بانتشار قيم العدالة وحقوق الإنسان واحترام المواطنة والتنوع الثقافي، مع سياسة الإقصاء والعنصرية في حق المسلمين في فرنسا.
ــ الربط بين الإسلام دينا وحضارة وبين بعض الممارسات المتطرفة والحركات الإسلامية المتشددة، وتناول الإسلام بأبعاده العقدية والشعائرية والاجتماعية بأسلوب درامي اختصاري، وتجاهل التعريف بالقيم والمبادئ والمثل العليا السامية للدين الإسلامي، ودور الحضارة الإسلامية في النهضة الأوروبية.
واستنادا إلى نتائج وخلاصات الدراسة اقترح الباحث التوصيات التالية:
1ــ إعداد دراسة ميدانية حول التأثير السيكولوجي لمضامين الخطاب الإعلامي الفرنسي على انفعالات ومواقف القارئ الفرنسي اتجاه الإسلام والمسلمين.
2ــ إعداد دراسة سوسيولوجية، حول دور الصور النمطية عن الإسلام والمسلمين، في انتشار العنصرية وكراهية الأجانب في فرنسا.
3ــ إعداد دراسة حول صورة الإسلام والمسلمين في الدراسات الاستشراقية.
4ــ خلق قنوات للحوار مع القيادات الفكرية وقادة الرأي والقيادات الإعلامية والسياسية في الدول الغربية، عن طريق مؤسسات المجتمع المدني في العالم الإسلامي النشيطة في مجال الإعلام وحقوق الإنسان للحد من الآثار السلبية لظاهرة (الإسلاموفوبيا) وكشف زيف وعدوانية الصور النمطية حول الإسلام والمسلمين.
5ــ إدراج مادة دراسية حول موضوع الصور النمطية حول الإسلام والمسلمين وسبل مواجهتها ضمن مقررات وبرامج معاهد التدريب الإعلامي، وأقسام الإعلام في جامعات دول العالم الإسلامي.
6ــ تفعيل دور المستشارين الإعلاميين والثقافيين في سفارات الدول الإسلامية المعتمدة في الدول الغربية، بما يمكنهم من المساهمة في تصحيح الصور النمطية حول الإسلام والمسلمين، من خلال تعزيز علاقات التعاون مع الإعلاميين والصحافيين في وسائل الإعلام، في إطار الدبلوماسية الشعبية وتوظيف السياحة الثقافية.
7ــ قيام رجال الأعمال وأثرياء العالم الإسلامي، باستثمار جزء من أموالهم في الصناعة الإعلامية الغربية، وذلك بقصد منافسة اللوبي الصهيوني، والتحكم في الحملات الإعلامية المشوهة للإسلام والمسلمين.
8ــ التنسيق بين المنظمات الإسلامية والعربية، من أجل إنشاء مرصد متخصص في جمع وتحليل المعلومات والأفكار والدراسات التي تتناول الإسلام وحضارته بالتشويه، واقتراح الخطط والاستراتيجيات الكفيلة بمواجهة الحملات الإعلامية الغربية وكشف زيف صورها النمطية حول الإسلام والمسلمين.
9ــ عدم اكتفاء المؤسسات الرسمية وهيئات المجتمع المدني في دول العالم الإسلامي، بالبلاغات وبيانات التنديد ضد الصور النمطية المسيئة للإسلام ورموزه، والشروع عوض ذلك في تصحيح صورة الإسلام من الداخل، وتغيير حال الأمة، والرقي بأوضاعها وتحسين أحوالها على كافة الأصعدة.

Print Friendly, PDF & Email

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى